مظهر من الانحطاط والهمجية والعداء للثقافة والإفلاس السياسي
بقلم : عادل حبه
العودة الى صفحة المقالات

أثار الاعتداء الهمجي الذي نفذته دوائر المخابرات السورية و"الشبيحة" على الفنان السوري المبدع علي فرزات موجة من الغضب الشعبي والادانة  العارمة ضد هذه الممارسات التي تعبر بكل المقاييس عن نزعة الانحطاط والافلاس السياسي والعجز في إدارة الدولة السورية. إن مثل هذه الممارسات جربها العديد من جبابرة العالم ولكنها لم تنقذهم من المصير المحتوم، بل وإنها عمقت من عزلتهم وقرّبتهم من نهايتهم. جربها القياصرة الروس، وجربها التكفيريون في عهود الظلام الأوربية ضد العلماء والمبدعين. كما سار على نفس الدرب هتلر بحرقه الكتب ونتاجات المثقفين الألمان وملاحقة المثقفين والمبدعين، كما مارسها موسليني في إيطاليا وستالين في روسيا. ولكن هذه الممارسات لم تنقذ هؤلاء الجبابرة من نهايتهم الدرامية ولعنة التاريخ الأبدية. وأبدع جبابرتنا العرب في ممارسة هذا الأسلوب عندما حرم المئات من المثقفين والمبدعين المصريين في عهد عبد الناصر من ممارسة حريتهم في الابداع وزج بهم في سجون الديكتاتورية، وأذاب أجساد آخرون في حمامات الأسيد. كما مارسها بتفنن حكام البعث في العراق والطاغية صدام حسين عندما وجه كل شروره ضد المبدعين، وقتل منهم من قتل وزج آخرون في السجون، وفرض على الكثيرين منهم الهجرة، وقام بحملته المشينة في وشم الجباه وقطع الألسن والآذان. وما يزال أتباعه يمارسون في العراق نفس الجرائم  ضد المبدعين. كما  تفنن في ممارساته هذا النمط من الهمجية معمر القذافي الذي لم تقتصر ممارسته في إبادة أبناء وبنات الشعب الليبي الشقيق، بل تجاوز هذا البطش والشرور إلى قتل وخطف العرب وغير العرب أيضاً. ولكن لكل طغيان نهايته، ولكل شر مصيره، كما نرى اليوم مصير هؤلاء الطغاة.
ويبدو أن حكام سوريا لا يريدون الاتعاض من كل هذا الركام  المشين لجبابرة العالم. فلا يتردد حكم البعث في سوريا عن ممارسة نفس الأساليب لفرض سطوتهم على الشعب السوري الشقيق. فقد تحولت الدولة السورية في عهد البعث إلى دولة بوليسية ومخابراتية من أسوأ طراز. فالدولة بدأت في عهدهم بدولة للبعث لتتحول تدريجياً إلى دولة الطائفة ثم العائلة وأخيراً الفرد، تماماً كما حدث عندنا في عهد البعث العراقي. ولم يتردد هذا النظام في نقل ممارساته خارج الحدود السورية ليجهز على كمال جنبلاط وشخصيات لبنانية كسليم اللوزي وشقيقه وجبران تويني "لتأديبهم" على مقالات انتقادية ضد ممارسات الحكم السوري في لبنان. واستخدم الحكم أدوات لبنانية مأجورة للقضاء على من يخالفهم في لبنان، حيث جنّدوا حزب الله وبلطجيته لاغتيال المفكر حسين مروة ومهدي العامل ولاحقاً رفيق الحريري وسمير القصير وجورج حاوي والقائمة تطول لو عددنا جميع هذه "المآثر". كما احتضن هذا النظام شبكات الارهاب والتخريب والقتل ضد العراقيين بعد الاطاحة بخصمهم القديم وبحليفهم الجديد صدام حسين .
وكان آخر "إبداعات"  النظام هو ما مارسه ضد شعبه ومبدعيه خلال الثورة الشعبية العارمة للشعب السوري الشجاع منذ شباط الماضي. فقد تم قطع حنجرة المغني السوري "إيراهيم خشوش" على خلفية أغنيته "ارحل يا بشار". وأخيراً ما تعرض له الفنان السوري المبدع علي فرزات من تعذيب وضرب على خلفية الرسوم  الكاريكاتورية التي تحمل نقداً لاذعاً للنظام.
    إن الفنان علي فرزات قد بلور مواهبه " بفضل ممارسات المستبدين في عالمنا العربي" على حد قوله. وكان من بين الفنانين والمثقفين العرب القلائل الذين وقفوا إلى جانب العراقيين في محنتهم مع طاغيتهم صدام حسين، في وقت كان العديد من الفنانين والمثقفين العرب يتهافتون من المحيط إلى الخليج للتغزل بـ"نخلة" العراق المزعومة. وجازف الفنان علي فرزات بعرض كاريكاتير مؤثر ضد صدام حسين في معرض الصور الكاريكاتورية في باريس في العشرين من حزيران عام 1988، مما أثار حفيظة السفير العراقي في باريس عبد الرزاق الهاشمي والملحق "الثقافي" العراقي في السفارة، وأمطروه بالتهديدات وبالويل والثبور، وضغطوا على منظمي المعرض من أجل رفع هذه اللوحة. ولكن هذه الممارسة الشاذة المعادية للأبداع استنفرت كل المشاركين وهددوا بالانسحاب في حالة رفع الصورة. وهكذا فشل سفير صدام في تحقيق مآربه.
وسَخَر الفنان عبر لوحاته التي تتميز بعمق التعبير والمهنية والتكنيك الرفيعين من الجبابرة العرب حكاماً و "زعماء" ممن يتحايلون على شعوبنا ويزورون إرادتها بالعصا والجزرة. وهذا ما أثار نقمتهم عليه والكيد له ومحاربته. لقد كان الفنان يعالج بمهارة في لوحاته ثقافة بالية أريد ترسيخها في مجتمعاتنا ليبقى مواطنوها أذلاء وطيعين وجهلة، ولكي يبقى الحاكم ورئيس الحزب والطائفة ولياً متربعاً على كرسيه إلى الأبد، ومستعداً للأمساك بـ"لحية" الآخرين من أجل تحقيق ذلك.
بالطبع لابد وأن تحتل محنة الشعب السوري والمس بكرامته من قبل "الحزب القائد"، وما تتعرض له سوريا الشقيقة من انتهاكات في كل جوانب الحياة حيزاً كبيراً في هموم الفنان علي فرزات الإبداعية. فتراه يعيش حالة فقدان ثقة الشعب بالحكم تارة، وتارة أخرى يلقي الضوء على نهب وهدر ثرواته، ثم على هشاشة نظامه السياسي. ولم ينس أن يعرج على فضح شلة المثقفين من وعّاظ السلاطين الذين تحدث عنهم مفكرنا الكبير علي الوردي.
إن الفنان المبدع والموهوب علي فرزات يطلق في لوحاته المعبرة صرخة موجعة ومدوية تعبر عن هاجس كل مواطن في بلداننا العربية ضد الظلم وانتهاك كل كرامة الإنسان العربي، والذي تمارسه كل الأنظمة العربية تقريباً. هذه الأنظمة التي أرادت تحويل المواطن العربي إلى تابع وليس إلى مواطن حر. ولعل خير وصف لذلك ما عبر عنه أحد المواطنين العراقيين لمراسل جريدة الحياة في زمن "القائد التاريخي"، عندما قال متحدثاً عن حال العراقيين آنذاك:
"القائد التاريخي يحوّل المواطنين مزيجاً من العبيد والكلاب. يشعرك بأن الأرض ملكه، وقَبِل باستضافتك عليها شرط أن تبيع حريتك وإنسانيتك. في المكتب تجلس تحت صورته. وفي الشارع تمر قرب تماثيله. يشعرك بأنه يملك بيتك وأطفالك. وأنك تعيش لأنه لم يقرر بعد أن يقتلك. ظلّه حاضر في غرفة الجلوس وغرفة الطعام ويكاد أن يحضر في غرفة النوم أيضا". و يسترسل هذا المواطن العراقي قائلاً :"القائد التاريخي يلتهم البشر والحجر. يلتهم النشيد الوطني ويسمم الكتب والأنهار ويزوّر مخيلات الأطفال. لن أنجب طفلاً في هذا البلد كي لا يحوّلوه كلباً. سأغتنم أول فرصة للهروب الى الخارج. الى بلد لا يرتكب إثماً من قماشة إنجاب وحش اسمه القائد التاريخي".
فالفنان علي فرزات يعيش هذه المعاناة للمواطن وهاجسه في البلدان العربية عندما يبدع في لوحاته. ولهذا جذب الملايين من العرب المكتوين بنار "القادة التاريخيين"، تماماً كما أثار غضب وتكفير هؤلاء القادة التاريخيين وغلمانهم الذين أعتدوا عليه بالضرب عند ساحة الأمويين في قلب دمشق الفيحاء. هذا العمل المزري ما هو إلاّ دليل إفلاس سياسي وقرب تمتع الشعب السوري بكرامته وحرياته الديمقراطية وانتقاله إلى درب التحرر من قيوده وثقافته البالية.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 31-08-2011     عدد القراء :  1965       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced