ثورات الربيع العربي والتدخل الخارجي ليبيا نموذجا
بقلم : تحسين المنذري
العودة الى صفحة المقالات

شكلت التغيرات الثورية التي مازالت جارية في بعض البلدان العربية محطات توقف مهمة للبلدان الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية ، حيث المصالح الغربية المترسخة في المنطقة والتي تلقى رعاية كبيرة من لدن الكثير من الانظمة التي انهارت أو التي في طريقها للانهيار ، وأيضا الثروات الكبيرة التي تتمتع بها دول المنطقة ولا سيما النفط والتي تشكل احدى أهم مصادر الطاقة في العالم ،كل هذا وغيره حفز دول الغرب وحلفاؤها في المنطقة على التدخل بشؤون الثورات تلك وبشتى الطرق يمكن إجمالها بالاشكال التالية :
1- التدخل العسكري المباشر ـ ليبيا والبحرين نموذجا
2- التدخل السياسي والدبلوماسي  ـ كل البلدان التي حدثت فيها ثورات
3- التأثير الاعلامي الموجه وبشكل خاص ماتقوم به بعض الفضائيات العربية الموالية للغرب
4- الضغوطات الاقتصادية المباشرة مثل العقوبات التي اتخذتها دول الاتحاد الاوربي واميركا ـ سوريا وليبيا نموذجا ، وبعض التهديدات التي رافقت الثورة المصرية ومازالت بقطع المساعدات وعدم تشجيع السياح لزيارة مصر بحجة عدم الامان
5- التدخل المخابراتي والذي لم يشكف النقاب عن حيثياته الى الان لكن رائحته تفوح مع كل تصرف وموقف غربي
كان العقيد القذافي دكتاتورا أهوج بإمتياز، فعلى الصعيد الدولي كسب عداء الرأي العام العالمي ودولا كثيرة نتيجة لرعايته وتنفيذه أعمالا إرهابية أشهرها إسقاط طائرة (بان أميركان) فوق منطقة لوكربي ، وعلى الصعيد الافريقي زج بجيشه في حروب عبثية لاناقة له فيها ولا جمل مثل الحرب مع تشاد ،وعربيا إمتلك خصومات كثيرة نتيجة لمواقفه المتسرعة وسياساته المبنية على رد الفعل غالبا وغير المدروسة في الكثير من المواقف إضافة الى سلاطة لسانه بما لا يليق ودبلوماسية رئيس دولة ، أما على الصعيد الداخلي فقد مارس سياسة العسف مع كل خصومه بما فيهم رفاقه في ثورة الفاتح ، ولم يكن هناك أي شكل من أشكال الحرية ، فلم تشهد ليبيا وجود أي تنظيم سياسي أو نقابي ، وعلى الصعيد الاقتصادي شكل النفظ المورد الوحيد للاقتصاد الليبي دون إعارة أي إهتمام لانشاء أو تطوير البنى التحتية الضرورية لقيام إقتصاد متوازن ، بل العكس كان الاقتصاد الريعي هو السمة الوحيدة في ليبيا والذي أدى ليس فقط الى تخلف ليبيا إقتصاديا بل وأيضا الى تحكم القذافي وعائلته بمصير ليبيا وعلى كل الاصعدة ، فتحولت الدولة الغنية تلك الى ضيعة لحساب الدكتاتور وعائلته ومقربيه ، في مقابل شعب يعاني أكثر من نصف سكانه من حالة الفقر والحرمان ، هذا إضافة الى عزل ليبيا علميا وحضاريا بطريقة جعلت الشعب الليبي وكأنه مجموعة بشرية تعيش على هامش التاريخ أو هو شعب يعيش في القرون الوسطى . الى جانب هذا فقد إستفاد الدكتاتور الليبي من سيادة العلاقات القبلية في المجتمع حيث إعتمد على الولاءات القبلية في تقريب وإبعاد البعض مما أحدث شرخا في العلاقات الاجتماعية على الصعيدين القبلي والمناطقي . إن كل هذا وغيره الكثير كان كفيلا بأن يشعل ثورة في أي لحظة، فقد توفر أهم عامل فيها وهو عزلة النظام عن الشعب ، وما ثورتي تونس ومصر ألا عواملَ دفع ٍ شجعت الناشطين على الاستعجال بالقيام بعمل ما للاطاحة بالعقيد ورهطه ، فكان يوم 17/ شباط بدء الانطلاقة الكبيرة لمظاهرات عمت اغلب المدن الليبية وتركزت بشكل اكبر في مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية ، فكان الموقف الدولي سريعا في تأييد الانتفاضة وكأن العالم كان ينتظر فرصة الاعلان عن رفضه للقذافي وحكمه ، وتتالت التطورات بشكل سريع ، ففي أقل من إسبوع يقرر الاتحاد الاوربي فرض عقوبات على ليبيا وعدم منح تأشيرة سفر لليبيين ، ودخلت الجامعة العربية على الخط ضد القذافي ونظامه وفعلت الشئ نفسه أغلب الدول العربية منفردة وكان الموقف الاكثر حدة هو موقف دول مجلس التعاون الخليجي ،وتعطلت نشرات الاخبار في أغلب الفضائيات العربية وأكثرها إنتشارا عن بث أي شئ عدا ما يجري في ليبيا ،  وهكذا تسارعت الاحداث داخل ليبيا وخارجها وبدت حدة التصريحات تزداد سخونة حتى جاء قرار مجلس الامن المرقم 1973 في 18/3 /2011 ليضع الصورة في قلب الاطار ، حيث فرض حظرا جويا على الطيران الليبي وسمح للدول الكبرى بتوجيه ضربات عسكرية ، وبادرت فرنسا وأيطاليا وبريطانيا واميركا بتنفيذ القرار ( الاممي ) هذا ، ففي فجر 19 / مارس بدأت الغارات الجوية على أبرز الاهداف العسكرية الليبية وبعض المنشآت ذات الاستخدام المزدوج مثل المطارات والطرق والبنايات الحكومية ، وصارت الحرب ضد ليبيا واقع حال يسانده إعلام غربي وعربي ضخم مصورا إياه وكأنه الحاسم للموقف والناصر الاهم لثورة ليبيا .في خضم كل هذا دخلت المحكمة الدولية في لاهاي على الخط بإصدارها قرارا قضائيا بإدانة القذافي نفسه وأبنه واحد أقرب مساعدية.إن هذا القرار رغم إنه يبدو للوهلة الاولى وكأنه إنتصار أممي للعدل وملاحقة للمجرمين أينما كانوا ، إلا إنه وضع الدكتاتور الليبي أمام خيار السلاح فقط ، لإنه قطع الطريق على حل مغادرة القذافي ليبيا لاجئا في بلد ما ، ذلك إن القذافي صار يخشى أن يتم تسليمه إذا ماطلب اللجوء في أي بلد ، وأيضا فإنه لم يبق ِ بلداً يرضى بإستضافة القذافي لاجئا خوفا من ملاحقة القضاء والسمعة الدولية السيئة التي تلحق به إذا ما إستضاف القذافي ، لذلك جعل من الحل العسكري هو الحل الاوحد والقتال الى النهاية خيار القذافي الوحيد ، وهذا ما حصل فعلا وإستثمرت دول الناتو ذلك لتبرير وزيادة هجماتها الجوية على أهداف منتقات في ليبيا .
على الصعيد الداخلي برزت تنظيمات سياسية كان بعضها قائم مثل الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا وهو خليط سياسي غير متجانس تأسس خارج ليبيا عام 1982 وتنظيمات اخرى متناثرة أغلبها ذات طابع إسلامي مثل الاخوان المسلمين الذين كانوا على علاقة أيجابية مع النظام الليبي من خلال سيف الاسلام القذافي ، وأيضا تنظيم متشدد آخر هو " الجماعة الاسلامية المقاتلة " وهو تنظيم ليبي تأسس في أفغانستان وله إمتدادات هنا وهناك في الداخل الليبي،إضافة الى عشرات التنظيمات الصغيرة الاخرى والتي في أغلبها ذات طابع أسلاموي متشدد، لكن الاخطر في كل هذا هو بروز ميليشيات مسلحة قبلية الانتماء إسلامية الهوى لاتشترك فيما بينها سوى بهدف واحد هو إسقاط النظام، بل وإنها حتى لاتدين بالولاء للمجلس الانتقالي الليبي الذي تأسس بعيد بدء الانتفاضة سوى الاستفادة منه كغطاء سياسي أمام العالم ،وهي أي هذه المليشيات تعمل بأوامر قادتها بغض النظرعما يريده أو لايريده المجلس الانتقالي وفي هذا خطورة كامنة قد تبرز لاحقا إذاما إستتب الامر وأنهار نظام القذافي بالكامل .
في ظل هذا التعقيد في الوضع ظل الغرب مراهنا على خيار الحسم العسكري فسلح الثوار بطرق شتى ، وإستخدم الغارات الجوية الليلية بشكل خاص الى أن تمكن الثوار من دخول العاصمة طرابلس وهروب القذافي الى مكان ما في ليبيا وإدارته مع بعض من أفراد عائلته لعمليات قتالية متناثرة مع تمركز لها في بعض البلدات الموالية للقذافي ، وهذا يعني إستمرار الوضع مليشيويا لا تلوح في إفقه رغبات حقيقية في تأسيس جمهورية جديدة تقوم على الديمقراطية والتعددية كخيار أمثل للمستقبل ، سوى بعض التصريحات المبتورة لبعض أعضاء المجلس الانتقالي بالتحضير لكتابة دستور دائم وإختيار وليس إنتخاب أعضاء البرلمان القادم بنفس طريقة إختيار أعضاء المجالس الشعبية السابقة ، أي إنتخاب لجان في المناطق والمدن ومنها يتم إختيار برلمان عام كما كانت الامانة العامة للقيادات الشعبية في زمن القذافي .وفي الاستناد الى تجارب أخرى تدخل فيها الغرب وأميركا عسكريا فإن الوضع سيبقى كما هو الان ، وجود مليشيات مناوئة لبعضها وحكم مركزي ضعيف وممارسات تسمى ديمقراطية لكنها تكرس مصالح ونفوذ الغرب . وربما سيتم تحريك تلك المليشيات لزعزعة الوضع متى ما تشاء إرادة الغرب ولتمرير صفقات لا تخدم الشعب الليبي بالتأكيد بقدر خدمتها للمصالح الغربية .
إن للحرب كلفة على الليبين التهيوء لدفعها وحسب عسكريين من الناتو قالوا إن كلفتها بلغت ( الف مليار ) دولار أمريكي  وهذا يعني بقاء ليبيا بلد تفوق مديونيته وارداته لعشرات السنين القادمة ، وما قامت الغارات الجوية بتدميره سيتم بناؤه من الخزينة الليبية أيضا والمنفذون شركات غربية !!! كما إن العقوبات التي فـُرضت على ليبيا سوف لن يتم رفعها بسهولة بل إنها ربما ستملي على الحكم الجديد في ليبيا شروطا جديدة تجعله تابع دائم لمشيئة الغرب ، بل وحتى التشريعات سترتهن لما يريده الغرب وبما يخدم أهدافه وستراتيجيته ليس على المستوى الليبي فقط وإنما على الصعيدين الافريقي والشرق اوسطي .
لكن الاخطر هو إن هذا التدخل قد شوه سمعة ثورات الربيع العربي وجعل منها وكأنها رغبة غربية في تبديل الوجوه الحاكمة ، وإنسحب التشكيك الى كل ما تقوم به الشعوب من محاولات تغيير فكأنها امست إلعوبة بيد الغرب ، وإستفادت من هذه التشويه أنظمة عربية مؤهلة للسقوط على أيدي شعوبها، فهل هذا هو الهدف الاهم لاميركا والغرب ؟؟؟

  كتب بتأريخ :  الجمعة 02-09-2011     عدد القراء :  1982       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced