عودة الى النوستالجيا
بقلم : غني البيضاني
العودة الى صفحة المقالات

( لندع روما في نهر التيبر تذوب ).
هذا ماقاله مارك انطوني من اجل ان يموت مع معشوقته كيلوباترا..
لكن هنا، في هذا المكان المفعم بالغموض، لايوجد اثر لروما، ولا الى نسمات عشق كيلوباترا السابعة، هنا ايها السادة، ليس اكثر من ارواح تئن وتنتحب، ثم تنهض وتتحدى، في مسرحية مضحكة، مضحكة جدا.. جدا بقدر مافيها من احلام ومآسي، وجدا بقدر مافيها من جنون وخديعة، ومافيها من انتظار ينهش العقل والجسد.
هذه المسرحية بطلها مجهول، وافقها مجهول، وشيطانها مجهول، انها الشفرة التي لايستطيع احد فكّ المغاليق فيها.
فلما توارى الشفق وراء الاعالي، وكلٌ انصاع لوهنه، دبتْ فجأة في الارواح قشعريرة، وتسربتْ الى الذاكرة ضجة الليالي المزدحمة، والعشق الملائكي، ذلك الذي كان ازليا ومطلقا في لحظة اطلالته الاولى.
تلك هي رجفة الاحساس باقتراب الموت، وذلك هو الغياب الاخير، اما الذي حصل فنحن مازلنا احياء، وكيلوباترا ماتت، وروما اثر بعد عين.
الوطن كلمة فضفاضة، جغرافية ضائعة، وناس غابت عنهم ملامحهم وامتزجت في الغبار، فكان ذلك الحوض المسوّر بالقمم هو الوطن الذي نعشقه، الوطن الذي نُدفن فيه دون ان نترك كوة لدخول الشمس.
من تلك البقعة التي تثير العجب في نفوس الذين يتأملونها، يتدفق الجمال كما يتدفق الفرح في وجه عاشقة، في ذلك المكان ينهمر ضوء الخريف الجميل وعتمته القاتمة في آن معا.
بساتين على السفوح، اشجار خضراء واغصان طرية تبتسم للنسيم، ينابيع تفيض صفاءا، طيور تحلم، وشباب مقاتلون يشهرون الحب سلاحا.
لكن القدر ليس واحد في اي مكان، فاغتاض من هذه البهجة التي تملأ الوادي وقرر قتلها، فارسل اليها طيرا ابابيل ترميهم بالقنابل المسيلة للدموع، وقنابل خاصة تحرق العيون، وقنابل اخرى تعمي العيون.
المشهد اتراجيديا، لكنه ليس على خشبة المسرح، لم نشاهده على شاشات التلفزيون مثلما شاهدنا يوم الحادي عشر من سبتمبر، وليس تسونامي مخيف، ولم نقرا عنه في كتب التاريخ كما لو انه اطلال باقية لهيروشيما.
الذي حدث بسيط للغاية، طائرات مقاتلة تحوم فوق الوادي، هديرها يثير الضحك والسخرية، قذفت بشحنة التموين وهربت، ولاننا جياع فقد تسممنا من التخمة وبدات السموم بتمزيق اجسادنا.
المشهد كان هنا، على هذه الصخور، وتحت شلالات متين، على حافة الزاب، وفي هذه الاحشاء التي بدات تنزف قيحا.
تقاطرت الصور، تسللت الى الهياكل المحطمة، والى الاذهان العنيدة التي مازالت تابى الاستسلام، ولكن كل شئ بات دون ملامح واضحة، وكنا نبحث عن البخور لتعطير جنائزنا.
والذنب الذي ارتكباه هو اننا نحلم بسماء مضاءة بالنجوم، وفضاء روحي لانسان عراقي تعب من تناسل الحروب، حروب تموت وحروب تولد بسرعة، حروب تحرق السماء وحروب تدفن الحياة، وكل هذه الحروب مرت على اجسادنا ونحن نيام، اطاحت باحلامنا من شدة اهوالها وقسوة ادواتها.
اشحتُ بوجهي وكنت ابحث عن بعض الوجوه التي غابت عني في زحمة الصراع من اجل تحديد المصائر، فابصرتُ رجلا، ادهشني هدوءه، وحيرتني دموعه، ولاادري ان كان يبكي على الجرحى والشهداء ام انها دموع القنابل، ولكني متاكد بانها اختلطت مع بعضها.
هذا الرجل العملاق المولود تحت هذه الظلال الداكنة، تسلق الحافات الحادة من اجل ان تنام القوش بهدوء ومن اجل عراق لايصل اليه النحيب، انه المناضل توما توماس.

  كتب بتأريخ :  الخميس 20-01-2011     عدد القراء :  1930       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced