“صحة الصدور” .. اختراع عراقي مهين
بقلم : عبدالمنعم الاعسم
العودة الى صفحة المقالات

لا إعرف من اخترع “صحة الصدور” هذه: كل وثيقة او معاملة رسمية وقرار وزاري وامر صادر من جهة حكومية عليك، اذا ما كنت صاحب “معاملة” في دوائر الدولة، ان توثق صدوره. كيف؟ ان تراجع الدائرة التي اصدرت الوثيقة(مرة ثانية وثالثة ورابعة) لتحصل منها على صحة الصدور، وبمعنى آخر، انك ستراجع كل دائرة حكومية مرات (وبعضها في بلدات متباعدة) يدخل فيما بينها ما يسمونه بـ”المعتمد” وهو موظف يقوم ما يقوم به عامل البريد في كل دول العالم(نقل المراسلات بين دوائر الدولة) او ما تقوم به اقنية الحاسوب في غالبية دول العالم.
“صحة الصدورة” هذه اختراع عراقي لمكافحة الفساد الاداري (أو هكذا يقال) صُمّم على قاعدة تقول:”كل مواطن يراجع دائرة حكومية متهم بالتزوير حتى يثبت براءته” والنتيجة هي حشر ملايين المراجعين يوميا في دوامة مضنية من المراجعات على شبابيك (في غالبيتها الساحقة) ضيقة، حاسرة تحت شمس الصيف المحرقة وزمهرير الشتاء القاسي، وتتكدس عليها حشود من البشر الضاجين بالصراخ على الموظف المسكين، الملوحين بايديهم، في مشهد مهين ومثير للشفقة والقرف، فان توثيق المراسلات وتدقيق صحتها ومكافحة التلاعب في الدول (لا الغابات) مسؤولية الجهاز الحكومي الذي يحرص في العادة على تسهيل الخدمة الادارية ويتفنن(كما يفترض) في توفير الوقت للمواطنين بدل إهداره في سلسلة معقدة ومهينة من المراجعات.
استطيع الاعلان (واعرف عن قرب) بان عشرات الالوف من المواطنين تخلوا تحت طائل “صحة الصدور” عن حقوقهم او عن محاولات الحصول على وثائق واصول وبيانات وقرارات ومراسلات تخص عائلاتهم او املاكهم او تقاعدهم او ذممهم، وذلك في منتصف الطريق لمراجعة الدوائر، وسيكون مفهوما ان يتعرض غالبيتهم الى ابتزاز موظفين فاسدين(او وكلاء او معتمدين) يستغلون محنتهم في مراجعات تمتد لاشهر، بل لسنوات طويلة، لغرض الرشوة والتلاعب.
وسيكون مفهوما اكثر، ومثيرا للسخط، الحال الذي تتعرض طوابير من نساء الاحياء الشعبية، من الارامل وضحايا التفجيرات والفتن الطائفية والساعيات الى حقوق التقاعد والمساعدة الاجتماعية اللواتي يجهلن مفاتيح المراجعات، إذ تنهكهن الدوامة اليومية، وتذلهن طلبات “صحة الصدور” التي تفرض عليهن التنقل المكلف والمهين بين دوائر الدولة وبلداتها ومحافظاتها من غير طائل، فيما تتخلى الدوائر الحكومية عن مسؤوليتها الادارية بتدقيق “صحة الصدور” بوسائل ادارية شفافة وسريعة، وتلقيها على كاهل المراجع.
اقول، اريد لهذا الاختراع الاداري العدواني ان يحارب الفاسدين، فكافح المواطنين بدلا عنهم، وأرادوا له ان يكون حلاً فصار كابوسا.
*
“مشكلتنا اننا لا نضحك من انفسنا.. لذلك لا نستطيع ان نتغيّر”.
آرت بوكوالد
********************
جريدة(الاتحاد) بغداد

  كتب بتأريخ :  الإثنين 04-07-2011     عدد القراء :  1886       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced