الشَّراب المتنازع حوله عبر التَّاريخ (1- 3
بقلم : رشيد الخيون
العودة الى صفحة المقالات

كثر الجدل والردّ والأخذ في أمر الشَّراب، بعد قرار محافظة بغداد إغلاق النَّوادي التي تُقدم الشَّراب، وهي ببغداد منذ فجر التَّاريخ، ووجودها بضوابط لا يمنع النَّاس مِن عبادة وعمل، ووفقاً لتجارب دول أُخر، أنفع مِن منعها القسري، وإلا الرضا بالسُّوق السَّوداء، والميل إلى المخدرات، وما تتأزم به النُّفوس مِن كبت الحريات.
‎الشَّراب شرابان: النَّبيذ، وجمعها الأنبذة وهو ما نؤجله لمقال آخر، مِن غير الحلقات الثلاث، وسنسلط الضَّوء على الخمر، لا بتشديد ضدها ولا ترغيب فيها، مِن أجل الإعلام عنه كثقافة مِن التُّراث المسموح فيه، بما ورد في مواقع ذمها ومدحها. فآلاف السِّنين والشاربون يُعاقرونها، والأديان تحد منها، لكنها ظلت متداولة، واتخذ الصُّوفية منها دلالة على الغرق في حب الله، وكيف وصل خيال السَّيد الحبوبي (قتل 1915) إلى مجلسها في موشحاته (الدِّيوان):
‎فاُسقني واُشرب سلافاً صرخدا (الخمر)/ ‎في لُجين الكأس ذابت عسجدا
‎نضح الماء بها فاتقدا/ ‎واغتدى كالنَّار مشبوب السَّنا
‎ولصفي الدِّين الحلي(752 هـ) في وصف حرامها وحلالها، حسب اعتقاد الشَّاعر المسلم (الدِّيوان):
‎نهى الله عن شرب المدام لأنها/ ‎محرمة إلا على مَن له علمُ
‎وقد جاء في القرآن إثبات نفعها/ ‎لكن فيه مِن توابعها اثمُ
‎وذاك بقدر الشَّاربين وعقلهم/ ‎ففي معشر حُلٌ وفي معشر حرمُ
‎ولو شاء تحريماً على كلِّ معشرٍ/ ‎لقال رسول الله لا يُغرس الكرمُ
‎وجمع الثَّعالبي(ت 429 هـ)، حوالى خمسة عشر اسماً للخمر: الشُّمول، والرَّحيق، والخندريس، والحُميَّا، والعُقار، القرقف، الخُرطوم، المُدامة، والقهوة، السُّلاف، الكُميت (الحمراء)، الصَّهباء(مِن العنب الأبيض)، الباذِق، والطِّلاء، والرَّاح(فقه اللغة).
‎وجعل أصحاب معاجم المعاني، ومنهم الثَّعالبي، لأجناسها أسماء: الصَّهباء لابنة العِنب، والسَّكر لابنة التَّمر، والقنديد إذا كانت مِن القَند، والأخير كان معروفاً بالعِراق، بكيسه الأزرق وشكله الهرمي. والبتع مِن العسل، والمزر مِن الذرة، وقيل مِن الشَّعير، حسب البخاري. أما درجات معاقرها: بعد الشُّرب: نشوان، وبعد دبيبها: ثمل، وإذا بلغ الحد: سكران، بعده: سكران طافح، ثم ملتخ.
‎شغل الشَّراب كتب الأدب، ودواوين شُعراء وكأنهم اختصوا بها، حتى أُفرد فيها ما سمَّي بالخمريات، في حال أبي نواس. كذلك اختلف فيه الفقهاء، في نوعه وطريقة صناعته والحد عليه، فليس هناك حد في الكتاب على محتسيها، وكذلك لم تأت العقوبة في السُّنَّة، إنما شرع فيها الخلفاء بعد النَّبي، واُختلف حولها.
‎واختم بموقف للإمام أبي حنيفة النُّعمان (ت 150 هـ) في شأن جاره السَّكران، قام بحق الجيرة معه بلا صدود وعنت. جاء في الرواية: «كان لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منـزله وقد حمل لحماً فطبخه، أو سمكة فيشويها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشَّراب فيه غنى بصوت، وهو يقول:
‎أضاعوني وأي فتى أضاعوا
‎ليوم كريهــة وسـداد ثغـر
‎فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النَّوم. وكان أبو حنيفة يسمع جلبته. وأبو حنيفة كان يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه فقيل أخذه العسس منذ ليال. وهو محبوس. فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر مِن غد، وركب بغلته واستأذن على الأمير. فقال: ما حاجتك؟ قال: «لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليالٍ، يأمر الأمير بتخليته. فأجابه. «فركب أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه فقال: «يا فتى أضعناك»؟!(البغدادي، تاريخ بغداد). الدُّعاء، اللهم أكرم العِراق وأهله بفقهاء مِن صبغة أبي حنيفة! (يتبع

  كتب بتأريخ :  الإثنين 28-02-2011     عدد القراء :  2077       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced