دوائر الحكومة... بين الروتين والرشوة
بقلم : ماجدة الجبوري
العودة الى صفحة المقالات

تقدمت باتجاهي وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة، تحمل في يدها اوراقا قليلة، سألتها بفضول: "ها خو ما مضيّعه جوازج" اجابت وبالابتسامة بنفسها: نعم!.

قلت في نفسي "ماتدرين بالمصيبة التي تنتظرك"، نعم ساقولها بملء فمي: مصيبة ان يفقد جوازك أو يسرق، اما ان يمزق، فتلك اكبر مصيبة!


روتين ليس له أول ولا آخر! نعم مُزق جواز سفري علامة (G)، ومهما كانت الاسباب، حصيلة حاصل مزّق. حملته، وفي داخلي أمل كبير بالحصول على بدل تالف بسهولة. اتجهت الى دائرة الجوازات العامة في الكرادة، ومعي  مستمسكاتي "المبجلات الاربعة"  وفي يدي الأخرى احمل كنزا "هكذا اعتقدت"، هو كتاب من مؤسستي الاعلامية، وهوية مركز الاعلام الوطني.

في البداية سألت "العرضحالجي" عن خطوات التقديم للمعاملة. اجابني: "عيني روحي جيبي كتاب من المحكمة وقدميه للجوازات". اتيت بالكتاب، ودخلت الجوازات، للتأكد من صحة صدوره، وتأكدت الموظفة في الشؤون الخارجية للجوازات من صحة صدوره.

اكو مانع من اخراج جواز جديد؟ والاجابة: نعم والف نعم، فقد اخبروني ان ارجع للمحكمة مرة ثانية، واعمل محضرا مرفقا به جوازي الممزق، موجه الى قاضي تحقيق محكمة الكرادة.

سرت وفق ما ذكر لي، ذهبت الى قاضي التحقيق، وكاتب العدل، وقلم الادعاء، ومن ثم الى قاضي التحقيق، ونائب المدعي، وغرفة دفع الرسومات، واستنساخات اخرى، المهم قضيت أياما عدة في هذه الدوامة، بعدها عرفت انني متهمة، وموقوفة "شفهيا" واحتاج الى كفالة بـ"100" الف دينار لإطلاق سراحي! صراحة أصابتني الدهشة والذهول، أمتهمة انا ياربي، ماذا فعلت؟!





"عسانة ابعفة اذياله"

في اليوم الرابع رافقني احد زملائي بالرغم من عمله المزدحم، جزاه الله خيرا، ليطلق سراحي بالكفالة المذكورة، وسط استغرابه هو ايضا، بالمناسبة ليس هناك موظف أو موظفة ترشدك بالخطوات الكاملة أبدا، كأن تستنسخ وثيقة ما، وتخضع للتفتيش في طابور طويل للدخول الى الدائرة، ومن ثم  تخبرك الموظفة أو الموظف بكل بساطة"عيني روح استنسخلي هاي الاوراق مرة ثانية، وثالثة، وهكذا.

سرد زميلي الذي تعهد بكفالتي، والذي كان يعيش خارج العراق، قصة فقدان جواز سفر احد الشباب  العراقيين في احدى الدول الاوربية، فقد جوازه يوم الخميس، وسفره المقرر يوم الاثنين. ذهب الى البلدية هناك واخبرهم بفقدان جوازه، وأخذ منهم موعدا يوم الاثنين، أي بعد أربعة ايام، واستلم فعلا جوازا جديدا من دون عراقيل، تخيلوا! هناك مثل شعبي تردده امهاتنا يقول "عسانه ابعفة اذياله" يعني (عسى يصير حظنه وبختنه مثله تماما) وهذا شبه مستحيل!.

بين الحين والاخر وعند تنقلي بين غرف المحكمة تطل امامي كلمات مخطوطة مأخوذة من الدستور العراقي الجديد "حرية الانسان وكرامته مصونة حسب المادة 37 أولا"، وفقرة اخرى تقول "لا يجوز حجز وتوقيف أي مواطن الاّ بمذكرة!".

بعد اجراءات الكفالة ومن غرفة الى اخرى، تقرر ارسالها الى دائرة المدعي العام في محكمة جنح الكرادة وفق كتاب يتضمن الاتي: "نرسل لكم النسخة الاولى والثانية من الاوراق التحقيقية الخاصة بالمتهمة "ماجدة سعود" المكفلة/ الموقوفة والمحالة على محكمة جنح الكرادة راجين مطالعتها واحالتها بعد الإفراغ الى المحكمة المذكورة لإجراء محاكمتها وفق المادة 7 من القانون"





بانتظار المرافعة ومحاكمتي

حملت "فايلين في يدي "ايهدّن الحيل" يحتويان على اربع عشرة استمارة موقعة من قضاة ومدعين، ونائب القاضي والقلم، يتوسطهما جوازي المسكين" فيهما:

1- هوية الاحوال المدنية +جواز السفر التالف

2- فتح محضر + إفادة المتهمة + افادة المخبر

3- كفالة 100 الف دينار+ مستمسكات الكفيل

4- محضر ضبط

5- صحة صدور + كتاب صحة صدور+ تقرير الحاسبة

6- طلب الاخبار

7- مطالعات السيد القاضي

وبعد تسليمها الى الشخص الذي يدخل الاوراق الى القاضي، وبتوصية من قاضي معروف - له شكري الكبير- قرر القاضي ان تكون مرافعتي بعد يومين.


جنحة جنائية وسياسية

ذهبت للمحكمة في اليوم المقرر فيه مرافعتي كـ"متهمة"  دخلت على القاضي سألني أولا عن الاسباب التي ادت الى اتلاف جوازي، ثم سألني هل تعرضت للاعتقال او السجن في زمن النظام السابق او الحالي. اجبته بنعم. تجهم وجهه وقال: هذا سوف يعقد المشكلة. اجبته: لماذا سيادة القاضي؟ قال لانك كنت متهمة بجريمة سياسية. اجبته: جريمة ماذا؟ أي منطق، او قانون يقول ذلك؟ هل تطبق قانون النظام السابق عليّ؟ اجابني: هذا القانون الذي نمشي به! ورغم خيبتي ومرارتي لم اجبه لكي لا تتعقد الامور اكثر، ووسط ذهولي وجه لي سؤالا محيرا: هل لديك شاهد؟ اجبته: لا. لم تطلبوا مني ذلك! قال وبشكل قاطع: يجب ان تجلبي شاهدا. طوى اوراقي وأمر بتأجيل المرافعة الى بعد اسبوعين!.

حين خرجت من غرفته سألني احد المحامين في المحكمة ممن يتصيدون المساكين: ها اشصار؟ اجبته بعصبية: ألعن قوانينكم القاتلة هذه. وخرجت!





استنساخ... وغداء!

للامانة أقول هناك مسألتان صادفتاني يجب ذكرهما من "محاسن" موظفي المحكمة، الاولى عند تسجيل رقم الدعوى لدى احدى الموظفات، اجابت: لا استطيع اليوم تعالي غدا. قلت: يسلم عليك القاضي فلان. أجابت بتململ: طيب اريد نقوداً للاستنساخ، فهمت الموضوع دسست لها ورقة فئة عشرة آلاف، اسرع القلم في كتابة رقم دعوتي.

اما الثانية هي انه بعد ادخال أوراقي الى القاضي اخبرني الحاجب، او من يقف في باب القاضي، بالتالي: اذا سألك القاضي هل انت بريئة أم متهمة، اجيبيه بأنك بريئة. ضحكت في داخلي، واجبته: اكو ناس تقتل وتنهب ومن يسألها القاضي اتكول بريئة، آني كلشي ما مسويه!

حين خرجت من المحكمة سمعت احدهم يناديني: ست ماجدة. اجبته باستغراب: نعم. قال بصوت منخفض: ست وين غدانه؟ اعطيته عشرة آلاف، لمعرفتي بان معاملتي سوف تتأخر ان لم اعطِه!

لن اطيل اكثر من هذا، استمرت معاملة استخراجي جواز سفر اكثر من شهرين، واخذت من راحتي النفسية الكثير... الكثير!





من يسرق جوازه يا ويله وسواد ليله!

ثلاث نساء كبيرات، بدا انهن في عقدهن السادس، جلسن متقاربات، احداهن لم تستطع حبس دموعها، والتي بدأت بسرد قصتهن: سرقت جوازات سفرنا مع شقيقنا الرابع، عند زيارتنا الى ايران. المشكلة ان العائلة من الموصل، وعند حدوث مشكلة في الجواز يجب مراجعة مديرية الجوازات العامة في بغداد، هن ايضا سوف يتبعن الخطوات والقوانين التي طبقت عليّ مع زيادة، هي منعهن من السفر مدة سنة الى خمس سنوات!

اما ام محمد فهي الاخرى وزوجها قد سرق منهما جواز سفرهما في تركيا، تقول: منذ ستة اشهر وانا اشتغل بمعاملة الجواز وبدون فائدة. وتضيف: حتى دائرتي ملّت وجزعت من الاجازات المتكررة لاكمال معاملتي!

في النهاية استنتجت ان دوائر الدولة، استطاعت وبكل فخر ان تجعل المواطن يكره الحياة بسبب الروتين والرشوة وفساد الذمم.

  كتب بتأريخ :  الخميس 30-12-2010     عدد القراء :  2184       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced