حلم بوعزيزي .. هل يختطفون "الياسمين" !؟
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

أخذت انتفاضة الشعب التونسي الجميع على حين غرة، غير أنها كانت، بالطبع، نتاجاً لتراكم معاناة مريرة طيلة عقود من الزمن، أدى الى هذا اللهيب الذي اندلع في سيدي بوزيد من شرارة محمد بوعزيزي، الشاب الكادح، الخريج الجامعي العاطل عن العمل، الذي أشعل النار في نفسه ليشعل شوارع البلاد ويفجر ينابيع السخط وينشر رايات الاحتجاج، ويمضي بالاقتحام الى الاطاحة بالدكتاتور.
وعاد قدر التاريخ يسخر ممن نصبهم على رقاب المحرومين. فقد أوصدت أبواب الأصدقاء والحلفاء أمام الدكتاتور "المستجير".
ولا مجانبة للحقيقة في القول إن الوضع مفتوح على غموض بعد تفاؤل الأيام الأولى. فـ "ثورة الياسمين" تقف أمام مفترق طرق، متلمسة خطوتها المقبلة لمعرفة هويتها ووجهة تطورها. أهي انتفاضة للاطاحة بدكتاتور وحاشيته، أم تغيير يطيح بالنظام ويسير بتونس، عبر بديل ديمقراطي حقيقي، في اتجاه جديد ؟
غير أن حقائق تسطع في هذه الانتفاضة المجيدة. ولعل من بينها أن الانتفاضة ربطت، رغم بدايتها عفوية الطابع، العنصر الاقتصادي بالعنصر السياسي عندما رفعت شعار الخبز والحرية، ورفضت وعود الطاغية المضلِّلة. وهي تواصل اليوم رفضها لشركاء الدكتاتور وسدنة النظام المقبور وأيتامه الذي يسعون، بكل الوسائل، الى الحفاظ على جوهر النظام وقطع الطريق أمام التطور الديمقراطي.
ولا ريب أن من بين أخطر الدروس المستخلصة من الانتفاضة أنها قدمت، مرة أخرى، دليلاً ساطعاً على بطلان وصفات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية والسياسية الرأسمالية العالمية. وهي وصفات سعت، من بين أغراض تضليلية أخرى، الى دفع الدول النامية الى "الاصلاح الاقتصادي" عبر الخصخصة وإلغاء الدعم الحكومي للسلع الأساسية وسوى ذلك من الضغوط المالية والآيديولوجية. ولعل من بين الأوهام التي يسعى الصندوق الى إشاعتها ربط الديمقراطية على نحو لا فكاك منه باقتصاد السوق.
ومن المعلوم أن البلدان التي طبقت وصفات صندوق النقد الدولي واجهت أزمات اقتصادية عميقة كان أخطر تجلياتها متمثلاً في ارتفاع معدل البطالة وزيادة جيش الفقراء وتفاقم التهميش الاجتماعي والاستقطاب الطبقي الحاد. وهذا واحد من أبلغ دروس انتفاضة الشعب التونسي.
غير أن المعركة في تونس لم تحسم بعد، ذلك أن النظام مايزال قائماً وماتزال مؤسساته العسكرية والأمنية والسياسية قادرة على التحرك، ومايزال رموزه يهيمنون على الوزارات السيادية مما يثير الارتياب في مصداقية كبار مسؤوليه الذين أعلنوا استقالاتهم من الحزب الحاكم السابق وغيروا جلودهم في محاولة للايهام بسعيهم الى إخراج البلاد من الأزمة، وهو سعي لا يخرج عن إعادة انتاج الاستبداد بصيغة جديدة. كما أن الجيش، الذي اتخذ حتى الآن موقفاً يبدو محايداً، يمارس دوراً غير واضح ومحسوم. ويكشف هذا الواقع عن حجم المخاطر التي تهدد الانتفاضة، وهي مخاطر تغذيها القوى الخارجية الغربية والاقليمية التي تخشى امتداد لهيب الانتفاضة والاطاحة بعروش الطغاة.
لقد هرب الدكتاتور ولكنه خلف وراءه مؤسسات حكمه ورموزه وكتائب من المخربين المنتمين الى منظومة غرضها تأبيد جلوس الحاكم على كرسيه، وهم ملثمو "الأجهزة السرية" الذي قاموا بأعمال التخريب للاساءة الى سمعة الانتفاضة.
وفي هذا السياق لا يمكن التقليل من مخاطر صعود حركات التطرف الاسلامي الذي من شانه أن يلغي كل الحقوق الديمقراطية التي انتزعها الشعب وبينها حقوق النساء.
إن على المنتفضين أن لا يتوهموا أن القديم يمكن أن يستسلم، وأن يعرفوا أن أصحاب الامتيازات لن يتخلوا بسهولة عن امتيازاتهم. وعليهم أن لا يغفلوا دروس التاريخ. فهروب دكتاتور لا يعني، البتة، القضاء على نظامه، ولنا في التاريخ المعاصر أمثلة ساطعة بينها مثال مصدّق ايران.
* * *
لا غرابة في أن نسمع خطابات "ناصحين" دعاة الى "التزام الهدوء" و"عدم انتهاك القوانين" وما الى ذلك من شعارات تخديرية مغرضة.
هل تتذكرون ما قاله تروتسكي في (الثورة الدائمة) ؟ لقد شبه المناشفة بمعلم مدرسة قديم استمر لسنوات عديدة يعطي دروساً عن فصل الربيع. وفي صباح أحد الأيام فتحت النافذة، وعندما رأى الشمس مشرقة والطيور مغردة، أغلق النافذة معلناً أن هذه الأشياء انتهاك فظيع لقوانين الطبيعة !
وقد نجد بين "الناصحين" من يحذرون من أن "الأصولية الاسلامية" هي التي ستسد الفراغ السياسي الناشيء عن سقوط النظام. ويعلم الجميع أن هؤلاء كانوا غائبين عن الشوارع عندما اندلع لهيب الانتفاضة. أما النساء اللواتي ارتفعت أصواتهن في مسيرات الاحتجاج فلم يكن من مرتديات البراقع الطالبانية بل من المثقفات الواعيات اللواتي انطلقن للانضمام الى كتائب مقتحمي السماء !
على ثوريي تونس الحقيقيين أن لا ينسوا ما قاله ماركس حول الانتفاضة وضرورة المضي بها حتى نهايتها للاطاحة بالنظام القديم. فقد سمى ماركس الانتفاضة فناً، مشدداً على أنه ينبغي إحراز نجاح أول، والمضي لاحقاً من نجاح الى آخر دون وقف الهجوم على العدو ...
أيريدون تجفيف منابع الزيتون وإخماد شعلة قرطاج ؟
لن تركع بلاد أنجبت ابن خلدون !
ولن يستطيع سدنة الفكر القديم اختطاف "الياسمين"، وإجهاض حلم بوعزيزي !

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 25-01-2011     عدد القراء :  1945       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced