فؤاد سالم ... يفقد النطق ويتكلم بالإشارة!!
بقلم : عبدالجبار العتابي
العودة الى صفحة المقالات

يقضي الفنان العراقي القدير فؤاد سالم شيخوخته في عذاب وألم، حيث يعاني تلفًا في أنسجة الدماغ أفقده القدرة على النطق والحركة، ولم يعد بوسع الطبّ فعل أي شيء له. يتعالج في مستشفيات دمشق منسيًا من قبل الدولة العراقية، التي لم تتحرك لتفعل أي شيء له، وهو الذي كان صوت المعارضة في الخارج في زمن البعث.

بغداد: غريب في الخليج، غريب في دمشق، غريب وسط جمهوره الذي يدور حوله، غريب بين أغانيه، التي أصبح لا يسمع منها سوى آهاته التي يطلقها وهو لا يقوى على الحركة، ولا يقوى على النطق، وكلما أراد ان تتحرك روحه بأغنية تعوقه الأنسجة التالفة في دماغه، فلم يعد ذلك النجم سوى ظل، يعاني عذابات امتلأت بها روحه.

البلبل الذي كان تغريده يطرب العراقيين في الداخل والخارج على مدى سنوات طويلة، صمت وسكت، وظل حبيس الكرسي او السرير في بيته الدمشقي، الذي آواه في ايام الغربة الطويلة، إنه الآن يعاني، لم يعد قادراً على ان ينسج في مخيلته تلك المشاعر التي كان يبتهج بها، وهو يرنو صوب جمهوره الواسع وصوب بغداد أو البصرة مدينته التي ولد فيها، لم يعد إلا في غياب يسير بطيئًا، فيما اغنياته تقف حدادًا على صوته، الذي لم تعد له سوى مساحة ضيقة جدًا.

تقول ابنته الفنانة نغم فؤاد سالم، بعدما اعتذرت عن الكلام مرات، وطغت على وجهها سحابة من الحزن: والدي فؤاد سالم يعاني كثيراً، لكننا نحمد لله ان حالته استقرت على وضع، وان كان محزنا، لا استطيع ان اتصل به، لا استطيع .. لانني اعرف انه لن يجيبني، لا اريد ان اتعبه بالاتصال حين يعرف انني المتصلة، وهو لايقوى على الرد عليّ، وانما اتصل بإخواني هناك، اتصلت أخيراً بأختي جمانة، وقالت إن حالته استقرت على الوضع الحالي الذي هو فيه، ليس وضعاً حسناً بالتأكيد، ولكنه على الأقل حي يرزق، لا تسوء صحته ولا تتحسن، ولكن الحمد لله انها استقرت، واستجاب للاكل البسيط، والعلاج الطبيعي الذي بدأ معه.

واضافت: والدي يعاني تلفًا في انسجة الدماغ، ومشكلته الاولى كانت تصلبًا في الشرايين ومرض السكري، ومن ثم كان التلف في انسجة الدماغ، الان .. عندما ترتفع نسبة السكر يحقنونه بالإنسولين، وهو ما يجعل انسجة الدماغ تتلف اكثر، كل هذا بعد صراع مع المستشفيات في دمشق، لأن أطباءه الذين كانوا يعالجونه موجودون في فرنسا وبريطانيا، وأخي حسن تواصل معهم عبر الانترنت.

احدهم قال له في اول الأزمة: ليس هنالك من داع الى ان تأتوا به، لأن اي تدخل جراحي لايمكن ان يكون، لأن تلف الانسجة لا يتطلب تدخلاً جراحيًا، وقال ايضًا: ان وجوده في دمشق مثل وجوده في فرنسا او اي مكان آخر.

تعود نغم إلى آخر اتصال بينها وبين اختها: حاليًا بدأ يستجيب لشيء من الطعام وللسوائل والعصائر، واستقرت الحالة على هذا الوضع، لكنه يتكلم بالاشارة فقط، الكلمة منه تخرج بمعاناة شديدة، لا يقوى على النطق، الطبيب المختص بالعلاج الطبيعي يأتيه الى البيت، يقول انه بحاجة اليه، واخواني هناك يحاولون ان يجعلونه يقوم ويقعد او يمشي خطوتين او ثلاثا، لايمشي كثيرا، ولا يترك البيت الا حينما يتم نقله الى المستشفى، كلما يرتفع السكر في دمه، وكلما ينتكس وبوساطة سيارة اسعاف!! .

وتابعت نغم: لايمكن ان ننقله الى بغداد ابدًا، ولا الى أي مكان آخر حاليًا، حالته لا تحتمل ذلك، دمشق الآن افضل مكان له لأن فيها سكنه، ووضعه لا يحتمل أي تنقل، لذلك البقاء في البيت افضل له، هذه الانتكاسة بدأت منذ 9 اشهر، وقبلها كان على اساس ان يأتي الى بغداد، ويسكن في بيتي، ولكن المرض لم يسمح له للاسف، انا لا اتصل به، اخاف ان اتصل به، ولا احد يرد عليّ، لان مجرد ان لايرد علي احد اخاف.

تواصلت نغم في الحديث معبّرة عما يجيش في صدرها: القائمون على علاجه اولاد عمتي، وعمتي، وزوجها، واولاد عمه، يعني ان اهله وعشيرته لم يتخلوا عنه، وليست هنالك اية مساعدة من اية مؤسسة حكومية، نحن من عشيرة لا تترك اولادها، لا تقبل لابنها ان يستجدي.

اما اذا كان الامر كما تقول أنت انه حقه فهذا متروك للدولة، الدولة بما فيها من معارضين كانوا في الخارج ومن مستلمين للسلطات، هل هؤلاء مع جل احترامي لهم، هل قدروا رفيق نضالهم في الغربة، هم كانوا اسماء شبه معروفة، وهو كان نجمًا لامعًا معروفًا، هو كان معرضًا أكثر منهم للخطر والاذى، ما الذي قدمته الدولة العراقية لفؤاد سالم، لأولاد فؤاد سالم، لأي احد من عائلته كتقدير، ابتداء من السيد جلال الطلباني وانتهاء بآخر واحد، فمسألة نضاله بالنسبة إليّ كانت غير مجدية.

قبل ان ينتهي الحوار بيننا سألتها: ما الاغنية التي يمكن ان تنطبق على حال فؤاد سالم فقالت: (غريب على الخليج) ودارت الاسطوانة في الرأس: (لريح تلهث بالهجيرة، كالجثام، على الأصيل / و على القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل/ زحم الخليج بهن مكتدحون جوابو بحار/ من كل حاف نصف عاري/ وعلى الرمال، على الخليج/ جلس الغريب، يسرح البصر المحير في الخليج: و يهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج/ أعلى من العباب يهدر رغوه ومن الضجيج، صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى: عراق، كالمد يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون، الريح تصرخ بي: عراق، والموج يعول بي: عراق، عراق، ليس سوى عراق‍‍.

فؤاد سالم ..الآن تغرورق ايامه بالدموع، شئنا ام ابينا، ومن يتأمل وجهه لا بد ان تعتريه الرجفة، فلا يمكن ان يغمض عينيه دون ان تتعالى في رأسه اغنيات اشتهر بها فؤاد سالم وعشقها العراقيون، وكانت خلال سنوات طويلة تسمع بالسر، ويعاملها العشاق مثل منشورات سرية: يسوار الذهب، أرد اوكف، أريدك، انت اللي بديت، بعدك صغيرة، حدر ياهالبلام، درب الشوق، رنة خلخال، شوق الغريب، ضحكة حبيبي، ما تدرين، مالوم أنا، محلاها العيون، مشكورة، مو بيدينه، يا بعد عمري، ياطير الرايح، سعادة، مشكورة، أفعال حبيبي، هلي يا ظلام، هنا يالحادي، هوى الحلوين، وتسافرين، ودعونا، وردة اسكيتها، وينك حبيبي، يابوبلم عشاري، صابرين، و (بوية نغم يا بويه / الغربة طالت يا نغم يا بويه)، اي حزن يبعث الصوت الشجي الذي لم يعد له صوت.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 17-10-2011     عدد القراء :  1825       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced