( العنف الأسري ودور التربية المنزلية في تغير الصورة النمطية للمرأة )
بقلم : فريال الكعبي
العودة الى صفحة المقالات

يلوم الناس ظروفهم على ما هم فيه من حال.. ولكني لا أؤمن بالظروف فالناجحون في هذه الدنيا أناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها فإذا لم يجدوها وضعوها بأنفسهم.
(برنارد شو)
الإهداء :
إلى المرأة التي طمسوا ملامح ومعاني ابتسامة الحياة عن وجها تحت مسميات كثيرة , إلى كل النساء القابعات  بصمت خلف قضبان العنف , إلى المرأة العراقية  الحالمة بمستقبل  أفضل تعيش فيه بكرامة ومحبة  داخل أسرتها .  من أجل أن نزرع  الحب مكان السَوْط والعصا , والرفق محل العنف والقسوة , واللطف والحوار مكان المنع والكبت  ... أهدي بحثي . 
أهداف البحث :
يسعى البحث للتركيز على أهمية الجانب التربوي داخل الأسرة في تنشئة الأبناء , ومعرفة أكثر الطرق كفاءة  في تربية الأبناء على نبذ العنف , كذلك التأكيد على أهمية  التربية في أحداث تغير في سلوك الأطفال  داخل الأسرة لخلق جيل جديد ينئ بحياته بعيدا عن كل أساليب العنف المعروفة في المجتمع تجاه المرأة  . كما يركز البحث على  دور الأبوين في كسب أبنائهم السلوك الايجابي أما عن طريق تغير سلوكهم السلبي أو إكسابهم أنماط سلوكية ايجابية جديدة , ويوضح البحث أيضا أن الجانب التربوي هو أهم الجوانب المطلوبة لمحاربة العنف داخل الأسرة والتأكيد على أهمية هذا الجانب في ذلك وألا سنبقى ندور في حلقة مفرغة , لأن العنف الأسري لا يمكن مكافحته بالقانون فقط .
المقدمة :
يعد العنف الأسري ظاهرة اجتماعية شائعة في المجتمع العراقي ، وما ساعد في إشاعة  هذه الظاهرة هي التنشئة الخاطئة داخل الأسرة و كذلك نتيجة الصمت المجتمعي تجاهها أيضا , مما حولها إلى ثقافة مجتمعية يكرسها سؤ الفهم للتشريعات السماوية من جهة , وارتباط المجتمع العراقي الوثيق بالعادات والتقاليد من جهة أخرى . وبما أن الأسرة هي نواة المجتمع فأي خلل يصيب تلك النواة سوف يصيب المجتمع بالخلل أيضا , فالعنف الأسري يعيق الآسرة عن مسئولياتها الاجتماعية والتربوية تجاه أفرادها , مما يجعل الأسرة بؤرة لإنتاج أفراد لهم انعكاسات سلبية على المجتمع وعلى الآخرين , نظراً لفقدهم الجو الأسري الملائم الذي يشبع حاجاتهم النفسية والعاطفية والاجتماعية , ولا توجد هناك دراسة دقيقة توضح نسبة هذا النوع من العنف في مجتمعنا بسبب العرف الاجتماعي ومفهوم العيب في الحديث عن المشاكل المنزلية , والعنف الأسري متنوع وهو يشمل العنف الأسري ضد المرأة والعنف الأسري ضد الأطفال والعنف الأسري ضد الشباب والعنف الأسري ضد المسنين.كما أن ازدياد انتشاره أصبح أمراً مثيراً للدهشة سواء على مستوى العالم أو على مستوى العراق  , لذلك أصبح من الأهمية تناول ظاهرة العنف الأسرى باعتباره أحد ملامح العنف الذي يؤثر بشكل كبير على استقرار المجتمع وتكوينه, وذلك لأن ظاهرة العنف تعتبر مشكلة اجتماعية لما ينجم عنه من تفكك أسري, ويعد أيضاً مشكلة اجتماعية من حيث كونه مظهراً لسلوك منحرف لدى الفرد قد يقود إلى ارتكاب افضح الجرائم من خلاله , لذلك  فمن الواضح أن مشكلة العنف الأسري هي مشكلة اجتماعية تؤثر في جميع نواحي المجتمع لذلك وجب التصدي لها والعمل علي فهمها والبحث فيها وصولا إلى وضع حلولا لها .
ويمكن تعريف العنف الأسري بأنه : " هو السلوك الذي يقوم به احد أفراد الأسرة دون مبرر مقبول ، ويلحق ضررا ماديا أو معنويا أو كليهما بفرد أخر من نفس الأسرة ، ويشمل : الضرب بأنواعه ، والحرمان من حاجات أساسية ، والإرغام علي القيام بفعل ضد رغبة الفرد ، والطرد والسب والشتم والاعتداء والشتم والاعتداءات الجنسية والتسبب في أضرار جسدية ونفسية للمرأة  "
لذلك ركزنا في دراستنا هذه على أهمية التربية المنزلية في تغير الصورة النمطية تجاه المرأة , وذلك من خلال تثقيف الأبناء وخاصة الذكور على أن الحياة الأسرية تقوم على المساواة والشراكة وان المرأة كيان مستقل ويجب أن تحترم على هذه الأساس , كذلك تثقيف أفراد الأسرة على نبذ كل أنواع العنف في معالجة اختلاف الرأي وان يكون التحاور والتفاهم هو أساس العلاقات الأسرية والتي تقود إلى عائلة سعيدة يسودها الاحترام المتبادل , والقضاء .ومن خلال ما سبق يتضح أن العنف شيء غير مرغوب فيه وهو يصيب بالذعر والخوف لما يؤدي أليه من نتائج ، فكيف أذا كان هذا الأمر يصل إلى الأسرة التي من المفترض أن تكون المكان الأكثر أمانا وسكينة حيث الزوج والزوجة والأبناء وقد قال تعالي في كتابه : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا أليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ، أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " (1 ) .

مفهوم الأسرة وأركانها :
الأسرة: هي المؤسسة الاجتماعية التي تنشأ من اقتران رجل وامرأة بعقد يرمي إلى إنشاء اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع .
وأركان الأسرة بناءً على ما تقدم هي :
(1) الزوج .
(2) الزوجة .
(3) الأولاد .

أنواع العنف المنزلي الموجه  للمرأة :
العنف الأسري له العديد من الأشكال والصور وأهمها هي :
1. العـنـف الجسدي  : ويشمل الضرب,الخـنق,الحــرق , القتل , التكليف بأعمال لا تتفق مع القدرات الجســـمية والعـقـليــة , الحــرمان من الطــعــام والشـــراب .
2. العنف النفسي : ويشمل التهديد بالسلاح أو بالعقاب أو بالقتل, الاحتجاز  ,استخدام ألفاظ مبتـذلـــة.
3. العنف العاطفي : ويشمل  حرمان المرأة من الحب والحنان  و العطف والاحتــرام .
4. العنف الاجتماعي : ويشمل حرمان الفتاة من التعليم والرعاية الطبية و الإكراه على الزواج
5. العنف الجنسي :  ويشمل ممارســة بعـض الأفــعــال الجنسية بالإكراه .




________________________________________
(1 ) القرآن الكريم سورة ( الروم / 21 )

مسببات العنف المنزلي :
للعنف الأسري العديد من المسببات والتي تجعل منه ظاهرة شائعة في الكثير من المجتمعات ويمكن أن نلخصها بالنقاط التالية :

1. أسباب ذاتية‏ :
ويرجح أحيانا إلى ممارسة العنف من قبل الرجل ضد المرأة داخل الأسرة إلى دوافع تنبع من ذات الإنسان نفسه والتي تقوده نحو العنف الأسري نتيجة لتناوله الكحول أو المخدرات .‏

2. أسباب اقتصادية :‏
غالبا ما يكون هذا النوع من العنف يستخدم من قبل الرجل ليس رغبتا منه في ممارسة العنف , ولكن لأنه يعتبر ذلك متنفس للضغوط التي يعاني منها نتيجة صعوبة الحياة وسوء الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه , وهذا المسبب قد يكون وقتي يمكن له أن يتغير في حال انقضاء ذلك الوضع وتحسن الأحوال الاقتصادية  للأسرة .‏

3. أسباب ثقافية :
ضعف التثقيف في هذا المجال , وعدم وجود مراكز للإرشاد الأسري تساعد الأسر التي تعاني العنف من تحسين نمط حياتها .

4. أسباب دينية :
بسبب ضعف الوازع الديني والتفسير الخاطئ لآيات القرآن التي تجيز ضرب النساء .

5. أسباب نفسية :
بعض حالات العنف المنزلي يكون مسببها بعض الحالات والأمراض النفسية التي قد يعاني منها الرجل التي تولد لديه سلوكيات عدائية إجرامية ,تخلق منه رجل محب للعنف ومتلذذ باستخدامه تجاه المرأة .  فالميل للعدوان ( نزعة عدوانية ) يتضمن الرغبة في إيقاع الأذى بالغير حيث تكون له الرغبة في إيذاء الآخرين لتأكيد الذات ( السادية ) (1).
6. أسباب قانونية :
وجود نصوص قانونية في قانون العقوبات العراقي والتي تجيز ضرب الزوجة من باب التأديب هذه المادة شجعت الرجل على استخدام العنف تجاه زوجته لأتفه الأسباب . فمن يطلع على الأوضاع الاجتماعية داخل الأسرة العراقية يتضح له مدى انتشار أساليب العنف خصوصا وفق الأطر القانونية الموجودة , فالثغرات التي تتغلغل في القانون العراقي وعدم وجود نص واضح لحماية حقوق المرأة من حيث الضرب والتجاوز الحاصل في المحيط الأسري توفر غطاء يحمي كل أنواع العنف الأسري .


________________________________________

(1) سيكولوجية العدوان- خليل قطب أبو فورة 1996- مكتبة الشباب
7. أسباب اجتماعية :‏
العادات والتقاليد التي اعتادها المجتمع  العراقي والتي تنمي لدى الأطفال الذكور الثقافة الذكورية و حق الوصاية على البنات وحق التحكم في حياة الفتاة داخل الأسرة , وبطريقة تشعره بأنه المفضل لدى المجتمع وأنه لا يستطيع أن يفرض سيطرته هذه ألا من خلال العنف والقوة والتي يعتبرهما المقياس الذي يبين مقدار رجولته , وأنها وسيلة لممارسة الضبط الاجتماعي من جانب الأزواج على الزوجات ، أو بمعنى آخر أن اللجوء للعنف يأتي أو يمارس عندما تفشل أساليب الضبط الاجتماعي الأخرى تلك التي لا تحقق الهدف المتضمن انقياد الزوجة للزوج  . فهناك مصطلح ( العنف ألذكوري ) تعاني منه المرأة في الكثير من الأسر العراقية سواء أكان الذكر الذي يمارس العنف أباً أم أخاً أم زوجاً وهكذا نوع من العنف شائع في الكثير من المجتمعات نتيجة لتراكمات ثقافية تعطي الحق للذكر بالتحكم في حياة الأنثى . فالعنف أحيانا يكون سلوكٌ مكتسبٌ يتعلمه الفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية. فالأفراد الذين يكونون ضحية له في صغرهم، يُمارسونه على أفراد أسرهم في المستقبل , ونحن في دراستنا هذه نركز على هذا النوع من المسبب , وذلك لأهميته في التقليل من ظاهرة العنف الأسري تجاه المرأة من خلال تغير الصورة النمطية للمرأة في نظر الطفل الذكر والذي سيكون رجل المستقبل , وتنمية الشعور لديهم بأنهم  متساوون مع الفتيات في الحقوق والواجبات , وان من واجب الرجل احترام المرأة سواء كانت أخت أو أم أو زوجة أو ابنة , وأن المرأة لديها كيان مستقل يجب أن يحترم وتحترم اختياراتها  .  وبالتالي فإن لم نجد حلاً للعنف الأسري من خلال التربية المنزلية الصحيحة سوف نظل ندور ضمن إطار دائرة مفرغة لا نهاية لها .
نتائج العنف الأسري :
العنف الأسري كأي ظاهرة سلبية في المجتمع لها نتائج ومردودات سلبية على كيان المجتمع وتماسكه لأنه يهدد بالدرجة الأولى كيان الأسرة وتماسكها , ونحن نعرف أن الأسرة هي نواة المجتمع , ولا يمكن لهذا المجتمع أن يستقيم أو يتطور ويكون مجتمع متحضر بدون أسرة  يتمتع أفرادها بمفاهيم السلام والتفاهم واحترام الرأي والرأي الآخر , ومن نتائج ومردودات العنف الأسري سواء على الأسرة أو على المجتمع , ويمكن أن نتناولها بالنقاط التالية  وحسب تأثيرها على الأفراد وعلى الأسرة وعلى المجتمع :
أولا : تأثيرات العنف المنزلي على الأفراد :
1. يؤثر العنف على الصحة النفسية  لأفراد الأسرة  والتي قد تتطور وتتفاقم إلى حالات مرضية أو إجرامية . إذ أنّ الطفل يرى عالمه في أسرته ووجوده في بيئة مشحونة بالعنف ينهار فجأة هذا العالم الصغير الآمن للطفل فيرزح تحت شعور ثقيل بالخوف . كذلك يولد لدى المرأة الشعور بالإحباط  وفقدان الأمن داخل بيتها . ( الأبناء الذين نشئوا وسط ظروف عائلية مليئة بالخلاف الشديد ، إن هؤلاء الأبناء يشعرون في الكبر بأنهم ليسوا كبقية البشر ، وتنعدم فيهم الثقة بالنفس ، فيخافون من إقامة علاقات عاطفية سليمة ويتذكرون إن معنى تكوين أسرة هو الوجود في بيت يختلفون فيه مع طرف آخر ويتبادلون معه الاهانات) (1) .
2. يولد لدى الفرد نزعات تميل إلى الانتحار والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس والهروب من المنزل والانحراف السلوكي والميول نحو ارتكاب أعمال إجرامية داخل الأسرة ( الجرائم الأسرية  ).
3. خلق أفراد ينتهجون أساليب العنف ذاتها التي عاشوها داخل الأسرة  ,  فالمشاجرة بين الوالدين أمام أطفالهم قد تؤثر سلباً في الحياة الزوجية لأبنائهم مستقبلاً.
________________________________________
(1) مشاكل الآباء في تربية الأبناء : 45 للدكتور سپوق  ـ المؤسسة العربية للدراسة والنشر 1980 ط3.
ثانيا : تأثيرات العنف المنزلي على الأسرة :
1. العنف الأسري يؤدي إلى تشويه صورة العائلة التي من المفروض أن تكون قائمة على أساس من المحبة والانسجام والاحترام المتبادل. فعندما يعتدي الرجل على حقوق المرأة ممارساً معها العنف الجسدي أو حتّى اللفظي فإن هذا دون شك سيؤدي إلى إحداث شرخ في العلاقة الزوجية.
2. انعدام الإحساس بالأمان داخل الأسرة  والتي قد تصل إلى درجة التفكك الأسري وتشريد الأبناء أو تؤدي بهم إلى انحرافات سلوكية خطيرة  .‏
ثالثا : تأثيرات العنف المنزلي على المجتمع :
أن العنف الأسري وما يولده من انحرافات سلوكية وعدائية وإجرامية لدى الأفراد , سيجعل المجتمع عرضة  للخلل الاجتماعي  بسبب تفكك النسيج الاجتماعي  , كذلك يسبب العنف داخل المنزل إلى ظهور أفراد لديهم نزعات تميل إلى التدمير والتخريب , وعرضه للاستغلال في العمليات الإرهابية الإجرامية .
العقبات التي تواجه مكافحة العنف الأسري :
هناك العديد من العقبات التي تواجهه مكافحة العنف المنزلي في المجتمع والتي تعتبر عائق في القضاء على ذلك النوع من العنف , ولابد لنا نضع تلك العقبات أمام أعيننا ونأخذها بنظر الاهتمام  , فرغم كل الجهود والمبادرات الحكومية نحو القضاء على العنف  , إلا أن  تلك المبادرات لم تقنن ولم تتمكن من إلغاء الفوارق التميزية ضد النساء وإحداث تقدم  نحو معالجة العنف داخل الأسر العراقية ومنها : 
1. كبر حجم هذه الظاهرة وطبيعتها التراكمية التي تضيف أعدادا جديدة لها في كل عام وعدم وجود إجراءات حكومية صارمة للحد من العنف المنزلي جعل من هذه الظاهرة شائعة في المجتمع  .
2. نقص بل غياب الإحصائيات الدقيقة حول العنف الأسري في العراق,  للعديد من الأسباب منها  العرف الاجتماعي وغياب الوعي وعدم الإبلاغ عن العديد من هذه الحالات .
3. انخفاض ما يتوفر من خدمات خاصة للنساء المعنفات في العراق وغياب الملاجئ الخاصة . رغم ازدياد في عدد حالات ضحايا العنف الأسري والتي أدى بعضها إلى زيادة عدد الوفيات الناتجة عنها وتفاقم آثارها على أفراد الأسرة.
4. عدم وجود برامج تربوية خاصة للأطفال حول قضايا العنف الأسري وحقوق الإنسان , مما يجعل العنف الأسري مستمر في دائرته وكأنه  فعل مقبول في المجتمع . وتبقى الفوارق التميزية وتهميش النساء مفاهيم وسلوكيات يستمر إنتاجها في الأسرة .
أين تكمن خطورة العنف الأسري :
تكمن خطورة العنف الأسري بأن له تأثيرات غير مباشرة على الأفراد والتي تعاني من صراعات  متنوعة داخل الأسرة المعنفة , فهو يولد اختلال في نمط الشخصية عند الزوجات أو الأبناء , وهذا بدوره يؤدي على المدى البعيد إلى خلق أنماط سلوكية مشوه ومتصدعة نفسيا وعصبيا . وهذا ما أشار أليه الكثير من العلماء النفسيين ومنهم بالأخص العالم النفسي  الأمريكي كارل روجرز صاحب أشهر نظرية تخص الذات وهي من النظريات ذات التوجه الإنساني . حيث وضع من خلالها إطارا  متكاملاً لنظرية الذات من الناحية النظرية والتطبيقية.  حيث جمع  فيها معظم وجهات النظريات الشخصية الإنسانية مثل التوجه الإنساني عند سارتر وهيجل والتوجه السلوكي والنظرية التحليلية . حيث ركز روجرز على مصطلح مفهوم الذات كمصطلح أساسي مهم في بناء شخصية الفرد ، وكيف يدرك الفرد ذاته وكيف يرى الآخرين الذات ، وهو يرى أن مفهوم الذات لدى الفرد يتأثر من خلال النضج والتعلم . وقد فرق روجرز بين الاضطراب ونقص الخبرة وأكد على ضرورة التعلم لتحقيق أهداف الفرد الخاصة . ويرى روجرز أن تحقيق  الفرد للصحة النفسية يعتمد على مدى تطابق ذاته الواقعية مع ذاته المثالية ، وعلى مدى تطابق خبراته الذاتية مع الواقع الخارجي فكلما أحدث الفرد  انسجاما بين ذاته وبين المحيط الخارجي كلما أصبح الإنسان أكثر تكيفاً واتزاناً في سلوكه. لذلك  يتضح لنا مدى خطورة العنف المنزلي على الأفراد على المدى البعيد نتيجة لتأثير العنف سلبا على الذات الشخصية للأبناء والزوجات والذين يعيشون داخل بيئة أسرية غير مستقرة لأن الذات تنمو وتتكون من خلال التفاعل بين الكائن الحي والبيئة التي يعيش فيها وخاصة المحيطة به . ومن هنا تأتي أهمية التربية المنزلية  للأطفال وتثقيفهم على نبذ العنف واستعمال مبدأ الحوار من أجل خلق جو أسري أكثر انسجاما واستقرارا  , وذلك لا يكون ألا من خلال الوالدين ودورهم في تنشئة أبنائهم داخل مناخ أسري مستقر وحل أي خلاف يمكن له أن ينشأ  بينهما بعيد عن مسامع الأبناء  .
التربية المنزلية ودورها في التغيير :
تعد الموضوعات التي تتناول العنف الأسري والعلاقة بين الزوجين  ذات أهمية بالغة ، لاسيما أن الزوج في علاقته مع الزوجة هي علاقة تكاملية  يجب أن يتبادل فيها الطرفان كل محاور الحياة بصورة متساوية ومتعادلة ، فإذا ما تمكن أحدهما من الآخر اختلت العلاقة وتهشمت . وبذلك فالمحاورة مرهونة بكلى الشخصين ( الذكر والأنثى) في علاقة مقدسة لا مثيل لها ضمن الأسرة الواحدة , وأي اختلاف في الرأي بين الزوجين يجب أن لا يتحول إلى أزمة ومن ثم إلى خلاف أو إلى ارتكاب تصرفات عنفيه مهما كان شكلها أو نوعها. فالأسرة تحتل مكانة رئيسة على صعيد تربية وتنشئة أفرادها، لذلك فيه تلعب دوراً حيوياً في تشكيل شخصية أطفالها في المراحل العمرية المختلفة. لذا تعتبر الأسرة محدداً أساسياً للصحة النفسية للفرد والمجتمع , (إنّ الاضطرابات السلوكية والإمراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله ، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين كالخلافات الزوجية التي تخلق الجو العائلي المتوتر الذي يسلب الطفل الأمن النفسي) (1). ، لذلك فقد أولى علماء النفس الأسرة أهمية خاصة ، واضعين في اعتباراتهم ما للأسرة كبناء ونظام من تأثير فعال على نمو وتقدم أعضائها , لهذا فالتربية المنزلية لها دور كبير في تعليم أفراد الأسرة من جيل الصغار وخاصة الذكور على المفاهيم العلمية والايجابية في التعامل مع النساء وتغير الصورة النمطية تجاه المرأة  , ( تعزو عوامل العنف الأسري إلى غياب قيم وممارسات الحوار في الأسرة وانتقال هذه الممارسات على صعيد الحياة العامة , بدليل أننا غالبا ما نقاطع المتحدثين قبل أن يكملوا طرح وجهات نظرهم  أو لجوء البعض منا إلى تجنيد قدراته لإثبات خطأ رأي المقابل بالإضافة إلى تأثير أنماط التنشئة الاجتماعية التي تلقاها الوالدان فإذا كانت سوية  تنعكس حتما على أنماط إدارتهم للأسرة بصورة ايجابية أما إذا كانت سلبية فإنها ستغرس بذور العنف الأسري لديهم في الأسرة الحالية لهم  ) ( 2 ) , فالأسرة هي أول مؤسسة اجتماعية يتعامل معها الفرد ،ولها تأثير بالغ في رسم الإطار العام لمعالم الشخصية وتلعب  هذه المؤسسة دوراً حيوياً ومهما في التنشئة الاجتماعية لأفرادها ، وعندما تكون علاقات أفرادها عنوانها المحبة والتفاهم ستكون  الحياة الأسرية خالية من التعقيدات والخلافات وبذلك ستنمو شخصية الفرد فيها وتشق طريقها نحو الاتجاه السليم وبالتالي نجد أن الفرد يصبح أكثر مرونة وأكثر قابلية للتكيف والتوافق الاجتماعي , بينما إذا اضطربت العلاقة بين الأم والأب ونشبت النزاعات الأسرية داخل الأسرة الواحدة تحولت هذه الأسرة إلى مرتع خصب للمشاكل وبيئة مهيأة للاضطرابات خصوصا إذا صاحبها سلوك العنف أو بعض السلوك العدواني بأنواعه . ويرى العالم النفسي كارل أن مفهوم الفرد لذاته تراكمي بمعنى انه توجد علاقة موجبة بين التقدم في العمر وبين مفهوم الذات ، فإذا تكون للطفل مفهوم ذات ايجابي فانه سيستمر معه طوال حياته والعكس صحيح وهو يرى أن الإنسان يبدأ في تكوين مفهوم الذات عنده من المراحل العمرية المبكرة ، كما يرى أن الذات قابلة للتغير والتعديل وأنه بالإمكان تغيير شخصية الفرد عن طريق تغيير مدركاته أي مفهومه لذاته . حيث هنالك علاقة بين تقدير الذات وظهور السلوك العدواني فتقدير الذات من أهم الخبرات السيكولوجية للإنسان و مستوى تقدير الذات هو الذي يدفع بنا لارتكاب بعض السلوكيات فعندما يكون تقدير الذات منخفض عند الطفل فإنه قد يسلك سلوكيات عدوانية  , و تشير نظرية التعلم أيضا إلى أن السلوك الإنساني مهما كان بسيطا أو معقدا يخضع في غالبيته إلى عوامل مكتسبة , لذا من المهم جداً أن نكثر من التعزيزات الايجابية لسلوك الطفل كالتعاون والثقة والأمن وأبعاده عن كل  المفاهيم السلبية كالانطواء والعدوان , بشرط أن تكون تعزيزاتنا منطقية أو موضوعية  .

ما هي أساليب معاملة الآباء للأبناء داخل الأسرة :
أساليب معاملة الوالدين هي تلك الطرق التي يتبعها الوالدان في معاملة إبائهما أثناء عملية التنشئة الاجتماعية والتي تحدث التأثير الايجابي أو السلبي في سلوك الطفل من خلال استجابة الوالدين لسلوكه  , فمعاملة الوالدين من بين أهم محددات تنمية المرونة  والسواء النفسي العام لدى الأطفال . فإذا كانت معاملة الوالدين قائمة على الإهمال والعنف سيكون تأثيرا سلبا على الأطفال , كما يمكن القول أن العلاقات الودية الحميمة مع آباء يقدمون تقبلا وحبا للطفل من أهم عوامل تحصينه وتنمية مناعته النفسية العامة ضد الاضطرابات النفسية المختلفة وضد المشكلات الأخرى في مراحل عمره المختلفة . فالآباء المصدر الرئيسي لتزويد الأطفال بما يصح تسميته بخريطة طريق الإبحار الايجابي والمجابهة الفعالة للتغلب على الصعوبات وعثرات الحياة . وتنقسم معاملة الآباء وتربيتهم للأبناء  داخل الأسرة والتي من خلالهما تتحدد الطبيعة السلوكية للفرد , فهو إما يكون شخص سوي يتمتع بصفات تتميز بالتعاون والإيثار و نبذ كل أنواع العنف وصوره , أو شخص يعاني من الكثير من الاضطرابات النفسية والتي تؤثر سلبا على أسرته في المستقبل , ويمكن لنا أن نقسم أساليب معاملة الآباء للأبناء إلى نوعين من الأساليب وهما  : الأساليب السوية Normal والأساليب غير السوية Abnormal.
هناك ارتباط وثيق بين أساليب معاملة الوالدين  وسمات شخصية الأبناء خلال مراحل النمو , فالمعاملة السوية من قبل الوالدين والتي تتسم  بتربية الأطفال على الصفات الجيدة ومنها : نبذ العنف , احترام العلاقات الأسرية  , إشاعة روح التفاهم والتحاور لدية , الانسجام مع المجتمع , التعاون وغيرها  من الصفات التي تحترم كيان الأسرة وتنبذ كل أنواع العنف داخلها , تخلق لنا جيل مثقف يعي معنى الأسرة ودور أفرادها في خلق حياة سعيدة مستقرة . أما أساليب معاملة الوالدين غير السوية والتي تشمل  (التسلط أو الإهمال أو القسوة أو إثارة الألم النفسي أو التذبذب أو التفرقة ) وغيرها من الصفات غير السوية والتي تسبب بظهور الاضطرابات السلوكية والأمراض النفسية والانحرافات السلوكية بمختلف أنواعها لدى الأبناء والتي تقود إلى جيل من الذكور  يستخدمون العنف غالبا للحصول على السيادة وممارسة  العنف الذي تعلموه في المنزل أنه حق طبيعي يجب أن يمارس داخل الأسرة . فوجود الاضطرابات النفسية عند الطفل كلها ظواهر تشير إلى خلل الاتصال داخل الأسرة وهو ما نسميه باضطرابات التواصل الأسري, حيث أن أثر البيئة المنزلية يتضاعف في حالة الطفل لأنه أكثر اعتمادية من البالغ ,  وهذه الاضطرابات تنتقل إلى المجتمع الواسع في مرحلة النضج . فغياب المفاهيم التربوية السليمة في التعامل مع الأطفال وهي الفترة التي تتشكل فيها الشخصية  بالإضافة لفترة المراهقة يؤثر سلباً على نفسية هذه الفئات وينعكس في صورة سلوكيات يرفضها المجتمع.
ومن هنا يتضح لدينا دور الأسرة كبيئة محيطة بالطفل يمكن لها أن تؤثر بشكل مباشر على سلوكه وتصرفاته الآنية والمستقبلية . ووجود العنف داخل الأسرة يعيق استمرار الأسرة بلعب الدور التربوي الايجابي  المناط بها تجاه أفرادها  لأن العنف الأسري يولد أجواء معيقة لهذه الأدوار . لذلك كان من الطبيعي أن نسعى إلى إصلاح الخلل المحتمل في الأسرة من اجل تلافي ولادة الاضطرابات السلوكية والنفسية لدى الأطفال.


________________________________________
(1) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الذين عباس ـ دار الثقافة بيروت ــ ط1.
(2) أساليب المعاملة الوالدية - ما الذي يمكن أن يفعله الآباء- د. محمد السعيد أبو حلاوة - جامعة الاسكندرية
القضاء على العنف الأسري وطرق العلاج :

النظرة الدونية للمرأة و الثقافة الذكورية التي ترسخت عبر عصور وعصور  داخل الأسرة , جعل مشكلة العنف ألذكوري ضد المرأة  مشكلة لا يمكن حلّه  بالقانون فقط , فمحاربتنا للعنف كظاهرة اجتماعية هي مسؤولية جماعية يجب أن تتكاتف من خلالها أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع وأن يتضمن ذلك تعديلاً في الأنظمة التشريعية واستحداث أنظمة الحماية القانونية وتغيير الثقافة الاجتماعية، إضافة إلى توعية المرأة لحقوقها الإنسانية وكيفية الدفاع عنها وعدم الاستهانة في سلب هذه الحقوق ، ولابد من العمل على توفير البنى التحتية لنمو المرأة وتطورها الذاتي كقيام المؤسسات التعليمية والتثقيفية والتأهيلية والإعلامية , ومن طرف آخر نشر هذه التوعية في المجتمع ألذكوري أيضاً في مختلف الأعمار ، عبر نشر ثقافة احترام وتقدير المرأة التي تشكل نصف المجتمع بل غالبيته. لذا فسعينا إلى الحلول لتغيير الصورة النمطية للمرأة  والتركيز على جانب التربية الأسرية من أجل تنشئة جيل يحترم المرأة ككيان مستقل في كل أماكن تواجدها . وهذه الحلول والتي يمكن أن نعتبرها بمثابة التوصيات التي توصل أليها البحث, ويمكن أن نلخصها بالنقاط التالية :
1. السعادة الزوجية : أساس السعادة الأسرية هو التوافق وتحمل مسئوليات الحياة الزوجية والقدرة على حل مشكلاتها والاستقرار. ويعتمد التوافق على تصميم كل من الزوجين على مواجهة المشكلات المادية والاجتماعية والصحية ، والعمل على تحقيق الانسجام والمحبة المتبادلة  , حيث تعتبر الأسرة من أهم العوامل الاجتماعية التي تسهم في تكوين شخصية أبنائها و لها الدور الأكبر في التأثير. و تماسك الأسرة لها دور كبير على حياة الأبناء ، و السعادة الزوجية هي التي تؤدي إلى تماسك الأسرة و تخلق جوا يساعد على النمو النفسي السليم للأبناء و تكامل شخصيتهم، و أن التعاسة الزوجية و الخلافات و الصراعات تؤثر على كيان الأسرة و على التوازن العاطفي و ينعكس ذلك بطريقة مباشرة على الأطفال في أسلوب معاملتهم و تربيتهم فيؤدي إلى اضطرابهم فضلا عن فقدهم الجو النفسي المناسب الذي ينمون فيه .
2. تنمية الجوانب الايجابية: التركيز على الجوانب الايجابية لدى الأطفال وتنميتها , حيث ظهر اتجاه قوي لدى علماء النفس يدعو إلى الاهتمام بالجوانب الإيجابية لعلم النفس Positive Psychology ، و الذي يعني التركيز على الجوانب الإيجابية في الإنسان و  المسارعة بتنميتها، ووقايته من الجوانب السلبية قبل أن تتحول إلى ظواهر مرضية تستعص أحيانا على العلاج (1) , يعتبر هذا الجانب مهم في تنشئة الأبناء على نبذ العنف تجاه المرأة وتغير الصورة النمطية التي أعتاد المجتمع عليها تجاه المرأة , لذلك على الآباء تنمية تلك الأفكار وتعزيزها لدى الأبناء داخل الأسرة من اجل خلق جيل ذو اتجاهات ايجابية تجاه المرأة . 
3. تغيير الصورة النمطية للمرأة : ولما كانت الأسرة هي الخلية الأولى التي تربى بها الأولاد فإن التربية عبر العنف ورؤية التمايز بين الحقوق الكثيرة للذكر والحقوق الأقل للأنثى تفرز في المستقبل شرعنه العنف ضد المرأة , فالعنف ضد المرأة قد ينشأ من الأعراف الاجتماعية لكل من دور الرجل ودور المرأة في المجتمع (gender norms) فالرجل هو سيد الأسرة وبالتالي المرأة هي التابع والمسئولة فقط عن إعداد المنزل والطعام ورعاية الأطفال وإظهار الطاعة التامة للزوج في صورة أشبه بالرق أو السخرة. وبالتالي فإن أي تقصير من قبل المرأة أو أي تمرد لتحدى (حقوق) الزوج فإنه يقابل تلقائياً بالعنف المقبول اجتماعياً . لذلك يجب أن يتربى الأبناء على نبذ هذه الصورة , وتنشئتهم على أن المرأة والرجل متساوون ولهم نفس الحقوق والواجبات التي يؤدوها في المجتمع , وأنه لا يوجد اختلاف بين المرأة والرجل سوى بالتكوين البيولوجي .
________________________________________
( 1 ) علم الصحة النفسية / أ. د. غريب عبد الفتاح غريب [مكتبة الانجلو 1999]
4. تنمية وتطوير الوعي التربوي في الأسرة : ويتم ذلك من خلال  مشاركة الأسر في حضور الاجتماعات والندوات والدورات التثقيفية المختلفة التي تقيمها منظمات المجتمع المدني  أو البرامج الحكومية الهادفة إلى التقليل من ظاهرة العنف داخل الأسر العراقية . والمواظبة على مشاهدة البرامج الموجهة عن طريق وسائل الإعلام  الخاصة بمناهضة العنف الأسري .
5. الإرشاد والتوعية : على الأسرة أن ترشد وتوعي  أبناءها على اللجوء للحوار لحل أي نزاع أو صراع يمكن أن ينشب داخل الأسرة أو خارجها , فجذور العنف يرجع إلى أسلوب التنشئة الاجتماعية عندما تفقد الأسرة القدرة على التحاور, ويتربى الطفل على اللجوء للعنف لفرض رأيه على الآخرين, وبمرور الوقت يزداد لديه الاقتناع بأن العنف هو السبيل الوحيد للحصول على حقه ,  ومن ناحية أخرى لا ننسى وسائل الإعلام والتي يجب أن يكون لها دور أساسي في ترسيخ مفهوم نبذ العنف  الأسري والتوعية بمخاطره على الأسرة والمجتمع .
6. تعزيز الجانب الديني : العنف المنزلي وجد له بعض ضيقي الأفق من رجال الدين تخريجاً فقهياً بالفهم المتعسف لبعض النصوص الدينية , لذلك فعلى النخب والشخصيات الدينية أن تلعب دوراً في توجيه الوعي ونشر قيم المساواة والحرية واحترام الآخر , والابتعاد عن محاولة ربط العنف العدوانية داخل الأسرة وكأنها من الدين , فقد حرصت الرسالات السماوية وحرص الإسلام بكل دقة ووضوح وحسم حول العلاقة الإنسانية بين بني البشر كيف تكون وبخاصة بين الرجل والمرأة والأطفال وأنها علاقة الروح الواحدة والجسد الواحد والمصلحة الواحدة من اجل حياة فاضلة سعيدة كريمة ملؤها المحبة والأمن والسلام , لذلك يجب أن يكون هناك دور الوعظ لرجال الدين بمختلف أطيافهم  من أجل إيصال رسالتهم الواضحة .
7. تجنب ممارسة العنف أمام الأبناء : عدم سماح الآباء لأنفسهم بأن تكون مشاجراتهم أمام أولادهم لأن هذا يفضي إلى تقليد الأولاد للآباء . وعلى الآباء أيضا تجنب اللجوء إلى حل مشكلاتهم بالعنف والقوة من حيث المبدأ، فإن ألجأتهم الظروف إلى العنف فليحرصوا على أن يكون ذلك بمنأى عن مشاهدة أولادهم ، فإن الولد يتعلم كثيراً من السلوك الاجتماعي عن طريق ملاحظة أبويه وتقليدهما , فقد كشفت دراسة قام بها البروفيسور موراي شتراوس، الخبير في العنف المنزلي من جامعة نيوهامبشير  وزملاؤه عن أن الأطفال الذين شاهدوا آباءهم يضرب بعضهم بعضاً ، قاموا بممارسة العنف بدرجة أعلى من الأطفال الذين لم يشاهدوا آباءهم على هذا الحال . كما تشير التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ( 1989) إلى أن 20% من الأزواج الذين عاشوا في أسر مارست العنف قد مارسوا العنف ضد زوجاتهم (1).
8. عدم استخدام العقاب داخل الأسرة : يجب أن لا يستخدم أسلوب العقاب والتهجم اللفظي ضد الأطفال من قبل الآباء ، فهذه الأنماط من السلوك ترسم نموذجا عدوانيا لديهم ، بل يجب التركيز على استخدام لغة التحاور بدلا من العنف الجسدي أو اللفظي والقدرة على التحمل والابتعاد عن الانفعالات .
9. تعديل القوانين المحرضة للعنف المنزلي في قانون العقوبات العراقية وسن القوانين الخاصة بالعنف الأسري وموائمتها مع الدستور العراقي المناهض في مادته 29 للعنف الأسري . حيث بات من الضروري أن تلتفت الحكومة لهذا الجانب  لأنه يعتبر خرقا واضحا لحقوق الإنسان وما تضمنه الدستور والقانون الدولي , فدولة القانون التي يراد تحقيقها لابد أن تكون منصفة لما تعانيه المرأة العراقية وهي الجزء المهم والأكبر في المجتمع العراقي .

________________________________________
(1) نظام عساف ، العنف الأسري وعمالة الأطفال ,  ص 37
10. فتح مراكز للإرشاد الأسري : على  الحكومة أن تضع ضمن برامجها المجتمعية فتح مراكز للإرشاد الأسري من أجل أرشاد و دعم الأسر التي تعيش تحت طائلة العنف أو التي بدأت تظهر فيها بوادر العنف , وتعتبر هذه المراكز هي جزء من الأساليب المتبعة  للوقاية من أتساع هذه الظاهرة في المجتمع , كذلك أنشاء جهاز حماية الأسرة ودعمه ماديا وقانونيا وتفعيل دوره وتوسيع صلاحياته بخصوص المرأة والطفل وحمايتهما من كل أشكال العنف .
11. فتح ملاجئ للنساء المعنفات : لم تتخذ الحكومة العراقية أي مبادرة بهذا الشأن ( ما عدا إقليم كردستان ) فيما يخص فتح ملاذ آمن للنساء من ضحايا العنف , فهناك الكثير من جرائم القتل تقترف بحق النساء تحت مسميات العنف الأسري , بسبب عدم وجود مكان يمكن للمرأة المعنفة أن تلجأ أليه ويحميها من العنف الواقع عليها .
12. إجراء دراسات تحليلية : وذلك حول وضع الحلول المناسبة التي تعالج العنف الأسري من أجل تقليل  حجم وأثار هذه المشكلة.
13. تعليم الآباء اختيار المهارات الاجتماعية التي يفترض تعليمها للأطفال : يمكن أن يزود الآباء بمختلف المهارات الاجتماعية إضافة إلى مساعدة الآباء على تحديد أي من هذه المهارات يمكن تعليمها لأطفالهم وتعزيزها في المنزل , ويجب أن يشجع المعلمين الآباء على اختيار المهارات المهمة بالنسبة للسلوك الايجابي في المنزل , ومن أمثلة هذه المهارات تقبل النقد , فهم مشاعر الآخرين , الإنصات , , ضبط الغضب  (1 ).
14. إعداد برامج موجهة لمناهضة العنف والحد منه ، كبرامج التنمية الاجتماعية والتي تهدف إلى مساعدة أفراد الأسر التي تعاني من العنف على تطوير مهاراتهم الاجتماعية ، وكيفية حل الصراعات بينهم وضبط الغضب ، والبرامج العلاجية التي تهدف إلى تقديم المشورة لضحايا العنف ، والمعالجة السلوكية للاكتئاب والاضطرابات النفسية . وكذلك برامج تأهيل الآباء وتدريبهم على تطبيق الطرق القويمة في معاملة الأبناء (2 )
15. دور الآباء في تعليم الأطفال الذين لهم ميول للعنف  : قد تكون الأسرة  خالية من كل مظاهر العنف الأسري ومع ذلك يوجد فيها أطفال لهم ميول لممارسة العنف سواء تجاه أشقائهم أو أصدقائهم  , وأن يلم جميع الآباء بأفضل خطوات وطـرق التصرف في حالة الإحساس بوجود طفل له ميول نحو العنف وممارسته , لذلك على الآباء ضمن الـتوجهات الـحديثة فـي مناهضة العنف الأسري  أن يؤكدوا أولا عـلى ضـرورة السـعي بكـافة السـبل والـوسائل لاكتشـاف أسباب ميول الطفل للعنف داخل الأسرة  والتشـخيص الـدقيق لهذه الأسباب ومدى تأثيرها على الأطفال داخل الأسرة  , والتـدخل المبـكر والملائم لمعالجة ذلك , كذلك ضـرورة دمـج  الأطفال الذين لهم ميول للعنف  مع الأطفال العاديين في مختلف مراحل رعايتهم وتعليمهم ابتداء من مرحلة الطـفولة المبـكرة .
16. أنشاء برنامج تدريبي لضبط العنف  : يجب أن يكون هناك برنامج تدريبي وطني لضبط العنف والاستجابة الانفعالية والتعبير المناسب للغضب بطريقة عقلانية وذلك عن طريق تدريس مهارات ضبط الإثارة , ونشر الوعي بكيفية تحكم الفرد في دفعاته العنيفة، وكيفية تجنبه الوقوع في تصرفات تتسم بالعنف ,  حيث يتعلم الأفراد كيف يمنعون الغضب ومكوناته العدوانية ,  وان يستفيدوا من ذلك التدريب في  حل المشكلات داخل الأسرة  والناجمة عند التصادم بين الزوجين ( 3 ) .

________________________________________
(1) تعليم الآباء تعليم أطفالهم السلوك الاجتماعي الإيجابي- تأليف ليندا كي الكسنين – نيكي الكسنين  ص 4 ترجمة د. محمد أبو حلاوة
(2) سيكولوجية العدوانية وترويضها – منحى علاجي معرفي جديد د عبد اللطيف العقاد ص174
(3) المجلس الوطني لشؤون الأسرة ،  كتاب الصحة والعنف ، ص 99

17. دعوة الدولة بأجهزتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضاء على ضرورة اعتبار الأسرة المكون الرئيس للدولة وتقنين ما يجري داخلها ومنها , مع ضرورة اتخاذ جميع التدابير التي من شأنها أن تعمل على محاسبة المسئولين عن ممارسا ت العنف ضد النساء والفتيات والأطفال في الأسرة مع اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء الإفلات من العقاب , وحماية ضحايا العنف و الشهود والمبلغون عن حالات العنف .
18. تجريم العنف المنزلي : اعتبار العنف الأسري جريمة بكل ما تحمله من مفهوم الجريمة وأركانها وأثارها , وعليه ندعو كل من يتعامل مع قضايا العنف ضد النساء والفتيات والأطفال في الأسرة استخدام جريمة العنف بدلا من ظاهرة العنف على أساس ما يجري في داخل الأسرة شأن عام بامتياز و يؤثر سلبا وإيجابا على مستقبل البلد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية .
19. تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية في هذا المجال , لتكون حلقة الوصل بين الحكومة والأسر المعنفة , ولكي تأخذ المنظمات دورها في مجال التوعية بمخاطر هذه الظاهرة وتجريمها  في المجتمع .
20. استحداث منهاج لتعليم الأطفال : على الدولة  أن تضع ضمن مخططاتها التربوية والاجتماعية منهاجا خاصا في المدرسة  , يعلم الأطفال كيفية التعامل مع المجتمع والأسرة وذلك لمعالجة العنف من الجذور. وتغيير المناهج المدرسية التي تكرس النظرة النمطية للمرأة  , لكي يكون للمدرسة دور مكمل لدور الأسرة في تربية الأبناء على نبذ الصورة النمطية للمرأة . فإنهاء العنف على المستوى البعيد لن يكون إلا بمعالجة جذور العنف والقضاء على المنابع التي تعمل على إنتاجه وذلك من خلال رسم وتفعيل اس

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 30-11-2011     عدد القراء :  3101       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced