انهم يقتلون النساء عمداً.. والاحكام أخف من الخفيفة!
بقلم : سها الشيخلي
العودة الى صفحة المقالات

قالت الشابة أمل (27 سنة تعمل في أحد معامل القطاع العام ) إنها تعيش بلا أمل وتتمنى الموت ، ذلك أنها تحيا حياة قاسية في كنف والدها وأخوتها الأربعة ،بعد وفاة والدتها حزناً على مقتل شقيقتها على يد أحد أخوتها قبل سنوات في جريمة سجلت على أنها غسل للعار،

وصارت تعيش الازدواجية والخوف، فهي تعيش مع قاتل يحسب عليها أنفاسها خشية أن تتكرر حادثة شقيقتها الصغرى التي كانت طالبة في المرحلة الإعدادية وقد غرر بها جيرانهم على أمل الزواج بها.
وعن الصراع الحاد الذي تعيشه تقول أمل: إنها تشاهد كل يوم الرجل الذي غرر بشقيقتها، فهو يعمل معها في المصنع نفسه ، كما تشاهد القاتل الذي يعيش معها في البيت ذاته وهو شقيقها ، وبين الاثنين أصبحت حياتها جحيماً لا يطاق .
هناك العديد من النساء يفقدن حياتهن بحجة ( غسل العار ) عن هذه الجريمة تحدثت العديد من النساء بين رافضات ومؤيدات لعقوبة السجن 6 أشهر للقاتل، كما حدد قانون العقوبات العراقي بمادته الـ149 .
آراء متباينة
التقينا عدداً من النساء بأعمار وثقافات ووعي متفاوت إلا أن الآراء تباينت واختلفت وتقاطعت بشكل حاد وغريب عن نظرتهن حول قضايا غسل العار .
مديرة إحدى المدارس الثانوية الأهلية  تحدثت بإسهاب عن عملية التغرير بالفتاة وعللت السبب بغياب الثقافة الجنسية لدى المراهقة ، حيث لا يكفي تخويف الأم أو العائلة من الانصياع لإغراء الرجل ، بل يجب إعداد مادة منهجية في الدراسة المتوسطة تكشف للفتاة أسرار الحياة الجنسية ومخاطر ممارسة الجنس، والكشف ليس فقط عن الحمل، بل عن الأمراض الجنسية الانتقالية ، فالفتاة المراهقة لا تعرف عن الحياة الجنسية سوى معلومات قد تكون أغلبها خاطئة ، وعن جريمة غسل العار تؤكد المديرة أن الخطأ تدفعه الفتاة وحدها فقط، بينما يفلت شريكها في ارتكاب الخطأ من العقاب ، وفي المجتمعات الريفية تفقد مثل تلك الفتاة حياتها ويبقى الرجل طليقاً! وتطالب المديرة بإعادة النظر بالقوانين بشكل عام وخاصة الأعراف العشائرية .
أم عباس بائعة سمك ( أميّة ) لم تتعلم ولم تدخل المدرسة  ،عندما سألتها عن حق الرجل بقتل قريبته أو أخته إذا ما ارتكبت خطيئة وفق أعراف ( القتل غسلاً للعار ) امتعضت أم سجاد وقالت بعصبية ولماذا لا يقتلها وقد ارتكبت جريمة مخلة بشرف العائلة؟ مثل هذا الرجل أجده لا يستحق الحياة وهو ساكت عن عار أخته، ويؤوي في بيته امرأة ( عاهرة )! وعندما سألتها إن كانت مثل تلك المرأة  ابنتها أجابت وهي ترفع ( الطبر ) سأقتلها أنا أمها إذا لم يقتلها أخوها أو أبوها ، واحتجت أم سجاد وأنا أصف عملها ذلك بالوحشية لاسيما أن عملها ذلك يتنافى ومشاعر الأمومة التي تحملها حيال ابنتها وقالت : ( صحيح الضنى عزيز .. لكن الشرف أعزّ ) فإذا سكتت إلام فإن العشيرة لن تسكت .
بائعة الخضار في إحدى الأسواق الشعبية هي الأخرى لا تقرأ ولا تكتب  عندما سألتها عن رأيها في جريمة القتل غسلاً للعار قالت : مثل تلك الفتاة مصيرها القتل لتكون عبرة لغيرها، وهي فاجرة ،وتستحق ليس القتل لمرة واحدة بل لعدة مرات .. وتابعت نحن عشائر وشرف العشيرة يجب أن يصان ، وعندما أخبرتها أن الذي اعتدى على شرف العشيرة هو الآخر مذنب ولا يقيم شرف عشيرته ؟ قالت انه رجل ولا لوم عليه، الذنب ذنب الفتاة وحدها، ولا تقولي إنهما يتحملان الذنب معا، بل الذنب يجب أن تتحمله الفتاة فقط ، وإن قتلها هو الأمر الصحيح الذي يعيد للعشيرة مكانتها بين العشائر الأخرى .
فيما طالبت عميدة كلية التربية الرياضية للبنات الدكتورة منى طالب البدري في حديث للمدى بإنزال عقوبة الإعدام بحق ولي أمر الفتاة التي يقتلها  غسلاً للعار ، وتؤكد أن اغلب الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها  النساء وخاصة في الريف يكون تحت التهديد ، كما هناك اعتداء يجري على النساء من قبل الأهل، وقد يكون الأخ أو الأب أو ابن العم، وتكون المرأة هي المذنبة، وتتحمل النتيجة وقد تقتل بغير ذنب ويفلت الجناة من العقاب وهم اثنين؛ الأول الذي اعتدى على شرفها، والثاني الذي يقتلها غسلا للعار الذي لحقت بالعائلة .
الدكتورة روناك توفيق أستاذة في كلية البنات جامعة بغداد أشارت إلى أن أغلب الجرائم المرتكبة على أنها غسل للعار يكتنفها الغموض واللبس وأحيانا تذهب الفتاة ، وإن شيوع مثل تلك الجرائم غالبا ما يكون في العوائل الفقيرة وغير المتعلمة ، أما تخفيف العقوبة على القاتل، فيجب على قانون العقوبات أن يكون منصفاً وأن يساوى القاتل بغيره من مرتكبي جرائم القتل .
دوافع شخصية
القاضي المتقاعد سامي الخالدي أكد أنه طيلة عمله في المحاكم والبالغة 40 سنة حقق في قضايا عديدة، كانت تبدو في ظاهرها جرائم ( غسل العار ) لكنها في الحقيقة كانت جرائم جنائية بحتة ، لكنها تسجل على أنها غسل للعار، تهربا من العقوبات الصارمة التي تنتظر المجرم ، ويعود القاضي الخالدي بذاكرته إلى سنوات خدمته فيقول :
- إثارتك لموضوع جرائم غسل العار ذكرتني بحادثة وقعت قبل سنوات في إحدى محافظات العراق، وكانت المحكمة قد حكمت بالسجن على الجاني بمدة 6 أشهر ، وقد شككت في نزاهة زميلي القاضي ، وطالشبت رد الدعوى ، وكان لي ما أردت ، وعند التحقيق وجدت أن القضية جنائية وأن الرجل الذي قتل ابنة عمه كان يريد الزواج  بها، وكانت أرملة  لكنها رفضته ، ما أوغل صدره ضدها،  فدبّر لها مكيدة وقتلها غسلاً للعار ، بعد أن دبر لها شهودا أربعة شهدوا بسوء سلوكها ،  إذن هناك جرائم يفلت منها القاتل بحجة غسل العار .
- المحامية روعة الشابندر أكدت أن قانون العقوبات قد خفف العقوبة على الجاني في جريمة غسل العار مع أنها جريمة جنائية لا تختلف عن أية جريمة أخرى ، وتطالب الشابندر بأن يلتفت المشرع القانوني لذلك وألا تجري المحاباة بحجة أننا مجتمع عشائري وأن التقاليد والأعراف ما زالت تحكم حياتنا ، إن مثل هذه الجريمة يجب ألا تنتشر وتسود في مجتمعاتنا لأنها ظاهرة تكرس النظرة المتدنية للمرأة . 
تشير تقارير صدرت عن وزارة حقوق الإنسان الى مقتل 2334 امرأة عراقية في جرائم غسل العار ، لكن مع هذا تبقى الكثير من جرائم غسل العار غير مقيدة، خاصة في القرى والأرياف ، وغالبا ما يلجأ مرتكبو تلك الجرائم الى دفن ضحاياهم من دون إبلاغ السلطات عن حالة الوفاة او الحصول على إذن الدفن ، وهذا الأمر لا يحصل إن لم يكن هناك تواطؤ بين أفراد العشيرة وأهل المقتولة.
عقوبة الجلد
وأكدت النائبة انتصار الجبوري رئيسة لجنة المرأة والطفولة في مجلس النواب أن الرجل العراقي صاحب نخوة وشهامة فإذا استفزت مشاعره فهو يقدم على قتل المرأة غسلا للعار ، ونحن في بلد يحترم عاداته وتقاليده وقد وردت في القرآن الكريم عقوبة الزانية المرأة في الآية الكريمة "الزاني والزانية فاجلدوهما مائة جلدة" وهي أية صريحة بوجوب قتل المرأة الزانية غسلا للعار ، وردا على سؤالنا فيما إذا كانت تؤيد القتل غسلا للعار، أشارت الجبوري الى أن الدين الإسلامي اشترط الجلد 100 جلدة، بعد شهود أربعة أشخاص شاهدوا بأعينهم عملية الزنى وقد خفف قانون العقوبات العراقي الحكم على الجاني إذا ثبتت صحة وقوع جريمة الزنى ، أما أن تكون جرائم الشرف شماعة يلجأ إليها الجاني، فالأمر مرفوض وتبقى قناعة المحكمة بظروف الجريمة  هي الفيصل. 
وفي إقليم كردستان أشارت مديرة منظمة ( تمكين المرأة ) سوزان عارف بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الى  أن عملية الحد من جرائم القتل غسلا للعار المرتكبة ضد المرأة،  تحتاج الى وقت طويل لإثباتها ، وأن سر الحد منها يكمن في تنفيذ حزمة من الإجراءات، منها التطبيق الفعلي للقوانين الجزائية ذات العلاقة، ومعاقبة مرتكبي جرائم القتل ( غسلا للعار )، وجعل رجل الأمن والقاضي والمحامي مؤمنين بقضايا المرأة قبل أن يبدأ استجواب المتهم، وتغيير نظرة الرجل والمجتمع للمرأة ، وقبل هذا كله أن يدرك الجميع أن القتل غسلا للعار ليس حقا مكتسبا للرجل بل هو جريمة ، كما أعلنت رئيسة منظمة حقوق المرأة في العراق جنات الغزي انطلاق حملة مناهضة العنف ضد المرأة، والتي ستستمر 16 يوما، للمطالبة بتحريم مرتكبي جرائم الشرف وغسل العار، وتصنيفها على أنها جريمة جنائية يعاقب عليها القانون بصرامة مع المطالبة بوضع قوانين صارمة ضد مرتكبيها ، وأشارت الى  أن القانون قد أعطى حماية للرجل لدى ارتكابه جرائم غسل العار، في حين أن الرجل يرتكب أحيانا أكثر من المرأة جرائم أخلاقية، لكن المرأة  تقتل لمجرد الشكوك ، بسبب التقاليد العشائرية المسيطرة على المجتمع، مؤكدة يجب إنهاء هذه الثقافة ، وهناك جهات تحاول إخفاء عدد الجرائم المرتكبة غسلا للعار.
وزارة المرأة
وأشار مصدر مسؤول في وزارة الدولة لشؤون المرأة الى أن الوزارة تقف ضد العنف الذي تتعرض له المرأة ، وفي الاحتفالية التي أقامتها بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة وعرضت فيلما وثائقيا لسجينة تحدثت عن والدها الذي قام باغتصاب شقيقتها ، وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد شاهد ذلك الفيلم، وطالب وزارة العدل بالتحقيق بالأمر ، كما طالب وزارة العدل بالاهتمام وسماع أقوال السجينات في سجن النساء ، وعن جريمة غسل العار أكد المصدر أن الوزارة تعمل على إعداد إستراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، التي تهدف الى تعديل القوانين التي تؤكد التمييز بين الجنسين ، وأن الوزارة ضد تخفيف عقوبة القاتل غسلا للعار ، وقد شارفت الوزارة على الانتهاء من قانون مناهضة العنف ضد المرأة الذي خضع إلى آراء خبراء دوليين منهم هيئة الأمم المتحدة ، وخبراء محليون وأعضاء منظمات المجتمع المدني وخبراء قانونيون .
وطالبت تانيا طلعت النائبة السابقة عن التحالف الكردستاني الحكومة العراقية بالعمل بجدية أكبر لمناهضة العنف ضد المرأة بكل أشكاله في المجتمع، وأكدت طلعت أن العنف الممارس ضد المرأة لا يأتي من أسرتها فقط ، بل هناك عنف ضدها حتى في العمل ، لذا طالبت طلعت بتنظيم حملة تشمل كل المحافظات والقرى كما طالبت بتعديل القوانين التي تنتهك حقوق المرأة ، والنظر إلى جريمة غسل العار على أنها جريمة جنائية.
وقال مدير مكتب حقوق الإنسان في محافظة ذي قار  محمد راضي إن هناك قوانين وتشريعات تشجع على العنف ضد المرأة ولاسيما المادة 409 التي تبيح قتل المرأة بجريمة الزنى ( غسل العار ) من خلال تخفيف العقوبة عن الجاني .
رأي القانون
وعن تخفيف العقوبة عن مرتكبي جريمة القتل غسلا للعار وجعلها 6 أشهر، أكد الخبير القانوني حسن شعبان أن الجريمة المذكورة تمثل واقعا اجتماعيا، وهي بالتالي مشكلة اجتماعية وتخلف اجتماعي ، وعن المادة 149 من قانون العقوبات العراقي والتي نصت على تخفيف العقوبة عن القاتل، فالمادة المذكورة تتعلق بالذين يقدمون على قتل أحد  محارمهم إلا أنها لم تخل من شروط قاسية منها أن يكون هناك شهود بعدد أربعة  ، وإلقاء القبض على الجاني في مكان  الجريمة، وتحقيق من الشرطة واضح، فإذا اكتملت عوامل الجريمة  وثبت أنها كانت غسلا للعار، تصبح العقوبة مخففة، وقد تهبط إلى 6 أشهر ، وهذا يتفق مع العرف الاجتماعي لكنه لا يتفق مع مفهوم العدالة ، أما من وجه نظري فأقول يجب أن يأخذ المجرم جزاءه إلى أبعد حد ، وإذا كان هناك نص للتخفيف فيجب أن تكون العقوبة لا تقل عن السجن لمدة 10 سنة .
رئيس جمعية حقوق الإنسان المحامي حاتم السعدي أوضح ان الجمعية لها موقف من جريمة غسل العار سبق أن طرحناه منددين بالجريمة لأنها من نتاج المجتمعات المتخلفة ، نحن كجمعية  نطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة، والقانون يسري على الجميع ولا يفرق بين الرجل والمرأة في الجرائم الجنائية ، وعلى الجمعيات النسوية وحقوق الإنسان أن تعمل على نشر الوعي، والطلب من الحكومة  والبرلمان إصدار قوانين وتشريعات تلغي القوانين السابقة والتي تحمي القاتل وهذه الحماية كانت من عرف وتقاليد متخلفة في مجتمعنا ، وجاء الوقت الآن للوقوف بوجه مثل هذه الممارسات .
المدى

  كتب بتأريخ :  الجمعة 02-12-2011     عدد القراء :  1940       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced