أطفال الشوارع.. انتهاكات تطال براءتهم ولا التفاتة لمعاناتهم المريرة
بقلم : لويس فؤاد العمار
العودة الى صفحة المقالات

في غفلة من الجهات الحكومية المسؤولة عن رعايتهم والأخذ بيدهم نحو الأمان, تتسع يوما بعد آخر ظاهرة أطفال الشوارع لتغدو ظاهرة مثيرة للقلق تؤشرها مجاميع بائسة من الأطفال يجوبون الشوارع والطرقات بحثا عن رزقهم ورزق عوائلهم الفقيرة لا تتعدى أعمارهم الاثنتي عشرة سنة من كلا الجنسين .. فما بين استغلالهم وتشغيلهم في مهن مذلة كالتسول, و بين تعرض العديد منهم لاسيما الفتيات لحالات تحرش جنسي واغتصاب, تغيب عن هذا المشهد المرعب بشكل كامل مبادرات الجهات الحكومية لاحتضانهم وانتشالهم من واقعهم القاسي والبائس وتأمين مستقبل لهم علهم يجدون فيه أخيرا إنسانيتهم المفقودة. " أيتام ومهجرون"
تشير إحصائيات غير رسمية قامت بها منظمات مجتمع مدني تعنى بشريحة الأطفال , إلى أن نحو (22.000) طفل قاصر يعملون في الشارع بمختلف المهن ابتداء من التسول ووصولا إلى بيع أشياء بسيطة ذات مردود مادي قليل . وتصل نسبة الأيتام والمهجرين بينهم إلى حوالي 73% واغلبهم جاءوا من محافظات عراقية شهدت أعمال عنف دموية على مدى أكثر من أربع سنوات كديالى وكركوك والموصل فضلا عن بغداد.
والعديد من هؤلاء الأطفال لم يتلقوا تعليما في المدارس نتيجة للتهجير الذي طال عوائلهم في المناطق الساخنة وتركوا على إثره المدرسة أو بسبب ضعف العامل المادي والمعيشي لعوائلهم التي فقدت اغلبها المعيل الذي كان يوفر قوتهم مما اضطرهم إلى ممارسة العمل في الشارع بكل ما ينطوي عليه من مخاطر على براءتهم..
والبعض من أطفال الشوارع يعيشون مع أمهاتهم أو احد أفراد عائلتهم في فنادق رخيصة وقذرة وسط العاصمة بغداد لا تتوفر فيها أدنى مقومات السكن لكنها تتميز برخص أسعارها وتوفيرها الملاذ لهؤلاء.. فيما القسم الأعظم منهم يعيشون في ما يعرف بالعشوائيات على أطراف المدن وهي أيضا فاقدة شروط السكن الملائم وبالتالي تكون معاناة هؤلاء الأطفال كبيرة ولا حدود لها سواء في الشارع أو السكن..
"لا يعرفون طعم العيد والمناسبات السعيدة"
في عيد الفطر الذي انقضى قبل أيام وقفت "سلوى" 9 سنوات وشقيقها الأصغر أمام بسطية لبيع البالونات للأطفال الآخرين الذين قصدوا (المراجيح) في أطراف منطقة الحسينية شمال بغداد , وبرغم ارتدائها فستانا يبدو جديدا إلا أنها لم تستطع مشاركة الأطفال الآخرين في الركوب بالألعاب المنتشرة في الساحة بسبب التزامها ببيع البالونات في بسطيتها الصغيرة التي هيأتها لها والدتها..
أم سلوى أشارت (تعمل هي أيضا على بسطيه للمشروبات والعصائر) إلى فقدانها زوجها المعيل الذي تعرض لحادث إرهابي أودى بحياته عام 2007 مما اضطرها هذا الحال إلى العمل هي وأطفالها بعد مراجعات عقيمة لدوائر الرعاية الاجتماعية من دون جدوى للحصول على الراتب الشهري الشحيح أصلا, مبينة أن حالتهم المعيشية صعبة للغاية بعد فقدها زوجها وعدم تمكن أهلها من رعايتها هي وأطفالها كون أهلها من الفقراء أيضا ويتخذون من (الحواسم) مكانا لسكنهم..
"أعمال جوهرها التسول"
وتكاد تنحصر أعمال أطفال الشوارع في بيع المناديل الورقية والعلكة لأسباب كثيرة أهمها رخص أسعار هذه المواد في أسواق الجملة بحيث يكون باستطاعتهم شرائها لأنها لاتتطلب رأس مال كبير , إضافة إلى استهلاكها اليومي والإقبال على شرائها من قبل الآخرين.. غير أن جوهر هذا العمل في حقيقته هو التسول , إذ يعمد الكثير من الناس إلى دفع ثمن البضاعة من دون أخذها من الطفل الذي يمارس هو أيضا أسلوبا في عرض بضاعته يقترب من حالة التسول.
الطفل/ أيسر/الذي يبيع العلكة في تقاطع كهرمانة بمنطقة الكرادة أشار إلى أن الكثير من الزبائن يدفعون له ثمن البضاعة التي يبيعها من دون أن يأخذونها في مبادرة منهم لمساعدته والعطف عليه كونه صغير السن(11 سنة) ومنظره البائس والرث يوحي بالفقر والحرمان .. يقول: أحيانا تبقى علبة العلكة ممتلئة لمدة يومين..
"استغلال براءة الأطفال"
الكثيرون يعمدون إلى استغلال براءة الأطفال في العمل وجعلهم وسيلة للكسب مستغلين عطف الناس عليهم لصغر سنهم وبراءتهم .. إذ يشير /أبو اسعد/ صاحب محل تجاري في شارع الرشيد, إلى أن بعض الآباء الجشعين في المناطق القريبة من شارع الرشيد يستغلون أطفالهم في تشغيلهم ببيع بعض الحاجيات البسيطة التي لاتتطلب رأس مال كبير مستغلين عطف الناس على هؤلاء الأطفال الذين وقعوا ضحية لجشع اولياء أمورهم من جهة وغياب قوانين من شانها حماية أمثال هؤلاء الأطفال من التعرض للاستغلال من جهة أخرى..
"إدمان وحالات تحرش جنسي"
ولطبيعة المكان الذي يعمل فيه هؤلاء الأطفال تأثير كبير على سلوكهم , فالعديد منهم أصبح مدمنا على الحبوب المخدرة نتيجة لعملهم في أماكن موبوءة بالرذيلة وتجارة المخدرات وغيرها كبعض مناطق البتاويين والميدان وعلاوي الحلة ..
ويذكر الطفل /صلاح/ 14 سنة , أن الكثير من أصدقائه أصبحوا (مكبسلين)- بحسب تعبيره- , بعد عملهم في منطقة البتاويين وسط بغداد في جمع النفايات مقابل أجور قليلة يحصلون عليها من أصحاب الفنادق والمطاعم هناك , مبينا أن القسم الأعظم من هؤلاء الأطفال هم من دون عائلة أو هربوا من عوائلهم داخل بغداد وخارجها وجاءوا للعمل هنا..
أما الطفلة /سارة/ 14 سنة, التي تعمل كبائعة حلويات وعلكة في شارع الخيام وسط بغداد فتشير إلى تعرضها لمضايقات عديدة من أصحاب المحال هناك , نافية تعرضها للاغتصاب لكنها أشارت إلى محاولة تعرضها ذات مرة إلى ذلك , مكتفية بهذا القدر من الكلام ورافضة الإفصاح أكثر ..
" حملات مكافحة الظاهرة"
يبين المواطن / إحسان مهدي/ أن حملات تجري بين الحين والآخر ضد هؤلاء الأطفال الذين يعملون في الشارع من قبل قوات أمنية تقتاد الأطفال والمتسولين إلى أماكن مجهولة إلا أنهم سرعان ما يطلق سراحهم بعد فترة ليعودوا في اليوم التالي لممارسة نفس العمل, مشيرا إلى عدم سلامة هذه الممارسة وخطئها , مبينا أن المفترض بالجهات المختصة توفير أماكن ملائمة للأطفال المشردين بغية رعايتهم وتأهيلهم وليس اعتقالهم وإطلاق سراحهم مرة أخرى , مشددا على ضرورة اخذ تعهدات خطية من أولياء أمور الأطفال بعدم معاودة العمل كمتسولين مرة أخرى واتخاذ إجراءات صارمة بحق أولياء الأمور المخالفين في حال معاودة الكرة ثانية , موضحا أن هناك تقصيراً حكومياً واضحاً تجاه هذا الأمر الخطير ..
" رأي علم النفس"
تشير الاختصاصية بعلم نفس الأطفال السيدة /سارة الزبيدي/ إلى أن ظاهرة أطفال الشوارع لها انعكاسات سلبية على نفسية الطفل أولا وعلى المجتمع ثانيا.. إذ يشعر الطفل الذي يعمل في مهن مذلة ومهينة كالتسول أو بيع أشياء بسيطة أشبه بالتسول , يشعر بالدونية في داخل نفسه مقارنة بالأطفال الآخرين الذين بعمره ويتمتعون بالرعاية الأسرية السليمة , بحيث يعمد طفل الشارع مستقبلا إلى تعويض هذا الشعور بالدونية لديه واستبداله بشيء آخر من خلال ممارسة العنف وحتى الجريمة لإشباع إحساسه وشعوره الداخلي بأنه المسيطر وذو شان لايقل عن الآخرين .. ومن هنا تنبع خطورة الظاهرة سواء على الطفل نفسه أم على المجتمع لأنها تساهم في خلق أشخاص غير أسوياء نفسيا يدفعهم اللاوعي المشكل في أذهانهم جراء حياتهم السابقة والمعاناة التي عاشوها إلى الانتقام لتغيير واقعهم إلى واقع آخر يوفر لهم الاحترام بنظر الآخرين وغالبا ما يأتي هذا التعويض عن طريق العنف والجريمة..
" خاتمة"
لعل احد أهم الأسباب التي ساعدت في ظهور أطفال الشوارع بهذا الشكل الواسع هو الفساد المستشري في مؤسسات الدولة لاسيما المختصة منها برعاية الطفولة والأسرة , إذ تؤشر الظاهرة إلى مدى الإهمال والتقصير الذي يؤطر عمل الدوائر الحكومية المختصة بهذا الشأن ولامبالاتها بشريحة مهمة يتوقف عليها مستقبل البلد في مختلف الميادين , لا سيما أن بلدا مثل العراق يتمتع بموارد هائلة بإمكانه إذا ما توفرت النوايا الحقيقية والجادة والرؤى السديدة في هذا المجال لمؤسساته الاختصاصية, أن يقضي نهائيا على هذه الظاهرة التي تهدد بخلق أزمات اجتماعية في المستقبل القريب..
ظاهرة أطفال الشوارع إدانة حقيقية وواضحة لسلطات الدولة العراقية التي لاتحتضن أبناءها..

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 14-09-2011     عدد القراء :  2157       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced