مؤسّسات المجتمع المدني وترسيخ الديمقراطيّة
بقلم : علي نافع حمودي
العودة الى صفحة المقالات

يعرف الجميع بأن البناء الديمقراطي وترسيخ مقوماته في المجتمع يتوقف على الوعي بأهمية الديمقراطية كخيار ثابت في العلاقات، وهذا يتطلب قوة وإرادة لتأصيلها في الفكر والثقافة والسلوك، وفي المرجعية الحضارية بصفة عامة، ومعنى ذلك أن الديمقراطية وحقوق الإنسان يحتاجان إلى تأسيسهما في وعي الأفراد والجماعات، والى ترسيخهما في منظومة الثقافة السائدة وأساليب وطرق التنشئة الاجتماعية ومؤسسات التعليم والإعلام والتثقيف بما يحولهما إلى قناعة راسخة .



وهنا يتم تأصيلهما في السلوك اليومي لجميع الأفراد والتدريب عليهما من خلال ممارساتهما في مؤسسات الدولة كافة، وصولا إلى حالة القبول بالخيار الديمقراطي وبالتالي القبول بنتائجه.
وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني مدارس أولية لتعليم وتعلم الديمقراطية وممارستها وهي لذلك تعتبر ذات أهمية كبيرة في التربية المدنية، وإن الوضع في الماضي ينفي الشريك عن الحاكم، لذلك فان الثقافة الديمقراطية اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة وطنية وحضارية ليس من اجل التقدم ولكن من اجل الحفاظ على الوجود ذاته. فالديمقراطية بمفهومها العام تتضمن احترام حقوق الإنسان وبناء المجتمع المدني، كل ذلك يشكل إطارا جديدا في واقع وفكر المجتمع، الأمر الذي يتطلب لنجاح واستدامة التحول الديمقراطي أن تحدث تحولات بنائية وهيكلية شاملة في مجالات السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع بل وفي السيكولوجية الفردية والجماعية معا، فبناء المجتمع ديمقراطيا لا يتم إلا من خلال نوافذ عديدة وليس نافذة الانتخابات وصناديق الاقتراع فقط بل يجب إيجاد الأرضية والقاعدة القوية لذلك وعلى الأصعدة كافة.
ولما كان النظام السياسي نظاماً مغلقاً يعيد إنتاج مجاله السياسي الضيق وبذلك يكبح حركية التطور المتراكم في مختلف المجالات، هنا نقول إن إقرار المواطنة باعتبارها مصدراً لحق المساواة السياسية هو حجر الأساس في نظام الحكم الديمقراطي، وان إنكار ذلك يحول دون فرص التحول السلمي إلى الديمقراطية ويفتح الباب للفتن والحروب الأهلية، ووفقا لمنظور الفكر السياسي الغربي ، فان ظهور الدولة يترافق مع ظهور الأمة وان الدولة الوطنية هي التي تتعالى عن العصبيات، وتمثل التجسيد القانوني للأمة، وتكتمل معالم الدولة الحديثة باستقلالية المجتمع المدني عن المجتمع السياسي وفصل السلطات خشية أن من يملك السلطة قد يميل لإساءة استعمالها وهنا ولدت الحريات السياسية العامة، ذلك أن الدولة تصبح توتاليتارية طالما أنها تدعي حق إدارة جميع الشؤون والتطابق مع المجتمع ، ولكي تكون الدولة مطاعة في الواقع لابد لها من أن تصبح شرعيتها مقبولة في وعي وضمير المحكومين، والشرعية لابد من أن تتجلى في وفاق جمعي واتفاق كلي على القواعد والمبادئ الأساسية المحددة والمنظمة للدولة وسلطاتها أهمها الاعتراف بكيان الفرد وحقوقه الطبيعية والمدنية.
ونحن في العراق لا نريد أن تكون الديمقراطية شعاراً يكتنفه الغموض ويحتدم حوله الجدل والصراع بل والاقتتال، إضافة إلى المزايدة في رفع الشعارات المعبرة عنه، الأمر الذي يفرز عوائق عدة أمام تنمية فكر ثقافي ديمقراطي يعترف بالآخر ويتحاور معه وينبذ العنف ويقبل التسامح ويعلي من أهمية المواطنة المتساوية.
والمتغيرات الثقافية المرتبطة بالديمقراطية تحاول أن تؤسس لها وجوداً قانونياً ومعرفياً وسلوكياً في أرض الواقع رغم أن البعض لم تتولد لديهم بعد قناعات واستجابات إيجابية للديمقراطية حيث لا يزال هؤلاء يرتبطون عاطفياً ومعرفياً بالمؤسسات التقليدية ومنظومتها الرافضة لكل أشكال الديمقراطية، بـل إن هذه الأخيرة يستند إليها عدد من القوى الاجتماعية والسياسية في تحقيق مصالحها وفرض وجودها السياسي في المجال العــام، ووفقاً لذلك فإن هذه القوى تحاول خلق وعي ضدي تجاه المتغيرات السياسية الحديثة بحجة عدم ملاءمتها للواقع العراقي. وأهم تلك العوامل المطلوب تعميمها وإبرازها هو ضرورة إشاعة الثقافة المدنية لدعم التحول الديمقراطي الناشئ ذلك انه من غير الممكن للديمقراطية كبنية وأليات وقواعد أن تنضج وتترسخ على مستوى الممارسة السياسية إلا في ظل بنية ثقافية تقــوم على المساواة وحرية واحترام الآخر المختلف عنّا بأشياء عديدة.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 02-11-2011     عدد القراء :  1767       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced