منذ وفاة والدتي قبل أسبوعين، كانت الجارتان أم الشهيد روبرت وأم جاسم لا تفارقان بيتنا عصر كل يوم، وهذا بالطبع هو جزء من أصول الجيرة مثلما تقول أم جاسم، وكانتا حريصتين على أن لا أقوم بأي عمل، حتى تقديم خدمة الضيافة، وفي الحقيقة كنت أشعر بإحراج لما يقمن به، لأنني أؤمن من أن الموت يجري على كل الأحياء بشرا كانوا أم حيوانات أم نباتات، ولكنَّ طيبة جارتيَّ تجاوزت كل هذه المعاني، مما جعلني أشعر حقيقة أن فقدان والدتي ليس هو نهاية العالم، وبدأت حقا أتجاوز غيم الحزن المخيم في سماء روحي. وقد لاحظ زوجي (أبو حسان) ذلك ولكنه لم يقل شيئا، ولكنني شعرت بفرحه من خلال روايته لنا نحن أهل بيته النكات التي سمعها حديثا، هو بالطبع كان يرويها إلى نهى المولعة بسماع النكات، والتي تضحك بكل ما تحمل روحها من براءة الأطفال، أما أنا فقد ضحكت مرة على أحدى هذه النكات بكل إشراق روحي، مما جعله يعلق قائلا: - إي هسه طلع نور شمسنه.
أمس وكالعادة حضرت جارتايَّ عصرا، وعندما همت أم جاسم بالنهوض لإعداد الشاي قلت لها:
- لا أم جاسم اليوم أني أخدر الكم الچاي.
وعندما أصرت أم جاسم أن تقوم هي بذلك وهي تستعين بيديها اليمنى للنهوض، أمسكتها أم الشهيد روبرت قائلة لها:
- من زمان ما شاربين چاي أم حسان إستريحي أنت اليوم أم جاسم.
عندما جئت بالشاي مع صحن من البسكويت، سألتني أم الشهيد روبرت وكأنها لم تسمع شيئا:
- أم حسان شنو أخبار تظاهرات ساحة التحرير؟
حكيت لهن َّما روته ابنتي ندى بعدما عادت ظهر يوم الجمعة من التظاهرة، وكانت تظاهرتهم ضد ما خصصه مجلس النواب من عدد يفوق ضعف عدد نوابه للذهاب إلى الحج، علقت أم جاسم قائلة:
- والفقير يا هو إله، چا همه فوك ما يقبضون رواتب بالدفاتر، النوب يوافقون لأرواحهم ولگرايبهم بزيارة بيت الله، والعراقي الما عنده ست أوراق يدفعهن حته يحصل الموافقة، لازم ينحرم من زيارة بيت الله، عسه المجلس بالنايبه التطره عله ها لعملات.
شعرت بالمرارة في كل كلمة قالتها أم جاسم، وتيقنت من قول ابنتي ندى (ليس للفقير من أحد).
كتب بتأريخ : الخميس 20-10-2011
عدد القراء : 1701
عدد التعليقات : 0
ليس للفقير من أحد
