أيام الأنفال... أيام الحشر الإلهي (6)
بقلم : ئاشتي
العودة الى صفحة المقالات

ها أنت وجها لوجه مع نور صباح آخر ومكان آخر، تحمل في عينيك بقايا نعاس أبدي، مثلما تحمل في روحك هموم امرأة غادرتك بمحض رغبتك لكي تصون حياتها، ولكنها الآن بين أسنان من ينهش لحمها مسامة مسامة. مع كل هذا نفضت التراب عن ملابسك ونزلت أسفل المرتفع، كنت تظن أن حرس الساعة الأخيرة قد رأف بك ولم يوقظك ، ولكنّ المفاجأة أنه كان نائما!! ولم يوقظ أحدا من الرفاق، عندها تاهت الإجابات على جيش الأسئلة، اهتدينا إلى إجابة واحدة هي أن الحرس ما قبل الأخير لم يوقظ الحرس الأخير. ربما لا يعرف أحد عقم أسئلة الهزيمة إلا الذين عاشوا الهزيمة. والسؤال الذي تجمدت أجوبته على شفاهنا، أين ذهب الرفيق الحرس ما قبل الأخير؟ اللحظات تمر سريعة ولا أجوبة!! في اللحظات الصعبة تبدو جميع الاحتمالات قائمة بذاتها. ليس أمامك من منفذ غير التمترس بهذه الصخور، فالشمس سبقها ضياء أشعتها، والعدو يحيط بك من كل الجهات، وطائراته السمتية قابلة للتحليق مادام نور النهار يمنحها فرصة أكبر لمعرفة كل شيء. والحرس ما قبل الأخير تحجرت في الرؤوس الإجابة عنه، بحثنا عنه في الأماكن القريبة، نادينا باسمه مرارا، وليس غير العودة خائبين، والوضع لا يحتمل أكثر من هذه المأساة، لا أحد يشك بإخلاص هذا الرفيق، ثم هو من الرفاق المجربين بإخلاصهم للحزب. كيف إذاً تدع الأمور تجري ببحر حزنها، مادامت إمكانية التحول إلى مثابة أخرى تدخل عالم المستحيل.
طائرات السلطة تنتظر ربما قرارها بالتحليق مجددا، ثم هناك مجموعة كبيرة من الرفاق تبعد مسافة ساعة عنا، يجب ان لا نعطي فرصة للسلطة بمسك رأس الخيط، كل هذا ولم يرحل عن تفكيرنا مصير رفيقنا الحرس ما قبل الأخير.
(دُلني أيها الوهم، قل لي
أين السبيل؟)
لم تبدو لنا بعدُ ابتسامة شمس الصباح، حتى تناهى لسمعنا صوت الطائرات القادمة، أطفأنا وهج بقايا الجمر، أخفينا البغل الذي معنا تحت غابة من أشجار البلوط تبعد قليلا عنا، صعدنا إلى قمة التل محتمين بصخورها. اللحظات في زمن الحرب أطول من سنوات السلام، لهذا كانت الدقائق العشرة، تلك التي امتدت منذ سماع الصوت والدوران الفعلي حولنا من قبل السمتيات، يمكن للمرء أن يقارنها بعشر سنوات. كنت ترى الجندي المربوط على الكرسي والماسك بعتلة  إطلاق الدوشكا، فلو كان أحد أبناء مدينتك لعرفته دون أن تعود بذاكرتك إلى زمن آخر. حسناً فعل الرفيق المسؤول عن الاتصال اللاسلكي حين أغلق جهاز الإرسال. لم يمر على تحليق هذه الطائرات،سوى نصف ساعة حتى سمعنا صوت قصف. حسبنا الصوت لم يتجاوز مكان مجموعتنا الثانية، وهذا ما كان بالفعل، فعندما كان رفيقان من تلك المجموعة، ذاهبان لجلب الماء من عين الماء الوحيدة فوق سطح جبل كَاره، فاجأتهم أحدى تلك الطائرات، انبطحوا جانبا، وتركوا البغل لوحده، سدد الطيار صاروخه على جسد البغل، فانتثر لحمه ودماؤه على الرفيقين، عرفنا بكل هذه التفاصيل عصرا،بعد أن التقينا بثلاثة من رفاقنا جاءوا للاطمئنان علينا، ولكن الذي حير أمرنا هو اختفاء رفيقنا الحرس ما قبل الأخير.
الأسئلة تتزاحم في الذاكرة
الذاكرة عاجزة عن الاستدلال
مثلما الحيرة حين تسكن الأفئدة.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 12-09-2011     عدد القراء :  1766       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced