دعوهم يُقلّدوا "الدكتور عبد حمود
بقلم : علي حسين
العودة الى صفحة المقالات

نضحك على أنفسنا، يضحكون علينا، نشاهد أحداثا عشناها من قبل، شاركنا في تفاصيلها، انفعلنا بها، سكبنا أنهارا من الحبر حولها، وفجأة تعرض علينا من جديد، فنتعامل معها كأننا نراها للمرة الأولى، ثم نعيد ما فعلناه وندخل في معارك جديدة، وكأن هناك اتفاقا غير معلن بيننا جميعا على أن نشارك في مسرحية نحن جمهورها وممثلوها. ولم تنته بعد المشاهد المثيرة التي قام بإعدادها مجلس محافظة بغداد حتى أعدت لنا جهات حكومية مشهدا مسرحيا جديدا،



ولكن هذه المرة لا يحمل نكهة كوميدية، بل هو مأساة من النوع الذي كان يقدمه المرحوم يوسف وهبي والذي كانت نهايته بقتل جميع الممثلين وخروج الجمهور دامع العيون لاطم الخدود، فقد أكدت وزارة التعليم العالي أن قرار العفو عن الموظفين الذين قدموا شهادات مزورة لغرض تعيينهم "يستنزف سمعة التعليم في العراق"، مؤكدة أن الشريحة المستفيدة من هذا القرار "ستشعر بأنها آمنة من أي عقوبة"، بينما عبرت كتلتا العراقية ودولة القانون عن"تعاطف" في هذا الملف بالإشارة إلى أن "المصالح العليا" فرضت مثل هذا التوجه الحكومي الذي يعالج قضية "آلاف الموظفين" الذين لا يمكن سجنهم جميعا، كما أن بعضهم "اضطروا لتقديم شهادات مزورة".
لا أجد تفسيرا واحدا إلا أن ما يجري عبث من نوع خاص، عبث لا يختلف كثيرا عن عبث تصريحات رئيس مجلس محافظة بغداد والتي أعلن فيها تأسيس اتحاد الأدباء الإسلامي ردا على اتحاد ادباء الجاهلية ، لكن العبث يصبح أكثر مرارة حين نقرأ تصريحات لمسؤولين كبار يرحبون بخطوة الحكومة بالإعفاء عن أصحاب الشهادات المزورة، حيث أكد عضو بارز في دولة القانون قائلا:"نعلم جيدا أن هناك عددا كبيرا من الموظفين الجدد قدموا شهادات دراسية وثبت تزويرها، ونعلم أن عقوبة المزور هي السجن بالإضافة إلى إعادته لجميع المرتبات التي حصل عليها لكن هل سيعاقب هؤلاء جميعا أم تخفف عنهم العقوبة وتأخذ منهم التزامات معينة بأن لا يكرروا التزوير مستقبلا".
فيما قال قيادي في القائمة العراقية:"إن توجه الحكومة نحو العفو عن الموظفين المزورين هو"عملية موازنة"، موضحا أن"العلم مطلوب ولكن قد تكون هناك هفوة من هؤلاء الأشخاص الذين لأجل رزقهم قاموا بالتزوير".
من دواعي الأسف الشديد أن أساليب الممارسة السياسية في العراق أفسدت فئات معينة لم تكن ملوثة فلوثتها عن طريق نشر الرشوة، وشراء الذمم، وتغليب قيم التبعية، والإذلال المعنوي والانصياع لمنطق القوة والإرغام، والتزوير، القانون يحاول أن يردع المزورين، لكن بعض القوى السياسية تشجع المزور لكي يجني ثمار جريمته، و ينجو بغنيمته ليخرج إلى الناس بريئاً منعماً.
اذكر أن العديد من رجال النظام المقبور سعوا إلى الحصول على شهادات عليا ليضيفوها إلى سلسلة الامتيازات التي أباحوها لأنفسهم، فوجدنا سبعاوي الذي لم يكمل الإعدادية يصبح "دكتورا" في العلوم السياسية، والمعجزة حسين كامل يتحول من نائب عريف إلى فريق ركن ويتولى ثلاث وزارات مهمة في آن واحد، فيما تقرر جامعة بغداد أن تمنح القائد الضرورة "دكتوراه" في القانون لجهوده المثمرة في قتل وتشريد ملايين العراقيين، ويحصل النائب الضابط علي حسن المجيد على شهادة عليا من كلية الأركان لمساهمته الفاعلة في استخدام السلاح الكيمياوي ضد أبناء شعبنا الكردي. ولعل أطرف الحكايات هي حكاية الرجل الثاني في النظام "عبد حمود" الذي حصل على شهادة الدكتوراه عن رسالته الموسومة بـ"ستراتيجية النصر في أم المعارك" وطبعا الرسالة لم تذكر نوع النصر، هل هي الهزيمة التي ألحقت بالقوات العراقية أم الشروط المهينة التي وافق عليها صدام لإيقاف الحرب؟
هكذا صار التزوير مقننا، يرعاه القانون حين يغمض عينيه عن أصحابه، واليوم يحاول البعض أن يعيد سيرة عبد حمود وصحبه الميامين، فاخذوا يقلدونهم لا في القصور والامتيازات ونهب المال العام والرشوة وحسب، بل أصبحنا نقرأ ونسمع عن مسؤول كبير في إحدى المحافظات يسعى للحصول على درجة الدكتوراه وهو لم يكمل الإعدادية، فيما يتحول مضمد"برمشة عين"إلى مسؤول بارز في إحدى الوزارات، وإمام جامع وزيرا للثقافة، وأصبح حرف"د"مفتاحا سحريا أشبه بمصباح علاء الدين، الكل يسعى للحصول عليه من اجل أن تفتح في وجهه مغارة علي بابا. فيما الحكومة تترك مقعد المتفرجين لتشارك في هذه المهزلة، فتكافئ المزور وتعاقب البريء.
والأخطر من هذا أن يرفع البعض شعار"دعهم يزوّروا، دعهم يمروا" لترسخ قواعد زواج الفساد بالمنصب الحكومي، ولينال المزورون التكريم والحماية، وليستعد الناس المساكين لظهور سياسي آخر يطالب ليس فقط بإعفائهم وغض النظر عما نهبوه بل مواصلة مشروع استنزاف ثروات الشعب، وتأمين تشريعات تحمي المزورين في المرحلة المقبلة. وإقرار قانون يكفل البقاء للأفسد، والوقوف بصلابة ضد المغرضين من الذين يرفعون شعار المواطنة والكفاءة والنزاهة، لأنها شعارات أثبتت زيفها فهي تريد الالتفاف على صوت الجماهير التي لا تزال تنتظر طلة "عبد حمود جديد



  كتب بتأريخ :  الإثنين 20-12-2010     عدد القراء :  2118       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced