قراءة سياسية لمشروع قانون الاحزاب العراقية
بقلم : تحسين المنذري
العودة الى صفحة المقالات

يعتبر قانون الاحزاب السياسية في كل بلد مؤشرا هاما على مدى تطابق المبادئ  الديمقراطية مع فلسفة السلطة أو القوى المتنفذة في الحكم ، ومشروع قانون الاحزاب السياسية العراقية خير مثال على ذلك ، فالذي وضع مسودة القانون يمثل بحق توجهات السلطة السياسية العراقية الحالية في محاولات الهيمنة على الحياة السياسية وتوجيهها بالشكل الذي تستطيع معه القوى المتنفذة في الحكم من إستمرار فرض هيمنتها المطلقة على مجمل عمل وتوجهات القوى السياسية حتى المختلفة معها في المضمون والتوجهات العامة . ولعل التوقف عند بعض مفاصل مشروع القانون قد يعطي صورة لطبيعة تفكير قوى السلطة والتي وعدت في أكثر مناسبة بمراجعة الدستور وتعديله ، لكن وكما يبدو من مشروع قانون الاحزاب السياسية إنها لا تنوي الوفاء بوعدها هذا وتستند في أكثر من مادة من مشروع القانون على الدستور بما يضع علامات إستفهام على المنوي من ذلك ، فهل إن تعديلات الدستور أصبحت من أحلام الماضي ؟؟ إن الدستور العراقي بوضعه الحالي وكما هو معروف للجميع يحمل أكثر من تناقض بين مواده وايضا فيه من العبارات العمومية والتي تحتمل التفسير بأكثر من صورة مما يضع المتابع للوضع في حيرة على أي أساس سيتم تفسير هذه المادة أو تلك ، وهذا ما إنعكس في مشروع القانون أيضا فالمادة الخامسة ثانيا تشير الى عدم جواز تشكيل حزب سياسي على أساس التعصب الطائفي أو العرقي  أو المذهبي ، فما المقصود بالتعصب هنا ؟ وما هو التصرف  أو الموقف الذي يمكن إعتباره تعصبا ؟ أتصور إن المسألة تخضع لمزاجيات وتوجهات القوى المقررة لذلك ، فما تعتبره هذا الكتلة أو الجهة تعصبا ربما لا تعتبره القوى التي على الضفة الاخرى منها تعصبا ، فكيف سيتم حل مثل هذه الاشكالية إن ظهرت مستقبلا كعقدة في الحياة السياسية العراقية ؟ أتصور كان الاجدى بالمشرع أن يستعيض عن هذه العمومية بعبارة أكثر وضوحا وحزما بفرض عدم تشكيل أي حزب على أساس عنصري أو ديني أو طائفي ويشترط مبدأ المواطنة العراقية في تشكيل الحزب ، ورغم وجود نص بهذا المعنى في مشروع القانون إلا إن المشروع يناقض نفسه عندما يشير في المادة (11) حق الاقليات في تشكيل أحزابها وهذا خروج عن معنى المواطنة المنصوص عليه في الدستور أولا ويتناقض مع منع تشكيل الاحزاب على أساس عنصري  كما نصت على ذلك  المادة الخامسة ثانيا .
الاحزاب تخضع لمشيئة السلطة التنفيذية : في جميع البلدان المتطورة ديمقراطيا ، تنحي السلطة التنفيذية نفسها عن شؤون الاحزاب وكل ما يتعلق بها من تراخيص أو منع أو عقوبات أو غير ذلك ، لأنها ببساطة مكونة من حزب او مجموعة أحزاب سياسية ، ولكي تحترم السلطة التنفيذية استقلاليتها وتضمن النزاهة في التعامل مع شؤون الاحزاب فإن القوانين هناك تعهد بشؤون الاحزاب والمنظمات السياسية الى السلطة القضائية المستقلة عادة ، لكن مشروع قانون الاحزاب السياسية العراقية المنوي تقديمه للبرلمان يقضي بتشكيل دائرة لشؤون الاحزاب تتبع وزارة العدل ( والحمد لله إنها لاتتبع الداخلية ) يفترض القانون تشكيلها على اساس الحياد وليس المحاصصة المقيتة كما هو معهود في كل التشكيلات الحكومية منذ عام 2003 والى الان ، وأحال مشروع القانون كل متعلقات الاحزاب الى المحكمة الادارية والتي هي تختص بشؤون دوائر الدولة فيما بينها أو هي طرفا في أي قضية وتتبع وزارة العدل أيضا وكأن الاحزاب هي جزء من تشكيلات ودوائر الدولة العراقية ، كان ألاجدر بالمشرع أن يحيل كل ما يتعلق بالاحزاب من تراخيص وحل إشكاليات الى مجلس القضاء الاعلى وتكوين لجنة منه ذات مستوى رفيع وليس كما يريد المشرع أن تكون اللجنة برئاسة مدير عام ومجموعة من الموظفين ، وفي ذلك محاولة مفضوحة من جانب السلطة للهيمنة على شؤون الاحزاب ومقدراتها .
عراقيل أمام تشكيل وعمل الاحزاب السياسية وتدخل في شؤونها :
يشترط مشروع القانون أن يكون عدد أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب أن لايقل عن الـ ( 2000) مواطن عراقي وهذا رقم كبير من شأنه أن يعيق تشكيل احزاب جديدة على أن يتواجد المؤسسون في ما لايقل عن ستة محافظات عراقية ، رغم إن النية في وضع هذا الرقم واضحة ، ذلك إن الانشقاقات التي تتعرض لها بعض الاحزاب المتنفذة في السلطة خطر داهم عليها أبدا وهي بذلك تحاول درء هذا التهديد بوضع شرط العدد الكبير ، لكن العراق وشعبه ليس هذه الاحزاب وحسب إنه أكبر بالتأكيد وفيه من الخيرين ما لم تستوعبه تلك الاحزاب  وفي مقارنة مع قوانين الاحزاب لعدد من الدول الاوربية فإن عدد الهيئة التأسيسية في الغالب لا يزيد عن الخمسمائة مواطن ، وكذلك فإن من حق أي مجموعة من المواطنين تشكيل حزب سياسي وفق قانون مرن وسهل ، بل وربما هناك إمكانية تشكيل أحزاب تهتم بشؤون إقليم لوحده وربما محافظة بعينها ، ما المانع في ذلك إذا التزم الحزب بنظامه الداخلي وبعمله بضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية وفقا للدستور ، وخلاف ذلك ممكن سحب إجازة الحزب في الحال ، ثم إن هذا العدد الكبير الـ (2000) ألا يحتاج تجميعهم الى جهد ووقت يقتضي التحرك سياسيا وجماهيريا قبل الحصول على موافقة التشكيل ، وإن حصل هذا فإن أصحاب فكرة التأسيس الاولى والذين هم أقل من الفي مواطن سيتعرضون حتما للعقاب القانوني بحجة العمل الحزبي بلا ترخيص ، اليس هذا فخا يعيق تشكيل أحزاب جديدة ؟وهناك إشكالية اخرى تبرز في هذا العدد الضخم للمؤسسين ذلك هو وجوب حضورهم المؤتمر التأسيسي الاول للحزب فكيف يتم تجميع هذا العدد وكم هي المصاريف التي تكلف هذا الاجتماع وأي قاعة تستوعب هذا العدد وكيف سيدار إجتماع يحضره الفا شخص ؟ كلها تساؤلات كان على المشرع أن ينتبه لها فبل وضع هذا الشرط المجحف .  كما إن من حق أي حزب أن يغير ببرامجه متى ما شاء وبأي طريقة يرتأيها فلماذا نص مشروع القانون على ضرورة أن يحصل الحزب على موافقة المحكمة الادارية لغرض تغيير برنامجه ، فهل أذا رفضت المحكمة الادارية هذا التغيير على الحزب أن يتراجع ؟ أم عليه أن يجري تغييرات ترضي السلطة التنفيذية فقط ؟ إن وجود هذه المادة الثامنة عشرة / ثانيا هو تدخل سافر بشؤون الاحزاب السياسية على المشرع أو مجلس النواب العراقي الانتباه لذلك وحذفها كليا .ويمضي مشروع القانون في محاولات فرض إرادة السلطة التنفيذية على الاحزاب فيفترض وجود رئيس للحزب وليس أمينا عاما أو سكرتيرا أو ما شابه ذلك ويفترض وجود نائب لرئيس الحزب وليس هيئة قيادة جماعية ، ويملي على الاحزاب أن يقود رئيس الحزب أونائبه إجتماعات المكتب التنفيذي أو الهيئة القيادية العليا !!! في حين إن التقليد الديمقراطي في أغلب الاحزاب الديمقراطية في بلدان العالم المتطور هو إنتخاب أحد الاعضاء في الهيئة لقيادة أي إجتماع لها مهما كان مستوى الهيئة وتكون مهمته قيادة الاجتماع فقط ويخضع لقيادته كل أعضاء الهيئة بما فيهم رئيس الحزب أو سكرتيره ، حيث إن ذلك يساعد على تطوير الكادر داخل الاحزاب وتعليمهم التجربة الديمقراطية والحزبية ، فلماذا يفرض مشروع القانون هذا الإجراء التنظيمي البحت ؟ وتستمر محاولات التدخل بفرض شرط عقد مؤتمرات الحزب في كل سنة لماذا؟ ماهي المتغيرات التي تفترض عقد المؤتمر سنويا ، أليس الاجدر جعل المؤتمر كل أربع سنوات إنسجاما مع الدورة البرلمانية ؟ ويفرض مشروع القانون على الاحزاب التبليغ وأخذ الموافقة على تحالفاتها ومن المحكمة الادارية أيضا !!! من المعلوم إن التحالفات هي جزء من نشاطات الاحزاب وعملها ربما حتى اليومي ، وقد تنشأ تحالفات في ظروف طارئة وقد لاتستمر مدة طويلة إنسجاما مع الحدث الذي من أجله تمت فلماذا أخذ الموافقة قبل التحالف ؟ وهل إذا رفضت المحكمة الادارية هذا التحالف فإنه سوف لن يتم ؟ أليس ذلك غريبا ؟ ومن يضمن إن المحكمة ستوافق على تحالف ضد الحكومة مثلا أو ضد بعض إجراءاتها . إن موضوع التحالفات يفترض أن يُترك الى قانون الانتخابات فهنا تتم التحالفات المهمة رغم إنها قد تكون وقتية لكن تسجيلها فقط وليس أخذ الموافقة عليها هو المطلوب لغرض تنظيم عملية التصويت وتحديد الكتل والكيانات المشاركة في الانتخابات لاغير وليس إستجداء الموافقة كما يريد مشروع القانون . وفي محاولة إتخاذ إجراء قسري بحق الاحزاب فإن الحزب الذي لا يشارك في دورتين إنتخابيتين للبرلمان أو لمجالس المحافظات أو البلديات يتم حله كما تريد ذلك المادة 40 من مشروع القانون ، ولا أدري أليس مقاطعة الانتخابات موقفا سياسيا ؟ ويحق لأي حزب أن يتخذ موقفه كما يشاء ؟ هذا إن كان الوضع ديمقراطيا ، فلماذا لا يحق للحزب التعبير عن موقفه بحرية وكما يشاء ؟ ثم إنه ـ أي الحزب ـ يعمل سياسة والمشاركة في الانتخابات أومقاطعتها إحتجاجا أو لظروف تخص الحزب هو عمل سياسي أيضا ومن حقه أن يتخذ الموقف الذي يراه مناسبا ، فلماذا يتم حله وفقا لهذه المادة المجحفة ؟ هل هناك من حاجة لإعادة القول إنه تدخل سافر في شؤون ومواقف الاحزاب حتى قبل أن تنشأ ، وإنه محاولة من السلطة التنفيذية لفرض أجندتها هي على الاحزاب وإخضاعها لمشيئتها السياسية .
موارد الحزب المالية : أعطى مشروع القانون الحق للحزب في تجميع موارده المالية من أعضائه ومناصريه على شكل إشتراكات أوتبرعات كما إنه أجاز للحزب الحصول على الموارد المالية من بيع أدبياته أو من نشاطاته الاجتماعية والثقافية وما تخصصه الدولة من ميزانيتها للاحزاب وتلك بادرة أيجابية ، لكني وددت التوقف عند ملاحظتين هامتين : الاولى تتعلق بالتبرعات فمشروع القانون لم يحدد سقفا لمبلغ التبرعات المستلم من الشخص( المعنوي) المتبرع وهذه ثغرة كبيرة فمن شأن التبرعات في مثل هكذا حالات أن تكون مبالغها مرتفعة جدا مما يثير علامات الاستفهام على مصدرها أولا وأيضا قد تكون وسيلة غسيل أموال أو إنها تهرب ضريبي ، كان الاجدر تحديد حد أعلى للتبرعات المستلمة وأيضا لابد للقانون الضريبي أن يحدد إن كانت  مبالغ التبرعات للاحزاب السياسية خاضعة للاعفاء الضريبي أم لا . والملاحظة الثانية هي تلك المتعلقة بتوزيع مبالغ الدولة على الاحزاب فقد أشارت المادة 52 الى طريقة توزيع مجحفة حيث يتم توزيع 30% من تلك المبالغ على جميع الاحزاب وتوزع الـ 70% الاخرى على الاحزاب الممثلة في البرلمان وحسب نسبة تمثيلها ، أي إن الاحزاب الممثلة في البرلمان تحصل على حصتين والثانية أكبر من الاولى حتما ، وبذلك فإن مشروع القانون يضمن لاحزاب السلطة حصة الاسد من الكعكة وهذا تمييز صارخ بين الاحزاب ، كان الاجدر بالقانون أن يساوي بين الاحزاب ويوزع المبلغ المخصص من ميزانية الدولة بالتساوي على الاحزاب بغض النظر عن وجودها في البرلمان أوخارجه فذلك جزء من مستحقات تلك الاحزاب على الدولة واجب التنفيذ .
خاتمة القراءة : يبدو مما تقدم أعلاه إن مشروع قانون الاحزاب السياسية يحمل الكثير من الهنات والثغرات ولا يصلح بشكله هذا ليكون قانونا ديمقراطيا منصفا تستطيع معه الاحزاب العراقية التشكل والعمل بحرية ، كان الاجدر إحالة كتابة مشروع القانون الى قانونيين محايدين ومتمرسين بشؤون القانون والقضاء حتى وإن لم يكونوا موظفين في الدولة ، والاستفادة من قوانين الدول الاخرى الديمقراطية وهذا ما متعارف عليه بالقانون المقارن ، كما لابد من عرض القانون على الاحزاب السياسية القائمة حاليا بغض النظر عن وجودها في البرلمان من عدمه لغرض المناقشة والاستفادة من الملاحظات قبل إعداده بصيغته النهائية وعرضه على البرلمان ، ففي ذلك توسيع لمشاركة القوى السياسية في تنظيم العملية الديمقراطية وضمان صيغة قانون أكثر تكاملا وتوافقا مع رغبات القوى السياسية العراقية وليس فقط رغبات القوى النمتنفذة في الحكم .

  كتب بتأريخ :  الإثنين 25-04-2011     عدد القراء :  2044       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced