عام 1955 في الطريق الى برلين
بقلم : خانم زهدي
العودة الى صفحة المقالات

تتسارع وتتزاحم الذكريات كلما حاولت العودة الى مخزون الماضي ، الى سنوات طويلة عابرة عندما عقدت العزم على ربط مصيري ومستقبلي بمصير شعبي ووطني لأكون جندية في صفوف المناضلين من أجل حرية البلاد وسعادة الشعب. لقد صممنا نحن لفيف من المهتمات بقضية المرأة على تأسيس منظمة نسائية بشكل سري ذات طابع متميز بهدف مزدوج هو ربط النضال من أجل حقوق المرأة بالنضال الوطني التحرري ومن أجل الديمقراطية والسلام،وكانت تلك المنظمة رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية (رابطة المرأة العراقية) في 10/3/1952 .
مع اقتراب الذكرى الثالثة لتأسيس الرابطة ومرور سنتين على عضويتها في اتحاد النساء الديمقراطي العالمي، كانت القوى الوطنية والديمقراطية ومن ضمنها الرابطة منهمكة في نضالات متصاعدة ضد حلف بغداد المقيت وتتهيأ للاحتفال بيوم الثامن من آذار؛ تلقت الرابطة في شباط 1955  دعوة من الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي لحضور اجتماع في براغ وإرسال مندوبة عنها للعمل في الاتحاد لمدة سنتين في برلين لغرض تبادل التجارب والخبرات، وقد وقع الاختيار عليّ لتمثيل الرابطة في الاجتماع ثم الالتحاق بالعمل في برلين.
انتابني شعور عميق بالفرح والاعتزاز للثقة التي أولتني إياها المنظمة للقيام بهذه المنظمة وشعرت بالخوف من تحمل هذه المسؤولية. وكانت هناك مشكلة فلم يكن لديّ مستلزمات السفر الضرورية من الملابس، و نحن في عز الشتاء فتبرعت إحداهن بمعطفها وتبرعت أخرى ببلوز صوفي وتنورة سميكة ونقدتني الرابطة عشرة دنانير مع عنوان رفيق في بيروت. ركبت الباص عصرا من بغداد دون أن يودعني أحد وكنت مغطاة من الرأس الى القدمين بالأسود لارتدائي (العباءة و البوشي) لظروفي الخاصة ولسلامة الوصول ولكوني ملاحَقة ومطلوبة أمنيا كما أن وثائق السفر لم تكن باسمي ؛ وصباح اليوم الثاني كنت في بيروت أبحث عن غرفة في أحد البنسيونات وشعرت بصعوبة الأمر كنت انذاك في مقتبل العمر سافرت لوحدي و لم يسبق لي أن غادرت الوطن.
بحثت عن عنوان الرفيق ووجدته، وكان ذلك الرفيق هو الشهيد صفاء الحافظ الذي أخبرني أنه سيساعدني للحصول على تأشيرة المرور الى سويسرا و تأشيرة جيكوسلوفاكيا، كما اقترح أن اسكن مع إحدى العوائل العراقية في قرية قريبا من بيروت، وجاء الرفيق رب العائلة لأخذي، وكان ذلك هو الرفيق الشهيد أبو سعيد حيث كان يعيش وولديه نادية وسعد، وكانت زوجته المناضلة نظيمة وهبي سجينة في العراق. خلال فترة الانتظار للسفر قضيت وقتا ممتعا مع عائلة الشهيد وأتردد أحيانا على بيروت وأمتع عيني بمنظر الجرائد والكتب في المكتبات وعلى الأرصفة فبإمكان أي إنسان شراء أي كتاب دون رقيب، ولم أتعود في العراق على اقتناء الكتب والصحف التقدمية علنا ، وكنت والرفيقة ثمينة ناجي زوجة الرفيق الشهيد سلام عادل نأخذ حصتنا منها من إحدى مكتبات شارع المتنبي ونخبئها خوفا من المصادرة.
بعد انتهاء إجراءات السفر سافرت الى جنيف ثم زيوريخ وبقيت فيها عدة ايام وكان عليّ الاعتماد على نفسي والتغلب على الصعوبات في بلد لاأعرف لغته الفرنسية، ثم وصلت براغ أول بلد اشتراكي تطأه قدماي. فرحت جدا عندما وجدت مَن ينتظرني في ذلك البرد القارس حيث كانت أرض المطار مغطاة بالثلوج الناصعة التي ذكّرتني بثلوج كردستان الحبيبة ونزلت في فندق فخم في براغ مع مندوبات من مختلف أنحاء العالم.
وبسبب إجراءات السفر المعقدة وصلت متأخرة ولم أحضر الاجتماع الأول للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي. حضرت في اليوم الثاني وألقيت كلمة باسم الرابطة واستلمت هدية المناسبة وردة قرنفل حمراء. وفي اليوم الثاني كان هناك برنامج للضيفات للتعرف على معالم براغ التاريخية والمتاحف الرائعة كما زرنا أضرحة المناضلين ضحايا الفاشية وأتيحت لي الفرصة للقاء بزوجة الكاتب الجيكي (فوجيك) وكنت قد قرأت في الوطن كتابه (تحت أعواد المشنقة).
في اليوم التالي كان موعد سفري الى برلين وقد وصلتها بالقطار ليلا  وكان في استقبالي سيدة من اندنوسيا أوصلتني الى المكان المخصص لسكن ممثلات المنظمات النسائية. استلمت العمل في سكرتارية الاتحاد وبدأت مرحلة جديدة من النضال من طراز مختلف فكانت إنطلاقة جديدة بالنسبة لي في النضال من أجل قضايا المرأة والطفولة ليس على نطاق العراق فقط وإنماعلى نطاق الحركة النسائية العالمية.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 08-03-2011     عدد القراء :  2027       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced