مـن قتل هـادي المهـدي؟
بقلم : علي حسين
العودة الى صفحة المقالات

بالأمس ودعنا هادي المهدي أو البوعزيزي العراق والذي كان مقتله على أيدي  قتلة محترفين، نقطة سوداء في جبين العراق الذي توهم أبناؤه أنهم طووا صفحة  صدام بكل ما فيها من دكتاتورية وظلم وإرهاب، وان المستقبل سيفتح لهم أبواب  الحرية والديمقراطية، فإذا بساسة اليوم يفتحون أبواب القتل المجاني والذبح  على الهوية وإخراس أصوات الحق والعدل بكواتم الصوت، خدعونا فقالوا نظام  صدام انتهى وسقطت دولة الأمن، فيما هم ماضون بتأسيس دولة الطوائف



والفاسدين والمخبرين السريين الذين يتعقبون الناس حتى غرف نومهم، إن المشهد الراهن يقول إن أشياء كثيرة لم تتغير، وأن هناك من لا يريد أن نمضي نحو مستقبل آمن، والدليل جريمة مقتل هادي المهدي، وهي تكرار لجرائم كثيرة ارتكبت وسترتكب في المستقبل وإن اختلفت التفاصيل والوجوه، فالذي حدث أن مواطنا يفقد حياته بمنتهى البساطة لأن القانون جرى تغييبه وتجاوزه بمعرفة من هم مسؤولون عن تطبيقه والدفاع عنه، من البصرة إلى بغداد المتهم واحد: شخص ما قرر أن يطلق الرصاص على القانون ويتصرف منطلقا من إحساس متضخم بالسلطة والنفوذ، قتل هادي المهدي بدم بارد وحتما انتشى القتلة وتفاخروا وهنأ بعضهم البعض، فالصوت الذي إصر على أن يكون عاليا وواضحا وجريئا أُخرس برصاصة في الرأس، لكنهم نسوا أن هادي المهدي باق وسيغيّب جميع القتلة، سيبقى بابتسامته الرائعة وملامحه الطفولية في قلوب كل العراقيين الشرفاء. من يعرف هادي المهدي جيدا يكتشف فيه تلك الاندفاعة العفوية وهي الوجه الآخر لسيرته الواثقة وقناعاته الراسخة وإيمانه العميق بالنهايات المنتصرة لقيم التغيير والثورة والعدالة الاجتماعية، لذلك كان المهدي ينظر باستخفاف لتلك الأخطار التي نبهها إليه البعض والمتمثلة في الظهور العلني والسافر لقوى الظلام التي ظل يؤكد ضرورة محاربتها لأن الحياة مع المستقبل، لقد أدرك هادي على نحو مبكر أننا يجب أن نعيش عصر المستقبل، كان الإيمان بالمستقبل يتخلق تدريجيا في وعيه وبسبب شغفه بقضايا الناس التي تفرغ لها والتي أغوته بإمكانية أنطاق الكثير من المسكوت والوصول إلى عالم جديد، المرة الأخيرة التي شاهدت فيها هادي كانت في أمسية قضيناها بمقهى في الكرادة بصحبة بعض الأصدقاء، كان وجهه مفعما بالحيوية وروحه المرحة ولسانه لا يكفّ عن التقاط الأفكار، تحدث عن مشروعاته وعن إيمانه بالمستقبل الذي لا يمكن بناؤه بأفكار معاد تصنيعها من منتجات الماضي. كان يدرك بان قيمة الحياة في المستقبل، المستقبل الذي دفع من اجله أجمل سنيّ شبابه مشردا من منفى إلى منفى، فقد عاش مثل كل المثقفين الأحرار مرارة المنفى، حين كتب عليه أن يتنقل من بلد إلى بلد، متواريا عن أجهزة القمع وقسوة الاضطهاد، مكتوبا عليه أن يكفر عن "جريمة" التفكير الحر، كان عليه أن ينغلق على قمعه حيث تصبح الحياة أكثر قسوة مع الظلم السياسي والقهر المصاحب لعبادة الحاكم الذي لا يجرؤ احد على مخالفته والاعتراض على ممارساته.
ولأن الوطن، لم يكن بالنسبة له، وطنا بالمعنى المجرد، ترسمه ذكريات وأحداث، ولا هو وطن، تحدده سياسات ومبادئ، وإنما هو مغامرة، مغامرة ليست فقط في العيش في بلاد هي الأخطر وإنما في بلاد هي العشق، العشق الذي يحتم علينا أن نبني هذه الأرض ونصنع وجدانها وقيمها.
هذه هي المغامرة التي قدم هادي المهدي حياته قربانا لها، مغامرة العيش في بغداد من جديد لاكتشاف سرها، هذا السر الذي فضح السراق والمرتشين والانتهازيين، لم يكن هادي يطمح بمنصب سيادي، ولم يدر بخلده أن ينافس احد المسؤولين على منافعه وسرقاته، ولم يطمح في الانتماء إلى أحزاب الطوائف، فلم يؤمن حتى لحظة الرصاصات الأخيرة التي اخترقت جسده سوى بشيء واحد اسمه العراق.
انظروا حولكم وتساءلوا: من الحي ومن الميت؟ هادي المهدي أم قاتلوه، واسألوا ساسة اليوم، هل يجرؤ احد منكم النظر في تفاصيل وجه هادي المهدي والدماء تخضب رأسه، هل تستطيعون النوم ملء أجفانكم مثل البشر العاديين؟
مقتل هادي المهدي علامة تنذرنا بسقوط دولة القانون، الجميع داسوا القانون بأقدامهم برغم أن المفترض، أن التغيير في العراق قام من أجل إرساء دولة القانون، والدفاع عن الكرامة الإنسانية، لقد جرى كل شيء بمعزل عن القانون، وإذا كان تجرؤ مواطن على سلطة الدولة أمرا خطيرا، فإن الأكثر خطورة أن تدافع الدولة عن نفسها بتغييب القانون واستحضار روح القطيع.
إن الدولة اخترعت لتكون حكما بين الأفراد بما ينقل المجتمع من حياة الغابة إلى حالة إنسانية متحضرة، لكن الذي حصل أن الدولة تخلت عن دور الحكم وتحولت إلى لاعب خطر يهدد حياة جميع العراقيين.
ستنتهي السطور التي كتبت في حب هادي المهدي لكن سيبقى سؤال واحد: من قتل هادي المهدي؟
أعتقد أن العراق كله يجب أن يبحث عن الإجابة الصحيحة.

  كتب بتأريخ :  السبت 10-09-2011     عدد القراء :  1868       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced