أمقدمة لاستبداد جديد !؟
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

سيبقى الصراع بين القديم والجديد قائماً، فهو صراع أضداد، بين ظلام ونور. ويتوهم من يظن أن هذا الصراع، الاجتماعي في جوهره، آيل الى نهايته.
وهذا الصراع يتجلى، في أيامنا الحالية، من بين مظاهر أخرى، في المعارك التي يشنها القديم، متمثلاً ببعض المتنفذين، وبينهم بعض من حكام بغداد، ضد الجديد، متمثلاً باتحاد الأدباء والكتاب ومعهد الفنون الجميلة وسائر المبدعين والمتضامنين معهم ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية المتنورة والرافضين لفرض الحجاب على النساء ومنع الاختلاط بين أطفال المدارس وحظر الموسيقى والنحت وسوى ذلك من أشكال التحريم.
ومعلوم أن ولادة الجديد في الثقافة تترافق مع المقاومة العنيدة للقديم الذي لا يتمسك بمواقعه حسب، وانما يواصل، أيضاً، هجومه، خصوصاً في المجالات التي يجري فيها الاحساس بعجز الجديد. ويستثمر القديم حقائق مريرة بينها القاعدة الاجتماعية المحدودة للجديد، والاستقرار البالغ للأشكال التقليدية للثقافة، ونقص الاستعداد للسعي الى قيم جديدة. هذا ناهيكم عن قدرة القديم العالية على التمويه والتكيف الاجتماعي والثقافي، يساعده في ذلك خنوع "أغلبية" للثقافة السائدة. ومن الطبيعي أن يجعل هذا الواقع المعقد الصراع بين العناصر القديمة والجديدة في الثقافة أكثر حدة واحتداماً.
وفي الاطار الاجتماعي عموماً، والثقافي على وجه التحديد، نجد مفهومين للثقافة ينفي أحدهما الاخر. الأول، وهو القديم، يقصي، جوهرياً، العنصر الابداعي لأي ادراك للعالم وأي فكر يجسد المكون الأخلاقي الجمالي، ويسعى، عبر ذلك، الى تأبيد الثقافة السائدة لأنها تحمي امتيازات النخبة المهيمنة اجتماعياً والحاكمة سياسياً. أما المفهوم الثاني، الجديد، فينطلق من الحاجة الى التطوير الشامل للمخيلة الابداعية باعتباره الدافع والمحفز للتقدم الاجتماعي الثقافي، ويسعى، عبر ذلك، الى مقاومة الثقافة السائدة، وإشاعة حرية الفكر والابداع، من بين أدوات وسبل أخرى، لخلق ثقافة جديدة وإنسان ذي تفكير ديمقراطي.
وفي سياق الصراع الفكري بين القديم والجديد ليس من دون مبرر أن تستبد الهواجس بمنظمات المجتمع المدني وأنصار حرية الفكر والابداع الذين يواجهون حملة منظمة ضد الحريات، ويدركون مغزى وهدف هذه الحملة التي ستستمر ربما بصيغ أخرى. ويحق للبعض الارتياب بأن القرارات الجائرة والتضييق على الابداع الأدبي والفني، وهو، في الواقع، رأي فردي لبعض الاشخاص في أحزاب دينية يتنافى مع رأي أغلب الفقهاء والمراجع الدينية حسب رأي محللين مختصين، هي قرارات لجس نبض يمكن أن يكون مقدمة لاستبداد جديد، وفرض دولة الفكر الواحد الذي يلغي الرأي الآخر ويقصي المختلف.
ومن نافل القول إن التركيز المقصود من جانب قوى الهجوم على موضوعة الخمر وما يرتبط به "استجابة لمطالب مواطنين"، ويعلم القائمون على الحملة أنه حتى لو لم يوجد مواطنون فمن الممكن توفير بعضهم، إذا تطلب الأمر، على طريقة الرشوة بالبطانيات وسواها مما جرى أيام الانتخابات المشهودة، إن هذا التركيز هدفه التغطية على جوهر المسألة في مسعى لتشويه سمعة القوى التنويرية المدافعة عن الحريات، وأولها حرية التعبير والفكر والابداع. وهذا أسلوب قديم معروف استخدمه سائر المستبدين، وأفظعهم مهندس المقابر الجماعية في حملته "الايمانية" وقوانينه الجائرة، وبينها قانون رقم 82 لسنة 1994 الذي استند اليه مجلس محافظة بغداد في قراراته التعسفية ضد اتحاد الأدباء والكتاب وسواه.
لقد تجاوز مجلس محافظة بغداد الدستور، الذي صوت عليه الملايين من العراقيين، وبينهم البغداديون الذين انتخبوا مجلس المحافظة ومنحوه سلطة المال والقرار، تجاوزه لصالح قرار كان الطاغية قد أصدره، وهو مناقض للدستور الحالي، فأوقع المجلس نفسه في موقف مثير للشفقة، بل والسخرية، عندما ساوى بين محلات سوقية رخيصة ومنظمة مجتمع مدني مرموقة أسسها الجواهري الكبير وظلت وفية لقيمه التنويرية عبر الآلاف من خيرة مبدعي القيم الجمالية.
ألم يكن من الأفضل لمجلس محافظة بغداد أن يوقف حربه المعلنة على "الرذيلة"، وهي حرب على حريات كفلها الدستور، تسعى الى فرض وصاية مقيتة، ليتوجه الى إنجاز المهمات التي منح الملايين أصواتهم له من أجلها، ونعني بذلك المآسي التي يعاني منها ملايين البغداديين المحرومين من أبسط أسباب العيش الكريم، بينما يرفل "محاربو الرذيلة" من أعضاء مجلس محافظة بغداد بنعيم الامتيازات والنوم الرغد ؟
* * *
العقل الذي أصدر القرارات التعسفية ضد مبدعي الأدب وطلاب الفن هو امتداد لعقل الاستبداد، ولكن بصيغ جديدة تكشف عن الكيفية التي يتكيف بها القديم لتسويق نفسه وفرض فكره. ولابد أن يكون الهجوم على الحريات من جانب سدنة الثقافة السائدة في المجتمع، مهما بدا محدوداً، مقدمة لاعادة انتاج الاستبداد لاكراه ملايين المحرومين على طاعة من يحرمهم من أبسط الحقوق والحاجات وإرغامهم على الخنوع وطاعة الحاكم.
ويعلم كل ذي عقل راجح أنه بدون الحرية الحقيقية للناس يصبح كل حديث عن ديمقراطية مجرد وهم يخفي الانحدار نحو ما لا تحمد عقباه.
ستدور معارك طاحنة، وسيخوض أنصار الجديد التحدي غير هيّابين، وموقنين بأن التاريخ سينصفهم، وأنه ما من قوة يمكن أن تكبل الحرية بأغلالها، وتوقف عجلة الحياة الدائرة الى أمام

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 22-12-2010     عدد القراء :  1882       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced