ثورات الربيع العربي بين الديمقراطية والتراجع
بقلم : تحسين المنذري
العودة الى صفحة المقالات

في كل البلدان العربية التي حدثت فيها الانتفاضات الشعبية العارمة مازل الوضع غير محسوم الاتجاه، حتى في البلدان التي تم فيها اسقاط دكتاتورييها ،  مابين إنتصار حقيقي للقوى المنادية بالديمقراطية والدولة المدنية والتغيير الافضل لمصلحة الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، وما بين قوى تمتلك رؤى خاصة لاعادة بناء الدولة على أسس من الاتجاه الديني من شأنه أن يزعزع الثقة بالانتصارات الحقيقية التي حققتها الشعوب ويؤدي الى تراجع عن أبسط مكتسبات الديمقراطية الاجتماعية والتي كان بعضها قائما مفروضا على الانظمة الاستبدادية المنهارة أو التي في طريقها نحو الانهيار،هذا إذا أستبعدنا قوى وفلول الانظمة الاستبدادية من صورة هذا الصراع بشكل مؤقت .
والحقيقة فإن كلا المجموعتين من القوى لها إمتدادات إجتماعية وتشكيلات سياسية غير حديثة إضافة الى التشكيلات التي تمت أثناء وبعيد بدء إنتفاضات الربيع العربي ، فالمجموعة الاولى هي قوى تمثل مصالح الطبقات المسحوقة عموما كالعمال والفلاحين وشغيلة اليد والفكر والبرجوازية الصغيرة وشرائح الفئات الوسطى ومجاميع من البرجوازية الوطنية والتي هُمشت بفعل سياسات الانفتاح الاقتصادي وفسح المجال لدخول ـ حتى منفلت أحيانا ـ للرأسمال الاجنبي برعاية من رؤوس الفساد المالي والاداري المتنفذة في أجهزة السلطات الاستبدادية ، كما إن هذه الطبقات عانت جميعا من تدني المستوى المعيشي وتفشي البطالة بين صفوفها وأيضا التهميش من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية ، لذلك فقد كان من المنطقي أن تكون شرائح منها هي المبادرة لاشعال فتيل الانتفاضات إنطلاقا من عوامل إقتصادية ـ إجتماعية في الاساس مع مطاليب سياسية وحقوقية مشروعة مثل حرية الرأي وتطبيق مواثيق حقوق الانسان الدولية وغيرها ، وهي بذلك ربطت بشكل موضوعي بين جملة المطاليب الاقتصادية ـ الاجتماعية مع الوضع السياسي بكل تداعياته وإبتعاده أو إنحرافه عن مفاهيم الديمقراطية وقيمها .
على الضفة الاخرى هناك المجموعة الثانية من القوى التي تسير جنب الاولى في مطالبتها بالتغيير الشامل لكن بتوجيه الوضع الى إتجاه أخر لا يمت بصلة الى جملة الاهداف الكبرى التي قامت لأجلها الثورات ، فهذه المجموعة الثانية وعلى إختلاف تسمياتها بالسلفي المتشدد أو المتنور تعتقد بفكر شمولي يضع نفسه في مقام المقدس الذي لايقبل النقاش مع الاخر ، وله أولويات لعل أقلها الاجهاز على المكتسبات الاجتماعية التي تحققت بفعل نضال طويل لجموع الفعاليات الشعبية من أحزاب أو منظمات ديمقراطية . كما إن هذه القوى لها إمتدادات أجتماعية كبيرة في كافة شرائح المجتمع إستنادا الى خلفية دينية وأرث إجتماعي عقائدي ، نما وتطور خلال حقبة الانظمة الاستبدادية بشكل ملحوظ ، فهي تنظيمات معارضة تستفيد من كل المعتقدات الشعبية وتمتلك غطاءا فكريا لتحركها، وأماكن عبادة مقدسة تتجنب السلطات الدكتاتورية عموما المساس بها،توفر أمكنة جيدة لتنظيم لقاءاتها والترويج لافكارها عبر محاضرات رجال الدين والواعظين ، كما إن بعض تلك الانظمة الاستبدادية لجأت في فترات معينة الى تحالفات مختلفة معها أو هي على الاقل تستفيد منها لمواجهة ألافكار التنويرية والثورية إذا ما تنامى حضورها الفكري والسياسي  ، فكانت على الاقل تسمح لها بالمشاركة في العمل السياسي حتى وإن بمسميات أخرى ، هذه المجموعة من القوى هي الخطر الاكبر الذي يواجه نجاح الثورات في تحقيق أهدافها التي قامت لأجلها ، سيما إذا ماتوفر لها عاملان أساسيان يساعدانها على تحقيق ما تصبو اليه من فوز في المقاعد البرلمانية أو المجالس الشعبية ، وهذان العاملان هما أولا فلول وبقايا الانظمة الاستبدادية والذين مازال الكثير منهم الى الان يمتلك القوة والمال اللذين يساعدان بشكل كبير في كسب المؤيدين ، والعامل الاخر الخطِر هو إقامة علاقات لهذه القوى مع القوى الدولية الكبرى وخصوصا أميركا والتي تتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية عبر وسائل شتى ،والتي لايهمها سوى الحفاظ على مصالحها الحيوية في المنظقة عموما وفي كل بلد على حدة ، وهنا سوف تتشكل بحق قوى الثورة المضادة،  وعند ذاك سوف تتراجع الثورات عن مساراتها التي أرادها لها المنتفضون الاساسيون .
كما يبدو فإن حدة الصراع تبقى على أوجها ، ولكي تستطيع القوى الديمقراطية من تحقيق منجز الثورة فلا بد عليها أولا من تطوير علاقاتها مع بعضها ومع القوى والاحزاب السياسية المساندة لمشروعها عبر هياكل تنظيمية تحالفية رصينة لاتقتصر على تحقيق منجز واحد بل تكون لها ستراتيجية بعيدة المدى لبناء نظام دولة مدنية ديمقراطية ، وخلال هذا فلابد من الاستمرار في تطوير وتنويع أساليب العمل بين الجماهير وتحشيدها بإتجاه تعريفها بحقيقة التطورات الجارية والعمل على تحقيق مكاسب تهم أولا وقبل كل شئ حياتها المعيشية والحفاظ على المنجزات الاجتماعية المتقدمة أساسا على أهداف وأفكار قوى الثورة المضادة .

  كتب بتأريخ :  الأحد 16-10-2011     عدد القراء :  1753       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced