الكتبُ المدرسيّةُ تُباع على الأرصفة قبل أن توزّع في المدارس
بقلم : إيناس طارق
العودة الى صفحة المقالات

يبكي يونس كل يوم من أجل الحصول على الكتب المدرسيّة، انه يتوق للقراءة  والكتابة في المدرسة، رافضاً فكرة الانتظار الطويل والجلوس في الصف كمستمع  للمعلمة، دون أن يمعن نظره ومخيلته بكلمات سمع عنها كثيراً "دار ، دور" .


أمام موقفٍ كهذا يقرر والده الذهاب إلى سوق المتنبي لشراء الكتب لابنه بعد مرور 14 يوماً من الدراسة الشفوية،  وبالاعتماد على كتاب قراءة واحد كان بحوزة المعلمة للصف الأول الابتدائي.
شخصيّات كارتونية
سبونج بوب ، سوير بنس، سبيدر مان ، فلّة ، لولو، كاتي أسماء شخصيات كارتونية تكتسح أغلفة الدفاتر والمستلزمات المدرسية، وتتصدر واجهات المحال التجارية والمكتبات وبسطيات بيع اللوازم المدرسية للعام الدراسي الجديد بشكل يفوق اللوحات الإعلانية التي استخدمها المرشحون للانتخابات البرلمانية وهذه الأغلفة ساعدت تجار الجملة والمفرد في جذب الزبائن الصغار "تلاميذ المدارس للصفوف الابتدائية" لاقتنائها رغم ارتفاع أسعار بعضها واختلاف مناشئها، فمنها الجيد، ومنها الرديء  وكلٌّ حسب سعره .
قال وليد حسين المتحدث الإعلامي لوزارة التربية لـ(المدى): إن جميع المدارس تسلمت الكتب المدرسية وبطبعتها الجديدة وبنسبة 100%، وبدورها قامت بتوزيع الكتب على التلاميذ ولكافة المراحل. وأشار حسين إلى أن تسريب الكتب قد يكون من المطابع لوجود فائض،  وأكد ان وزارة التربية قد تعاقدت مع المطابع العراقية التي طبعت ما يقارب (16) منهاجاً دراسياً لعام 2011.

2003 وتغيير المناهج
وزارة التربية بعد عام 2003 وحسب تصريحات مسؤوليها فضلت تغيير المناهج بعد أن كانت موجهة لخدمة النظام السابق وتعليم تلاميذ الابتدائية والثانوية ثقافة محددة. فتعليم طالب الصف الأول الابتدائي عملية الحساب يحتاج إلى أن يجمع جنودا أو طلقات أو أسرى حرب بدلا من الزهور، وكانت صورة صدام تتصدر كل كتاب منهجي ، وأن عملية التغيير تضطلع بها لجنة متخصصة من وزارة التربية وخبراء، ووضعت ضمن أولوياتها مواكبة التطورات العلمية التي شهدها العالم في الميدان التربوي .

المحسوبيّة وطبع المناهج
وقد قامت وزارة التربية بعد الـ2003، بطباعة المناهج الدراسية في مطابع خارج العراق لأسباب أرجعتها  لعطل المطابع العراقية آنذاك، ولكن تصريح المفتش العام لوزارة التربية الذي صدر مؤخراً كشف عن وجود ملفات فساد مالي بمبالغ تجاوزت الـ280 مليون دولار خلال تلك المرحلة، كما بقيت العديد من المدارس تشكو النقص والحاجة إلى الكتب، جراء عدم إيفاء بعض المطابع التي حصلت على مناقصات طباعة الكتب، بتجهيز الوزارة في الوقت المحدد.
وبعد أن ألتفت المسؤولون إلى تعافي المطابع العراقية وعودتها إلى العمل، فرضت هذه المرة المحسوبية والنفعية وجودها بطريقة مختلفة، حيث كشفت مصادر في وزارة التربية في حزيران 2011، أن الوزارة خصصت مبلغ 75 مليار دينار عراقي لمطبعة عراقية واحدة فقط لغرض طباعة المناهج الدراسية، مشيرة تلك المصادر إلى أن ذلك يأتي ضمن المجاملات والمحسوبية وبذلك تذهب معظم أموال طباعة الكتب لهذه المطبعة المذكورة، على الرغم من وجود عدة مطابع عراقية تسعى إلى الحصول على مناقصات طباعة الكتب، مع التغاضي عن إمكانية إنجاز المطلوب وحسب المتفق عليه.

رحلة استطلاعيّة
في الشارع التجاري لسوق حي الجهاد تزين الكتب بسطيّات بائعي القرطاسية بمختلف الأشكال والأنواع، و يعتبر ابو سرمد هو المصدر حسب وصف احد اصدقائه له وبسطيته في بداية السوق ،ومعروف للجميع هناك فهو التاجر عفواً البائع الوحيد تقريباً الذي يستطيع بيع كتب المدارس ذات الطبعات الجديدة بالجملة او المفرد، وحسب تصريح احد المصادر في السوق بداية كل عام دراسي تمتلئ بسطية ابو سرمد "المحظوظ " بكل الكتب ولجميع المراحل قبل أن تمتلئ بها مخازن المديريات ومن ثم المدارس!.
يقول أبو كريم صاحب مكتبة الإيوان الواقعة في وسط السوق إن ظاهرة بيع الكتب ليست بجديدة ومنذ سنوات عدة تنزل الكتب إلى الأسواق قبل توزيعها في المدارس وحقيقة يتم عرضها علينا لشرائها بأسعار زهيدة لا تتجاوز 2000 دينار، وتحمل ختم وزارة التربية لكن هناك من يقبل على شرائها، والبعض الآخر يرفض لأسباب معينة .
عضو لجنة التربية في مجلس النواب  سعاد جبار محمد قالت "إن التعليم في العراق يحتاج الى دعم وتواصل ورقابة ويحتاج الى عمل من اجل النهوض بالواقع التعليمي"، وأضافت في تصريح لـ المدى: تابعنا عملية توزيع الكتب المدرسية على الطلاب وقد وصلت الى جميع الطلاب وبنسبة 100%  .
بينما يعلق المعلم حامد كاطع وهو والد أربعة طلاب يشغلون مراحل دراسية مختلفة كان  يبحث بين البسطيات عن ملازم لأبنائه في المرحلة المتوسطة :بأن ارتفاع تكاليف الدراسة لم يقتصر على شراء الدفاتر والمستلزمات الدراسية وإنما تعدتها لتشمل الحقائب والملابس والنقل، فالمواطن أصبح في حيرة من أمره بين تحقيق رغبة أبنائه الطلبة الراغبين باقتناء هذه البضائع وبين رفض شرائها لأنها غير جيدة ومقلدة،  كما ان التربية لا توزع القرطاسية الكافية للطلاب وهناك مدارس ما زالت تعاني توزيع الكتب بشكل كامل، مثل مدرسة ابن الأرقم حيث طلاب الصف الاول والخامس الابتدائي لم يستلموا الكتب بشكل كامل والصف الأول نهائياً لم يسلم طلابه كتبا، ونحن ايضاً نعاني قلة القرطاسية ونطلب من الطلاب تحضير الدفاتر لاكمال الواجبات، اضافة الى ان اغلب المدارس لا توزع ما يكفي حاجة الطلاب، فالقرطاسية عبارة عن 2 دفتر 30 ورقة، إضافة الى 2 دفتر 60 ورقة، و2 دفتر فئة مئة ورقة، و6 أقلام رصاص فقط. فهل تكفي هذه لستة أشهر دراسية؟! .
أم رند  كانت تبحث بين الكتب عن ملازم للصف الخامس  الابتدائي مادة الجغرافية  وحسب قولها أن مدرسة المادة طلبت من الطالبات الاستعانة بالملازم افضل من الكتب ! قالت أين المجانية في التعليم في عدد الدفاتر التي توزع على الطلبة والتي لا يتجاوز عددها 6 دفاتر؟ إذاً، أين ذهبت الوعود والتصريحات الرسمية الخاصة بتجهيز الطلبة ولجميع المراحل بكل أشكال وأنواع القرطاسية.
تقول أم عبد الله : إنها بحثت عن الكتب الناقصة لابنها في "الثالث المتوسط  "مادة الرياضيات "في أسواق المتنبي وباب المعظم وجدتها  بأسعار مرتفعة لكنها اضطرت لشرائها لان المدرسة تأخرت في توزيع الطبعات الجديدة، وتضيف انها لم تستغرب من حدوث هذا الشيء لان السنة الماضية، اضطرت إلى شراء بعض الكتب لتأخر المدرسة في توزيعها، وهذا الامر يضع أولياء الأمور في مواجهة عملية استهلاك جديدة لمواردهم المالية التي تستنزف اصلاً بغلاء المواد الغذائية وكل مستلزمات الحياة اليومية.
وعلّق هادي الفريجي المتحدث الإعلامي لتربية الرصافة الأولى قائلاً: لقد تم توزيع جميع الكتب والقرطاسية إلى المدارس كافة وسحبت الطبعات القديمة  ونحن حريصون على عدم تسريب الكتب من مديرتنا التي تقوم بتوزيع الكتب فور وصولها إلى مخازن المديرية لذلك فان تسريب الكتب لن يحدث وفي المقابل نطلب ذكر اسماء المدارس التي لم تقم بتوزيع المناهج الجديدة لمعالجة الأمر فوراً.
وكانت وزارة التربية قد أعلنت عن تشكيل لجان في كل مدرسة لفحص الكتب المدرسية المسلمة للطلبة للعام الدراسي 2011-2012.
وقال مصدر في الوزارة إن هذه اللجان تشرف على فحص الكتب المدرسية والتدقيق إن كانت من الطبعات الجديدة والمعتمدة وان لا تتضمن وجود نواقص في الصفحات أو وجود صفحات بيضاء أو مقلوبة".
وأضاف:" أن هذه اللجان وظيفتها أيضا التنسيق بين المدارس والمديريات العامة للتربية حول تسلم وتسليم الكتب".
يذكر أن الأعوام السابقة شهدت تلاعبا في توزيع كتب غير معتمدة إلى جانب تأخير توزيع بعض الطبعات الجديدة من الكتب المدرسية".حسب تصريح المصدر .

عملية التغيير
وقد انطلقت عملية تغيير المناهج الدراسية في العراق في الـ2008، وأُنجزت حتى وقتنا هذا نسبة 85 % منها، على أن تنتهي من المهمة في الـ2012... من الناحية الفكرية فقد ذكرت وزارة التربية انه جرى اعتماد القواسم المشتركة و إبراز الجوانب الحضارية في التاريخ العربي و الإسلامي دون الخوض في قضايا خلافية أو تمجيد الملوك والأمراء، كما شملت مناهج اللغة العربية والانكليزية في التغيير.
إذ نقدم هذا التحقيق،ونود أن نشير  إلى أهمية التحديث والتعديل المستمر لتلك المناهج لنصل بالعراق إلى بر الأمان.

ملفّات فساد طبع المناهج
قال رئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب بهاء الأعرجي: إن اللجنة قررت  إحالة ثلاثة ملفات فساد كبرى إلى القضاء العراقي، من اجل البت بها واتخاذ  قرار بشأنها في فترة لا تتعدى 30 يوما. وأوضح الأعرجي في مؤتمر صحافي عقدته  اللجنة ببغداد، أن هذه الملفات تتعلق بتجاوزات وفساد في وزارة  التربية في عهد وزيرها السابق، يخص الأول منها طبع مناهج وتوفير مستلزمات مدرسية.
لقد طال التغيير في المناهج جُل المقرر الدراسي .. لكن تأخر وصول تلك المناهج في بداية العام الدراسي. أضف إلى ذلك فان الطريقة المختلفة كليا في عرض محتوى المادة ودرجة صعوبتها جعلتنا نتساءل " ما غاية تعقيد المناهج الدراسية دون توفير مستلزمات الدراسة الأساسية، فكل سنة تتغير المناهج وتصرف الملايين وتغير ويستمر التغيير، ولا نعلم لماذا أليس من الأفضل صرف تلك الملايين في إعمار وترميم البنى التحتية لمئات المدارس التي أصبح بعضها آيلاً للسقوط. سؤال موجه إلى المسؤولين في وزارة التربية ليس إلا.

نهاية البحث
وعندما وصلنا إلى شارع المتنبي مباشرة ومن جهة  اليسار تحديدا وقرب "السيطرة الأمنية " تنتشر بسطيات بيع الكتب المدرسية ولجميع المراحل الدراسية خصوصاً "المرحلة الابتدائية"
البسطيّة الأولى والعائدة إلى المدعو .......الذي كان سريع الاستجابة لطلبات أولياء الأمور المنتشرين في السوق وذلك بوضع الكتب الجديدة بين مختلف أنواع القرطاسية، وكما يقول المثل الشعبي "على عينك يا وزارة التربية "
وإذا كان بائع القرطاسية يبحث عن كسب الرزق من دون مراعاة نوع وجودة المستلزمات المدرسية ويعتبر رفع أسعارها شطارة، فماذا يحصل مع بيع الكتب المدرسية على الأرصفة في الأيام القادمة؟! ذلك لأنها تخرج من مخازن وزارة التربية وتحتل مكاناً على الرصيف في شارع المتنبي وباب المعظم وبطبعات حديثة لم يرها الطلاب بعد!

وأخيرا للتذكير
المعروف أن التعليم مجانٍ والحصول على الكتب والدفاتر لابد من أن يكون كاملاً قبل موعد بدء الدراسة لكن ما حصل ويحصل كل عام أن وزارة التربية تضع المواطن أمام الأمر الواقع وبمواجهة عملية استهلاك جديدة لمواردهم التي تستنزف أصلاً بالغلاء الرهيب في المواد الغذائية والوقود وكل مستلزمات الحياة اليومية.
المدى

  كتب بتأريخ :  الإثنين 10-10-2011     عدد القراء :  2361       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced