لاشيء جديد
بقلم : سلام داود علي
العودة الى صفحة المقالات

كثيرة هي المحن التي مازالت مستقرة في اللاشعور وتتحول في احيان كثيرة الى قوة خفية تفرض سطوتها على ارادتنا وترغمنا على التعبير عنها.
في السنوات التي سميتها بسنوات الجمر الذي اكتوى فيه العراقيون، وهي السنوات التي وضعت اعناقنا بين المطرقة والسندان، بين مطرقة الحصار العالمي الذي طوقنا بسور من الجوع والمرض والمعاناة وبين سندان الحاكم الطاغية الذي لايعرف الا ان يشهر سيفه ليقطع اوصال ضحكة الاطفال وفرح الشباب وامل الامهات.
في ذلك الحين حيث اشتد الجوع وانتشر الوباء وخاصة في العام 1996 وكنت عاطلا عن العمل كغيري من الاغلبية الساحقة من ابناء شعبي، رأيت الكثير من العجائب المفزعة التي يندى لها جبين البشر والانسانية.
كان العراقيون يتبادلون النظرات الصامتة التي تعلن عن احتجاجها على الموت المجاني الذي يجتاح بلادهم، كانوا يتبادلون اثاث منازلهم، ويتبادلون الادوار في حركات يائسة وكأنهم يأكلون لحم بعضهم.
ولكن كل ذلك قصة ولجارتنا ام جميل قصة اخرى تتقطع لها القلوب، وكم تمنيت ان اكون شاعرا او خبيرا بتفسير تلك الملامح التي تنضح بالحزن والرجاء لكي اكتب عنها بشكل حقيقي واكشف المعاناة الداخلية لهذه الأم المسكينة.
لأم جميل ثلاثة اولاد وبنت، تركها زوجها قسرا وراح يحارب عندما اندلعت الحرب مع ايران، لكنه لم يعود الى الان، ويبدو ان آلة الحرب طحنته كما طحنت الالاف من الرجال غيره، لكن ام جميل لم تيأس وراحت تنتظر زوجها وتترقب الباب كل يوم منذ ان توقفت الحرب في العام 1988 حتى هذه اللحظة.
كانت ام جميل تخرج من البيت من الصبح حتى مغيب الشمس كي تعود لاولادها برغيف من الخبز وقليل من الحساء الذي لايسد الرمق، انها تشقى في كل لحظة من اجل ان يبقى اولادها على قيد الحياة، ولكن للجوع والقدر سلطة اخرى.
تحولت ام جميل مع مرور الايام هي واطفالها الى مجرد هياكل بشرية ببطون خاوية وليس لها القدرة على الحركة، كما انهم لم يحصلوا على المساعدات الكافية من الاقارب والجيران حيث ان الجميع كانوا ضحايا للفقر والجوع.
تسللت الامراض الى اجساد الاطفال فماتوا واحدا بعد اخر، ولم يفلح نحيب وصراخ ام جميل في انقاذ اي واحد منهم حتى فقدت عقلها تماما واتخذت من الرصيف بعد ان طردها صاحب البيت مأوى ثابت لها وتعيش فيه في الصيف والشتاء وهي تتضور جوعا.
عندما ذهبت الى العراق بعد سقوط الطاغية وجدت ام جميل في نفس المكان وعلى نفس الرصيف، اعطيتها شيئا وبكيت.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 26-10-2011     عدد القراء :  1686       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced