مصر: التغيير المنتظر..؟!
بقلم : باقر الفضلي
العودة الى صفحة المقالات

ها هي رياح التغيير تعصف بلا هوادة .. إنها لن تتوقف وهي تجرف في طريقها كل ما يعيق أهدافها من بقايا رموز قيادات إستهلكت دورها عبر عقود من السنين، لأنظمة وجدت نفسها أخيراً في عزلة تامة مع شعوبها.. تلك الشعوب التي أرهقها الفقر والعوز، وقيدت حرياتها حالات الطواريء، وإستنفذت طاقاتها البطالة ، وأخيراً أوغل في سفك دمائها، الرصاص الحي للإستبداد..!!؟
اللوحة السياسية الحالية في مصر ومنذ إسبوعين، تعكس بلا تشويش وبدون رتوش أو مبالغة، حقيقة ما تحمله تلك الرياح العاصفة من مطالب شعبية صادقة بضرورة (التغيير)، وتطلعات لمستقبل أفضل؛ فالتغيير بات اليوم شعار الحالة الراهنة في الساحة المصرية، بعد أن سبقتها الى ذلك الإنتفاضة التونسية، والشارع المصري الذي تحكمت بقيادته، جموع من الشباب والكادحين من الذين فجروا (ثورة الغضب) بوجه النظام المصري القائم،  بات سيد قراره السياسي، متقدماً في ذلك، على غيره من الأحزاب والحركات السياسية المعارضة للنظام، سواء منها التقليدية أو التي أفرزتها حالة القهر والإستبداد والفساد المالي، والتي يبدو أن دورها القيادي في عملية (التغيير) ليس بادياً للعيان إلا قليلا، وما يظهر منه على السطح، هو ما كان  يجري خلف الستار..!
هذه اللوحة الدراماتيكية، بما تعكسه وتظهره من ديناميكية عالية في طبيعة ما أصطلح عليه (حركة الشباب) المعترضين، رغم ما رافقها وبعيداً عن مسؤوليتها في البداية، من أعمال سلب ونهب وحرق للمنشئات الحكومية وإقتحام للسجون وسقوط للعديد من الضحايا؛ إتسمت من الجهة الثانية، بأنها لم تك في عزلة تامة عن نشاط قوى المعارضة السياسية للنظام، إن لم تكن محركا ومحفزاً لها، تلك القوى التي حرصت أن تكون فعاليتها وأنشطتها على الصعيد الميداني في الأيام الأولى من الإنتفاضة، تدور خلف ستائر المسرح السياسي، ما يعني من جانب آخر، التأمل في فرضية وجود أجندات خارجية أو أجنبية تحاول أن تلعب دورها في التأثير والتوجيه على مجموعات معينة من حشود الشباب المجتمعين في ميدان التحرير، بأن تلك الفرضية لم تأت من فراغ، إذا ما راقب المرء تطورات الأحداث الجارية في ميدان التحرير وباقي المدن المصرية منذ اليوم الأول لبدئها، وملاحظة محاولات بعض الأجندات السياسية من فرض وجودها من خلال تمرير شعاراتها الراديكالية عبر حناجر الجموع المحتشدة من الشباب في ميدان التحرير، وما إستتبعها بعد ذلك من تصعيد في مواقف دول معينة لوتيرة الإنتقاد الشديد لنظام الحكم، ومنها على وجه الخصوص، الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية الإسلامية وبعض الفضائيات الإعلامية ومنها قناة الجزيرة بالذات، لدرجة وصلت فيه حدة الإنتقاد درجة المطالبة الفورية لإجراءات التغيير، لتأتي متزامنة مع مطالبات قوى سياسية محددة، أمثال جبهة التغيير بقيادة السيد محمد البرادعي، وقوى أخرى طفحت على سطح الزيت المتوقد، بعد أن إخترقت ثورة الغضب، كل جدر المنع وستر الخوف، معلنة بشجاعة متناهية، صوت الشعب الهادر..!
فالى أين تتجه تلك الرياح في هبوبها المتعاظم، وهي تحمل بين طياتها كل خلجات وأحاسيس الجموع المحرومة من أبناء شعب مصر وتطلعاتها المشروعة الى حياة أفضل، التي يدفعها التوق الى إسترداد حريتها وكرامتها المهدورة، مديات لم تشهد لها مثيلاً من الغضب والحماس من قبل..؟!
فكل يوم يمر على تواصل الإنتفاضة المصرية يحمل معه الكثير من الإسئلة التي تطرح نفسها على جموع المحتشدين في ميدان التحرير، ومثلها قوى المعارضة السياسية؛ أسئلة منها  السياسية والإقتصادية والإجتماعية، والتي لم تجد من يجيب عليها، في وقت لم تتبلور فيه بعد قيادات سياسية واضحة المعالم لجموع الشباب المنتفضة، وهي تحمل من الشعارات خليط غير متجانس من المطاليب الآنية والتطلعات المستقبلية بسقوفها المطلبية العالية، لتواجهها على الخط  قوى أخرى، تقف بالضد من ذلك، معلنة مساندة وجود قمة الهرم السياسي، وأخرى تمسك بإجندات تتحكم فيها من بعيد، هذا وكل المؤشرات في الطرف الآخر، تشير الى أن النظام الحاكم، قد إمتص الصدمة، وبات يعيد ترتيب حساباته على كافة الأصعدة، مشفوعاً بخبرته العالية في تصريف الأزمات وإمكاناته العالية مادياً ومعنوياً بما يمتلكه من وشائج الربط القوية بتأريخ مصر الحديث، والى جانب ذلك،  برز على السطح تيار جديد متمثلاً بمجاميع من النخب السياسية والثقافية من رجال السياسة والإعلام، يدعو الى الحكمة والتعقل والتوازن السياسي لمعالجة الأوضاع القائمة وتصريف الأزمة وتحقيق مطالب وتطلعات المنتفضين من الشباب، بالطرق الدستورية عن طريق الحوار وإعادة الحياة المدنية..!؟
فإنتفاضة الشعب المصري بكل مطالبها المشروعة، تجابه واقعاً أكثر تعقيداً مما تصوره البعض، وحاول تشكيله وفق سيناريو أحداث إنتفاضة تونس، في إطار إنعكاس عاطفي الملامح، لن يأخذ بالإعتبار الفوارق الموضوعية والذاتية بين البلدين، وما تمثله مصر كدولة لها من الموقع السياسي والدولي ما يختلف كلياً في أبعاده الجغرافية والدولية عن غيرها من الدول الأخرى في المنطقة، ولذلك فمن السابق لأوانه طرح الإفتراضات والقول بالتكهنات وفقاً لما سارت عليه الأحداث في الإنتفاضة التونسية كإستنساخ لتجربة لها خصائصها وظروفها الموضوعية الخاصة، رغم ما للإنتفاضتين من مشتركات عامة..!
فالتغيير المطلوب في مصر، لن ينأى أن يكون حاجة موضوعية لابد منها،  في ظل أوضاع إجتماعية طفح فيها الكيل على صعيد المستوى الإقتصادي، وبلغت الفوارق الطبقية في المجتمع حدوداً كونكريتية لا يمكن تجاوزها؛ ما يمكن معه القول؛ بإن أي تغيير ومهما بلغ حجمه، له شروطه  ومستلزماته الموضوعية، وهو عملية بنيوية دائمة، إن بدأت في ساعة فلا يمكن أن تنتهي في الأخرى، وما ينبغي التبصر به، هو أنه في أي تغيير منشود، لابد التأمل والتوقع المسبق بأنه سيواجه بمقاومة مختلفة الشدة والأبعاد، ناهيك عما تبيته قوى التربص والتدخل والإستغلال في مثل هذه الحالات، مما قد يأتي بما لا تشتهي السفن..!؟
  فما يعتقده المرء كان سهلاً في مكان معين، ربما لا يكون نفسه كذلك في أماكن أخرى؛ وهكذا هو الأمر فيما يجري في مصر من تحولات على صعيد البناء الفوقي للدولة، وهي دولة مؤسسات عريقة، ولها تقاليدها وأعرافها على صعيد النظام السياسي والدستوري، فإن أي تحديد مسبق من قبل المنتفضين والمحتجين، ليوم معين أو إسبوع مسمى، غير كفيل بتحقيق ما يصبو له المنتفضون من نصر مؤزر لأهداف التغيير المنشود في ظل الظروف الموضوعية والذاتية التي تحيط بالجموع المحركة للإنتفاضة، ولعل ما شاهدناه خلال الأيام الأثني عشر الماضية من مسيرة الإنتفاضة،  فيه من الكفاية ما يغني عن أي إستنتاجات وتكهنات إفتراضية، خاصة وإن الإنتفاضة تدخل الآن مرحلة جديدة من الحوار والتفاوض وعلى مستويين، مع رجال الدولة وسياسييها لتحديد سبل الخروج من أزمة الحكم التي يمر بها النظام..!





ومع كل ذلك فإن الإنتفاضة الشعبية المصرية، كما هي الإنتفاضة الشعبية التونسية، قد فتحتا الطريق واسعاً أمام الجموع المسحوقة، التي وجدت نفسها مهمشة لعقود من السنين، بأن تشهر رفضها وجهاً لوجه أمام سلطة الإستبداد، مطالبة بالتغيير الجذري، إحتجاجاً لما آلت اليها أوضاعها الإقتصادية والإجتماعية من تدهور وتخلف كبيرين، ومؤسسة لحالة تجاوزت فيها تقاليد الحياة السياسية التقليدية، التي شوهتها الأنظمة المذكورة، وغيبت دور أحزابها السياسية الوطنية، من خلال مشهد "الحزب الحاكم" وإحتكار السلطة، ومن هنا إكتسبت الإنتفاضتان دعم وتأييد ومساندة كافة الشعوب العربية وقوى الحرية والتقدم في العالم، فكل التحية والتعاضد للشعب المصري الشقيق في إنتفاضته المجيدة، ومثلها للشعب التونسي الشقيق..!

  كتب بتأريخ :  الإثنين 07-02-2011     عدد القراء :  1858       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced