يا لهذا الياسمين...من غضب ساطع !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

ما عاد الصمت ممكناً في واقع أمَرّ وأبلغ، فها هو التاريخ يمضي وكأنه يعيد مقتحمي سماء باريس أيام كومونتها في أرواح أحفادهم في تونس ومصر ؟
وحتى لو قدر لذئاب المجتمع القديم أن يغرقوا الانتفاضة بالدماء كما فعلوا في باريس فان التاريخ سيظل يلاحقهم حتى يهز عروشهم.
وليس أمام الثوريين الحقيقيين سوى الاصغاء، بحساسية عالية، الى نغمات نشيد التحدي، والسير في طليعة مجسدي ائتلاف السخط والأمل، وقيادة أوركسترا الاحتجاج حتى تملأ ألحانها السماء، وتهز الأجيال السائرة الى الضفاف التي ينشدون.
أما المستبدون فمعلوم أنهم لا يتعظون من دروس التاريخ. وفي مسعىً للحفاظ على عروشهم وامتيازاتهم يستخدمون كل السبل من أجل إسكات أصوات المحتجين الحالمين بالتغيير.
فهذه الأنظمة تمارس "براعاتها" وخبراتها "الغنية"، فتحاول تخدير الثائرين وامتصاص النقمة وإجهاض روح الاحتجاج عبر القمع والآيديولوجيا، والترغيب والترهيب، والقرارات الترقيعية، والوعود الكاذبة، والاعلام المضلِّل والاعلاميين المأجورين، واستخدام الدين المسيّس وثقافة التخلف السائدة، وإعادة الاسطوانة المكرورة حول مصالح الوطن العليا واستقرار البلاد وايقاف أعمال الشغب والفوضى التي يمارسها "شذّاذ الآفاق"، وهؤلاء هم المنتفضون والمعارضون الذين تسعى السلطة الغاشمة الى تشويه سمعة كفاحهم العادل.
وتلجأ سلطة الاستبداد في الوقت الحالي الى ايقاف ما تخشاه، وبينه وسائل الاتصال المختلفة، وخصوصاً الاتصالات الألكترونية وشبكات التواصل الاجتماعية التي يبرع الشباب في استثمارها للتنسيق والتعبئة والتحريك في النهوض الاحتجاجي.
واياً كان مآل "انتفاضة النيل" والحركات الاحتجاجية في بلدان أخرى فان فيها دلالات عميقة مضيئة تكشف عن مسار تاريخي جديد للمنطقة وشعوبها.
ويبدو جلياً أن المنطقة تسير نحو تغيير ربما يكون الشارع من يحققه عبر كفاحه العنيد من أجل الحرية والديمقراطية وتحقيق اصلاحات جذرية سياسية واقتصادية واجتماعية.
ويرى محللون أن "ثورة الياسمين" بدأت تهز أنظمة أخرى قائمة منذ عقود، وكان يبدو حتى وقت قريب أنها "قوية"، بفضل أجهزتها القمعية وتضليلها الاعلامي واستثمارها لواقع وثقافة التخلف.
ومما يلفت الأنظار أن شعارات الحركات الاحتجاجية، ومثالها الساطع انتفاضتا تونس ومصر، ذات محتوى اجتماعي يكشف عن وعي هذه الحركة الذي يجسده تركيزها على الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية.
والحق أن ما يجري هو تيار فعلي حيث يجوب الساخطون الشوارع للمطالبة بحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، متحدين سلطات الاستبداد وأجهزتها القمعية. لقد كسر المحتجون في تونس حاجز الخوف يصيغة ما كان أغلب المحللين يتوقعون حدوثها على ذلك النحو المذهل، وهو ما يتكرر منذ الثلاثاء الماضي في مصر وخصوصاً في جمعة الغضب.
ومن ناحية أخرى فان محللين يستبعدون أن تحدث "انتفاضة الياسمين" و"انتفاضة النيل" تلك "العدوى السريعة" المنشودة لأسباب عديدة أهمها الخصوصية التي يتمتع بها كل بلد. ولكنهم يشخصون ما هو مشترك في حركات الاحتجاج، متمثلاً في الدور الطليعي للشباب والكادحين والطبقة الوسطى، وخصوصاً عبر وسائل الاتصال الألكترونية الحديثة. ومما يلفت الانتباه أن هؤلاء المحللين يرون، عن حق، أن الناس يحتلون موقع الطليعة الذي يفترض أن تحتله الأحزاب السياسية الى حد يبدو عنده أن هذه الأحزاب تسير خلف الناس لا أمامهم.
ومن نافل القول إن من بين الدروس التي جسدتها هذه الحركات الاحتجاجية افتقار الأنظمة الحاكمة الى الشرعية الشعبية على الرغم من تولي الحكام السلطة منذ عقود عبر "انتخابات". فالشرعية الحقيقية لا يمكن أن تنشأ عن القمع وحرمان الناس من حقوقهم السياسية والاجتماعية.
أما منافقو واشنطن وسائر عواصم رأس المال، حماة أنظمة الاستبداد، فيراقبون الوضع "عن كثب" وبشعور من "القلق" ويعبرون عن "الأسف" ويدعون الى "ضبط النفس"، في موقف "يرثى له"، ذلك أنه موقف دائخ متردد، يكشف عجزهم عن حماية أنظمة حلفائهم "المعتدلة"، وهي الأنظمة المستبدة الوحشية التي دعمها سادة البيت الأبيض وأساطين رأس المال.
وأما حكومة المحاصصات في بلادنا فمشغولة بصراع الامتيازات وتقاسم الغنائم، وباستثناء هذا فانها مصابة بالعمى إذ لا ترى معاناة الملايين، وبالطرش إذ لا تسمع أصوات ضحايا هذه المعاناة. ومن الطبيعي أن حكومة مثل هذه عاجزة عن استيعاب دروس انتفاضات الخبز والحرية التي ترعب مسببي مآسي الملايين من المحرومين.
*    *    *

إذن فقد أينع ائتلاف السخط والأمل، وحان قطاف ثمار ناضجة ..
إذن فقد صحت الشوارع من غفوتها، وراح شبح الاطاحة بالنظام القديم يجول فيها حتى لقد روّع الطغاة، فهم بين ساقط فار "مستجير"، ومرتعب من سقوط لابد أن يكون مدوياً وقد لا يلحق حتى أن يكون "مستجيراً" ..
إذن فقد اهتزت عروش، وتنتظر أخرى من يهزها بعد أن سقط جدار الخوف وحانت لحظة الاستيقاظ ..
من تونس الخضراء حيث اندلع لهيب "الياسمين" ليجول في شوارع أخرى متعطشة للحرية، راح الغضب الساطع يتفجر في "أم الدنيا"، لنشهد ربيع المحرومين يحاصر خريف الدكتاتور ..
إذن فقد عزف مقتحمو السماء التونسيون لحن الافتتاحية ليواصل شباب مصر عزف كونشرتو الياسمين .. و"أجمل الأيام تلك التي لم نرها بعد" !

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 01-02-2011     عدد القراء :  1923       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced