ترانيم "بهيّة" تهزم خيول الدكتاتور !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

في أيام مصرية عاصفة متسارعة التطور ومنفتحة على احتمالات مختلفة يتواصل السباق المحموم في مختلف الميادين، وكل مشارك فيه يحاول الامساك بلحظة التاريخ.
وبينما كان "الرئيس" يجهد في إطلاق الوعود المضلِّلة حفاظاً على كرسيه، أطلقت سلطته الغاشمة المأجورين الذين يحتفظ بهم للساعات الحرجة، فهجمت "جِمال" البلطجية المدربين على شباب "الفيسبوك" العزّل. وشرع رجال مبارك يسعون الى أن يؤمنوا له "خروجاً" مشرفاً" حسب رئيس وزرائه، بينما اعتبر النائب أن رحيل الرئيس فوراً "دعوة للفوضى".
وراح النظام يواصل استخدام كل ما في ترسانته من خداع وتضليل وترهيب وترغيب للسيطرة على ميدان التحرير الذي بات يحمل قيمة رمزية كسبيل لاجهاض انتفاضة "النيل".
أما "الحلفاء"، وأبناء العم سام خصوصاً، ممن يهمهم بقاء النظام، دون تردد من التضحية برأسه، ففي ارتباك و"غموض بنّاء"، وحيرة بين نارين، نار نظامهم القديم، حامي مصالحهم وامتيازاتهم، ونار نظام جديد يهدد هذه المصالح والامتيازات، ولكنه يبدو آتياً لا ريب.
وأما المعارضة التقليدية فقدم مع النظام وأخرى مع الشباب المحتجين، في موقف يبدو مائعاً، وربما لا يبالي بضياع أثمن فرصة للديمقراطية الحقيقية.
وفي غضون ذلك خرجت "لجان حكماء"، وفيها راكبو موجة، "مكلفون" من النظام ومنسقون متواطئون معه في الالتفاف على مطالب الشباب.
أما حركة الشباب، التي أشعلت الانتفاضة وحولت ميدان التحرير الى رمز للكفاح في سبيل الاطاحة بالنظام القديم، فتتحدى وحوش النظام وبلطجيته، وتمضي، غير هيّابة، صوب ضفاف الحرية.
والحق أن قرار إنزال الجيش بدلاً من الشرطة جزء من خطة النظام. ومن المعلوم أن قيادات الجيش العليا، التي هي جزء من البرجوازية البيروقراطية، مرتبطة من حيث المصالح بالنظام الذي يغدق عليها الامتيازات. ولديها شركات يديرها جنرالات وتسيطر على قطاعات تجارية، وهي ذات علاقات متشابكة مع الطبقة الحاكمة ورجال الأعمال الفاسدين.
ولا ريب أن استخدام الجيش وتوريطه في مواجهة الانتفاضة الشعبية وإيكال مهمات ذات طابع أمني داخلي له ينطوي على احتمال تمرد قطعات عسكرية على هذا الدور، خاصة اذا دخلت في مواجهات عنيفة مع الحركة الاحتجاجية.
غير أنه ينبغي علينا أن لا نبقى أسرى أوهام بشأن طبيعة الجيش وعلاقته بالنظام و"حياديته". فالجيش، في بلدان العالم الثالث خصوصاً، هو وسيلة للوثوب الى السلطة والحفاظ عليها، ناهيكم عن الانقلابات التي أوصلت حكاماً عسكريين الى كراسي الحكم. والحق أن الجيش هو خط الدفاع الثاني والأخير، حيث تستخدمه الأنظمة القمعية عندما لا تنفع المؤسسات الأخرى.
بل إن التاريخ الحديث يؤكد على أنه حتى في ديمقراطيات عريقة مستقرة، محكومة بدستور وقوانين، يمكن أن يستخدم الجيش لكسر الاضرابات، ومثال بريطانيا أيام اضرابات عمال المناجم في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات وحركات المتضامنين معهم، مثال ساطع في هذا السياق.
إن الزج بالجيش في مهمات ذات طابع أمني، بل وقمعي، قد يفتح الباب على مصراعيه لدخول الصراع السياسي، مما يمكن أن يخدم أهداف الطبقة الحاكمة على المدى القصير، ولكنه يمكن أن يؤدي الى العكس على المدى البعيد. فصغار الضباط، مثلاً، هم، بحكم خلفياتهم الاجتماعية، على تماس أكبر مع مطالب المحتجين والناس، مما يؤدي الى رفع مستوى الوعي السياسي لديهم ولدى الجنود.
ومن نافل القول إن تحييد الجيش يمكن أن يفتح فرصاً أمام الحركة الثورية لتحقيق  مطالبها ودحر سلطة الاستبداد. غير أن الرهان على قدرة زخم الحركة الشعبية على التأثير في المؤسسة العسكرية، وخصوصاً مراتبها الدنيا، لا يتحقق على المدى القصير إلا اذا تصاعد المد الثوري واتخذ منحىً آخر كما حدث في إيران مثلاً.
ومن المثير للالتباس أن البعض أعطى انطباعاً مضلِّلاً يوحي كما لو أن الجيش المصري يقف الى جانب المنتفضين، وهو الذي لم يحرك ساكناً بوجه هجوم البلطجية وسواهم، وهذا، في جوهره، موقف منحاز للنظام، كان هدفه ترويض المنتفضين في سياق يصب في صالح تاكتيك طغمة الاستبداد.
ومن ناحية أخرى فان من بين دروس انتفاضة النيل أن الطابع الشعبي، الذي فاجأ الجميع، هو الطاغي على الانتفاضة بالضد من توقعات محللين كثر وخشيتهم من احتمالات استثمار الوضع من قبل قوى متطرفة، وهي "الخشية" ذاتها التي يستخدمها النظام بصيغة معينة لينفي احتمال وجود بديل له غير المتطرفين.
                *    *    *
من المؤكد أن القوى الحية في مصر قادرة على استيعاب الدروس والتعلم من تجربتها الذاتية. وإن على اليسار المصري الحقيقي أن يكون وسط الشباب والناس الثائرين، يوجه ائتلاف السخط والأمل، ويمارس دوره التنويري الطليعي، ويغني حركة الشباب بالمحتوى الاجتماعي العميق، ويستثمر الفرصة التاريخية للاطاحة بالنظام القديم ومؤسساته، وهي الفرصة التي لن تتكرر لأجيال قادمة.
"الرئيس"، المتشبث بالكرسي انتهى. فالجميع، من شباب ميدان التحرير، مقتحمي سماء "أم الدنيا"، حتى "الحلفاء" في واشنطن، يسيرون نحو أيام مابعد فيضان النيل .. 
وأياً كان مآل انتفاضة النيل، فقد تجلت الحقيقة على أسطع ما يكون: ترانيم "بهيّة" ألحقت الهزيمة بخيول الدكتاتور !

  كتب بتأريخ :  الإثنين 07-02-2011     عدد القراء :  1984       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced