ألاستعصاء العراقي بين إعادة الانتخابات والحراك الجماهيري
بقلم : تحسين المنذري
العودة الى صفحة المقالات

منذ عام ونيف والعراق يمر بحالة إستعصاء سياسي كبيرة تنعكس مردوداتها على الوضع الامني بشكل جلي فالتدهور الحاصل الان بشتى أشكاله ليس إلا مظهراً من مظاهر التدهور المريع الذي  يعاني من وطأته المواطن العراقي  والذي يمتد الى شتى المجالات لعل الجانب المعيشي وتدهور الخدمات من أكثر التجليات التي يعاني منها الانسان العراقي بشكل يومي ومحسوس . وفي ظل هذا التدهور والشد الكبير بين ألاطراف المتنفذة في الحكم برزت قضية إعادة الانتخابات كحل ليس دائما حتى في تصور من يطالب بذلك ، ذلك إن المشكلة أكبر من شخوص تربعوا على كراسي الحكم بقدر ما هي أزمة نظام الحكم الذي تمثل في التقسيمات المحاصصية وما ترتب عنها من تداعيات مريبة ربما أكثرها خطورة الان هو الفساد الاداري والمالي المستشري في كل أجهزة ومؤسسات الدولة تقريبا . ومن كل ما حصل ويحصل اليوم ذهب الكثير من الساسة للتفكير بحلول ربما تساعد في الخروج من المأزق الذي يمر به البلد منها كانت تشكيل حكومة أكثرية ، والتفكير بتحالفات جديدة ، وفكر البعض بإحتمال قيام إنقلاب عسكري تنظمه جهات ربما بالتعاون مع قوى دولية أو إقليمية ، وكانت أيضا فكرة إعادة الانتخابات كحل للازمة،  ولكي تتحقق هذه الفكرة فلابد في البدء من الاقدام على حل البرلمان والذي لا يتم إلا عبر طريقين لا ثالث لهما كما نص الدستور على ذلك في المادة 64 :
المادة (64):
اولاً : يحل مجلس النواب بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء و بموافقة رئيس الجمهورية، ولايجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء .
ويظهر من هذه المادة إن فكرة الحل تقف بوجهها عقبات جدية فإن كان تحقيق الاغلبية المطلقة لا يتم إلا عبر طلب من ثلث أعضاء المجلس أي بعدد ( 109) عضو في البرلمان ، فمن هي الكتلة التي تمتلك هذا العدد ؟ وحتى لو تم تحقيق نصاب الـ (109) عبر تحالف أكثر من جهة ،  فإن تحقيق الاغلبية المطلقة يصطدم بعقبات جدية ذلك، فكما تشير المادة أعلاه فإن الاغلبية المطلقة لثلث أعضاء البرلمان وليس لثلث الحضور في جلسة التصويت وهذا صعب المنال إعتمادا على ما كان يحدث من غيابات بعضها مقصودا وما ظهر من عدم الجدية لعدد غير قليل من الاعضاء في التعامل مع القضايا المصيرية التي كانت تطرح للنقاش في البرلمان، كما إن جل أعضاء البرلمان تهمهم مصالحهم الذاتية على حساب مصالح الكتلة أو الطائفة أو الوطن وهذا يتجلى من حجم التجاذبات والاستعصاءات ومراجع الاعضاء الفكرية والطبقية ، فهم في الاغلب الاعم جاءوا وفق توافق لمصالحهم الشخصية مع الكتلة التي ترشحوا عنها وليس عن قناعة فكرية ببرنامج أو توجه ما ، وإن إعتمدنا على توافق رئيس الوزراء مع رئيس الجمهورية على فكرة الحل فعلينا أن نعلم إن قرار اي من مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ليس مستقلا كما أثبتت الاحداث وإنما يخضع لتأثيرات ليس أقلها من قوى إقليمية أو دولية .لكن على فرض إن فكرة الحل ممكنة الحصول فما الذي سيحدث ؟
لقد إمتلكت القوى السياسية المتنفذة في الحكم خبرة إعادة إنتاج أو تكوين نفسها ، وإن تحصل تغيرات ما في التركيبة فإن محصلتها النهائية تبقى في الحفاظ على هوية الكتلة أو توجهها الطائفي بشكل عام ، وأيضا فإن أية تغييرات في البنية الاجتماعية التي أدت الى صعود هذه الكتل في الانتخابات السابقة لم يحصل الى الان لكي نراهن على العامل الطبقي في التغيير ، وكذلك فإن المراجع الفكرية للكتل الطائفية مازالت ذات تأثير قوي في الشارع العراقي وعلى حرية الناخب في التصويت ، والاهم إن القوى البديلة وأعني قوى التيار الديمقراطي مازالت تحبو ولا تستطيع أن تكتسح الشارع أو حتى تحقيق عدد مؤثر في البرلمان ، ومن ذلك يظهر إن القوى المتنفذة سوف تبقى نفسها في الحكم مع تغيير في الوجوه ومحافظة على شكل النظام المحاصصي ، ولاابد أيضا من مراعاة وضع جماهير التيار الديمقراطي والتي لا أتصور إنها تحتمل إنتكاسة إنتخابية أخرى . ومن حري القول التأكيد على إن إعادةالانتخابات تستلزم من جملة ما تستلزم تشريع قانون إنتخابات عادل غير الذي تمت الانتخابات الاخيرة بموجبه ، يضمن عدالة توزيع الاصوات وعدم تصديرها لغير الجهات التي صوت لها الناخب ، وكذلك قانون أحزاب ديمقراطي ليس الذي قدم مجلس الوزراء مسودته الى البرلمان لما تحمله هذه المسودة من هنات وثغرات وتوجهات تعطي مؤسسات السلطة الحاكمة إمكانية الهيمنة على الاحزاب السياسية الموجودة حاليا أو التي ستنشأ وفق القانون ، فمن سيشرع هذه القوانين ؟ أليس هو البرلمان الحالي بكل ما يحملة من مساوئ لم يستطع الى الان إظهار وجه إيجابي يكفل على الاقل تشكيل سليم للحكومة . وأيضا لابد من إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات ليس على الاسس القائمة عليها الان ، بل لابد من تجاوز فكرة التقسيم المحاصصي للمناصب فيها ، فهل ستتقبل قوى المحاصصة الحالية والمهيمنة على مقدرات الحكم تشكيل مفوضية إنتخابات من خارجها ؟ لا أتصور ذلك بالمطلق . وايضا مازالت ركائز الديمقراطية الهامة والتي تتم عبر تشريعات لم تنجز فلا قانون ناضج ينضم عمل منظمات المجتمع المدني ولا برنامج حكومي أوقانون يكفل إستقلالية النقابات المهنية ويمنع تدخل الحكومة في عملها ولا توجد ضمانات للحرية الفردية إجتماعيا أو سياسيا ، فكيف نستطيع أن نضمن تغيير ما في تركيبة برلمان المستقبل المنشود عبر الانتخابات المبكرة؟ هذا إضافة الى تأثيرات الوضع الامني والاقتصادي على حرية الناخب ووعيه في الاختيار . لذلك فإن فكرة إعادة الانتخابات تبدو أقل تأثيرا في إيجاد مخارج للازمة المستعصية التي تمر بها العملية السياسية في العراق ، ولا يوجد بديل أمثل من التوجه الى الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير وذلك عبر تطوير أساليب رفضها للواقع الحالي والخروج من محدودية الشعارات التي ترفعها إعتصامات الجمعة المتكررة من مطاليب تمس مجالس وهيئات محلية الى شعارات تعبر عن رفض التوجهات الفكرية والسياسية للقوى المتنفذة في الحكم وفضح أساليبها في المرواغة والتمويه والوعود الكاذبة ، ولعل تجربة مظاهرات يوم 25 شباط الماضي خير دليل على ذلك ، فالرعب الذي أصاب الحكومة ورئيس الوزراء شخصيا والاساليب التي لجأت اليها أجهزة السلطة في منع وقمع المتظاهرين خير دليل على ذلك ، وأيضا التداعيات التي نجمت عن إقالة ثلاثة محافظين(رغم إنه لم يأت ِ بديل أفضل منهم  ) ألا إن ذلك بجميع الاحوال كان هزة في كيان القوى المتنفذة في الحكم ، وأيضا ما أ ُشيع عن خلافات حادة داخل بعض الكتل حول مشروعية مطاليب المتظاهرين وأساليب التصدي التي إتبعتها الاجهزة الامنية وغير ذلك  ، كان كله مؤشر هام على فاعلية الحراك الجماهيري في تحقيق بعض المكاسب . لذلك فإن التوجه لتطوير هذا الحراك عبر تطوير شعاراته وأساليب التحشيد وأمكنته وأوقاته من شأنه أن يؤدي الى إحداث هزات في الحكم ينكشف معها  بشكل أكبر النموذج الردئ الذي تتبعه القوى السياسية صاحبة العدد الاكبر في البرلمان والذي من شأنه أن يقلل من إمكانية إستمرارها على الاقل بنفس أساليبها إن لم يكن تغيير في توجهات الناخب العراقي لاختيار الاكفأ والاصلح في إنتخابات تحتاج الى وقت لكي تختمر فيها فكرة التغيير المنشود.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 25-05-2011     عدد القراء :  1891       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced