العلاقات الدولية دراسة تحليلية في الاصول والنشأة والتاريخ والنظريات
بقلم : عرض شميران مروكل
العودة الى صفحة المقالات

عن دار الرواد المزدهرة صدر في بغداد تشرين الاول 2010 حديثا كتاب (العلاقات الدولية ) للدكتور علي عودة العقابي ويعد الاصدار دراسة تحليلية في الاصول والنشأة والتاريخ والنظريات . تناول الكتاب المناهج التقليدية في العلاقات الدولية التي تتضمن المنهج التأريخي ، القانوني ، المنهج الواقعي او منهج التحليل في اطار سياسات القوى والمنهج الذي يركز على فكرة المصالح القومية والمنهج المثالي .


يعد المنهج التأريخي المرحلة الاولى من تطور موضوع العلاقات الدولية كحقل معرفة أكاديمية وهو أكثر المناهج التقليدية شيوعا ويعلق اهمية كبرى على تطور التأريخ الدبلوماسي . اما المنهج القانوني فإنه يعكس العلاقات الوثيقة بين الظروف التأريخية والعلمية وبين اسلوب تطور دراسة العلاقات الدولية في حين المنهج الواقعي يعد نفسه اكثر النظريات اتصالا بالواقع الدولي والمعبر عن تعقيداته اما المنهج الذي يركز على فكرة المصلحة القومية فانه يسعى الى تحقيق تلك المصلحة القومية للدول وهو الهدف النهائي والمستمر لسياساتها الخارجية وبمعنى ادق ان المصلحة القومية هي محور الارتكاز او يمكن القول انها القوة الرئيسة المحركة للسياسات الخارجية لأي دولة من الدول في حين المنهج المثالي يعتمد بالاساس على جملة من المبادئ والقيم والمثل التي يعتنقها دعاة هذا المنهج وان النظام الدولي الذي يتصوره هذا المنهج قائم على حكم القانون والخضوع لسلطة التنظيم الدولي في كل ما يتعلق بشؤون المجتمع الدولي .
كما تناول الكتاب المناهج المعاصرة في دراسة العلاقات الدولية وتطرق الى المنهج القائم على تحليل النظام السياسي الدولي ومكوناته الفرعية والمنهج القائم على اساس التوازن والمنهج القائم على اساس نظرية اتخاذ القرارات السياسية الخارجية والمنهج القائم على اساس المباريات ، هذه المناهج تقوم على اساس استخدام علم النفس الاجتماعي وعلم النفس السياسي والانثروبولوجيا الاجتماعية ومن بين الوسائل المستخدمة في هذا النوع من التحليل هو دراسة الشخصية القومية واستقصاء الرأي العام ازاء مواقف خارجية معينة ودراسة نفسية الجماهير في الازمات الدولية والتعرف على تصوراتها وتوقعاتها ومطابقة ذلك بالنتائج الفعلية التي تنتهي اليها هذه الازمات ، كذلك تحليل الاثار التي تتركها الدعاية على اتجاهات الدول وعلاقات بعضها مع بعض.
كما تضمن الكتاب التعريف بمعنى العلاقات الدولية . ان العلاقات الدولية وماهيتها ليس مسألة سهلة كما يتصورها البعض بل هي في غاية الصعوبة والتعقيد وعلى الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة منذ عام 1648 عندما انبثق نظام الدول القومية الحديث الى حيز الواقع اثر التوقيع على معاهدة ( وستفاليا) الشهيرة وحتى يومنا هذا ، يصعب على الدارسين والباحثين اعطاء تعريف جامع شامل للعلاقات السياسية الدولية .
ان العلاقات السياسية الدولية كما يقول ( جيمس دروتي) هي التي تتناول ( علاقات الدول والشعوب فيما بينها ) .
كما تناول الكاتب مدارس العلاقات السياسية الدولية التي تستدعي الوقوف عندها بجدية اكبر وتم عرض وجهات نظر مدارس عديدة راجت افكارها في العالم ومن اهم هذه المدارس ، الماركسية ، الانكلوساكسونية والفرنسية ، فالمذهب الماركسي يتلخص في كون ( ان التاريخ البشري منذ البدء الى الان هو تاريخ صراع الطبقات وان العامل المادي المحدد لذلك هو اسلوب الانتاج ) انطلاقا من هذا الفهم الماركسي يمكننا القول بأن العلاقات الدولية هي علاقات تستند على الصراع الطبقي المحرك للتاريخ .
اما المدرسة الانكلوساكسونية فقد انتظمت في ثلاثة اتجاهات اساسية هي الواقعية الكلاسيكية والطرح العلمي واخيرا الطرح الوظيفي والنظامي .
اما المدرسة الفرنسية وعلى الرغم من حداثتها فانها اعطت اهمية دراسة نظرية شاملة ومفسرة للظاهرة الدولية بسياقاتها المختلفة.
ومن خلال هذا الاستعراض يرى الكاتب ان المدرسة الماركسية هي التي كانت صائبة وسليمة في هذا المنحى وذلك لعدة اسباب تكمن في ان الماركسية نظرت الى هذا الموضوع انطلاقا من الصراع الطبقي المحرك للتاريخ وانطلاقا من الثورات الاجتماعية التي تساهم ايضا في تحديد مسار العلاقات السياسية الدولية .
كما اشار الكاتب في كتابه ( العلاقات الدولية ) الى نشأة العلاقات السياسية الدولية وتطورها ، حيث تناولها في العصور القديمة والعصور الوسطى والعلاقات الدولية في عصر الاسلام .
وركز فيما يخص العلاقات السياسية الدولية في عصر الاسلام على الاسلام كونه دين سلام وحرية واخاء ومساواة لهذا نادى الاسلام بالفكرة الدولية والاساس الذي يقوم عليه القانون الدولي وهناك من يرى في الاسلام نفس ما تعنيه الحياة الديمقراطية والمساواة بين الامم الصغيرة والكبيرة وحرية كل منها في ابداء رأيها في كل مسألة تعرض على الهيئات الدولية وسعي الدول المشترك لتحقيق التعاون والاخاء توطيدا للسلم ودفعا للحرب .
ومنهم من قال ان العلاقات تقوم على السلام وان الاسلام اخذ باستخدام وسائل الاقناع وليس الاكراه ويشير الكاتب انه بهذا الصدد هو بجانب الرأي الثاني لان الاسلام لا يجيز قتل الانسان لمجرد انه لا يدين بدين الاسلام .
وفي ميدان العلاقات الدولية في العصور الحديثة والمعاصرة يشير الى العلاقات السياسية الدولية حتى الحرب العالمية الاولى التي بدأت مع بداية انهيار نظام الاقطاع واقتراب العصور الوسطى في اوربا من نهايتها وبداية ظهور الدول القومية الحديثة التي تميزت بالاستقلال في مباشرة سلطتها على اقليمها وعلى السكان المستقرين في نطاق الاقليم .
ويشير الكاتب الى ان النظام الدولي الذي تأسس على قواعد معاهدة ( وستفاليا ) لم يقم على اساس العودة الى الدول العالمية بل جعل ( العلاقات الدولية محصورة في تلك العلاقات التي تنشأ بين الدول القومية ذات السيادة بحيث لا تشمل اي نوع من الهيئات او الجماعات التي لا تتوافر لها مقومات الدولة وخصائصها مهما كان دورها في المجتمع الدولي ) اي ان الدول وحدها هي التي تشكل العناصر الفعالة الدولية وهي الاطراف الوحيدة التي تنشأ بينها العلاقات الدولية التي اصبحت بناء على ذلك مرادفة للعلاقات بين الدول .
ويشيرالكاتب في مجرى الحديث الى مبدأ توازن القوى الذي اقر في مؤتمر ( فيينا ) في 13 / 9 / 1814 حتى حزيران 1815 حيث ان هذا المؤتمر يعد مرحلة جديدة في تطور العلاقات السياسية الدولية وسجل تطورا نوعيا في قراراته التي انعكست بمجملها في اقرار توازن دولي جديد يأخذ على عاتقه مهمة الامن والاستقرار في اوربا الا ان المتأمل في دراسة تاريخ العلاقات السياسية الدولية منذ منتصف القرن التاسع عشر يستطيع ان يدرك ان وقوع الصدام المسلح بين الدول الكبرى كان امرا حتميا وبسبب الرغبة التي ابدتها الدول الاوربية في الحصول على المزيد من الثروات عن طريق تأمين الاسواق الخارجية للفائض من نتاجها كان السبب في تنافسها على المستعمرات وعلى الطرق المؤدية اليها ، هذا ما دفع بكل دولة من الدول الاوربية الى تعزيز قدراتها القتالية وهذا بدوره ساعد على انقسام الدولة الاوربية الى معسكرين كبيرين ودفع باوربا والعالم الى اتون حرب وصفت بالعالمية والتي كانت سببا ايضا في قيام اول ثورة اشتراكية في العالم والتي منذ الايام الاولى للثورة والسلطة السوفييتية كانت قد فضحت واعلنت لجميع الشعوب الوثائق السرية والمعاهدات المؤقتة وبهذه الخطوات اكدت الحكومة السوفييتية رفضها القاطع للدبلوماسية السرية وجرأتها في فضح جوهر الخطط الامبريالية امام اعين الشعوب . لقد قامت الثورة الاشتراكية بفتح صفحة جديدة في تأريخ العلاقات السياسية الدولية .
وتضمن الكتاب التعريف بالحرب الباردة ودوافعها والجوانب العملية في سياسة الحرب الباردة والعلاقات السياسية الدولية في ظل الوفاق الدولي مثل قبول الولايات المتحدة الامريكية بتقسيم المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وبالسيطرة السوفييتية الواضحة على اوربا الشرقية واقامة الخط الساخن او الخط الاحمر الذي انشئ في عام 1963 والذي استطاع ان يربط البيت الابيض بالكرملين حيث حدث تغير جوهري في سياسة جميع الاطراف واصبح لها اهتمامات عميقة متبادلة بسلام عادل في منع سباق التسلح عبر السياسة الجديدة ( التعايش السلمي ) ، اذن ما هو التعايش السلمي وما هو جوهره ؟؟
وفي العودة الى المصادر الماركسية ـ اللينينية نرى ان من وضع هذا المبدأ هو فلاديمير ايليج اوليانوف ( لينين ) الذي اشار الى امكانية ( انتصار الثورة البروليتارية في بلد واحد او عدة بلدان) وهذا الانتصار يمر حتما بمرحلة التعايش بين الدول الاشتراكية الجديدة والدول الراسمالية القديمة .
اللينينية ،عدت التعايش السلمي شكلاً من اشكال الصراع الطبقي ولكن بالطرق السلمية وليس الصيغة المسلحة ، ومن هذا الفهم تبنت السياسة السوفييتية هذا المبدأ ليكون نقلة نوعية جديدة في ارساء علاقات سياسية دولية جديدة ترفض استخدام العنف والقوة والتهديد بها . واعتمادا على هذا الفهم لمبدأ التعايش السلمي جرى انتهاج سياسة الوفاق الدولي الذي هو درجة خاصة من الاستعداد لحل النزاعات والمشاكل الدولية بالوسائل السلمية وليس العنفية والتي بدأ الجانب العملي منها منذ عام 1969، وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهت هذه السياسة فان هناك عوامل دافعة لتقدم هذه المرحلة والتي كانت تضغط باتجاه المبادئ التي تدعو للتعايش السلمي وابعاد شبح الحرب وحل النزاعات بالطرق السلمية .
ان استمرار سياسة الوفاق الدولي دفع بالقوى اليمينية المتطرفة لتقوم بحملة واسعة النطاق ضد هذه السياسة لانها لم تحقق مصالحها الانانية اضافة الى كونها معادية للديمقراطية وحركات التحرر في العالم .
وهكذا بدأت عام 1980 مرحلة جديدة اتسمت بالتوتر في العلاقات الدولية واطلق عليها بالحرب الباردة في مرحلتها الثانية . وقد تميز عقد الثمانينات ببعض المظاهر التي ساعدت على استئناف سياسة الحرب الباردة منها تدخل الاتحاد السوفييتي في افغانستان ومجئ ريغان الى الحكم الذي عرف عنه التعصب الشديد للنهج الامريكي وتقاربه مع العالم الغربي المعادي للاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية وكذلك الاوضاع الداخلية الصعبة لدول اوروبا الشرقية وتصعيد الحملة المعادية ضد الاتحاد السوفييتي وحركات التحرر في العالم والتطورات التي حصلت على مستوى الحزب الشيوعي السوفييتي التي دفعت لوصول غورباتشوف الى دفة السلطة السوفييتية وتبنيه لسياسة البيرسترويكا التي رأى البعض انها خروج عن الاشتراكية والبعض الاخر رأى فيها تجديدا للاشتراكية وكانت نتائجها طَبَقَا من ذهب قدم مجانا للرأسمالية والامبريالية لذلك كانت صدمة مفاجئة وقد افرزت سياسة اعادة البناء من البداية تساؤلا مركزيا هل انها ثورة في اطار الاشتراكية ام ثورة مضادة للاشتراكية؟؟
وقدم الكاتب عرضا للمتغيرات الدولية الجديدة وانعكاساتها على العلاقات السياسية الدولية ، تضمنت انهيار المنظومة الاشتراكية و الاتحاد السوفييتي واختلال توازن القوى وهيمنة القطب الامريكي في العلاقات السياسية الدولية اضافة الى النظام العالمي الجديد وانعكاساته على العلاقات السياسية الدولية كما احتوى الكتاب على دراسة تحليلية في النظريات السياسية الدولية ، نظرية القوة ونظرية توازن القوى والامن الجماعي في العلاقات الدولية والنظريات الاستراتيجية المعاصرة في العلاقات الدولية وظاهرة الصراع الدولي والعلاقات الدولية ونظريات حل الصراع الدولي واخيرا النظريات السياسية في الظاهرة الاستعمارية .
وبهذا الصدد اشار المؤلف الى ان ( لينيين ) سبق الكثير من المنظرين في تفسير الظاهرة الاستعمارية وكان اكثر المنظرين للامبريالية شهرة في عصرنا الحالي حيث استطاع ان يدرس الرأسمالية الاحتكارية ودورها في الامبريالية ولقد تمركزت نظريته في تفسير الظاهرة الاستعمارية على القانون العام والاساسي للرأسمالية وهو القانون الذي يقود الى التركيز المستمر في ملكية وسائل الانتاج وملكية رؤوس الاموال في اقل عدد من الايدي ويرى لينيين ان الثورة الاجتماعية هي علاج النظام الرأسمالي والتحضير لها لايمكن ان يتم الا من خلال حزب منظم ومعبأ من الثوريين المحترفين ويعد طليعة للبروليتاريا. وفي كتابه (ما العمل) يشير لينيين الى ان هذا الحزب يجب ان يكون (مركزيا مستندا الى المركزية الديمقراطية) و(الحزب الشيوعي هو طليعة البروليتاريا وهو اكثر الفئات وعيا طبقيا ويكرس نفسه لخدمة البروليتاريا).
الكاتب في سطور
الدكتور علي عودة العقابي من مواليد الحي ـ واسط عام 1952، قارع النظام الدكتاتوري لسنوات عديدة عاشها مناضلا ومقاتلا في جبال كردستان ومسافرا في المنافي .. قاتل بالسلاح والقلم ..
حصل على شهادة البكلوريوس والماجستير من جامعة كييف الدولية والدكتوراه في العلوم السياسية من اكاديمية العلوم الروسية . عمل استاذا جامعيا في الجامعات العربية والعراقية، اشرف على العديد من رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه وقدم خلال مسيرته العلمية الكثير من البحوث وحصل خلالها على 19 شهادة تقديرية .
شارك في العديد من المؤتمرات الوطنية والدولية اضافة الى ترؤسه وفد القوى الوطنية والاسلامية العراقية الى فرنسا بدعوة من الحكومة الفرنسية كما شارك بوفود عمل خارج العراق الى فرنسا والصين وروسيا وعمل مستشارا في ديوان وزارة الخارجية مديرا لقسم المعاهدات الدولية ومديرا لقسم جنوب اوروبا

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 05-01-2011     عدد القراء :  28581       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced