(2-2)
في الجزء الثاني من حديث رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون الأستاذ فخري كريم في برنامج "قريب جدا" الذي بثته قناة "الحرة" منذ أيام يتداخل السياسي العام مع الثقافي، من خلال تناول مراحل مهمة من جوانب تجربته
وتوظيفها لخدمة قضايا أوسع واشمل، على وفق نظرة إنسانية ومفاهيم تضع الإنسان فوق أي اعتبار آخر.
وأكد الأستاذ كريم أن أي سياسة لا تستند الى قاعدة ثقافية ستؤدي الى الخراب بعينه ، كما حصل في معظم البلدان العربية وكانت الانتفاضات الحالية ردا طبيعيا عليها، وقال : أنا كنت مع كل العراقيين الذين رأوا في انهيار نظام صدام حسين فرصة لبناء تجربة عراقية جديدة وكنا أمام خيارين أما أن نعمل لإعادة بناء العراق بالإمكانيات التي تسمح لنا ان نستعيد استقلال وسيادة البلاد ، أو ان نتحول الى صف القوى التي رفعت السلاح، وهي قوى النظام السابق الصدامية وكل القوى الظلامية والتكفيرية التي لا تزال تستهدف العراق والعراقيين وتدمر العراق، وكنا مع الخيار الاول ، وهذا الخيار لم يكن بالضرورة في موقع الولايات المتحدة، بالعكس هو في الموقع الذي يؤدي الى إعادة تعبئة كل القوى الوطنية العراقية لكي يأتي الوقت الذي نقول فيه للولايات المتحدة مع السلامة.
واستعرض الأستاذ فخري كريم انعكاسات عدد من المواضيع المهمة مثل قضية كوبونات النفط التي انفردت "المدى" بنشرها .
 المقدم: الشاعر مواطنك سعدي يوسف وصديقك ورفيقك في النضال كتب قصيدة يهجوك فيها وهو يصف نفسه بالشيوعي الأخير ،لماذا زعل منك، وكيف كان ردك عليه؟
 فخري كريم : اشكره جدا ولن ارد عليه ولن اجعل منه السياب الآخر.
 المقدم: بأي معنى ؟
 فخري كريم: أنت تعرف لعقود طويلة جرى اتهام الشيوعيين والحزب الشيوعي بأنهم كانوا وراء محنة السياب، والواقع لم يكن كذلك، السياب هو الذي بدا بالانتقاص من تاريخه سياسيا. أنا لا أتحدث عنه كشاعر. وبالتالي انا لا أريد ان أتحدث عن سعدي يوسف أرجوك.
 المقدم: الم يشخص السياب مشاكل بنيوية في الشيوعية العراقية؟
 فخري كريم :أنا لا اعرف ماذا شخّص السياب .
 المقدم: نشرت مذكراته.
 فخري كريم :على أية حال، هو تخلى عن الشعر باعتباره وسيلته في اكتشاف الجماليات وانتقل الى الهجو السياسي من خلال مقالاته التي هاجم فيها الحزب الشيوعي والشيوعية وانحاز الى القوى الرجعية آنذاك.
 المقدم: من؟
 فخري كريم: التاريخ يقول هذا، انحاز الى الكتل والقوى الرجعية التي كانت تعمل في تلك المرحلة لمواجهة القوى الديمقراطية العراقية، اما بالنسبة لتقييمي الفني للسياب فهو شاعر كبير.
 المقدم: ما هو مأخذ سعدي يوسف عليك بصراحة؟
 فخري كريم: أساله هو .
 المقدم: هو يقول انك قد أصبحت قريبا من السلطة، تتعامل مع الأمريكيين، وانك قد أصبحت رجل أعمال، وهذه مآخذه عليك ،كيف ترد ؟
 فخري كريم :انا سعيد جدا إني أصبحت رجل أعمال ،وأنت تستطيع أن تسأل من مختلف المصادر عما إذا كنت صديقا للأمريكان او لا، وإذا تتابع مسيرة صحيفة "المدى" ومؤسسة المدى سترى كم انا قريب من الولايات المتحدة وفكرها !.انا كنت مع كل العراقيين الذين رأوا في انهيار نظام صدام حسين فرصة لبناء تجربة عراقية وكنا امام خيارين اما ان نعمل لإعادة بناء العراق و امكانياته التي تسمح لنا ان نستعيد استقلال وسيادة العراق ،وأما أن نتحول الى جانب تلك القوى التي رفعت السلاح وهي قوى النظام السابق الصدامية وكل القوى الظلامية والتكفيرية التي لا تزال تستهدف العراق والعراقيين وتدمر العراق، وكان الخيار الأول خيارنا،وهذا الخيار لم يكن بالضرورة في موقع الولايات المتحدة. بالعكس هو في الموقع الذي يؤدي الى إعادة تعبئة كل القوى الوطنية العراقية لكي يأتي الوقت الذي نقول فيه للولايات المتحدة مع السلامة.
 المقدم : هل شكلت ما يشبه موقع ويكيليكس قبل ويكليكس حين نشرت قضية قسائم النفط، علما بأنك يومها لم تُعتبر من قبل البعض انك تمارس عملا صحافيا وعملا ثوريا بل اعتبرك هذا البعض تقوم بعمل فضائحي ضد القوميين العرب ، انت اليوم كيف تنظر لهذه المسألة ،وهل كان ضروريا ان ترفع دعوة على الكاتب اللبناني سماح إدريس ،ولماذا لجأت الى القضاء وحزت حكم بداية؟ ولماذا حصلت عليها(وثائق قسائم النفط) انت ولم تحصل عليها جريدة الصباح، وممن حصلت عليها؟
 فخري كريم: على اية حال سأقول ممن حصلنا على الوثائق عندما يرحل اخر جندي امريكي لان هذه الوثائق جرى الحصول عليها من وزارة عراقية على الرغم من ان الحاكم المدني بريمر انذاك اقام حراسة قوية جدا على وزارة النفط بعد ان نشرت هذه الوثائق وحجز التقارير التي قدمت الى مجلس الحكم آنذاك، وقد حصلنا عليها ونشرناها وطبعا اغتاظ القومجية كما أنت قلت .
 المقدم: أنا لم اقل القومجية ،أنا قلت القوميين العرب.
 فخري كريم: انا اقول لك القومجية وليس القوميين ، هناك فرق بين القوميين والقومجية؟ القومجية العرب حاولوا إظهار القضية على انها تواطؤ مع المحتل الأمريكي ،لأنها تستهدفهم، لأنها تكشف لشعوبهم تواطؤاتهم وسرقاتهم وفسادهم في حين هم الآن يعتبرون أن ويكليكس عمل وطني كبير، علما انها تنشر وثائق من قلب البيت الأبيض و وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، وان صاحب هذا الموقع وطني، وربما اعتبروه قوميا أيضا.
 المقدم: اعتبروه ثوريا ومتمردا، وويكليكس يعتبر انه غّير مفهوم الإعلام الحديث.
 فخري كريم: واتهامه بأنه شاذ غير مقبول، ولكن هم يتهمون كل الآخرين الذي يتعارضون معهم ومع مشاريعهم التي لم تحقق الا الخراب في العالم العربي.
 المقدم: هل صحيح ان هناك نائبة في البرلمان الأردني هي الوحيدة التي اعترفت بحصولها على قسائم نفط، ممن أوردتم أسماءهم في المدى؟
 فخري كريم: نعم وللأسف الشديد انها الوحيدة التي اعترفت بانها طلبت هذه القسائم وحصلت عليها ولكن ليس لها شخصيا وإنما لأحد السياسيين الآخرين، لا ادري إن ذكرت الاسم أم لا.
 المقدم: عمن نتحدث نحن؟
 فخري كريم: عن نائبة أردنية ،في الحقيقة لا اذكر اسمها.
 المقدم: قلت لي إن رئيس الوزراء الليبي اتصل بك بعدما أوردت اسمه في لائحة قسائم النفط ؟
 فخري كريم: نعم رئيس الوزراء الليبي الأسبق، اتصل بي مشكورا وقال ان لا علاقة له بالكوبونات، وقال: ءود ان أقول لك انه أثناء وجودي في الأوبك او إحدى المنظمات الدولية عرضت علي (القسائم) ولكني رفضت. قدم لي إيضاحا ونشرته في الصفحة الأولى من الجريدة.
 المقدم: هناك اسماء سورية وردت في القائمة منها ابناء وزير بارز راحل، ماذا قالوا لك ،هل اعترضوا؟
 فخري كريم: لا لم اتصل مع احد، هم ومع عدد من التجار السوريين أعلنوا أن هذه تجارة وبالتالي لن يعلقوا عليه.
 المقدم: هل صحيح ان ليث شبيلات اقسم؟
 فخري كريم: لا ليس ليث شبيلات، اعتقد انه رئيس اتحاد الصحفيين او الكتاب او شيء من هذا القبيل.
 المقدم: كان هو في حوار معك على الـ bbc واقسم بمريم العذراء بان ليس له علاقة بقضية القسائم .
 فخري كريم: نعم رئيس اتحاد الكتاب او الصحفيين الأردنيين وقتها، كان حوارا بعد سقوط النظام وهو كان على الطرف الاخر ، وأنا كنت في الأستوديو، وقال بما ان الأستاذ فخري موجود أود ان أوضح أنني لم اخذ هذه القسائم واقسم بالسيدة العذراء، وقلت له أنت أحرجتني بما انك قد اقسمت بالسيدة العذراء وقلت له انك لست قوميا، وان من تتحدث عنهم لا يشرفون القومية وقد أساؤوا للقومية، فسأله المذيع عما اذا كان لديه تعليق، فأجابه بلا.
 المقدم: ربحت حكما قضائيا في بيروت على صاحب مجلة الاداب الكاتب سماح ادريس وهو استأنف الحكم القضائي، ألم يكن من الأفضل لك ككاتب وكمثقف الاكتفاء بالحجة،بدل اللجوء الى القضاء، انا من موقعي ككاتب وإعلامي، اذا اشتكى علي احدهم فأقول لماذا يشتكي علي، الحجة مقابل الحجة؟
 فخري كريم: وهل هناك حجة في الشتائم واتهامات رخيصة حول السرقة، وانك مخابرات وموساد إسرائيلي؟ هل هذا حوار ثقافي؟! ثم لماذا نحن نتحدث ونغالي في الحديث عن دولة القانون وحقوق الإنسان،اذا لم نلجأ الى القضاء، وأود أن أقول أن عددا من الأصدقاء توسطوا في هذه القضية، فأجبت بان لا مانع لدي ان ينشر إيضاحا في نفس المكان في المجلة. بالمناسبة ان المعطيات التي نشرها نشرت سابقا في كراس وزعته المخابرات العراقية في بداية الثمانينات في بيروت وفي جميع السفارات، وتضمن نفس التهم وهي في الغالب ما يعاد إنتاجه من قبل سماح إدريس والآخرين.. أنا قلت لا مانع ليوضح أن هذا الكلام غير دقيق وهو يعتذر وسأكف ، لكنه حتى بعد الحكم أعاد نشر المقال .
 المقدم: أخبرتني بان رئيس الوزراء الليبي اتصل بك عن مسألة قسائم النفط وأخبرك بان هذا الحديث غير صحيح ، فهل ان من الممكن لشخصية بهذا الحجم أخطأت بحقها في صحيفتك هل يكفي مجرد نشر الرد ؟
 فخري كريم: أنا لم أخطئ فاسمه كان موجودا في وثيقة رسمية لا تقبل النقاش و لكن هو أوضح انه لم يستفد من تلك القسائم ، فبالنسبة لي هو لم يتحدث عن وثائق بل عن معطيات، في حين ان سماح إدريس استند على معلومات لجهاز مخابرات غير مدعمة بأي وثيقة تتهمني بالعمالة للولايات المتحدة وبالسرقة من أموال الحزب الشيوعي ،لاحظ أصبح هو شيوعيا وانا تعديت.. هذه ليست حجة ،اذا كانت الثقافة هذه هي معانيها بالنسبة لسماح ادريس ومن يمثلهم سماح ادريس فأهلا وسهلا .
 المقدم: أنت مقرب من سياسيين وأحيانا بإمكانك ان تجمع متناقضين كجلال طالباني ومسعود بارزاني، كيف استطعت جمع قيادتين متخاصمتين؟ ويقال انك كنت اساس التحالف الكردستاني وتوزيع الادوار بينهم ،الرئيس في بغداد والأخر في الإقليم ؟.
 فخري كريم :هم كانوا متخاصمين قديما ،أما الآن فهم على قاعدة واحدة وهم متوافقون.
 المقدم : أنت لعبت هذا الدور؟
 فخري كريم :أنا لا أجيب عن هكذا سؤال ، من الأجدر أن يجيبوك هم اذا ما لعبت هذا الدور، لا يجوز أن أتحدث عن احد، انا استطيع أن أقول أينما استطيع أن اعزز العلاقات الوطنية بين مختلف الأطراف بما في ذلك الذين أتناقض معهم فانا مستعد اذا ما كان فيه خير للبلد .
 المقدم: انت اليوم ماذا تعتبر نفسك مثقفا ام رجل سياسة ؟
 فخري كريم: أنا مثقف في السياسة وسياسي مع الثقافة.
 المقدم: ألا يتناقضان؟
 فخري كريم: لا على العكس السياسة خربت لأنها لم تعتمد على قاعدة ثقافية فدفعت البلدان العربية وأي بلد آخر إلى هذه المتاهات وهذا الخراب، وأنا اعتقد أن أي سياسة بلا قاعدة ثقافية هي الخراب بعينه .
 المقدم: أنت اليوم ناشر لصحيفة المدى، ومؤسسة المدى دار نشر تطبع الكثير من الكتب الجيدة لا سيما المترجمة، وتفكر الآن بإنشاء تلفزيون، ماذا تريد؟ المزيد من السلطة ؟
 فخري كريم: لست بحاجة الى السلطة، وان عدت مرة ثانية الى بدايات حياتي لاخترت مجالا آخر كي أحقق ذاتي الإنسانية التي فقدتها كثيرا وأنا في هذا الميدان.
 المقدم: فقدت ذاتك الإنسانية؟
 فخري كريم: الى حد ما فقدت جانبا من الجوانب التي اشعر الآن أنني غير قادر أن أحققها وأنا في هذا الوضع ، ولربما هي بسيطة جدا بحيث لا يمكن الحديث عنها.
 المقدم: الاقتراب من السياسة يفقدك قيمك كمثقف، السياسة فيها مساومات فيها تنازلات فيها تخل عن قيم اخلاقية احيانا؟
 فخري كريم: انا لست في اي مركز للقرار وأنا رفضت أن أكون موظفا في الدولة وهذا الموقع الذي انا فيه موقع معنوي للمساعدة قدر الإمكان، انا أحاول أن استفيد من هذا الموقع لتفعيل الحياة الثقافية ولدعم الحركة الثقافية وليس للتناقض معها. نعم اعتقد انني أتناقض كثيرا عندما امارس السياسة واشعر احيانا بالغربة حتى مع نفسي، وأود أن أتخلى عن هذا الخيار.
 المقدم: السياسة فيها سحر.. تلتقي الرئيس الأسد عدة مرات ، تنقل رسائل من الرئيس طالباني، وتقدم اقتراحات بشأن قضايا معينة؟
 فخري كريم: نعم التقي الرؤساء العرب ورؤساء العالم ولكن هذا لا يغني عن قراءة كتاب،او الاستماع الى كونسيرت، او مشاهدة الباليه او العودة الى الذات للبحث في إجابات عن الأسئلة الكبرى التي كلما تقدم بك العمر تشعر بانك تبتعد عن الإجابة عنها.
 المقدم: لم تتزوج ؟
 فخري كريم: والحمد لله.
 المقدم: لماذا ألديك موقف من مؤسسة الزواج؟
 فخري كريم: لا، هكذا جرى الأمر. لربما في الفترة الأولى كان هناك موقف يرتبط بالظرف الخاص الذي امر به، او حتى بالتأثرات التي كانت تؤكد على ان هذا ما جناه علي أبي وما جنيته على احد، او ما قاله برناردشو ولا استطيع ان اقوله هنا، ولكن على اية حال انا لا استنكر هذه المؤسسة. بالعكس من يستطيع ان يختار فليفعل .
 المقدم: قلت لي انك لا تريد الكرسي لانه يغريك بارتكاب الجرائم من اجله، بكلمة هل السياسيون يفعلون ذلك؟
 فخري كريم: كل السياسيين، لا اعتقد ذلك، هنالك سياسيون عندما تصل القضية الى ارتكاب الجريمة يتخلون عن الكرسي ،انا احب كرسيي القريب من مطبخ البيت في زاوية لا يجلس عليها اي احد لانني لا أريد ان يقول لي احد او أقول لأحد انهض من هذا الكرسي وبالتالي هذا الكرسي هو أثمن من اي كرسي آخر.
 المقدم: ولكن هذا الكرسي بجانب الحائط؟
 فخري كريم: نعم هو بجانب الحائط واخترت هذا الكرسي وإذا زرتني في البيت ستجد ان لا احد يجلس هناك لأنه ضيق، وبالتالي اذا اخترت كرسيا اخر فكل يوم سيجلس عليه احد وسأضطر حينها ان اقول هذه زاويتي ارجوك قم .
 المقدم: تعرضت أنت لعدة محاولات اغتيال، هل تخاف؟
 فخري كريم: أنا عشت اكثر من ثلاثين سنة حياة إضافية.. الخوف الانساني لا استطيع ان أقول لا, ولكن الخوف الذي يمنع الحياة عني لا .
كتب بتأريخ : الأحد 18-09-2011
عدد القراء : 1894
عدد التعليقات : 0
فخري كريم: كنت مع كل العراقيين الذين رأوا في انهيار صدام فرصة لبناء تجربة جديدة
