الكوتا، والعزلة التي تعيشها المرأة العراقية
بقلم : بشرى برتو
العودة الى صفحة المقالات

في ندوة عقدتها رابطة المراة العراقية في بريطانيا حول مفهوم الكوتا بتاريخ 6/3/2011 والتي استضافت بها الناشطة النسوية الاخت بشرى برتو
نص المداخلة
أظهرت الانتخابات التي خاضها شعبنا تطبيق مبـدأ جديد وهو الكوتا بالنسبة للنساء و ايضا ما يشبهه بالنسبة للاقليات. ويتلخص بتخصيص اما نسبة معينة من عدد المرشحين للانتخابات النيابية بالنسبة للنساء او بتخصيص عدد من المقاعد بالنسبة للاقليات. فما هي الكوتا وكيف اقرت عالميا ولماذا؟
كلمة كوتا Quota تعني باللغات الاوروبية، أو على الاقل بالانكليزيية والفرنسية، حصة نسبية او نصيب. وقد ابتدع هذا المبدأ لصالح النساء أولا ثم ارتوأي تطبيقه على فئات اخرى.
والفكرة الاساسية من نظام الكوتا هي ايصال النساء الى المراكز السياسية وتجاوز المحاولات السابقة في جقل مشاركتهن  مجرد رمز من رموزالحياة السياسية او صورة لتجميلها، والفكرة تؤطد بضرورة تؤدي الكوتا الى تكوين عدد او نسبة معينة من النساء  من أعضاء الهيئات المنتخبة سواء كان ذلك على صعيد قائمة المرشحين ام المجالس المنتخبة بمختلف مستوياتها او اللجان الحكومية او الحكومة ذاتها. وهي ككلمة تنطبق على الشكل المستخدم عالميا الان لاعطاء فرصة امام النساء ليكسبن موقعا معينا في البرلمانات.
وفي بعض الدول يطبق هذا النظام ايضا في مؤسسات عديدة اخرى تنفيذية مثلا.
انتبهت المنظمات النسائية  في ارجاء مختلفة من العالم مبكرا لعزلة النساء عن الحياة السياسية ليس في بلدانهن فقط وانما ايضا على صعيد عالمي. وبرز ذلك بشكل واضح بانعدام تمثيل النساء في المؤسسات المنتخبة وبذلك صعوبة وصولهن الى مراكز اتخاذ القرار.
وبدأت المنظمات بايلاء اهتمام خاص بتطوير المطالب النسوية باقرار حق الانتخاب والترشيح للمرأة وبشكل خاص بتشجيع النساء على التقدم للترشيح في الانتخابات بمستوياتها المختلفة (ونعود بالذاكرة في هذا الامر الى قرارات مؤتمر بكين العالمي للنساء الذي عقد في نهاية عقد المرأة 1985). وقد ازدادت مساهمة النساء وحتى تمثيلهن في مراكز اتخاذ القرار خلال العقدين الماضيين على المستويين التشريعي والتنفيذي. ولكن هذه المساهمة بقيت نخبوية. وحتى عام 2005 لم تزد نسبة النساء في برلمانات العالم كله عن 15%.  وذلك نظرا لوجود عراقيل عديدة في كل بلدان العالم امام نجاح النساء في الفوز بمقاعد تمثيلية.
ومن اهم هذه العراقيل النظرات الاجتماعية التقليدية امام تبوأ المرأة للمراكز المسؤؤلة التي شغلها ويشغلها الرجال عادة ،محتلوها التقليديون، تلك النظرات الناجمة عن العهود الطويلة من التمييز الاجتماعي  ضد المرأة وعزلها عن الحياة الثقافية والسياسية لعصور طويلة.
ومنذ العقدين الاخيرين و( اثناء متابعتها لمقررات مؤتمر بكين)  بدأت المنظمات النسائية بالتمييز بين مبدأين هما: المساواة بين المرأة والرجل امام القانون، وبين تساوي الفرص بينهما على الاصعدة  المختلفة، واقصد اجتماعيا وثقافيا، ولاسيما على الصعيد السياسي، موضوع حديثنا اليوم.
ووضعت هذه المنظمات أمامها مهمة العمل على خلق ظروف تساعد على تحقيق مبدأ تساوي الفرص بين الجنسين. وعقدت المنظمات النسائية والمهتمة بهذا الامر مثل مراكز البحوث الاجتماعية العلمية والجامعات الاوروبية،  الندوات الدراسية العديدة لكيفية تحقيق ذلك. وتوصلت الى ان وجود العراقيل الكثيرة امام تبوأ المرأة وتقدمها الى المناصب السياسية والى مراكز القرار والهيئات التمثيلية التشريعية والتنفيذية لن يتحقق بسهولة الا عبر تقديم المعاملة الافضل للنساء كمرحلة انتقال حتى يدرك المجتمع ضرورة تساوي الفرص هذه.
ومن  الأساليب التي جرت دراستها  لايصال النساء الى المؤسسات التمثيلية والى مراكز القرار كان نظام الكوتا باعتباره افضل اسلوب ممكن امامها من اجل هذا الهدف ومن اجل تخليص النساء من العزلة عن الحياة السياسية لبلدانهن.
وفي ايامنا هذه يزداد دور المنظمات العالمية في دفع الدول المختلفة الى تبني نظام الكوتا لاسيما في البلدان التي تكون المرأة فيها معزولة عن الحياة السياسية. فاقرار نظام الكوتا يتحقق من قبل اولئك المسؤؤلين من الرجال الذين يعملون بحق على تحقيق ديمقراطية حقيقية في بلدانهم ( وهنا أود التأكيد على هذه النقطة) ومع ذلك لم يكن من السهل لهؤلاء اقناع غيرهم من المسؤؤلين بهذا النظام. لذا جرى التعامل في سبيل ذلك الى اقراره دستوريا او قانونيا او بتدخل من اعلى المسؤؤلين مما اجبرالجميع على ان يبدأوا بالعمل مع النساء واعطائهن فرصة للوصول الى بعض المراكز المسؤؤلة. بالاعتماد على مبدأ أقر عالميا وهو التوازن بين الجنسين Gender Balance الذي اعتبر حقا مشروعا يتوجب تطبيقه.
تبنت دول عديدة، ولاسيما تلك التي وقعت الاتفاقيات الخاصة بالمراة، مبدأ الكوتا في تركيبة برلماناتها في العقدين الاخيرين من القرن الماضي وكانت الدول السكندينافية الرائدة في ذلك و اصبحت نصف بلدان العالم تستخدم شكلا من اشكال الكوتا. وادى ذلك الى زيادة نسبة النساء في البرلمانات. ولكن هذه الزيادة كانت بطيئة جدا وغير متوازية في البلدان المختلفة. فقد زادت نسبة النساء في برلمانات العالم من 15% عام 2005 الى 19% اليوم، والنسبة في البلدان العربية هي 6.7%.
واعتمادا على ارقام عام 2001 و2002 كانت حصة النساء مثلا:
السويد 45.3%، الدنمارك 38% ، فنلندا  37.5% ، النروج36.4%، ايسلندا 30.2% ، في الولايات المتحدة 16.8%. وقد طورت النساء السويديات مطلبهن بزيادة الكوتا الى 50%.
بينما تشغل رواندا مركز اول بلد في العالم من حيث نسبة النساء في برلمانها وتبلغ 56.3%
البرلمان العراقي السابق كانت النسبة فيه 31,6% اذ كان عدد النساء 87 من مجموع 275 نائب.
أنواع الكوتا: الكوتا تكون اما
1. دستورية أي ان يكون منصوص عليها في الدستور
2. قانونية اي يشرع قانون بها او تدخل في قانون الانتخابات
3. حزبية اي تقع على عاتق الاحزاب التي تقوم  بادخال النساء في قوائم مرشحيها وتقر ذلك في انظمتها الداخلية، وهنا يلاحظ ان اللجان الانتخابية الحزبية ما زالت تمارس التمييز تجاه النساء عن طريق تقديمهن في مواقع دونية في القائمة او في ترشيحهن في دوائر انتخابية غير مهمة وغير مضمونة الفوز بالمقعد من قبل الحزب المعين، وهذا في الدول التي تجري فيها الانتخابات على اساس الدوائر الانتخابية.
4. تخصيص وحجز عدد من المقاعد للنساء في البرلمان. في مصر مثلا يخصص عدد من المقاعد للنساء وتجري المنافسة الانتخابية بينهن على هذه المقاعد. وفي الاردن يتم اللجوء الى تعيين عدد من النساء كعضوات برلمان من قبل الملك.
لماذا ينبغي ان تزداد مساهمة النساء في مجال السياسة
تعتمد الاراء المؤيدة لزيادة مساهمة النساء في السياسة على ثلاثة مبادئ
1. استخدام الثروة البشرية: النساء يمثلن ثروة بشرية فهن يشكلن نصف المجتمع ان لم تزد نسبتهن عن ذلك في بعض البلدان. و بمشاركتهن في الهيئات التشريعية والتنفيذية  فانهن  سيدخلن قيما وافكارا وتجارب وخبرات مختلفة على الحياة السياسية لصالح الاخيرة
2. العدالة الديمقراطية: اولا  ان مساهمة النساء الفعلية  في السياسة ضعيف عموما. يضاف الى ذلك  ان مشاركة النساء قد توسعت في مجالات متنوعة كثيرة على صعيد المهن المختلفة وعلى صعيد الاعمال مما يجعل من المنطقي ان يحصلن على حقهن الطبيعي من المواقع السياسية،
3. تمثيل المصالح: ترى بعض المنظمات النسائية وجود صراع بين النساء والرجال وهي ترى ان من العبث ان يكون تمثيل مصالح المرأة من قبل الرجال، كما ترى ان المرأة الموجودة في مراكز القرار ستحقق مصالح النساء وبشكل افضل من الرجال
اعتقد ان الحديث عن الصراع بين المرأة والرجل تنقصه الدقة والمنظمات التي تتبنى هذا الأي هي المنظمات ال Feminist التي نشأت في أوروبا في منتصف القرن الماضي.
  وانا ارى اننا في وضعنا المتخلف في نظرته للمرأة  يصح ان نقول ان المرأة الناشطة سياسيا تمثل مصالح النساء افضل مما يمثلها الرجل فنحن في العراق مثلا لم ننجح الاجزئيا في كسب رجال يدافعون عن حقوق المرأة بشكل جدي وتطوير امكانياتها. ونلمس ان حتى الاحزاب والحركات الديمقراطية في العراق ترى ان الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بحقوقها السياسية وبشكل خاص وضع هذه المسألة في صدارة المهام  من اجل اقرار هذه الحقوق، هو امر يحتل لديهم مرتبة ثانية بالنسبة للمشاكل التي تمر بها البلاد لذا فانهم في اصوراتهم لاسناد حقوق المرأة  يعهدون بها الى تنظيمات او لجان نسائية بحتة ويكتفون بذلك معتقدين انهم يناصرون المرأة في نضالها من اجل حقوقها. واعتقد انهم مخطئون في ذلك فقضايا حقوق المرأة  واخراجها من عزلتها الشاملة في بلادنا لا يمكن عزلها عن العمل الجاد في سبيل الديمقراطية،  فضلا عن ان النساء في بلادنا يواجهن مصاعب وتحديات غاية في التعقيد لا تستطيع النساء وحدهن التغلب عليها.
ومنذ ان طرحت فكرة تبني الكوتا الانتخابية برزت افكار عديدة مؤيدة لها ومعارضة.
• المعارضون لنظام الكوتا يقولون ان هذا النظام الانتخابي لا يحقق العدالة ففيه تمييز لصالح النساء، ومن جهة اخرى فانه يخرق حق التمايز والمنافسة الفردية ويهمش الكفاءات اذ يبرز النساء بصرف النظر عن كفاءاتهن وكفاءات من حللن محله من الرجال
• بينما يرى فيه المؤيدون تعويضا للعراقيل والتحديات الموجودة امام المرأة والتي تمنعها من ولوج المعترك السياسي.
• ويرى آخرون انه اجراء مؤقت سيطول أمده بسبب صعوبة تجاوز هذه العراقيل
• وهناك كلام كثير في ان نظام الكوتا سيضعف مستوى اداء المؤسسات التي تتبناه لاعتبار ان النساء اللواتي سيأتين الى المؤسسات التمثيلية عن طريقه لن يكن بالكفاءة اللازمة، وهذا الامر معكوس ايضا فان كان البرلمان غير مستقل ويسيَر من قبل الحكومة فان دور النساء فيه لن يكون واضحا شأنهن شأن زملائهن الرجال كما رأينا في البرلمان العراقي السابق ونرجو ان لا يتكرر ذلك في البرلمان الحالي. يضاف الى ذلك ان التجربة غالبا ما أظهرت وجود نساء اكثر كفاءة من زملائهن يغبن حظهن فقط بسبب كونهن نساءا

من جهة اخرى علينا ان نعترف بان النساء في بلادنا تعصف الامية بنسب كبيرة منهن، كما انهن وفي مختلف المجالات لا يتمتعن بنفس الكفاءات التي يتمتع بها صنوهن من الرجال ولذلك اسباب معروفة أهمها الموانع الاجتماعية التي تقف امام المرأ وتنعكس في التمييز الممارس ضدها لعصور طويلة وفي عزلها على الصعيد الاجتماعي بالاساس وعدم السماح لها بفرص متساوية مع الرجل منذ قيام الدولة في العراق وحتى الان وذلك على مختلف الاصعدة ولاسيما التعليم والعمل والدراسات العليا والاستقلال الاقتصادي والمشاركة السياسية الخ، فضلا عن ان المتحديات من النساء للحصول على مثل هذه الفرص يواجهن صعوبات التقاليد وما يصور بانه الدين مما يجعل من المستحيل على العديد من القادرات والموهوبات منهن تخطي هذه العوائق.
ولكن ضعف الكفاءات النسائية ينبغي ان لا تكون حجة امام خروج النساء من عزلتهن العامة وحقهن في التمتع بحقوق متساوية وبفرص متساوية ايضا. ان ضعف الكفاءات هذا ونظرا لانه يشمل ويعيق نصف مجتمعنا ينبغي ان يعالج بصورة مستعجلة وذلك  بمنح النساء معاملة تفضيلية على صعيد تأهيلهن للوظائف او المراكز التي ينبغي ان تشغل من قبلهن.
تطبيق الكوتا في العراق
بادرت المنظمات والجمعيات النسائية العراقية التي برزت بعد سقوط النظام السابق، والمشاركات في شبكة المنظمات النسائية العراقية، وفي فترة حكم مجلس الحكم الى المطالبة باقرار نظام الكوتا في الانتخابات البرلمانية دستوريا وطرحت مطلبها ان تكون النسبة 40% من عدد أعضاء البرلمان ولكنه اقر بنسبة 25% فقط.
ولابد ان نعترف ان اقرار هذا المبدأ في العراق لم يكن ليحصل لولا وجود قوى غربية مؤثرة في شؤؤن العراق في ذلك الحين(الهيئات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني البريطانية والامريكية المرافقة لقوات الاحتلال) الى جانب اصرار وتفاني الحركة النسائية العراقية. وكلنا نتذكر المظاهرات والاعتصامات النسائية  في ساحة الفردوس في ذلك الحين. وفي الوقت نفسه فان اقرار النسبة الاصغر أي أل 25% كانت ايضا بسبب المحتل بشخص بريمر الذي فضل مجاملة احزاب الاسلام السياسي على الاخذ بيد المرأة العراقية.
ومنذ اقرار هذا النظام نفذ على صعيد انتخابات البرلمان في دورته الاولى والثانية وعلى صعيد انتخابات مجالس المحافظات في دورتها الثانية (الاخيرة) فقط. وقد راقبت مفوضية الانتخابات تنفيذ الكوتا النسائية بدقة وحزم مقبولين. وزادت نسبة النساء في البرلمان عن 30.5% بفضل اجبار المفوضية القوائم على ان تكون اسماء المرشحات بنسبة مرشحة من كل ثلاثة مرشحين.
ومع صعود اسهم الاحزاب الاسلام السياسي في الانتخابات وفوزهم بالاغلبية المطلقة في الدورة الاولى كانت الغالبية من النائبات في المجلس من نساء هذه الاحزاب وكلهن من المحجبات حجابا ثقيلا الى جانب الاخريات من قوائم الاقليات النيابية. من هنا بدأ التندر على مبدا الكوتا وحتى على وجود النساء في المجلس. ولكن علينا ان نذكر ان المشكلة لم تكن بسبب هولاء النائبات ففي الواقع كان بينهن العديدات ممن يفقن الكثير من زملائهن النواب كفاءة ونشاطا. فالمشكلة تكمن اولا في ان النواب والنائبات في المجلس العراقي ليسوا مستقلين في رأيهم فهم، رجالا ونساء ملزمون بخط الحزب الذي اتى بهم الى المجلس. والنساء ملزمات اكثر تجاه الحزب من ناحية وتجاه صغوط زملائهن الذين يشكلون الغالبية. ومع ذلك فان استخدام الكوتا في العراق جعل العديدات من النساء ، العربيات والاكراد يتكلمن وينشطن ويكن فاعلات في الاصعدة السياسية. وساهمت الكثيرات منهن في النقاشات السياسية عبر وسائل الاعلام في كافة القضايا التي كانت دائرة في البلاد. وبكل تأكيد فان كلا منهن بنشاطاتها تلك اثارت ذوي النظرات الرجعية وخلقت تناقضا معهم بينما قدمن في الوقت نفسه مثالا للنساء الراغبات في المشاركة في السياسة  يردن او يحلمن ان يحتذينه.
وقد اسعدني جدا ان وجدت نساء ، بصرف النظر عن انتماءاتن، يدخلن في مجالس المحافظات، فالمحافظات ليست كبغداد والنساء فيها يعشن بعزلة اكبر. حتى انهن لم يكن باستطاعتهن طرح صورهن كمرشحات بسبب النظرات الاجتماعة الرجعية والكل يتذكر صورة زوج احدى المرشحات التي وضعها عوضا عنها. لاٍ اريد هنا السخرية منه فهو على الاقل كان موافقا على ترشح زوجته واعلن موافقته هذه وهذا امر ايجابي يحسب له.
دور المنتخبات في معالجة اوضاع المرأة الاجتماعية، من المفهوم والواضح ان وجود النساء في مراكز تشريعية او ادارية قريبة لمراكز القرار يعتبر مكسبا للنساء اذ تكاد المنظمات النسائية المختلفة في العالم تعتبر جميعا  ان بوصول النساء الى مثل هذ المراكز فانهن سيمثلن مصالح النساء ويدافعن عن حقوقهن ويعملن على وضع التشريعات المنصفة لهن. وهذا امر طبيعي فالنساء والناشطات منهن مهما اختلفت انتماءاتهن تجمعهن مصالح وحقوق مشتركة خاصة في بلد تعاني نساِه من الكثير من الظلم والعزلة الاجتماعية والاستهانة بحقوقهن كما هو الحال في العراق.
وقد نجحت عضوات المجلس النيابي العراقي ان يحققن عملا مشتركا برغم انتماءاتهن المختلفة والتزامهن تجاه القوائم التي وصلن الى البرلمان عن طريقها. ولكن ورغم ذلك وقفت البعض منهن، وباسم الشريعة والدين، ضد مصالح المرأة العراقية مثلا ضد احد اكبر مكاسب المرأة العراقية الا وهو قانون الاحوال المدنية الذي ينظم شؤؤن العائلة العراقية. كما ذهبت اخرى الى اقتراح تعميم تعدد الزوجات باعتباره حلا لمشلة الارامل والعوانس.  ان مثل هذه النماذج لا يمكنها مطلقا ان تدعي تمثيلها للنساء العراقيات لكونها مجرد عضو في البرلمان، فضلا عن كونها نموذجا متخلفا لتمثيل الشعب العراقي وفي صفتها الباطلة هذه تقع المسؤؤلية على الحزب او القائمة التي رشحتها. ومن ناحية ثانية نجد ان عضوات برلمان كردستان استطعن في الدورة الاولى تحقيق الكثير على صعيد اقرار القوانين المنصفة لصالح نساء كردستان منها مثلا اقرار قانون الاحوال المدنية وصياغة المواقف ضد قتل المراة بحجة الدفاع عن الشرف وغير ذلك من القرارات . ويمكننا ان نتذكر ايضا المعركة التي دارت بين مجلس الحكم وبين الناشطات النسويات عندما حاولت احزاب الاسلام السياسي الغاء قانون الاحوال المدنية بجلسة كان الحضور فيها ضعيفا وكيف تم الغاؤه  والاستعانة باحدى اعضاء المجلس لطرح اعادة النظر في القرار في اجتماع كامل الحضور حيث تم الغاء القرار لمصلحة بقاء القانون 

وأود ان أضيف هنا انني ارى ان علينا ، واعني المنظمات النسائية وكافة التقدميين من اخوتنا الرجال ان ندعو الى استخدام الكوتا في المجالس البلدية ومجالس الاقضية وحتى النواحي وفي كل هيئة منتخبة في القصبات الصغيرة. فالنساء في العراق بينهن أعداد كبيرة ممن يحملن على عاتقهن منفردات مسؤؤلية توفير العيش والمتطلبات الاخرى لعوائلهن ولاسيما الارامل اللواتي صار عددهن يزيد على مليوني امراة واعني هنا ان المليونين هؤلاء يعملن بشكل جدي وهن قادرات بكل تأكيد، مع التاهيل الذي تحدثت به اعلاه، على ادارة شؤؤن محلاتهن وقصباتهن كما نجحن بالضبط في اعالة عائلاتهن.
ان الصعوبة في تحقيق مثل هذه المشاركة الواسعة من النساء في القضايا السياسية يمكن معالجتها عن طريقين:
الاول هو تمكين النساء من ملء مقاعدهن وذلك عن طريق تأهيلهن لمثل هذه المهام وتنظيم الدورات المساعدة في ذلك لهن.
الثاني ويسير سوية مع الاول هو مبادرة من يؤمن بالديمقراطية ويعمل على تحقيقها وخاصة ممن يشغلون مراكز في هيئات لها حق القرار او من العاملين في الصحافة ووسائل الاعلام الاخرى ان يعملوا وبجرأة خاصة، باتجاه محاربة كافة العراقيل الموجودة، والتي قد تنشأ، المعيقة لتمتع النساء بفرص متساوية مع الرجال وكذلك على  توسيع رقعة مشاركة النساء في الحياة السياسية على كافة ارجاء العراق.
هذا بقدر ما يتعلق الامر بالمشاركة في الهيئات التمثيلية. ولكنني أود الحديث قليلا عن كيفية التعامل مع النساء على الصعيد السياسي خارج الهيئات التمثيلية. ولنا في ما حصل بعد الانتخابات الاخيرة امثلة كثيرة واضحة.
والان لنر ان كان استخدام الكوتا قد اخرج المرأة العراقية من عزلتها السياسية على الاقل، وحتى النخب المثقفة منها من عزلتهن عن الحياة السياسية؟ بكل بساطة أجيب على هذا السؤال بالنفي. والسبب في ذلك لا يعود على النساء  انفسهن فالعمل السياسي لا يتطلب الكثير من الكفاءات ، كما ان النساء العراقيات اثبتن في مناسبات مختلفة عن وعي سياسي ولاسيما فيما يتعلق بشؤؤن بلادهن.
ان السبب يعود بالاساس الى المسؤؤلين الذين يتحكمون في امور البلاد وفي المقدمة الاحزاب السياسية كافة وبشكل خاص احزاب الاسلام السياسي المتمتعة بالاغلبية الدستورية. لنر مثلا ما حصل في العراق بعد الانتخابات النيابية التي جرت في أذار من العام الماضي. ففي كافة التحركات السياسية بين كافة الكتل والاحزاب اولا لتشكيل تحالف بين الاحزاب الشيعية السياسية بسبب تشبث المالكي برئاسة الوزارة رغم عدم فوزه وكذلك الحوارات السياسية بين هذا التحالف والاحزاب الاخرى (القوائم) والتي دامت لحوالي تسعة أشهر حتى اتفاق اربيل، لم نر في كافة هذه الاجتماعات اطلاقا خيالا لامرأة. مما يدل على ان كل هذه الاحزاب دون تمييز ليست معنية بتأهيل نسائها ولا باشراكهن في الحياة السياسية او تقريبهن من مراكز القرار ولا تقيم لهن أي وزن ولولا النصوص الدستورية والقانونية لما رشحوا نساء الى البرلمان وهذه نقيصة كبرى تشير بوضوح الى مدى بعد هذه الاحزاب عى الفكر الديمقراطي.
وقد قاد هذا الفكر وعناية السياسيين بالمناصب لانفسهم ولحاشيتهم من الرجال فقط الى ابعاد النساء حتى عن الحقائب الوزارية والحط من مستوى وزارة المرأة الى جعلها وزارة دولة لا حول لها ولا سلطة. وبهذه المناسبة اود ان احي السيدة ألا الطالباني على كلمتها عند افتتاح البرلمان الي ناقشت فيها هذه المسألة وأجبرت كافة النواب عندما قالت لهم ليقف من يؤيد كلامي فوقفوا جميعا نفاقا بكل تأ كيد.
النساء العراقيات أظهرن رغبتهن وتطلعهن للمشاركة في الحياة السياسية عندما خرجن باعداد كبيرة جدا للمساهمة بالانتخابات، كما اظهر رجالهن، بدفع من احزاب الاسلام السياسي، عدم ممانعتهم على هذه المساهمة عندما عملوا على زجهن بمثل هذه الاعداد رغم المخاطر السائدة وعندما كانت هذه المشاركة تتفق مع مصالح هذه الاحزاب
هنا يمكننا ان نتوصل الى عمق التناقض لدى المدعين بانهم يحكمون العراق حكما ديمقراطيا من جهة وعملهم المستميت لابعاد امكانية تطوير الفكر السائد في العراق نحو الفكر الديمقراطي الحق. فهم مبدئيا مستميتون من اجل الحفاظ على تخلف المرأة. لانهم يعرفون جيدا ان تحرر المرأة من قيود التقاليد المفروضة عليها بالقوة سيؤدي حتما الى تحرر المجتمع باكمله من الامر الواقع الذي يعيش فيه مرغما ايضا ومن التخلف والرجعية الى الانفتاح والحداثة وهي اكره شئ بالنسبة لهم
وهنا ولابد من مناقشة دور الاحزاب التقدمية واليسارية والديمقراطية في اخراج المرأة العراقية من عزلتها في مختلف المجالات ولاسيما التعليمي والثقافي والاجتماعي، اذ ان لديهم دورا كبيرا في هذا الشأن ولكنه ما يزال مجمدا الى درجة كبيرة.
اولا عليها جميعا ان تفَعل دورها هذا وتدرس بشكل جدي امكانياتها وواجباتها تجاه هذه المسألة التي أعتبرها اساسية في تحقيق أي مجتمع ديمقراطي وان تضع الخطط لاشراك النساء الاعضاء في الحزب او الحركة او التيار  اوالجمعية بعمل كل من هذه التنظيمات الفعلي المنتج،  وبموجب كوتا خاصة  تدخل في أنظمتها الداخلية، من اجل اشراك النساء  في كافة الهيئات القيادية لمثل هذه التنظيمات وفي مراكز القرار فيها. ومساعدتهن على زيادة كفاءاتهن في المشاركة في اتخاذ القرار. اضافة الى اتباع اسلوب عمل خاص لدفع النساء في مختلف الهيئات الحزبية للقيام بدور سياسي فاعل واعتبار ذلك من مهام كافة الاعضاء وليس النساء فقط .
الموضوع الاخير الذي اود جلب الانتباه اليه هو الوضع الاجتماعي للنساء العراقيات. فمجتمعنا العراقي، وبسبب التقاليد البالية فرض عليهن تخلف  كبير في مختلف الاصعدة : اجتماعية واقتصادية وسياسية واليوم ومع الهبات الرجعية المتسترة بستار ديني التي تبث افكارا وفتاوى من شان العديد منها الحط من قدر المراة ومكانتها الاجتماعية وبالتالي سلبها من كل المكاسب التي تحققت لها عبر نضال طويل ملئ بالتضحيات الجسام، يضاف الى ذلك ما يورَد الينا من الدول المجاورة من امثلة سيئة للعلاقات العائلية ولعلاقات الجنسين ( السعودية وايران) ، تلك الدول التي تحارب التقدم عموما وتفسير كل ما يتعلق بتقدم المرأة بشكل خاص  وبتحررها تفسيرا جنسيا مقززا وغير مقبول كل هذا يشكل مخاطر جمة ليس فقط بالنسبة للمرأة وانما ايضا بالنسبة للشعب وللمجتمع العراقي عامة. ولما كان حديثنا اليوم يخص اوضاع المرأة السياسية لن استطرد في هدا المجال وانما اكتفي بالقول ان علينا ان نقف بوجه ما يراد فرضه بالقوة أو باصدار قرارات المنع على كافة الحريات الفردية لان سياسة المنع وفرض المواقف انما هي محاولات للهيمنة التدريجية على الشعب. ومن خبرتنا مع الانظمة المتسلطة سواء فرديا او الدكتاتورية فان فرض الاستكانة على الشعب تدريجيا  ادى دائما الى تحول الحكم الى حكم استبدادي. وهذا الاسلوب يبدأ عادة بالمرأة وبفرض الممنوعات عليها نطرا لسهولة تقبل المجتمع بذلك. وأمل ان تولي الرابطة هذا الموضوع اهتمامها المتزايد. واخيرا  ارفع عاليا شعار "بغداد ليست قندهار". وشكرا

  كتب بتأريخ :  الجمعة 11-03-2011     عدد القراء :  2082       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced