ليبيا : الناتو و"حماية المدنيين"..!!؟
بقلم : باقر الفضلي
العودة الى صفحة المقالات

الذريعة "إنسانية" والوسيلة عدوانية..!!

تمكنت الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في حلف الناتو من جر الشرعية الدولية ممثلة بمجلس الأمن الى فخ القرار  رقم/ 1973 في 18/3/2011 القاضي بإستخدام القوة المسلحة ضد دولة ليبيا تحت ذريعة "حماية المدنيين"؛ وهي لعمري من الذرائع التي تسكب لها العبرات، لما فيها من "دوافع إنسانية"، وتخرس أمامها الألسن، لما فيها من "حجج وتبريرات منطقية"..!

وهكذا تمكنت أمريكا وحلفائها في "الناتو" من تحقيق نصرهما الأول دون إزهاق روح واحدة من جنودهما في "ساحات الحرب" المفترضة في ليبيا، متجاوزين بذلك تجربتهما في العراق وأفغانستان، وقبلها في فيتنام وكوريا، ليخرج "الناتو وأمريكا" مكللين ب "النصر العظيم"، وليقبر معمر القذافي وولده في عمق الصحراء، دون إشارة أو شاخص دليل، بما مثله ذلك من إستهجان للنفس البشرية وإنتهاك لمباديء حقوق الأنسان..!

القرار الأممي 1973 رغم كل ما شابه من هنات وغموض، وكل ما قيل بصدده من نقد وملاحظات من قبل بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وهذا ما أتت عليه المقالة الموسومة ( ليبيا: بين سندان الشرعية الدولية ومطارق الإحتلال)(1)، فأنه وعلى الصعيد العملي والميداني، يمثل إنعطافاً حاداً  في تأريخ الشرعية الدولية، خاصة فيما يتعلق بآليات حفظ الأمن والسلم الدوليين، وفي الموقف من مبدأ سيادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وطرق حل النزاعات بينها وفقاً لأحكام الفصلين السادس والسابع من ميثاق المنظمة المذكورة، وهذا ما تناولت بعضه المقالة المشار اليها في أعلاه، كما وإنه من الجانب الآخر، يعتبر إحد إنعكاسات تداعيات الخلل الذي إنتاب ميزان القوى على الصعيد الدولي بعد إنهيار "الإتحاد السوفييتي"، حيث بات التوازن الدولي على صعيد المصالح المتباينة للدول العظمى، محكوماً من قبل القطب الأقوى، مما أصبحت تأثيراته واضحة في نتائجها السلبية حتى في مضمار نشاط هيئة الأمم المتحدة وفي طبيعة بناء قرارات مجلس الأمن، وهذا ما إنسحب في تأثيره وتداعياته السلبية على نضال الشعوب المناضلة من أجل حريتها كالشعب الفلسطيني على سبيل المثال، أو تلك الرازحة تحت أنظمة حكم إتسمت بالإستبداد والدكتاتورية، وما القرار 1973 في 18/3/2011 بشأن ليبيا، إلا من الأمثلة الحسية على تلك الحقيقة..!

ف "حماية المدنيين"؛ تلك العكيزة التي بنى القرار الأممي المذكور حيثياته عليها، كانت في الحقيقة  تحمل في طياتها وفي كل كلمة من جملها المعسولة، كل نذر الموت الزؤام، لأولئك المدنيين الليبيين، سواء من صدقوها أو من نظروا اليها بعين الريبة والتساؤل، أو أولئك الأبرياء من الذين أسلموا أمرهم الى حظهم العاثر الذي أوقعهم بين فكي كماشة الموت، فأحالت قنابل الناتو مدنهم وملاجئهم المتواضعة الى مقابر جماعية، إختلطت فيها جثامين الشيوخ والأطفال والنساء والمحاربين من كل صوب وحدب(2)، لتتحول حقيقة "حماية المدنيين" طوال سبعة أشهر من القصف المتواصل لطائرات الناتو، الى مجزرة دموية وعنوان لتراجيديا ليبيا المدمرة؛ شعباً مطارداً وبنى تحتيةً محطمة، وأملاً ملتبساً ومستقبلاً مهزوزا، وثروةً منهوبة..!

ليس الهدف في هذه المقالة الدخول في تفاصيل الأحداث أو البحث في الدوافع التي تقف وراء إصدار قرار مجلس الأمن، ولا حتى في البحث وراء شرعية أم عدم شرعية أو وطنية طلب التدخل الأجنبي بهدف التغيير الداخلي، فهذا ما أشرنا اليه سابقاً في المقالة المنوه عنها في أعلاه وفي المقالة التي سبقتها حول الشأن الليبي والموسومة ( ليبيا: بين الثورة والتثوير)(3) ، بقدر ما أردنا أن نلفت النظر اليه هو جسامة حجم الضحايا البريئة من المدنيين الليبيين، التي جاوزت اعدادها عشرات الألوف من مختلف الأعمار والأجناس، التي سقطت بفعل قنابل وصواريخ الناتو، ناهيك عن حجم الخراب والتدمير الذي أصاب الهياكل الإقتصادية للبلاد، ما يستثير التساؤل المشروع عن الجهة التي تتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية جراء التطبيق الأعمى والمقصود لقرار مجلس الأمن 1973، بهذا الشكل الهمجي، وعن مدى حدود دور ومسؤولية الشرعية الدولية في تعقيب ومراقبة الجهات التي يناط بها تنفيذ قراراتها الأممية، والتداعيات السلبية لذلك التنفيذ على مصالح الشعوب التي تتعرض الى مثل تلك القرارات، ولعل الأنكى أن تعهد الشرعية الدولية في تنفيذ قراراتها الصادرة وفقاً للفصل السابع من ميثاقها، الى نفس الجهات المدعية والجائرة بالشكوى، تحت ذريعة إنسانية، سُخِرت لها أشدُ عناصر الفتك والدمار من الآلة الحربية. فهل يا ترى  أخذت الشرعية الدولية في إعتبارها تلك النتائج المأساوية لتنفيذ قرارها بالحسبان..؟!

إنه ومن نافل القول، أن تكون الإجابة بالنفي، طالما كان المتحكم بقرارات مجلس الأمن هي نفسها الدول المناط بها شؤون صيانة الأمن والسلم الدوليين، من الدول الخمس الكبرى، وطالما هي نفسها من يتحكم سياسياً وميدانياً بهذه الشؤون، بما تمليه عليه مصالحها، وبما وفره لها ميثاق الأمم المتحدة من سلاح (حق الفيتو)، الضامن الفعال لتلك المصالح بوجه أي قرار ترى فيه تهديداً لتلك المصالح؛ فلا غرابة والحال، أن تطحن "ماكنة الناتو" الألوف من المدنيين الليبيين الأبرياء، من أجل "حماية المدنيين"  من بطش الدكتاتور، فالمصالح دائماً هي فوق أي إعتبار..!!؟

31/10/2011       

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 01-11-2011     عدد القراء :  1705       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced