مع حشود السائرين الى زيارة الأربعين
بقلم : فيحاء السامرائي
العودة الى صفحة المقالات

(رسالة من صديق)

صديقتي البعيدة
تحياتي

أكتب اليك وأنا جالس في خيمة بمنتصف الطريق الى الحلة، للوصول لمدينة كربلاء، ضمن حشود السائرين الى زيارة أربعين الحسين، حيث مشيت لحد الان خمسين كيلومتراً ولم تتورم قدماي، لانني أرتدي حذاءً رياضياً جيداً (من صنع الكفار)، ولأنني أيضا، انتهيت للتو من جلسة تدليك ومساج للقدمين (ريفلكسولوجي)، وهي متوفرة في كل محطة استراحة، مجاناً وبعدالة لكل الزوار، كما وانني أتيت قبل قليل على صحن (رز وقيمة)، و(حلّيت) بعده بموزة وقنينتي عصير، وختمت كل ذلك الرفاه بقارورة مياه معدنية، دون أن يطالبني أحد بثمن ذلك الطعام والشراب اللذيذين، بل يقدم من يقدمون لنا حاجاتنا برضا، وهم ممتنون، (راجعي ما تكتبيه في رسائلك اذن، عن حالة فقر النفوس وشحة الطعام في العراق، وحتى عن النظافة، لانني سأستحم في المحطة الآتية، وجهزّني الساهرون على المواكب بمنشفة وملابس داخلية قبل قليل)...أما عن الأمان فلا تخشي شيئاً، كل قوات الأمن والشرطة مستنفرة لخدمة الزائرين السائرين، وغدت مهمتها الوطنية الاولى، حماية المواكب والسهر على راحتها، حتى فكروا بتوسيع وتحديد شعارها، وجعله (الشرطة في خدمة الزوار من الشعب)...ولايمكنني وصف الخدمات الصحية التي نراها في كل استراحة، أو سيارات الاسعاف والكوادر الصحية، التي تركت خدمة المرضى والمراجعين من بقية الشعب، في سبيل مراعاة الزائرين السائرين، ولاخدمات ترتجي وزارة النفط بها ثواباً، فتوزع النفط الأبيض والغاز السائل على المواكب والطباخين، ولتوفير الطاقة لمولّدات مصاحبة للمواكب، وتتبعها خدمات وزارة الكهرباء، التي تقوم  بتجهيز الطاقة الكهربائية للمدينة المقدسة، فتشع دوماً بالأنوار، ولا ينقطع الكهرباء عن ما يحمله الزوار والمواكب من (نشرات) ضوئية ومستلزمات التشابيه والمكبرات الصوتية، ( وحصوة في عين) الذي يشكو من انقطاع الكهرباء في بقية المدن...
سأتصل بكِ قريباً ونتكلم على راحتنا، لأني حصلت على بطاقات موبايل ، بلغت لحد اللحظة، خمس بطاقات، وزّعوها علينا مجاناً...ربما أسمعك تسألين، وماذا عن التراب والعجاج؟...لا تخشي شيئاً، كل الصعاب ذللّها من أشرف على تنظيم تلك المواكب، نحن نسير على الطرق المعبّدة، وسيارات النقل العام والمسافرين تسلك الطرق الفرعية الترابية، لا يهمنا أمرهم...نحن الزوار أهم من الناس الآخرين.
تقولين وعملك؟ لا أحد يا صديقتي موجود في الدوائر الرسمية، لأن اليوم عطلة رسمية، وحتى قبل أسبوع، وبعد أسبوع أيضاَ لايوجد دواماً في أغلب الدوائر والمدارس، اهتمام الكل منصبّ اليوم على الزيارة الأربعينية، أي انتاج وأي خدمات! هراء كلها إزاء الثواب...
علمت من رسالتك الأخيرة بأن حمّى ما عندنا هنا، وصلتكم الى هناك، وصار بعض الناس من أبناء وبنات الجاليات في أوربا، يضربون ظهورهم بالسلاسل، ويتطبرون في قاعات مغلقة، ويقومون بالتشابيه وطبخ القيمة والهريسة، وحتى يلطمون في (هايد بارك كورنر)، وأنا من كنت أظن بأن الكفار يمنعون من يقيم مثل تلك الشعائر على أرضه، وكنت أظن أيضاً أن رؤية من هم في الخارج مختلفة، لجوهر الدين الاسلامي، تكون باعتقادي، أعمق وأشمل وأجدى من كل تلك الشعائر الحزينة والمنفسّة عن حزن، وأن بإمكان هؤلاء، إعلاء كلمة دينهم بين الأجانب، بعلمهم وسيرهم السبّاق والمطرد في دروب التحصيل العلمي والتفوق، ولكن هيهات، كنت مخطئاً...
أكتب اليك الآن والكل يعتقد بأني أكتب قصيدة بالمناسبة، يسلّمون عليّ باحترام ويمضون، قلّة منهم يُجيد القراءة والكتابة، وحتى من تعلّم، نسي أن يقرأ كتاباً منذ أيام الدراسة...يحْيون تلك المناسبات مع الآخرين، بحكم العادة والوجاهة الاجتماعية والقبول وسط الجماعة، أو حتى النفاق...مرّ الآن من أمامي بعض من الأصدقاء والمعارف، محسوبين على اليسار واليسارية...ولا تستغربي لو علمتِ بأن هناك موكباً للصم والبكم، يحرّكون فيه أيديهم، ويتأتؤون بشعارات غير مفهومة (آتاآتا...او...اين)، لكنها بالتأكيد طافحة بمعان وبحماسة وحب لأهل البيت...وتباهى أحد مسئولي المواكب  قبل قليل بفخر لايضاهى، بأن حشود الزائرين من محافظات البلد ومن الدول العربية والإسلامية يتوقع أن تبلغ اليوم ما يقارب 15 مليون زائر وسائر...
ستقولين، أنت َ آخر من كنتُ أتصوره ضمن تلك الحشود المليونية...لا تظلميني، لست من محبّي القيمة والتمن، ولا من شاربي الشاي الصيني، الذي وزعّه الموكب الصيني، ولا من يبحث عن ساعة راحة مع نساء، بعضهن حضر لتلك المناسبة، لأغراض أخرى غير الثواب وحب الحسين، ولا من يؤمن بأن الأجر والثواب يحصل بالمشي على القدمين وتعطيل العمل والدراسة، وإشغال أمن الدولة أو وحداتها الصحية، بل جئت لأرى: من هؤلاء الناس؟ كيف يفكرون؟ وبماذا؟ هل يمكن أن أجد أستجابة من أحد وأناقشه بهدوء عن جدوى كل ذلك؟ وهل يساعدني أحد في زرع شتلات صغيرة  وبذورجلبتها معي، أغرسها أو أرميها على جانبي الطريق أو عند نقاط التفتيش، ليخضرّ البلد؟ هل يمكنني زرع بذرة رفض لتلك الممارسات، وبدون ضجيج وتبجح؟ هل أقدر أن أعلّم، أثناء سيرنا، أميّاً بسيط حروف الأبجدية العربية ؟...جئت لأرى هل يتقبلون قولي حين أذكر لهم بأن  إحياء تلك الطقوس والشعائر على طول أيام السنة تضرّ بهم، وتضرّ بلدهم الذي يحتاج الى كل السواعد والجهود لإسعافه ونهوضه؟ أهمس لهم بان الثائر الحسين ضحّى بنفسه من أجل مبادئ ترمي لنصرة ناسه وأرضه، وهم بعملهم هذا يخذلون ناسهم وأرضهم، بجهلهم، وبطرق خاطئة يعبّرون فيها عن حبهم لرمز ثوري، ينأى عن مظاهر تسيب وإهدار طاقات، كان بامكانها أن تبني وتعمّر، وتلم كل القاذروت والقمامة التي تكاد تدفن بغداد والمدن تحتها، وتجلب الأوبئة لو بقيت دون اتلاف...
نعم، أحب الحسين، لكن بطريقتي الخاصة التي أريد أن أخبركم يا ناسي وشعبي بها، فلو تحقق رهان من راهن من مستفيدين ومن سياسي هذا الزمن، على أن الزوار سيدخلون موسوعة غينس بأعدادهم المليونية في السنة القادمة، فاننا في الوقت الذي ندخل فيه هذه الموسوعة، سنكون قد خرجنا من مفهوم الدولة المعاصرة.
وقت الاستراحة انتهى وعليّ ان أسير مع السائرين رغم أن دربينا مختلفان في نهايتيهما...
أختم رسالتي بالأماني والأمل، عسى أن يدرك الجميع ما فيه الخير والصلاح لهذا البلد الحبيب.
احرصي على التواصل
صديقك المخلص
فلان العراقي


فيحاء السامرائي
21/1/ 2011

  كتب بتأريخ :  الإثنين 24-01-2011     عدد القراء :  1946       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced