الحراك السياسي الذي قادته الجماهير في تونس ومصر ضد حكوماتها المستبدة قد غَيرَ الخارطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط المسبية شعوبها بحكام تحولوا الى ديناصورات منقرضة ، ولكنهم مصرون على إنهم الزعيم الأوحد الذي يجب أن يتصنم على كرسيه .
وحين بانَ كل جبل جليد تلك الحراكات ، استحال الى ثورة شعبية عارمة لا أعتقد إن أوارها سيخفت ، لأنها أودت بنظاميين فاسدين ، لهما من الأعوان والمستفيدين الكثر ، الذين سيبقون ينازعون الآخرين أختياراتهم .
إن هاتين الثورتين قد فرضت قوانينها ومطالبها من لحظة بدأ الحراك الى ساعة التغيير الذي تنحي فيها رموز الأنظمة المستبدة لتلك البلدان . وبعيد التغيير ، لم يتوقف سعير مرجلها الثوري ، حين تشكلت وزارات ، اعتبرها الثوار ، إمتدادا لحكومات الأنظمة الساقطة السابقة التي ثاروا عليها ، ولم يهدأ سعيرهم وغضبهم ، ولم يهدأ مرجل ثورتهم ، إلا بعد أن جيء برؤساء وزارات لا يشكون في وطنيتهم .
لم يتأخر هؤلاء المكلفين بتشكيل وزارات تونس ومصر ، السيدان الباجي قايد السبسي وعصام شرف ، وضمن الوضع الجديد الذي تعيشه تلك البَلدان ، والذي يمكن ان يطلق عليه بأنه وضع حرج ، حيث تكون فيه الخيارات صعبة جدا على الذي يختار وزراءه ، إلا إنهما وبحنكة التجربة استطاعا ان يشكلا وزارتيهما في غضون بضعة أيام فقط لا غير ، بما فيها الوزارات السيادية ـ لماذ السيادية !!؟ ـ التي استعصت على السيد نوري المالكي عاما كاملا ، ولما دار العام ولم يجد من هو الجدير بهذه الوزارات من أعضاء جميع الكتل النيابية !!؟؟ اسندها هو لنفسه بشكل مؤقت الى أن يبيض اللقلق ، وليحترق العالم .
ربما بسبب صعوبة الأختيار ، ظل السيد نوري يراوح في مكانه عاما كاملا .. وربما هي المحاصصة التي أتفق عليها جميعهم بلا إستثناء ، كانت هي السبب .. وربما هي رغبة المواطن الذي وضع ثقته في هذه النخب ، علً تطلباته البسيطة في الكهرباء والماء وفرص العمل والقضاء على الفساد أن تتحقق !؟ ومن المؤكد إنه لم يضع اختياره الأنتخابي في صندوق الإقتراع ، من أجل أن ينحر هو وأحلامه المشروعة بالعدالة الأجتماعية ، ولكنها يبدو انها نحرت وهو الممنون .
ولربما أيضا إن قلة عدد وزارات السبسي وشرف ، لم تتكونا كلتاهما ، في تونس ومصر ، بأكثر من إثنين وأربعين وزارة ، يعني بنفس عدد وزارء السيد نوري الذين لم تتضح لحد الآن معالم خارطة لطريقهم .
وكلنا يعلم بأن نفوس البلدين يكاد يبلغ خمسة أضعاف نفوس العراق . إذن بماذا نفسر تأخر السيد المالكي في الأنتهاء من التشكيل الوزاري الذي دام قرابة العام ، ولماذا هذا الترهل في عدد الوزارات التي صار أكثر من نصفها ، عبارة عن بطر لأرضاء النخب السياسية التي فرزها الصندوق الأنتخابي الشفاف جدا !
لا أطالب كمواطن عراقي بإجابة ! فكل شيء واضح ولم تخفه كل التبريرات التي قيلت من ألسنة تعلمت كيف تقلب الحقائق رأسا على عقب .
إني اظن أن الملامة لا تقع على السيد نوري وحده ، فطلاب المنصب كثيرون وتيارهم جارف ومقاعدهم في قاعة البرلمان العراقي كاسحة . هم أيضا يتحملون العتب والملامة ، فقد كان يمكن أن تحسم الأمور ، وتتشكل الوزارة مباشرة بعد التكليف ، لو كانت وطنيتهم قد إرتقت الى مستوى جزع الناس من الوضع المزري الذي يعيشوه ، وتحسسوا بحق ، عمق معانات هؤلاء الناس وآلامهم ؛ لكن النخبة في واد ، والناس في واد آخر .. واد سحيق بعيد لا يسمع منه حتى صدى صرخات ألآلم المستغيثة .
إني اشعر بالغيرة والحنق ، حين تشكلت حكومات تونس ومصر بتلك السرعة ، رغم وضع البلدين المضطرب كوضع بلدي . وفي بلدي العراق الذي يتقول فيه المسؤول ومسؤول الجيش والشرطة والأمن بانه مستتب وآمن ، لا تتشكل وزارته حتى بعام !!؟؟
ما يؤلم إن العراقيين المحبين للحياة ، والمُشًرِفون للتأريخ بعلومهم وآثارهم الأنسانية ، قد وقعوا صيدا سهلا لأحزاب وجماعات إدعت السياسة ، حين دخلت ميدانها وقد أرتدت جبة الوطنية ، ولما دخلت العراق ، كان دخولها حذر رغم إنها كانت تسير خلف البصطال الأمريكي ، وقد سبقها خروج مذل امام ذلك البصطال لنظام لم يقل شراسة في ذبح الأحلام والبشر التي كانت ولا تزال تحلم بعراق واحد للجميع .
كتب بتأريخ : الأربعاء 09-03-2011
عدد القراء : 1974
عدد التعليقات : 0