امتحان الديمقراطية
بقلم : حسن متعب
العودة الى صفحة المقالات

لعله من الصعب جدا أن يهاجم أحد اليوم الديمقراطية، أو حتى يثير التساؤلات عنها، ولو شاء أحد أن يقول إن الديمقراطية فكرة مستوردة كما كان البعض يتهم الشيوعية ويفتخر أنه يحمل فكرا بديلا عنها نابعا من هذه التربة ويخص هذا المجتمع ويجد الحلول لمشاكله وتناقضاته لاتهمه الكثيرون بشتى الاتهامات ولعل أولها أنه بعثي صدامي، فالديمقراطية اليوم فكرة المنتصر،



ليس في العراق فقط بل في كل بقاع العالم، ولو كانت مجريات التاريخ قد سارت بشكل مختلف، وانتصر المعسكر الشرقي في حربه الباردة على الغرب وانتشرت الماركسية كنتيجة لذلك وسيطرت على بقاع العالم لكان الكل قد تغنى بها كما يتغنى اليوم بالديمقراطية، ولو كان السوفيت سابقا هم من احتل العراق لنفس الأسباب التي دفعت أميركا لاحتلاله، لاعتنق الكثير من العراقيين الفكر الماركسي ودافعوا عنه بنفس القوة التي يدافعون اليوم بها عن الديمقراطية، هذه هي شروط المنتصر،وهذه لذة الانتصار، ولكن هل يستطيع أحد أن يهاجم أفضل نظام سياسي أوجدته البشرية، وجربته وأثبت صلاحيته في أنحاء عديدة، وأصبح يمثل حلا حقيقيا لازمات اجتماعية وسياسية واقتصادية؟
لا أعتقد أن المنطق يمكن أن يقود البعض إلى ذلك.. رغم أن الديمقراطية في العراق، لم تكن حلا بل مطبخ أزمات ومشاكل لا يمكن عدها ولا يمكن حل بعضها.. ومع ذلك فنحن جميعا لا يمكننا إلا التمسك بها، إذ لا خيار لنا سوى أن نكون جزءا من نظام عالمي صالح للاستعمال، ولا نملك أيضا بديلا سياسيا يمكنه أن يحقق لنا الحياة الكريمة التي ننشدها.. حتى الإسلاميون الذين لم تتطرق أدبياتهم إلى الديمقراطية من قبل ، باتوا اليوم أشد المتمسكين بها، بل هم من يقود أو يشارك بفاعلية في ما يسمى بالعملية السياسية، ويحاولون إيجاد علائق بين منهجهم والفكر الديمقراطي عبر ترديد جملة ( وأمرهم شورى بينهم)..  واليساريون الذين حاربوا الغرب طيلة خمسة قرون، يجدون اليوم في الديمقراطية ضمانا لاستمرار وجودهم.. أما القوميون أصحاب نظرية الحزب الواحد، فأنهم خضعوا أيضا لإرادة المنتصر ويبحثون عن مكان لهم في نظامه الجديد.. العراقيون جميعا، مثقفون وسياسيون وشيوخ العشائر وعامة الناس، يؤمنون بالديمقراطية اليوم، وليس ثمة من يظن إنها نظام خاطئ.. رغم أن الديمقراطية هي التي جعلتنا نعتلي أعلى مراكز الفساد.. ورغم أنها تدفع البلاد للأقلمة وربما التقسيم، فهي التي أنتجت الحرب الطائفية وقتلت الهوية العراقية وهي ما يقف خلف تردي الخدمات ونقص الكهرباء وهي  ما أفرز مجموعة من القادة الذين لا يعرف الكثير منهم شيئا عن السياسة وهي ما جعل العديد من الأميين يشغلون منصب مستشار لبعض قادة النظام الديمقراطي.. وهي ما زاد  من نسبة الفقر وانتشار الأمراض والجهل والأمية وهي التي أهدرت وما زالت تهدر ثروة وأموال البلاد والعباد وهي التي جعلت من البلاد لعبة دولية تتحكم بمصيرها القوى الإقليمية المجاورة والإمبراطوريات القوية البعيدة ولكنها مع كل ذلك، هي التي وضعت أخيرا، الحكم بيد الشعب، فلا سلطة لأحد على الشعب سوى الشعب نفسه.. والشعب بكل مكوناته هو الذي يختار ويقرر من يحكمه..
ولكن هل نجح العراقيون فعلا في استثمار قوتهم وسلطتهم  لاختيار من يمكنه أن يحقق لهم شروط التقدم والإعمار والبناء وإقامة دولة وطنية قوية لا تنحني أمام الإملاءات الأجنبية والإرادات الخارجية؟
وهل تمكن الشعب من إنتاج كتلة سياسية يطمئن في النهاية إلى أنها تمثله فعلا وتسعى لتحقيق رغباته؟
الخلل الذي أوجدته الديمقراطية في العراق، ليس دليلا على أنها فكرة خاطئة، بل دليل على أننا أسأنا استعمال سلعة أفاد منها الكثيرون.. ومهما حاول مصنعو هذه السلعة تدريبنا وتعليمنا على طريقة الاستعمال، إلا أننا أثبتنا لحد الآن فشلنا الذريع في استيعاب الدروس!
 كاتب وإعلامي عراقي مقيم في أستراليا



  كتب بتأريخ :  الجمعة 25-11-2011     عدد القراء :  1696       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced