انــتــفــاضـة تـــشـريـن 1952 فـصل من ذكـريات المناضلة
بقلم : بــشرى بـرتو
العودة الى صفحة المقالات


في أيلول 1952 انتقلت الى الصف الثاني كيمياء. كان عدد طلاب صفنا عشرة فقط ثلاث فتيات وسبعة فتيان
كنا نأخذ المحاضرات في احدى الغرف المسمات "قاعة محاضرات" وكانت تتسع فقط لـ 15-20 طالبا وهي معدة ببساطة شديدة : كراسي وسبورة. أما مواضيع الدراسة فكانت: الكيمياء اللاعضوية والكيمياء العضوية والرياضيات واللغة الانكليزية, ولم يكن الاساتذة بالمستوى الذي كنا نأمله لدراستنا الجامعية وقد تميز من بينهم أستاذ الرياضيات فقط وهو الاستاذ عبدالله عوبيديا.
لم يكن المستوى الدراسي هو السبب الوحيد الذي جعلنا نشعر بان الجامعة لا تختلف كثيرا عن المدرسة الثانوية فهناك مدير الكلية وسلوكه مع الطلبة الذي كان سلوك مدير ثانوية حتى أنني كنت أعتقد أن مديرة ثانوية الاعظمية كانت تعاملنا معاملة أفضل من معاملته لطلبة الكلية. لم يكن يحترم الطلبة وكان يراقبهم مراقبة بوليسية وتكثر إهاناته لهم. وكان الطلبة يخشونه بل يخافون منه وكان معروفا لدى الجميع بان كلية الصيدلة عبارة عن مدرسة ثانوية.
كان درس الرياضيات جديدا علينا كليا إذ يبحث في الرياضيات العالية كما كانت تسمى وهي علوم التفاضل والتكامل الرياضية التي لم نكن قد سمعنا بها في الثانوية. وبرغم كفاءة أستاذ عبدالله عوبيديا وجهوده في تعليمنا وبرغم أننا نجحنا في هذه المادة الا اننا، وأعني كل طلبة الصف، لم نستوعبها فقد بقيت بالنسبة لنا علما جامدا لا روح أو حياة فيه ذلك لان هذا العلم هو بالاساس طريقة واسلوب لحساب كل شئ، وتدريسه لنا هو تلبية لحاجة دارسي علوم الكيمياء والفيزياء استخدامه لحل وحساب كافة الظواهر التي يدرسونها. ولكن أساتذتنا الآخرين لم يستخدموا هذا العلم في أي تطبيق كان وحتى لم يعلمونا مجرد تبيان أين وكيف نستخدم هذه الرياضيات العالية. ولا أتذكر أن أيا منهم جاء يوما على ذكر هذا العلم ولو لمجرد الذكر فبكل بساطة لم يكونوا يعرفون شيئا منه فهم مدرسو ثانوية تطوروا وظيفيا ونقلوا الى كادر الجامعة دون أي تأهيل علمي. وربما كان للوساطة الدور الاكبر في انتقالهم هذا. شعرت بكل هذا عندما انتقلت الى الدراسة في بلجيكا وحضرت درس الكيمياء الفيزيائية والكيمياء اللاعضوية وغيرها.
أعلن في عام 1952 تأسيس دار الحكمة وهوترتيب اداري جديد للمعاهد الطبية اذ شكل مجلس لادارة الكليات وعدد من المؤسسات الطبية، والحقت كلية الصيدلة والكيمياء بهذه الادارة شأنها في ذلك شأن الكلية الطبية وكلية طب الاسنان ومدرستي الموظفين الصحيين ومدرسة الممرضات، واصبح عميدنا يسمى بـ "مدير الكلية"، واصبح لهذه الادارة شخصية مستقلة ولكنها مع ذلك ترتبط بوزارة الصحة بدلا من ارتباطها السابق بوزارة المعارف. واعتقد ان بيت الحكمة لم يدم طويلا وقد حل مع تأسيس جامعة بغداد.
لم يكد يمضي شهر واحد على بدء الدراسة تحت هذه الادارة الجديدة حتى أعلنت إدارة الكلية مشروع قانون جديد يحق بموجبه لمدير الكلية حرمان الطلبة من حقوق مشروعة معروفة كانت متاحة لهم حتى ذلك الوقت ومنها مثلا اعتراضهم على نتائج الامتحان التي يحصلون عليها والهدف من وراء مشروع ذلك القانون كان واضحا الا وهو زيادة قوة قبضة المدير على طلاب الكلية.
كان إستياء الطلبة كبيرا من هذا المشروع وشاملا لكل الطلبة. وقد تدارسنا، وكنا كما ذكرت مجموعة من الطلاب من ذوي الميول والافكار المتقاربة، واقترحنا على الطلبة القيام باضراب ضد هذا القانون. كانت رغبة وتلبية طلبة الكلية لهذا المقترح كبيرة، ولما كنا نخاف المدير قررنا ان لا نأتي الى الكلية في اليوم التالي وإنما نذهب ونقضي ساعات الدوام في نادي وحديقة الكلية الطبية حيث لا يمكن للمدير الوصول الينا. وفي اليوم التالي داوم جميع الطلبة تقريبا في حدائق الكلية الطبية عدا صف الثالث كيمياء وعددهم 10 طلاب أيضا ذهبوا للدوام في صفهم.
عقدنا اجتماعا لطلبة الكلية المتجمهرين واقترحنا تشكيل لجنة للاضراب وكان المقترح أن ينتخب كل صف ممثلا عنه في اللجنة. وتم انتخاب اللجنة وتكونت من ثمانية أعضاء كنت أنا فيها ممثلة صفي الثاني كيمياء. وكان من بين أعضاء اللجنة الذين أتذكر أسماءهم جبار محمد صالح ومنعم ابراهيم نعمان. وضعنا بيانا بموقفنا من مشروع القانون الجديد علقه أحد أعضاء اللجنة داخل الكلية.
مرت الايام الاولى على الاضراب هادئة دون أي رد فعل من قبل ادارة الكلية او المسؤولين في الوزارة التي نتبعها أي وزارة الصحة. وردا على ذلك قررت لجنة الاضراب القيام باعمال دعائية مع طلبة الكليات الاخرى إذ لم نكن حتى ذلك الحين قد ارتبطنا بقيادة اتحاد الطلبة العام بسبب ظروف الاتحاد وانقطاعنا عنه ولم يكن لدينا أي تنسيق مع التنظيم الطلابي، وكان سريا بالطبع، كما لم يتصل بنا أحد منهم في البداية. وقررنا لتنفيذ ذلك تشكيل وفد، تكون المشاركة فيه طوعية ممن يرغب من طلابنا، للذهاب الى الكليات الاخرى وشرح موقفنا وأسباب أضرابنا لطلبتها وكانت كلها قريبة من بعضها في منطقة باب المعظم أو أبعد قليلا مثل دار المعلمين العالية وكانت في الوزيرية وكلية الحقوق في العيواضية وكلها مسافات قريبة.
شكلنا وفدا من قرابة خمسين طالبا وذهبنا الى الكليات هذه سيرا على الاقدام بتظاهرة صغيرة جلبت الانتباه في الشارع. وكان عبد الحسين فهمي، الذي يتمتم عادة عند الحديث هتّاف الوفد مما أثار استغربنا عندما سمعنا هتافه أول مرة والغريب أنه عند الهتاف لا يتمتم أبدا. كان الطلبة عند وصولنا الى أي من هذه الكليات يتجمهرون حولنا ويسمعون خطابنا ويبدون من آيات التضامن الكثير. ومع ذلك بقينا دون ردود أفعال.
طالت أيام الاضراب واضطر طلبة الصف الثالث كيمياء المشاركة فيه وأفرغت الكلية من طلابها ولم يبد أي رد فعل تجاهنا. وبعد انتهاء الاسبوع الثالث على الاضراب بدأ القلق يساور العديد من الطلبة وأصبحنا في وضع صعب نسبيا. فقررنا مجددا تشكيل وفد ثان طلبا للتضامن من طلبة الكليات الاخرى وفي هذه المرة سجلنا أولى نجاحاتنا فبعد يومين أصدر طلبة كلية الحقوق بيانا مهماً أعلنوا فيه تضامنهم مع طلبة كلية الصيدلة و هددوا في البيان نفسه بانهم سيعلنون الاضراب تضامنا أن لم تلب مطاليب كلية الصيدلة ويلغى مشروع القانون. فرحنا كثيرا لموقف كلية الحقوق هذا وولد فينا الامل من جديد بتلبية مطالبنا وانتصارنا على مدير الكلية. فكلية الحقوق كانت أكبر كافة الكليات الاخرى وان مشاركتها تعني الكثير.
في مساء يوم صدور بيان كلية الحقوق حوالي التاسعة مساء وكنت في الدار اتصل بي تلفونيا سلوان جمال بابان وكان طالبا في الصف الخامس طبية وشخصا محبوبا من الطلبة رغم ان أباه كان من مسؤولي الدولة دائما في تلك الفترة. وفي حينها كان نائبا لرئيس الوزراء وقائما مقامه نظرا لغياب الاول. قال لي سلوان ان والده يريد اللقاء بلجنة الاضراب لذا فانه يطلب مني أسماء أعضاء اللجنة لجمعهم بالسرعة الممكنة خوفا من تطور الاحداث بعد بيان كلية الحقوق التهديدي وتحول الموضوع الى موضوع سياسي. قلت له أنني أدرك ذلك حقا ولكن لا يمكنني أن أعطي أسماء لجنة الاضراب في هذا الليل ففي ذلك مسؤولية إذ ربما يتم اعتقالهم وقلت له أيضا أنني عضو في لجنة الاضراب وأضمن لك أن تلتقي غدا صباحا في الكلية الطبية بكافة أعضاء اللجنة.
ذهبت مبكرة في الصباح ووجدت عددا لا بأس به من طلاب كليتنا في حديقة الطبية وبعض أعضاء لجنة الاضراب وعلمت منهم أن سلوان تعرف عليهم وطرح معهم طلب والده نائب رئيس الوزراء بلقائنا. وبذلك كان الخبر قد شاع بين الطلاب.
عند اكتمال وصول أعضاء اللجنة بحثنا الامر وقررنا أخذ رأي الطلبة في ذهابنا لمقابلة نائب رئيس الوزراء وهكذا تجمهر حولنا كل من كان حاضرا من طلبة كليتنا وطرحنا عليهم الامر وكان الطلبة وبخاصة أعضاء لجنة الاضراب متحمسين لهذا اللقاء لانهم كانوا قد تعبوا من مواصلته حيث طال الشهر تقريبا ولانهم أيضا لم يكونوا ليروا بادرة جدية قبل ذلك لحل الموضوع.
أبلغنا سلوان بقرارنا فأخذنا فورا بسيارته وسيارة أخرى تعود لطالب آخر الى بيتهم لا الى مقر عمل نائب رئيس الوزراء. وكان الاخير ينتظرنا هناك.
استقبلنا جمال بابان استقبالا جيدا ولائقا وجلسنا في غرفة الاستقبال الانيقة الفخمة وطلب لنا القهوة والحلويات وبدأ حديثه بالطلب منا انهاء إضرابنا واستعداد الحكومة لتلبية مطاليبنا. خضنا معه نقاشا هادئا يسوده الاحترام المتبادل مع تأكيدنا على تمسكنا بمطاليبنا وأبلغناه أن استمرار الاضراب لمدة شهر جعلنا نضيف مطلبا جديدا وهو اقالة مدير المدرسة أو ابعاده عن منصبه كمدير للكلية.
كان مستعدا لتلبية كل ما نطلبه فقد كانت خشيته كبيرة من تطور الاحداث بعد تدخل طلبة كلية الحقوق وقال ذلك بالحرف. وطلب ان نعود فورا للدوام في نفس اليوم ودون تأخير بوعد منه في تلبية كل مطالبنا بما فيها تنحية مدير الكلية. أبدينا موافقة أعضاء لجنة الاضراب الاولية مع وجود شكوك لدينا لعدم اصدار بيان بموقفهم الذي وعدنا به، وقلنا له ان موافقة أعضاء اللجنة لا تعني شيئا قبل تصويت الطلبة المضربين على العودة للدوام. قال ان إصدار قرار بالغاء مشروع القانون يتطلب اجتماع الجهة المعنية بهذا القرار وذلك سيتطلب وقتا يريد ان يتجنبه فهو يود أن نعود الى الدوام فور خروجنا من داره تجنبا لتطور الاحداث. ولتطمين شكوكنا اقترح ايجاد شخص ضامن لكلامه ووعوده نثق نحن به كما يثق هو واقترح علينا ان يكون هذا الشخص الضامن نقيب الاطباء وكان نقيب الاطباء في ذلك الوقت هو الدكتور محمد عزة القيسي الذي سانده في انتخابه لرئاسة النقابة الاطباء الديمقراطيون وكان شخصا معروفا لنا ومحترما من قيل الجميع. وافقنا على اختياره، فاتصل بالتلفون أمامنا بالدكتور القيسي وأبلغه بالموضوع فوافق الدكتور أن يكون الضامن لوعد نائب رئيس الوزراء الى جانب ذلك قال لنا جمال بابان انكم ستجدون عند عودتكم الى الدوام قرارا معلنا بمنح مدير الكلية اجازة توطئة لنقله الى وظيفة أخرى.
عدنا الى الكلية الطبية ودعونا طلبة كليتنا للاجتماع في قاعتها وشرحنا لهم الوضع وكانوا موافقين جميعا على العودة للدوام فورا بعد عقد لقاء مع الدكتور القيسي للتأكد من صحة سير الامور، ولما كان مقر عمل الدكتور القيسي ملاصقا تقريبا لقاعة الكلية الطبية، إذ كان يشغل منصب مدير معهد الطب العدلي، قرر الجميع التوجه الى الطب العدلي. ذهبنا على شكل تظاهرة صغيرة بحوالي مأئة طالب الى مقر عمله ودعوناه الى الخروج الينا للتباحث معه فخرج الدكتور القيسي وقال لنا ان نائب رئيس الوزراء اكد له دون لبس انه سيلغي مشروع القانون وسينقل مدير الكلية ووعدنا هو بدوره ان وجوده كضامن لوعد نائب رئيس الوزراء يجعله يقف نفس الموقف معنا وستكون مطالبنا هي مطاليبه.
توجهنا من الطب العدلي الى كليتنا وكلنا شوق للدوام ووجدنا بالفعل قرارا معلنا في لوحة الاعلانات بمنح مدير الكلية اجازة غير محددة فرحنا لها وزادتنا ثقة بتلبية مطالبنا الاخرى.
أبلغنا موظفو الادارة بعودتنا للدوام ودخل كل الى صفه وجاء الاساتذة المعنيون وانتهت الساعة الاولى في أحاديث عامة معهم.
وما كدنا نبدأ الساعة الثانية حتى سمعنا ونحن في صفوفنا صراخا من عدد من الطلاب دخل بعضهم الى الصفوف وهم يصرخون ان عصابة اعتدت على بعض الطلاب الموجودبن في باب الكلية. تركنا الصفوف وذهبنا نحو مكان الحادث فوجدنا منعم ابراهبم نعمان وعبد الجبار محمد صالح عضوي لجنة الاضراب وطالبا ثالثا مصابين بجروح في وجوههم. فأعلنا التوقف عن الدوام والعودة الى الاضراب من جديد.
أخذ المصابون، وكانت جروحهم خفيفة نسبيا، لمعالجتهم في العيادة الخارجية المجاورة بينما توجه في الوقت نفسه وفد طلابي كبير الى كلية الحقوق لاعلامهم بالاعتداء وكنت ضمن الوفد.
تجمهر طلبة كلية الحقوق حولنا وأبلغناهم بالحادث وردوا علينا بكلمات التضامن ووعدونا باعلان إضرابهم أيضا وقرروا تشكيل وفد لزيارة المصابين.
جاء وفد من كلية الحقوق الى الكلية الطبية بعد ظهر اليوم نفسه وهم منفعلون جدا إذ قالوا انهم ذهبوا الى المستشفى لزيارة المصابين واخبروا بانهم خرجوا بعد تلقي العلاج ولكن الوفد لم يصدق هذا القول بل بالعكس تصوروا ان المصابين قد توفوا وأعلنوا انهم سيواصلون اضرابهم وسيصعدون احتجاجهم. وبالفعل قرروا مع عدد من طلبة كليتنا وكلية الطب الخروج بمظاهرة الى شارع الرشيد احتجاجا على الحادث فخرجنا وكان يوم الخميس 19/11 سارت المظاهرة في شارع الرشيد حتى وصلت الى الشورجة أو مصرف الرافدين فتصدت لها الشرطة وفرقتها بعد ان انضمت اليها جماهير واسعة من غير الطلاب. وعند التفرق ابلغنا من نشطاء المظاهرة يالتوجه الى كلية الاداب الواقعة في باب المعظم، وفي كلية الاداب اتفق جميع الطلبة على مواصلة هذا النشاط وعينوا موعدا للمظاهرة القادمة يوم السبت 21/11. وان يكون التجمع في كلية الاداب. ذهبنا في اليوم التالي الى هناك وبدأت التظاهرة سيرها، وكانت مظاهرة كبيرة شعرنا معها ان الموقف خرج من أيدي الطلبة ، وسارت باتجاه شارع الكفاح. وعند محلة الفضل واجهتنا الشرطة بالغاز المسيل للدموع فتفرقت المظاهرة وكنت من بين من خرجوا منها وكانوا كثر ودخلنا في أزقة الفضل الضيقة حيث كنا نستقبل بالهلاهل من قبل نساء المحلة وجرادل المياه لغسل عيوننا. وعلمنا بعد ذلك أن جزءا من المظاهرة عاد للتجمع وقاوم الشرطة حتى هزمها، كما ان العديد ممن تركوا التظاهرة الى الازقة خرجوا منها الى شارع الرشيد وتجمعوا في مظاهرة اخرى تصدت لها الشرطة بالرصاص كما فعلت أيصا في الفضل بعد مقاومة المتظاهرين لها.
بعد هذه التظاهرة لم اشترك في المظاهرات التي تلتها لان والدي منعني من الخروج بعد ان شعر بتأزم الوضع العام وتعرضه هو أيضا وبالصدفة لأجواء التصادم بين الشرطة والمتظاهرين.
وهكذا بدأت انتفاصة تشرين 1952. إذ تكررت الاحداث في 22/11 و23/11 و24/11 وحصلت تظاهرات شعبية واسعة وعنيفة في كل مكان من بغداد وذات طبيعة سياسية طالبت لاول مرة بسقوط الملكية، حتى استلام الحكومة العسكرية برئاسة نورالدين محمود زمام الحكم وأعلانها الاحكام العرفية وشنها لحملة اعتقالات واسعة. فتوقفت التظاهرات الشعبية العنيفة رغم ان البلد بقي يغلي.
صدر أمر اعتقالي خلال حملة الاعتقالات المذكورة أعلاه، ووصلنا الخبر حال صدوره إذ اتصل حاكم بداءة بغداد بوالدي تلفونيا ليخبره بانه وقع للتو أمر اعتقالي، وما كان من والدي عند استلامه المكالمة الهاتفية الا ان يزجرني قائلا "سيأتون لاعتقالك" ولحسن حظي كان اخي فاروق موجودا ايضا فطلب مني الخروج فورا معه واخذ احتياجاتي لانني لن أعود للدار حتى هدوء الاحوال. وذهبت الى بيت جدتي لامي وكانوا يسكنون الكرادة الشرقية في شارع أبوقلام. بعد وصولي بساعات معدودات جاء ابن جيراننا وهم جيران قريبون كثيرا منا وقال لي يجب ان تتركي بيت جدتك لان الشرطة جاؤا الى داركم واضطر والدك ان يخبرهم انك في بيت جدتك واخذني معه الى بيت اخته القريب في الكرادة وبقيت عندها مدة اسبوع حتى استطاع ابي ان يلغي امر القاء القبض علي بواسطة معارفه. وجاء هو نفسه الى بيت ابنة الجيران ليأخذني الى البيت مع تهديدي بان هذه هي آخر مرة يتدخل فيها لصالحي عند السلطات.
بعد هدوء الاوضاع عدنا الى الدوام وكنت قد عدت متأخرة اكثر من اسبوع بسبب اختفائي وقد استقبلني العديد من الطلبة استقبالا أفرحني كثيرا إذ أدركت حبهم وتعاطفهم معي.
كما ذكرت سابقا كنت مقطوعة، وكذلك زملائي في كليتنا، عن الحزب ولم نكن بعد على اتصال حتى بتنظيم اتحاد الطلبة العام. ولكن يبدو ان اضراب الكلية والمظاهرات التي نجمت عنها دفعت اتحاد الطلبة العام الى الاتصال بنا.
وفي أحد الايام وانا في الكلية جاءتني احدى الزميلات وقالت لي "هناك شاب حلو يسأل عنك" وبالفعل ذهبت الى حديقة الكلية ووجدت شابا وسيما واقفا مع بعض الزملاء تركهم حين رآني، وما تأكيدي على الوسامة الا لانها بعثت الثقة لدي بالشخص الذي لم اكن أعرفه مسبقا. وطلب مني ان نتمشى مع بعض قليلا وهذا طلب لم أكن أستغربه لانه يكون لضرورة اقامة الصلة. تمشيت معه في أروقة الكلية واعطاني رسالة سرية من النوع الملفوف بطول نصف الاصبع ثم غادرني. وبعد مغادرته جاءتني صديقاتي يسألنني بالحاح عن الشاب الوسيم ومن يكون.
كانت الرسالة من سكرتارية اتحاد الطلبة العام وتضمنت موعدا لحضور لقاء في سبيل إقامة علاقة منتظمة بالاتحاد وقد تم الاتصال أيضا بزميلي منعم ابراهيم نعمان وعبد الجبار محمد صالح وكانا عضوين في لجنة الاضراب أيضا. وتكونت بذلك حلقة تنظيمية في الكلية تجمعنا نحن الثلاثة وارتبطت حلقتنا بحلقة في الكلية الطبية كان فيها الفقيد محمد صالح سميسم وجبارحسين وبدأنا نعمل سوية معهم.
*سطور من ذكريات المناضلة بشرى برتو الحافلة بالعطا.

  كتب بتأريخ :  الأحد 20-11-2011     عدد القراء :  4740       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced