عمو لينين وبطة وحمامة
بقلم : زينب محمد رضا الخفاجي
العودة الى صفحة المقالات

رحل عنا بعيداً .. هكذا بسرعةٍ ... وبدون حتى إنذار ... كان الغموض سيد الموقف بيننا .. أهو حي ..؟  وهل ياترى سكن التراب .. ؟  .. لم يكن يحق لنا أن نسأل عنه أو نذكر أسمه ..!!  فقط كانت عندي ( فرشة شعر ) كنا نسميها ( فرشة عمو سمير)  وهذا هو المسموح الوحيد لذكر أسمه .. كنا نعيش أياماً ليس فيها لأي سؤال جواب ..  !!
توفي أبي .. وأيضاً بسرعةٍ وبدون إنذار.. ما بال هذه العائلة مستعجلةً الرحيل .. أليس لنا حقٌ في وداع .. أمكتوبٌ علينا البكاء والدهشة والفزع من الاختفاء ومن الفجأة  .. !!
سرٌ دفينٌ حقيقةُ موتك .. وحتى اليوم لا أجد له جواب ..  !! سألت الجميع .. وأيضاً لا جواب .. !! كيف ؟.. أين ؟ .. متى .؟ .. لماذا .؟ .. ولأجل من ركبت موجة اللارجعة . ؟  .. وحرمتنا منك حيث لا لقاء.
عماي ( سمير وستار ) أحدهما ركب الموجة والثاني بعيدٌ غائبٌ عن فرحنا والأحزان.. أشفق عليه من وحدتهِ وغربته.. والبكاء بلا صدر يحمل عنه بعضُ ألم ٍ ويمسح من عينيهِ دموعاً تهطلُ كالشلال .. وأيضاً لأجل من هذا
العذاب .؟.. كلاهما محرومةٌ عيني من كحل لقائهما.. وليس هناك غير الذكريات..
أمورٌ كثيرةٌ كنت صغيرةً على فهمها.. اجتماعات.... شعاراتٌ ....لونٌ أحمر..  و حمائمُ بيضاء تسكنُ القلب والورقة والجدران ...
يناديني ( جدي حساني ) هذا الشامخ الصبور الهادي المتبسم دوماً .. ولأنني بُلبُلهُ الفتان .. سألني ؟ ماذا يفعل في الأعلى عمك ستار؟ فأفتح عيني على وسعها ولأنني أكتم سر عمي .. أهمس في أذنه.. كعادتهِ يرسم الحمام.. فيعطيني مكافأتي البلبلية ( قطعة الشوكولاتة .. وابتسامته الندية ) ويقول لجدتي ستجننه تلك الحمائم وسيضيعه من يدينا هذا الطريق.. ولأنني بلبلٌ ينقل كل شيء بقيت قربه حتى أنفض من كلامه.. ثم أخذت أوراقي وألواني .. مشيت ببطء أمامه وأنا أغمض عيني حتى لا يراني.. ووضعت قدمي على أول درجة.. فقال ( ها كَرعة وين ؟ ) فقلت سيعلمني عمي الفنان الرسم.. وسيعجبك حتماً بعدها رسمي .. ثم همست .. لا تخف لن أرسم حماماً وأغضبك .. هل سيرضيك لو رسمت بدلها بطة حمراء.. فيسألني لماذا بطة حمراء .. بطة لأرضيك وحمراء لأرضي عمي ..
صعدت .. وكان يرسم صورة للينين.. فشهقت من هذا ؟ فضحك من تغير ملامح وجهي وقال هذ ( عمو لينين) ..ظلت حدقتاي تدور بسرعة وأصبح رأسي فجأة بالونه .. وكاد ينفجر.. كيف أكون بلبلاً فتاناً ولا علم لي بعمو " لينين " .. يجب أن أجده أولاً لأخبر جدي عنه.. نزلت بسرعة وجلست قرب جدتي وبكل هدوء سألتها
( بيبي وين ضامه أبنج لينين)  فصاحت مستغربة( هذا يُمَّه أمنينْ.. أكيد هاي سوالف عمج ).. ( بعد لترحين يَمَّهْ ) .. ولكن كيف أستسلم وأجلس هكذا دون أن أجده.. هربتُ عائدةً لعمي.. وسألتهُ ( عمو عفية وين خاتل عمو لينين) .. فأشار الى كومة كتب تفترش الأرض وقال هناك؟.. أقتربت من هذه الكتب وبحلقت عيني فلم أجد شيئاً.. ثم تلفت يميناً ويساراً وقربت فمي من الكتب وقلت ..( عمو لينين أنت هنا ).. لم يجبني أحد فسألت عمي مرة أخرى هل لينين زعلان ... فتنهد طويلاً وقال أكيد الوضع لا يعجبه.. فقلت له طبعاً أنت على السرير وهو ينام في الكتب .. أكيد هو زعلان جداً لأنه لم يجبني... فضحك عمي طويلاً وكنت كثيراً ما أضحكه..
ظللت فترة طويلة كلما صعدت إلى الغرفة وحدي أكلم عمو "  لينين  "  ولكنه لا يجيبني .. حتى أني في يوم أخذت له ( نستلة ) حتى يخرج وأخذه لجدي لكنه رفض..
سافر عمي وأخذ معه الأوراق والألوان والحمائم البيضاء وترك لي كومة الكتب وعمو لينين والبطة..ثم تبعه عمي سمير وترك لي ملامح وجه تشبهه كثيراً وصوت جميل كان يغني معه .. حفظت كل أغاني فريد الأطرش التي يحبها.. فقط لأجله لأنني كنت أقول له ( هذا محلو ليش تحبة ).. فيغني لي (ساعة بقرب الحبيب ) فأغني معه وأضحك .. ونغني ونغني  ... ونغني حتى نتعب .. وعندما ننشد الراحة أيضاً نغني..
وفي يوم أخرجت عمتي كل الكتب ووضعتها في السطح وأحرقتها كلها.. لم أكن أعلم لماذا هذا الخوف من الكتب ..ولم تشعل النار فيها .. كنت ما أزال أظن أن عمو"  لينين  " بها وأنه سيحترق قبل أن يراه جدي وآخذ مكافأتي..
اليوم عمي فهمت كل شيء ... ولكن بقى شيء لم أفهمه لماذا قتل عمي سمير.. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
نم قرير العين يا عمو حبيبي ... نم في الجبال حيث لا أستطيع أن أراك .. وسأغني لك أغنية سعاد محمد
( أوعدك وأنت بعيد تفضل حبيبي ...أوعدك دايماً .. فاكراك.. أوعدك ولا يوم حنساك ).
ووعداً مني يا عمي ستار..سٍاعلم أبنتي َرسْمَ الحمامة البيضاء بدون خوف ولا رياء ولن أدعها ترسم يوما نعامة تخفي رأسها وقت الشدة ولا حتى بطةً حمراء.

  كتب بتأريخ :  الخميس 30-12-2010     عدد القراء :  2086       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced