لعبة القط والفار
بقلم : عبد المنعم الاعسم
العودة الى صفحة المقالات

اعجبتني اللقطة التجريدية التي رصدها بول ديكس، وهو مراسل اذاعي الماني، عما يجري من حراك سياسي متوتر ومتسارع ومتخاشن في العراق. وكان قد قال انها تشبه لعبة القط والفأر، من بين اشياء كثيرة قالها، ورصدها ليست تعنينا في هذه الوقفة.
واللعبة قديمة، منذ ان كان للقطط دور كبير في تناسخ الارواح التي مرت بالشرق القديم، وظهور القط المقدس على حجارة الكهوف البورمية، ثم القط الرومي، والقط الفرعوني، وتخطيطات القطط في معابد التبت، ثم القط السيامي بلونه الرمادي، مرورا بهر المطابخ، واجيال قطط الكارتون، توم وجيري، المعروفة، فيما تنامى اخيرا شأن اللعبة مع دخول كتاب الرواية والقصص على عالم القطط والفئران، فكتب الدانيماركي هانز كرستيان اندرسن عن القطط كرمز للمنقطعين والعوانس، ثم كتب الكثيرون عنها كحيوانات مسلية للاطفال، ودخلت كتب تعليم الصغار مدخل الشعر: قطتي صغيرة. اسمها نميرة.
  وتتمثل لعبة القط والفار، باختصار، في فنون الوثوب والهرب، الاختباء والظهور، المطاردة والفخاخ، الجر والعر، واحسب ان هذا ما كان يقصده المراسل الالماني وهو يتابع ما يجري لدينا في الكواليس السياسية واروقة البرلمان، ويقول الجاحظ في (الحيوان) ان القط يراقب الفارة: " فإذا وثب عليها لعب بها ساعة ثم أكلها ، وربما خلى سبيلها ، وأظهر التغافل عنها فتمعن(الفارة) في الهرب ، فإذا ظنت أنها نجت وثب عليها وثبة فأخذها ، فلا يزال كذالك كالذي يسخر من صاحبه ، وأن يخدعه ، وأن يأخذه أقوى ما يكون طمعا في السلامة، وأن يورثه الحسرة والأسف ، وأن يلذ بتنغيصه وتعذيبه".
ومن زاوية يبدو ان لعبة القط والفار تنتسب، منذ الازل، الى العلم العسكري، حين كان (واستمر) الايقاع بـ"العدو" همّا للقادة والساسة، وعرف بالمناورة في ابسط تعريفاته اللوجستية.
في اللعبة العراقية، يشاء البعض(حين يكون فارة) ان يلقي على القط موصوف الشر، ثم يلقي عليه (حين يصبح قطا) اجمل صفات الوداعة، وفي هذه اللعبة يتبادل القط والفارة موقعهما باستمرار، فمن كان قطا في اللعبة  يصبح فارا في نفس اللعبة،  ومن كان في موقع المتمكن  والمترهّي، يوما، يصبح في الموقع الضعيف يوما آخر، ومن يَستضعف اليوم يستاسد غدا، ومن يحاصَر هنا، يحاصِر هناك، وتختلف المواقع باختلال القضايا المطروحة، وبحسب الانواء السياسية، وعلى وفق الصفقات والتحالفات والاوزان، لكن المهم في كل ذلك ان القط يبقى بامس الحاجة الى الفار، وان الاخير لا يستغني عن صاحبه.
  وتلك من شروط اللعبة. 
ـــــــــــــــــــ
كلام مفيد:
"اقسى الجولات التي خضتها كانت مع ملاكمين غير موهوبين".
محمد علي كلاي

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 20-05-2009     عدد القراء :  2611       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced