المناهج متخلفة....والأفق غائم !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

في بلاد تطفو على بحر من الذهب الأسود تنتشر مدارس طينية، وتكتظ أخرى بطلبة نازحين، وتستقبل ثالثة متهرئة ثلاث وجبات في اليوم .. وتتحول رياض المعرفة الى أنقاض مزدحمة كريهة الرائحة بسبب انهيار نظام الصرف الصحي في معظمها.
وبينما قتل المئات من الأكاديميين، وغادر آلاف الأساتذة المهددين الوطن، لم تتوقف ظاهرة رسائل التهديد التي ترهب أساتذة وطلبة.

وفي ظل ظروف مأساوية بات نظام التعليم، الذي كان الأفضل في منطقة الشرق الأوسط، في حال يرثى لها، بعد أن استكمل الخراب دورته التي بدأها نظام الحروب والاستبداد، فتحولت المدارس الى كوابيس في ظل "التحرير".
وفي العراق "الجديد"، حيث ثلث المواطنين البالغين أميون، ينتهك العنف أسوار الجامعات، وتنحدر هيبة الأساتذة بين طلبتهم، ويسود الطابع الطائفي والعشائري والحزبي الضيق، وتتراجع استقلالية معاهد العلم، ويتفشى الفساد. ولا ينتهي المسلسل عند حدود المناهج المتخلفة، المعتمدة على أسلوب التلقين السائد منذ عشرات السنين، ونحن في عصر المعلوماتية والانترنت.

ويمكن القول، بايجاز، إن مأساة التعليم تتجلى، بشكل رئيسي، في تدهور مستوى التعليم، وتخلف المناهج الدراسية وطرق التدريس، وغياب ستراتيجية تربوية وتعليمية حقيقية، وعدم وجود أفق واضح للخريجين، مما أدى الى أزمة ثقة بالمستقبل، وتوجه الأنظار الى الهجرة، فيما يضطر بعض المحبطين الى الوقوع ضحية الكآبة والمعاناة السايكولوجية المريرة، بل وحتى الى الانخراط في النشاط الارهابي والجريمة المنظمة.
وبينما كشف تقرير صادر، مؤخراً، عن وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية أن 72 في المائة من المدارس الابتدائية داخل العراق تفتقر الى الشروط الصحية، قال عضو في البرلمان، أواسط الشهر الحالي، إن لدى لجنة التربية والتعليم في البرلمان وثائق تثبت تراجع الواقع التربوي. وأعرب النائب عن قلق لجنته من إخضاع المؤسسة التربوية للمحاصصة الطائفية، مشيراً الى أنها أدت، حسب تعبيره، الى انهيار المنظومة التربوية، ومضيفاً أن اللجنة تمتلك وثائق تثبت انعدام البيئة التربوية السليمة في المدارس.

وفي هذا السياق أشارت تقارير منظمات معنية بشؤون التربية والتعليم، بينها اليونسكو، الى استمرار تردي أوضاع التعليم في العراق في السنوات الأخيرة. فهناك نقص في عدد المدارس وتجهيزها وترميمها. وفي ظل أجواء انفلات وغياب للمحاسبة تتجلى مظاهر اللامبالاة وعدم الالتزام بالدوام، وتستفحل حالات الغش في الامتحانات، وتتزايد خشية المدرسين من طلابهم، ويتدنى مستوى الطلبة وتضعف متابعة الأهل لأبنائهم، وتتسرب أعداد كبيرة من الطلاب لأسباب مختلفة، بينما تزج عوائل أطفالها في العمل بسبب الضائقة المعاشية. وبدل أن تقوم وزارة التربية، التي لديها فائض ميزانية، بتجهيز المدارس بالكومبيوترات، تترك الأمر الى رحمة بعض منظمات المجتمع المدني التي تزود عدداً محدوداً جداً من المدارس ببعض الأجهزة.

أما على صعيد التعليم العالي فهناك ضعف التمويل وانخفاض المستوى العلمي وهجرة الكفاءات والافتقار الى الخطط الستراتيجية على صعيد البناء الهيكلي او الأداء المهني، ومحدودية الاستقلال المالي والاداري والعلمي، فضلاً عن قدم الأبنية والقاعات الدراسية والأقسام الداخلية، وضعف مشاركة الأساتذة في المؤتمرات العلمية ومحدودية الصلات مع العالم الخارجي، ناهيكم عن عدم توفر سوق عمل للخريجين للاسهام في عملية التنمية.
وبينما تغيب النوادي الثقافية والورش الفنية ومراكز العلوم عن كليات الجامعات، تستمر التدخلات الحزبية والطائفية منتهكة الحرم الجامعي وحقوق وحريات الطلبة.

وأما المناهج الدراسية فانها تتسم بالتخلف والعزلة الخانقة المرتبطة بالثقافة السائدة والعقل المحافظ الذي يميل الى التمسك بالقديم، وهذا هو ما يعوق أهداف التنمية. وبينما يرى البعض أن تخلف المناهج يعود الى نقص الكفاءات العلمية وهجرة العقول، يرى آخرون أن الأمر مرتبط بالتخصيصات المالية وعزلة العراق عن العالم على مدى عقود من الزمن. ومهما يكن من أمر فانه لا يمكن تغيير المناهج إلا عبر خطة ستراتيجية بعيدة المدى يشارك فيها خبراء وأخصائيون، فضلاً عن سائر المعنيين بتطوير العملية التعليمية والتربوية في البلاد.

وعلى أية حال فانه ليس من العسير القول إن حل معضلة التعليم يمر عبر الارتقاء بالمناهج التعليمية وطرق التدريس وتوفير مستلزمات العملية التعليمية من تمويل ومنشآت وأجهزة، وتعديل للرواتب وتحفيز للكادر التعليمي عبر توفير السكن اللائق والنقل، ومساعدات مالية كافية للطلاب تحول دون التلكؤ أو التسرب. هذا ناهيكم عن توفير فرص متكافئة للطلبة في ما يتعلق بالبعثات، وتطوير العلاقات مع المؤسسات التعليمية في الدول الأخرى، وتشجيع القطاع الخاص، وفي إطار ضوابط محددة، على الاسهام في العملية التعليمية.
* * *
لا يمكن إزالة عواقب فكر البعث الفاشي، المستند الى إلغاء العقل النقدي والتفكير المستقل، وغسيل الأدمغة ووحدانية المعرفة والمنهج "المقرَّر"، وكل ما ارتبط بذلك من مناخات ماتزال تأثيراتها قائمة في المجتمع، الى هذا الحد أو ذاك .. لا يمكن ذلك إلا عبر خطط ستراتيجية متكاملة، وكوادر وطنية كفوءة، ومناهج دراسية متطورة، ومناخات بعيدة عن الطائفية والآيديولوجيا والتسييس، ناهيكم عن ضرورة إشاعة أجواء المعرفة النقدية وتعددية الرأي ونمط التفكير الديمقراطي وثقافة حقوق الانسان.



طريق الشعب - 26/5/ 2009

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 27-05-2009     عدد القراء :  2502       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced