ليس شـبابنا وأهلنا أحجار شـطرنج
بقلم : التـيار الديمقراطي في ألمانيا
العودة الى صفحة المقالات

تتوالى منـذ مدة التظاهرات والاعتصامات في وطننا مُطالبة بالخدمات، والدفاع عن الحريات ومكافحة الفساد والمفسدين، وإصلاح الأوضاع في البلد عموما. ومن المُنتَظَر أن تتسع حركة الاحتجاجات هـذه، بعد الدعوة التي أطلقتها مجموعة من الشباب العراقي للقيام بتظاهرة كبيرة في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. ونحن في التيار الديمقراطي في ألمانيا نعلن وقوفنا في صفوف حركة الاحتجاج هـذه، ونرى فيها تعبيرا عن ممارسة شعبية للديمقراطية وللحرية، يستعيد فيها الناس حقهم في قول كلمتهم بصوت عال فيما يفعله بوطنهم هؤلاء الساسة، ويريدونه لهم. منذ ثمان سنوات والساسة يتحدثون باسم الشعب وعنه، ويوجهون خطاباتهم له، ثم يذهبون إلى امتيازاتهم وكراسي حكمهم مطمئنين، دون أن يسمعوه، أو يتعلموا الإصغاء إليه، أو يروا مصالحه وحاجاته الحقيقية. ولا عجبَ فهم يرون في الناس مجرد مجاميع من الأتباع تمنحهم أصواتها، وحشودا تعدو وراءهم، وتصفق لهم في احتفالاتهم. شبيبة العراق الواعية ومثقفوه وديمقراطيوه الحقيقيون يعلمون الحكامَ ونوابهم، هذه الأيام، شكلا آخر للحوار الديمقراطي، يحرر الديمقراطية من أن تظل آليات شكلية تُؤبّد، في ظروف الجهل والتجهيل والاستقطابات الطائفية والإثنية، سلطتَهم. مثل هذا الحوار الذي يفرضه شبابنا، مثلما فرضه قبلهم شبيبة تونس ومصر، ويواصل فرضه شبيبة اليمن وليبيا والبحرين وإيران والبقية تأتي، هو حوار يُعيد للديمقراطية، رغم تباين الأحوال بهذا القَدْر أو ذاك، روحها، يُعيدها إلى الناس، إلى أهلها، إلى الشارع، ويُسهم في تحرير الحكام من عمى السلطة وصممها.

في مثل هذا الحوار يشير شبابنا، ومن يشاركهم احتجاجاتهم، إلى أنهم ليسوا أحجارا على ألواح شطرنج يُحركهم " الساسة ـ الأوصياء" كما يحلو لهم، يحددون لهم كيف يحيون، كيف يفكرون، ماذا يلبسون، ماذا يشربون، وماذا يسمعون، زاعمين أنهم الأعرف والأعلم والأكثر حكمة منهم.

شبابنا، وأهلنا الواعون معهم، يأخذون، عبر هذا الحوار، حقهم بأيديهم في أن يُسهموا هم في تحديد ملامح حياتهم ومستقبل وطنهم ومعالمهما، وليس لنا إلا أن نكون معهم.

وشبابنا هؤلاء يعرفون، تماما، أن الخدمات وانهيارها ليس علة العلل، مثلما يحاول الساسة المتنفذون الإيحاء به. انهيار الخدمات واشتشراء الفساد، والاعتباطية والتجريبية، وعدم الكفاءة، ما هي إلا بعض تجليات مأزق سياسي يعيشه وطننا منذ سقوط طاغية الأمس. هذا المأزق أخذتنا إليه الأحزاب المتنفذة حين قررت إعادة بناء الدولة والعملية السياسية على أساس المحاصصة الطائفية والإثنية، وخوض صراعاتها بوحي هذه المحاصصة. مثل هذا البناء الخاطئ، والذي تم بوعي وعمد، لن يأتي بغير الشرور، وهو ما حصدته البلاد وأهلها طوال السنوات الثمان الماضية.

البلاد تعيش منذ ثمان سنوات فترة انتقال، ولا تعرف، بسبب صراعات المحاصصة هذه، متى تنتهي مرحلة انتقالها، وأين سترسو سفينتُها: في ميناء دولة قانون مدنية حقا، أم في قبو دولة "قانون دينية!"؟.

طوال هذه السنوات ظل الوطن والمواطنة، من الناحية الفعلية، غائبين لصالح الولاءات الحزبية والعشائرية والطائفية.

طوال هذه السنوات وسلطة الأحزاب المتنفذة تتماهى، مركزيا ومناطقياً، بسلطة الدولة والحكومة، حيث يجري امتصاص الأخيرة وتسخيرها لتغذية سلطة الأولى وتكريسها واستمراريتها، حتى أصبح المواطن البسيط غريبا في وطنه، لا يكاد يملك فيه شيئا.

الأحزاب المتنفذة تتعامد مع بعضها البعض، لتصب جميعها، رغم خلافاتها ونزاعاتها، في مجرى واحد، هو مجرى المصالح الحزبية والشخصية، تلفَّع هذا بغطاء الدين والطائفة، أو لبس ذاك معطف "اللبرالية" و"العلمانية" الكاذبة. لو كان الوطن وناسه المغلوبون على أمرهم، هم الهمُّ الأول والأساس لهذه الأحزاب، مثلما تزعم، لما رأيناها تتصارع، أكثر من سبعة شهور، على انعقاد برلمان منتَخَب وتشكيل حكومة يوافق عليها. ولو كان الوطن والناس همهمُ الأساس لما انتهوا إلى ذات المحاصصة التي ظلوا يشتمونها ليل نهارَ، ولما أتونا، بعد كل هذا الوقت الضائع، بحكومة زادت وزاراتها على الأربعين، وانتفخت ميزانيتها ومصاريفها، مع أن كثيرا منها لا حاجة لها، ولاعمل، ناهيك عن مدى كفاءة من يشغل حقائب هذه الوزارات. بعضهم قد لا يُجيد حتى حملَ حقيبة مدرسية!. شعبنا يدرك أن هذا الانتفاخ، شأن أشياء كثيرة تجري في بلادنا، لا علاقة له بمصالح الناس والوطن، بل هو إرضاء وتراض بين هذه الأحزاب المتنفذة على قسمة "الكعكة الوطنية!" التي لا يصل إلى الناس منها غير الفُتات.

إن موجة الغضب التي تعتمل في صدور شبابنا هي المنطلق للخروج من هذا المأزق وشروره، كي يستعيد العراق حيويته في إعادة بناء نفسه واكتشاف فتوتها، وكي تستيقظ فيه العقول، من جديد، وتتحرر الارادات وتخرج، لا عن إيماناتها، بل عن أقفاصها الطائفية والأيديولوجية، وتنتقل إلى فضاء وطني وانساني حي ومفتوح، تتفاعل فيه الأفكار والآراء والناس بحرية لا قيود عليها. لقد أرتنا أحداث تونس ومصر أن ما كان يبدو استثنائيا وخارقا ممكن.

لا شك أن موجة الغضب في بلادنا سيسعى لركوبها، وهو ما يجدر بشبيبتنا الحيلولة دونه، بعثيون لم يتعلموا من مصائب الأمس، ولم يواجهوا أنفسهم وتجاربهم بالنقد. كما سيسعى لاستثمار موجة الغضب هذه شركاء في السلطة، وفي كتلها الحاكمة، لإلقاء العبْ على طرف واحد منها فقط. فسوف نرى طائفيين يحملون لافتات تندد بالطائفية، ونسمع لصوصا فاسدين، مفسدين، مزورين يلعنون اللصوص والفساد والتزوير. كما قد يسعى أرهابيون وأهل ميليشيات لاعتلاء موجة الاحتجاجات فيندبون الضحايا والأمن المفقود، وكأنهم الملائكة الصالحون!. جميع هؤلاء سيعملون، وقد بدأ بعضهم، لإنضاج خبزهم، خبز السلطة، على نار الغضب الشعبي المشروع، وهو ما ينبغي لشبابنا الواعي الانتباه له، كي لا يخرج هؤلاء بحركة الاحتجاج عن مسارها السلمي والحضاري، وعن سرقة أهدافها في الإصلاح الجذري وإنقاذ البلاد من المأزق الذي تغرق فيه منذ سنوات.

شبيبتنا، ومن يقف بحق معهم، هم الأمل في أن يعود وطننا إلى العصر ويكون فيه حقاً.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 22-02-2011     عدد القراء :  2012       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced