رهان على حصان أعرج !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

ربما لم يعد من غرائب الأمور في بلاد العجائب أن تصر الحكومة الجديدة، التي ولدت بعد مخاض عسير، على أن تكمل سنة على انتخاب البرلمان قبل أن تكمل تشكيلتها لتتفرد عن سواها من حكومات العالم، ذلك أن المتنفذين المسؤولين عن تشكيلها لا يبالون إلا بترسيخ نهج محاصصاتهم أياً كان الثمن وأياً كانت العاقبة.
ووسط أجواء تفاقم الأزمات وتعاظم معاناة الملايين واستمرار مناخ الشعور باليأس الذي تكرسه هذه البداية المحبطة، تحتدم معارك الامتيازات.
ففي إحدى الجبهات تجري المعركة حول مجلس السياسات، الذي كان تشكيله أسطع دليل على التشبث بمنهجية المحاصصات. ومن غير المتوقع أن يضم عقولاً علمية متخصصة لرسم السياسات، بل سيخضع، هو الآخر، الى المنهجية المقيتة ذاتها، فيتحول، بالتالي، الى مركز قوة في سياق ازدواجية السلطة.
ومن المؤكد أن ترسيخ نهج المحاصصات، الذي يدينه الجميع بينما يتمسكون به في تجسيد لازدواجية الشخصية السياسية العراقية، لن يكتمل إلا بسيادة "الفحول" في الحكومة، ومحاصرة المرأة في وزارة دولة أو عدد من وزارات يتيمة غيابها أفضل من وجودها، ذلك أنها لن تكون أكثر من ديكور مضلِّل، ووسيلة تبرير بيد سدنة الفكر السائد.
ومن الجلي أن رسم السياسة في البلاد يفتقر الى الشفافية ويتمسك بالآليات القديمة وينطوي على التشكيك بالخصوم السياسيين. وبسبب غياب القانون لا يعدو "الانفتاح الديمقراطي" كونه انفلاتاً وسط غياب لمؤسسات الدولة من ناحية وهيمنة المتنفذين من ناحية ثانية.
وإذا كان من الواقعية إقرار حقيقة أن مبدأ التوافق السياسي ضروري لمجتمع يتسم بالتعددية السياسية، فانه من الخطأ الفادح أن يجري تطويع هذا التوافق وتفسيره على نحو يحول الاستحقاق الانتخابي الى استحقاق طائفي وإثني.
وفي سياق تحالف زيف الوعود وغياب المصداقية، تنشأ مناخات مثالية لمتصدرات ومتصدري المجالس من أهل الصخب النصّابين، نهازي الفرص الفائزين بالمغانم في كل الأزمنة، الكانزين الذهب والفضة، البارعين في التلون كحرباء، والضاحكين على ذقون المساكين، والساعين الى تأبيد الراهن، حامي امتيازاتهم.
والحق أن هذه النماذج المشوهة من البشر، المتهالكة على المال والأضواء، ليست نتاج "التحرير" والمحاصصات حسب. فقد بدأ هذا النبت الشيطاني بالانتشار منذ عهد مهندس المقابر الجماعية الذي كانت حروبه واستبداده تربة خصبة لنمو التشوهات الأخلاقية والسايكولوجية. غير أن "المحررين" و"المقررين" برعوا في ابتكار صيغ جديدة لثقافة الفكر الواحد وامتلاك الحقيقة المطلقة وشراء الذمم والأصوات وإشاعة ثقافة الابتذال والانحطاط. فوفر هذا، من بين عواقب وخيمة أخرى، لأيتام النظام المقبور فرص تغيير جلدتهم وارتداء لباس "الوطنية" و"الدين"، بينما راح أولئك الذي جاءوا على دبابات "التحرير" واشتغلوا خدما للمحتل يحتلون الساحات والواحات ليرفلوا بنعيم العراق "الجديد" بينما يتلظى الملايين بجحيم العراق "الجديد". وبين أولئك وهؤلاء يحاصر مرتعبون من الفن وثمار الابداع الجمالي وحرية التعبير والرأي الآخر والسفور وأصوات النساء وكل جديد في الحياة، يحاصرون الحريات الشخصية في مسعىً لاشاعة الظلام في بلاد النور.
أما منهجية المحاصصات، التي جاءت بها "محررتنا" واشنطن، فهي أم البلايا، ومن رحمها ولدت مصائب هذا البلد "الأمين" منذ وطأت أرضه أقدام الغزاة. فقد فضح "النموذج"، الذي أراده سادة البيت الأبيض لـ "شرق أوسط جديد"، تخبط وغطرسة هؤلاء السادة الذين نشروا المآسي في كل زاوية من بلاد الرافدين فاستكملوا مسيرة خراب بدأها طاغيتها حتى يجني ملايين المحرومين "ثمار" ما جاءت به زعيمة العالم الحر ! فيا لخزي من راهنوا عليها، لنصل الى واقع مروع تتجلى إحدى صور مآسيه التي لا تنتهي في حقيقة أنه بعد ثماني سنوات من "التحرير" يعيش أكثر من نصف مليون على القمامة في "كعبة المجد والخلود" !
* * *
مادامت هذه الحكومة متشبثة بمنهجية المحاصصات، وأسيرة بل وضحية لها، فان المراهنة عليها تبدو مثل مراهنة على حصان خاسر، ببساطة لأنه حصان أعرج !
وفي بلاد تعصف بها رياح "التحرير" والمحاصصات ما من مخرج من نفق الأزمات المستعصية الا بتصعيد الكفاح السلمي في سائر الميادين.
فبدون استثمار السخط وتحويله الى حركة احتجاج تتسم بالوعي والنضج والفاعلية والقدرة على التأثير والتغيير لا يمكن دفع حكومة المحاصصات الى الخروج من حالة الشلل المتأصلة فيها، ولا يمكن إرغامها على التخلي عن عواقب نهجها أو تقليصها في الأقل، وبالتالي إنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط ركام الأزمات الخانقة والمعاناة المريرة.
وينبغي أن لا تلفنا دوامة العمل اليومي واللهاث وراء الأحداث. لابد من عمل مديد وسط الناس بعيداً عن الاستعجال في قطف ثمار لم تنضج بعد، فلكل قطاف موسمه. وعندئذ يمكن أن نتلمس النتائج الايجابية للتراكم الكفاحي، وهي تتجلى ساطعة اذا ما اقترنت بادارة حكيمة للصراع تعكس فهم الواقع ووضوح الرؤية وصواب المنهجية وفاعلية الأساليب.
بوسعنا أن نثق أن تحالف المتنورين، مثقفين وسياسيين هو المحفز الملهم والسبيل المفضي الى آفاق تتطلع اليها أبصار المكافحين المفعمين بالتحدي والأمل .. وفي كل يوم غد جديد !

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 18-01-2011     عدد القراء :  2080       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced