لا معنى للتاريخ بدون روايات الشهود
بقلم : ماجد فيادي
العودة الى صفحة المقالات

لم تشأ أن تفتح جروح الماضي، وتساءلت لماذا هذا الحديث، قلت لها لابد لشهود العيان أن يدلوا بشهادتهم، فالتاريخ بلا معنى ما لم تروِ الشعوب تجاربها.

بعد طول تفكير سألتها، أمي أين ذهبت؟

قالت.: اكتب أنا صبريه عبدالله خميس، مواليد بغداد 1939، وقد عشت أياماً سوداء طوال حياتي، بسبب أفكار وطنية جميلة، أرادها من أحاط بي أن تأتِ بالخير للعراقيين، فقد تأثرت بها ونقلت سحرها الى بناتي وأبنائي، حتى عانوا من جديتها، كما عانيت من قبلهم.
إي أفكارٍ تعنين؟
ابني لم يمر العراق بأفكارٍ، تأثر بها العراقيون كما هي الشيوعية، ولم يعان العراقيون من أفكارٍ كما عانوا من الشيوعية، مرة على يد الملكيين، وأخرى من البعثيين والقوميين المتطرفين، وكثيراً ممن يفسر الإسلام وفق مصالحه.


أنا أسف على فتح الجروح، لكن هل لكِ أن ترتبي أفكارك على مهل؟


كان أخي احمد عبدالله خميس، سائق مدير الأمن في بغداد، الكائن بالقرب من القصر الأبيض، وكان يسمع بحكم عمله، عن حملات مداهمة لبيوت الشيوعيين، لكنه لم يكن قادرا على الصمت، فكان يذهب قبل يوم الى البيوت التي ستداهم، ويبلغهم بالقرار، كي يفلتوا من قبضة الأمن، هذا في عهد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، حتى علموا به في احد الأيام،
فحكموا عليه بالسجن لمدة عام، مع إلغاء كل حقوقه الوظيفية. أما ابن عمي الضابط كمال مجيد، فهو احد أبطال قطار الموت، أخته كميلة مجيد شيوعية وزوجها أيضا. خليل أبو الهُب (الشقاوة الذي جعلته الشيوعية الى جانب الفقراء) كان صديق خالك محمد. يعني كنا معروفين بتوجهاتنا السياسية، حتى أصدقاؤنا كانوا من الشيوعيين.
عشنا في بيت من طابقين وسط بغداد، بالقرب من مدرسة التفيض خلف جامع الحيدر خانة، على شارع الجمهورية بجوار شارع الأمين، وعلى بعد عشرات الأمتار من ساحة الميدان ووزارة الدفاع، حيث يقيم الزعيم، كنت وعمك حسين وإخوتك الثلاثة وخالك محمد وزوجته رسمية حميد، نقيم في هذا البيت.
في يوم اسود، سمع عمك نداءا عبر الراديو الى العسكريين، أن يلتحقوا بوحداتهم، ويقفوا بوجه الانقلابيين، فما كان منه إلا أن صعد الى سطح البيت، للنظر الى وزارة الدفاع، إن كان هناك سيارات تنقل العسكريين، وعند نزوله الدرج سقطت قنبلة على البيت، قتلته وزوجة خالك رسمية، بهذه الطريقة كان الموت زائرنا في ذلك اليوم، عندما فقدت زوجي وأصبحت أرملة، فكانت عروس ثوراتهم، ملطخة بدماء الأبرياء، وموسومة بمعاناة الوطنيين.
هربنا من البيت انأ وإخوتك الى بيت الجيران، حتى جاءنا خالك اسماعيل ساعات الغروب، لينقلنا الى بيته، أما جثة عمك فقد نقلها الجيش، الى مستشفى دار السلام، ومنها الى مستشفى الرشيد العسكري، بعد أن علموا أنه نائب ضابط. كانت أيام عصيبة، سقط فيها الكثير من الشباب العراقي، ضحيا الانقلابيين وطلاب السلطة.
سمعت أن الشباب قتلوا في الشوارع، هل تتذكرين ذلك؟

كان الشباب يأتون أعداداً كبيرة منادين (يا كريم انطينا سلاح احنا العامل والفلاح)، لكن الزعيم أجابهم (أعطوني فرصة خمس دقائق وانهي الانقلاب). مضت الخمس دقائق ومرة الساعات وبدل إنهاء الانقلاب، جرت دماء الوطنيين في الشوارع. كانوا من الشيوعيين وغيرهم، سقطوا عندما خرجت من الدبابات نيران الحقد، وسالت الدماء اكثر عندما استوت الأمور لهم.
كان لنا جيران يدعون بيت أبو النبكة، نسبة لشجرة النبق الكبيرة التي تتوسط الدار، كانت العائلة شيوعية، أبيدوا جميعا، الأب والأم وبنتين وخمسة أبناء، أما بيت ماجدة صديقتي، فقد قتل أخوها ماجد وقتلت ماجدة وأختاها وأمها وأبوها، لأنهم شيوعيون، قتل حلاق المهداوي وأخوه في محل الحلاقة، بنفس بشاعة قتل المهداوي. عندما هربنا من البيت بعد أن قتل عمك وزوجت خالك، شاهدت الجثث في الدرابين، وقد تعثرنا بها، هكذا كان حال محلة عباس أفندي وفرع دار المعلمات. كان الناس مرعوبين، منهم من تجرأ على حماية الشيوعيين، وخبأهم في بيوتهم، ومنهم من خاف على نفسه، فغلق باب الدار. كانت أيام عصيبة، استمرت معي لمدة عام، لم احصل خلاله على تقاعد لعمك ولا فرصة عمل.


لكن القصة لم تنته، فقد تزوجت من والدي بالرغم من تعرضه للسجن ثلاثة أعوام كونه شيوعيا؟


نعم كان ابن عم زوجي الشهيد، وفي الحقيقة كانت الشيوعية وحب الناس تجري في دمائنا، فلم أمانع انتماء أبنائي الى الحزب الشيوعي العراقي، رغم كل المعانات، والسجون والإعدام لأقاربنا، ومنذ سقوط الدكتاتور لم أتردد في انتخاب الشيوعيين، هي الأفكار يمكنهم محاربتها، لكنهم لن يتمكنوا من منعها.
هل كان لقتل عبد الكريم قاسم الأثر ألانكساري في نفوس العراقيين ؟

ابني، صحيح كان الزعيم يحضى بحب العراقيين، لكن الناس فقدوا أبنائهم ومعيليهم، فكانت مصيبتهم اكبر. أنتم الشباب تنظرون الى الرموز السياسية كأنها مقدسة، وننظر لها نحن أصحاب المعاناة، أنها المسئولة عما أصابنا، وأجيال توالت.


هل تلومين عبد الكريم قاسم على شيء؟


كنت ولا أزال اسميه الزعيم، لكن لا يوجد إنسان بلا أخطاء، وقد جاء في زمن صعب، منافسوه مجرمون، ولم يحصل على مساعدة من المجتمع الدولي. الحقيقة أنني عشت زمن المملكة والجمهورية، لكنني لم اشهد رئيس وزراء بنزاهته وحبه للفقراء وللشعب العراقي.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 04-02-2011     عدد القراء :  2051       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced