مافيات المقاولات.. فتّش عن التواطؤ الحكومي والتلاعب في مناقصات المشاريع
بقلم : إيناس طارق
العودة الى صفحة المقالات

تظهر بين الحين والآخر العديد من المشاريع الاعمارية ويشاهد الناس الآليات وهي تنزل بثقلها المهيب لتغير معالم المكان وما تلبث الشركات المنفذة أن تفتح الباب لفرص العمل فيزدحم المكان ويتولد شعور بالفرح ويتقد الأمل وتكتسي الوجوه بالبهجة.

وما أن يبدأ عمل الشركات المنفذة ولجان المتابعة الحكومية، وما أن يمر الأسبوع الأول أو الشهر الأول، حتى تتوقف الآليات عن الزمجرة وتختفي تاركة حفراً وأكواماً من التراب ويعرف الجميع بعدها بأن المقاول اختفى بعد تسلمه مبلغ السلفة الاول من العقد المبرم مع الدائرة المستفيدة.
بعدها بزمن تبدأ سلسلة الاجراءات الادارية والقانونية بحق المقاول وشركته التي يتضح انها وهمية او غير قادرة ماديا ولا تمتلك خبرة واختصاصاً بمثل هذه المشاريع وتتوالى تصريحات المسؤولين ويشتعل النقاش وتطلق التطمينات . وبعدها بأيام يحل الصمت ويبتلع النسيان كل شيء.  مصادر موثوقة من داخل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية  قدمت  للمدى أوراقا ومعلومات مهمة تتحدث عما يجري في دائرة المشاريع والإعمار، واجراء مزايدات علنية ترسو على شركات غير متخصصة الامر الذي يؤدي الى ضياع مليارات الدولارات بسب الفساد المالي والاداري. هذه الشركات قدمت أوراقها على انها تمتلك خبرة كبيرة في مجال الإعمار، وعلى هذا الأساس فازت بعقود تنفيذ خاصة ببناء وتطوير عدد من المباني الحكومية، فضلا عن عدد كبير من المشاريع الخدمية. لكنه تبيّن في ما بعد انها لا تمتلك الخبرة الكافية لتنفيذ المشاريع بمواصفات عالية، ما دفع العديد من المقاولين الى الهرب لجهات غير معلومة او تترك المشاريع دون تنفيذ، او عدم الشروع بها أصلاً.

صفقة داخل الوزارة
مبنى متكون من طوابق عدة يقع داخل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هجره المقاول صاحب شركة (الق..... ) بعد أن استنفذ ماله. هذا المقاول ( الشجاع والمحظوظ ) استطاع ان يدير دفة المقاولة ويحولها كما يرغب بعد ان وافق مدير عام المشاريع في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية  على إرسائها لصالحه وتعهد المقاول خطياً بأنه سوف يقوم ببناء ثلاثة مجمعات  وبمدة 7 اشهر فقط  في حين المدة المحددة من وزارة التخطيط ووزارة الإسكان والتعمير وضمن الشروط المطروحة في المناقصة  التي أعلنت منذ عام 2010 ،سنتان والغاية من هذه البنايات هو سد الحاجة الملحة لاستيعاب الاعداد الكبيرة من الموظفين الذين ضاقت بهم بنايات الوزارة لقدمها وضيق غرفها. وحسب تصنيف الاتفاق فان المبنى الاول يكون لدائرة الرعاية الاجتماعية، والثاني  لذوي الاحتياجات  الخاصة، والثالث لدائرة  إصلاح الأحداث.
الشركة تبني والمقاول يستلم ثلاثة مليارات والمركز الوطني للمختبرات الإنشائية" الخاص بفحص المواد المستخدمة  في بناء المجمعات يؤكد ضمن تقاريره ان المواد المستخدمة غير صالحة ولا تطابق المواصفات القياسية لمواد البناء وهذا الامر يكون خطيراً لان المبنى سوف يكون معرضا للانهيار بعد مرور فترة من الزمن.
بعض المتخصصين قام بإجراء  تحقيق في الوزارة  مع المقاول لكن مساعدة "الخيرين"  وأصحاب القرار جعلت المقاول يستعين  باستشاري من مكتب الاستشارات الهندسية التابع للجامعة المستنصرية والذي يستلم مقابل استشاراته 2 مليون دينار سنوياً من الوزارة المعنية بالأمر. الاتفاق  تم كالآتي: المقاول ومساعدوه من داخل دائرة المشاريع يتفقون مع الاستشاري القادم من الجامعة المستنصرية الذي يجلب معه طلابا يدربهم على كيفية فحص التربة والمواد المستخدمة في البناء. التقرير يرفع إلى الدائرة يتضمن ان المواد المستخدمة مطابقة للمواصفات القياسية والدائرة المعنية بالأمر في الوزارة تهمل تقرير المكتب الوطني للاستشارات الهندسية وبالمقابل الاستشاري يستلم مبلغا معقولا لقاء ذلك. 
المباني ما زالت على حالها شامخة ولم تكتمل والشركة تستثنى من الغرامة التي تكون ضمن بنود المناقصة والتي تنص على ان تدفع نسبة 10%  من مجموع مبلغ المقاولة في حالة التأخير وعدم إكمال البناء وللعلم فقط ان الشركة مازالت تحصل على مناقصات من الوزارة ولها الأولوية في ذلك.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل الفساد المالي وهدر المال العام يستمر من خلال إعادة إعلان إنشاء مجمع إصلاحي في البصرة والديوانية حيث ان الدائرة القانونية في قسم العقود وبتاريخ 25/8/2011 تعلن ان لجنة العقود المركزية قررت باجتماعها المنعقد بتاريخ 19/7و18/8/2011 إعادة إعلان مناقصة إنشاء مجمع إصلاحي نموذجي في البصرة وإنشاء مجمع إصلاحي نموذجي في الديوانية وذلك لعدم توفر الشروط في العطاءات المقدمة من قبل الشركات للمناقصتين اعلاه مع "الغاء شرط ان تكون الشركات متخصصة ببناء المجمعات الاصلاحية (السجون )، دائرة المشاريع والاعمار والتصاميم والاستشارات الهندسية ومديرها المهندس عمار السوداني توافق على الغاء الشرط بكتابها المرقم 12088 والصادر بتاريخ 28/8/2011 للعلم فقط إن السوداني كانت له ملفات هيئة النزاهة وطرد من عمله السابق  في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بعد ان كان رئيس قسم  في وزارة الصناعة والمعادن عام 2005، فيعاقب ليصبح مدير عام دائرة المشاريع العامة.
المناقصة تم اعلانها مرتين فقط في حين ان وزارة التخطيط تؤكد ان المناقصات لابد من اعلانها ثلاث مرات في الصحف ومبلغ الاعلان يدفع على من ترسو عليه المناقصة ، كما ان المعلومات المهمة تؤكد ان اعلان  هذه المناقصة نزل ولم يشرح كافة الشروط المطلوبة لانشاء المجمع علما ان سعر شراء "التندر" مليون دينار وبعد 20 يوما تتفاجأ الشركات التي قامت بشراء التندر والتي قدمت على المناقصة ان شرط التخصص قد الغي وهي بذلك انسحبت.

خبراء الاقتصاد
الخبير الاقتصادي إبراهيم صالح قال: إن هذه الشركات والمقاولين الطارئين اثرت كثيرا على سير عملية الاعمار في العراق ، وأدت الى عدم استقراره اقتصاديا والتي معظمها وهمية، كما انها ساهمت في انتشار حالات الفساد، وتعد في المركز الثاني من ناحية التأثير السيئ بعد العمليات الإرهابية، داعيا الى فرض رقابة صارمة على عمل الشركات العاملة في مشاريع الاعمار.
يقول المهندس احمد منصور صاحب شركة الراسخ للمقاولات :ان الشركات غير المتخصصة والتي تقوم ببناء مبانٍ ليست ضمن اختصاصها سوف يكون عملها خطرا ولا يقوم على مواصفات قياسية عالمية من حيث المواد ولا حتى آلية التطبيق فكيف يمكن بناء مجمع لإيواء الاحداث من قبل مقاول متخصص ببناء قاعات دواجن او مركز شرطة كيف يمكن إرساء مناقصة على شركات او حتى مقاولين لا يعرفون معنى بناء سجن للاحداث كيف يتم تحديد الاسس الصحيحة لإيوائهم امنياً وبدقة.
وتابع منصور وبالنسبة لهذه المناقصة ذهبنا الى مقر وزارة العمل حيث اخبرونا بعض الموظفين هناك بانه لا توجد مناقصة وما ذكر في جريدة الصباح والصباح الجديد عن وجود مناقصة لا يعود للوزارة وهذا السبب كان كافيا لعزوف الشركات المتخصصة عن المشاركة ليكون المجال مفتوحا امام شركات غير متخصصة وهو مطابق "لشرط الكتاب المرقم 12021 والصادر بتاريخ 25/8/2011 الخاص بالغاء شرط الاختصاص للشركات.
أما المهندس قاسم كامل مدير شركة النصر فقد قال : مع الأسف الوزارات  في الوقت الحاضر تقوم بإرساء المناقصات على مقاولين لا يعلمون عن المقاولات أي شيء مقابل الحصول على نسبة معينة منهم فكم من المباني بنيت وتركت دون ان تكمل بسبب عجز المقاول عن إكمالها لأنه لا يملك المال الكافي أو هروبه من الشروط القانونية وبمساعدة مدراء وموظفين .

وزير العمل والشؤون الاجتماعية
وفي تصريح من وزير العمل نصار الربيعي لـ(المدى) قال: سوف نقوم بفتح تحقيق كامل بحق كل من يحاول التلاعب بالمال العام وفي ما يخص المناقصات التي تعلن في الوزارة سوف يتم التأكد من قانونيتها ومن دائرة النزاهة ونطلب من كل موظف او شركة او مواطن يملك معلومات تساعدنا في القضاء على الفساد ان يتقدم لمكتبي في الوزارة وسوف تعامل المعلومة بسرية تامة. 
وأكد الربيعي ان توليه منصب إدارة وزارة التخطيط وكالة وضع أكثر من 433 شركة على القائمة السوداء،في محاولة من الوزارة للحد من ظاهرة الفساد المستشري على صعيد عقود تنفيذ مشاريع الإعمار
أما المتحدث الإعلامي باسم الجهاز المركزي للإحصاء عبد الزهرة الهنداوي فقد قال إن وزارة التخطيط أبلغت كافة الوزارات العراقية بأسماء تلك الشركات الـ 433  لعدم التعامل معها في المستقبل كما طلبت من دائرة تسجيل الشركات في وزارة التجارة سحب التراخيص الممنوحة بإنشاء تلك الشركات.

أسئلة مشروعة
صكار محمد موظف في دائرة الضريبة العامة قال للمدى: هناك شركات محلية وأجنبية تنافست على دخول مناقصات وعطاءات لتنفيذ مشاريع لوزارات ودوائر حكومية عرضت مستمسكاتها الثبوتية وفق شروط دخول اي مناقصة مؤيدة من جهات كالمصارف والضريبة، لكن فجأة الشركة تترك العمل في المشروع ولا احد يعلم الاسباب ويعاد اعلان المناقصة مرة اخرى دون اتخاذ اجراءات قانونية او حتى فرض الغرامات وبعد مرور فترة من الوقت نرى نفس الشركات تدخل مناقصات وكأن شيئا لم يكن وتحصل على ذمة من جهات حكومية فما معنى هذا ؟
أما المواطن مصطفى صالح صاحب سكلّة’ لبيع المواد الإنشائية فقال :هناك  حلقة مترابطة من التواطؤ بين عدد من المسؤولين بالدوائر صاحبة المشروع والشركة المنفذة.. وانتشار الفساد وغياب المتابعة والمحاسبة وتحديد مسؤولية كل طرف بموجب عقد الإحالة.. وأحيانا ترسى المقاولة على صاحب شركة له مصالح ومنافع متبادلة مع مسؤول متنفذ.

نوّاب يستنكرون الفساد
يقول النائب محما خليل من التحالف الكردستاني في تصريح لـ(المدى): إن محاربة الفساد مطلب شعبي ووطني ولا يمكن السماح باستشراء الفساد في المفاصل الحكومية لان الوقت الماضي شهد سرقات وتلاعبات بالاموال العامة اما الان فيجب كشف المفسدين ومحاسبتهم من قبل هيئة النزاهة والقانونية والرقابة المالية ومن يملك ادلة ضد شخص او جهة معينة عليه ان يقدمها بدلا من التخوف من التهديدات بينما علق النائب  احمد العباسي من الائتلاف الوطني في تصريح لـ(المدى): ان جميع القوانين القديمة والجديدة المعمول بها تحتم على كل موظف او مواطن يعلم بمعلومات تكشف عن وجود فساد مالي وإداري لاي شخص كان ومن تثبت إدانته بسرقة المال العام بأية وسيلة كانت وسبب ضرراً اقتصادياً او سياسياً فالقانون يحاسبه. بينما قال النائب جواد الجبوري من التيار الصدري في تصريح لـ(المدى): يجب على كل مسؤول في الحكومة الابتعاد عن ظاهرة توجيه الاتهامات واثارة الشبهات للطرف الاخر، لان هذه الظاهرة تعتبر غير صحية ومن لديه اثباتات كافية لتجريم طرف ليقدمها الى القانون العراقي وأشار الجبوري في حديثه قائلاً:مع الأسف اللص عندما يسرق ويكون محترفا لا يترك بصمات وادلة حتى لا يدان وتطمس معالم جريمته لهذا فليتوقف من ليس لديه إثبات بإطلاق التهم الى طرف او آخر لأننا نروم بناء دولة تعتمد على الشفافية والنزاهة لا على التجاذبات والمهاترات.
المدى

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 06-09-2011     عدد القراء :  3089       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced