طبقات الشهداء !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

أن تكون هناك للشعراء طبقات، كتلك التي تحدث عنها ابن سلاّم أو ابن المعتز فهذا أمر مفهوم .. وأن تكون هناك للمجتمع طبقات كتلك التي تحدث عنها ماركس فهذا، هو الآخر، أمر مفهوم. ولسنا في وارد الدخول في تفاصيل طبقات الشعراء، فهذا شأن نقاد الشعر، ولا في تفاصيل الطبقات الاجتماعية، فهذا شأن السوسيولوجيين. ثم أن المقام هنا لمقال آخر.
أما أن تكون للشهداء طبقات فهذا أمر متفرد. لكن ما الغريب اذا كانت هذه البلاد تصر على التفرد، إذ تعتبر نفسها الأولى في أكثر من امتياز. ومما يثير الأسى أن تختلط تجليات هذا التفرد. فبلاد الرافدين هي مصدر الأبجدية. ولكنها، نفسها، المتقدمة في الفقر، وفي الفساد أيضاً. ويبدو أنها أضافت جديداً الى تفردها، فراحت تميز بين شهيد وشهيد، وتضع لهم طبقات ودرجات.
أما الحكومة فلا تبالي لأنها "محاصرة" بالمحاصصات .. وأما البرلمان فقد قضى أربعة أشهر عسيرة منشغلاً في اختيار رئيس له. فكيف له أن يبالي بالشهداء و"طبقاتهم" مادامت طبقاته في نعيم !؟
نحن أمام لوحة من المآسي والمظالم تبدأ دون أن تلوح لها في الأفق نهاية. هل نشير الى أمثلة أولئك المئات من الألوف الذين حصدتهم حروب الطاغية وزنازين التعذيب وضمتهم المقابر الجماعية، وبينهم من لم يعثر أهاليهم عليهم، حيث شناعة ما ارتكبه نظام البعث الفاشي لا تدانيها شناعة في أيما تاريخ ؟ أم نشير الى أمثلة ممن استشهدوا بعد "التحرير" على أيدي الارهابيين والظلاميين ؟ أم نتحدث عن أمثلة المعاناة المريرة لعوائل الشهداء، والعراقيل التي يواجهونها وهم يسعون الى حقوقهم ؟
فالانتماء "الحزبي" يكون، أحياناً، المعيار الأول في اعتبار السجين سياسياً. وفي سياق "التسييس" نجد لدى البعض من الضحايا حقوقاً كاملة، بينما يفتقر بعض آخر الى مثل هذه الحقوق. ولم يسلم من الحرمان والتهميش والمعاناة المريرة، وسط أجواء الفوضى والتمييز، حتى عوائل ضحايا من أحزاب "مقررة" في الحكومة والبرلمان، فكيف بالمساكين الذين لا ناصر لهم ؟
وقد جرى تعويض مدعين أن سبب اعتقالهم سياسي، ليتبين، لاحقاً، أنهم قدموا أوراقاً مشكوكاً في صحتها. وهي ظاهرة ليست غريبة في مجتمعنا طالما أن بعض المرشحين في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة فعلوا الشيء ذاته. ولا يندر أن نجد من يتلقون أكثر من راتب تقاعدي، ربما على مثال رواتب الوظائف الوهمية. غير أن الأكثر ايلاماً وإثارة للسخط أن يتلقى جلادون من أنصار النظام المقبور حقوقهم كاملة، بينما يحرم منها ضحاياهم في عهد العراق "الجديد".
لكن ما الذي تريده عوائل الضحايا ؟ الكرامة قبل كل شيء. غير أن الكرامة ليست كل شيء. فهذه العوائل بحاجة الى راتب تقاعدي وسكن وخدمات أخرى، وهي بعض من حقوق يستحقونها قبل غيرهم. إنهم بحاجة الى قوانين تضمن هذه الحقوق، دونما مرارات وإذلال وتمييز، وبعيداً عن نهج الصدقات والمكرمات التي شاعت ثقافتها في عهد "السيد الرئيس" فسميت باسمه.
ومن المعلوم أن تأسيس مؤسسة الشهداء حظي بترحيب واسع من جانب الملايين من المواطنين الذين يتطلعون الى تطبيق مشروع "العدالة الانتقالية" لضحايا نظام مهندس المقابر الجماعية وضحايا "مابعد التحرير".
غير أن هذه المؤسسة، التي تتلقى دعماً من رئاسة الوزراء، تواجه عراقيل شتى. فالقرارات والقوانين تدخل في دهاليز البيروقراطية المتفشية في وزارات ومؤسسات محتلفة ذات صلة بحق التقاعد، مدعية أن هذا الحق يتعارض مع قوانين التقاعد العامة في قضايا عدة، بينها احتساب الخدمة للفترة الفعلية، وايقاف صرف الرواتب للأبناء الذين بلغت أعمارهم 18 عاماً، وهو ما يحرم معظم ذوي من استشهدوا على يد النظام الدكتاتوري خلال عقود من الزمن. وعلى الرغم من أن مجلس الوزراء عالج الموضوع وأقر الحق بالراتب لمدة عشر سنوات دون الرجوع الى العمر، يشار الى أن أحداً من ذوي الشهداء لم يتسلم راتباً بعد تلقي دائرة التقاعد تعليمات بذلك الخصوص من الدائرة القانونية.
وبينما بادر رئيس الوزراء الى إصدار قرار بتخصيص منح مالية سريعة لأسر شهداء الصحافة، فان قانون حماية الصحفيين، المعروض على مجلس النواب، لم يقر حتى الآن.
ومن بين الأمثلة المحبطة، حقاً، ما ينقل من أنباء تشير الى أن دائرة التقاعد بصدد إصدار عشرات الهويات التقاعدية، بينما العدد المسجل لدى المؤسسة يزيد على 31 ألف شهيد !
* * *
أأنست كراسي النعيم من يستريحون عليها أولئك الذين لولا تضحياتهم لما قيض للمتنعمين الجلوس على هذه الكراسي الوثيرة ؟ أغرَّ البعض أنهم باتوا يكنزون الذهب والفضة حتى أمسوا في شغل عمن فقدوا أحبتهم، بل لا يعرف كثير منهم قبور هؤلاء الأحبة ؟
من ينصف تلك القافلة من حفيدات سمية أم عمار بن ياسر وشقيقات بنت الهدى وعايدة ياسين .. من ينصف تلك القافلة من أحفاد سيد الشهداء وأشقاء سلام عادل ومحمد باقر الصدر ..
من ينصف سيل الدم الغالي ؟

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 28-04-2009     عدد القراء :  2572       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced