"الشيوعي" العراقي ينعى الفنان الكبير محمود صبري
نشر بواسطة: Adminstrator
السبت 14-04-2012
 
   
تنعى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بأسف وأسى بالغين الشخصية الوطنية والثقافية والفكرية البارزة، الفنان الكبير الاستاذ محمود صبري، الذي اختطفه الموت صباح اليوم في العاصمة البريطانية لندن عن عمر يناهز الخامسة والثمانين. لفت الفقيد الانظار في سن مبكرة بنباهته ونهمه الى المعرفة، وبسخطه على التخلف الذي يطبع الحياة في وطنه، والواقع المحزن الذي يعيشه ملايين العراقيين المضطهدين والمحرومين. ولم يكن قد بلغ العشرين بـُعيد الحرب العالمية الثانية، حين دفعته رغبته المتنامية في التغيير الى تلمس طريقه، من ناحية، نحو الحزب الشيوعي العراقي، الذي وجد فيه القوة السياسية الوطنية المعنية حقا بالتغيير، والمنغمرة فعلا في السعي الى تحقيقه، ومن جانب ثانٍ نحو المعرفة والثقافة، وصولا الى التعبير الفني عن المشاعر والافكار والتطلعات الى تجاوز الواقع القائم، وبناء عراق مغاير ينعم فيه ابناؤه بالحرية والسعادة.
درس العلوم الاجتماعية في احدى الجامعات البريطانية في مسعى لمعرفة اسرار حياة المجتمع وادراك آليات حركته، بما يتيح له تحديد موقعه فيه وإسهامه في رسم مساره اللاحق. وحين عاد الى العراق مطلع الخمسينات، كان قد ازداد تعلقا بالحزب الشيوعي وانهماكا في النضال في صفوفه.
وفي الوقت ذاته، وبرغم انه لم يتمكن من تحقيق رغبته الشديدة في دراسة فن الرسم، فاضطر الى تعليم نفسه بنفسه عمليا، تفتح عن رسام مبدع، بعيد عن التقليدية في مضامينه واشكال تعبيره، قريب الى الواقع القاسي للانسان العراقي، لصيق بالمرحلة الثورية التي كان يعيشها المجتمع، وأمين في التعبير عنها تشكيليا. وسرعان ما تحول بواقعيته التعبيرية، الى ركن من اركان الحركة التشكيلية العراقية المعاصرة في انطلاقتها المشهودة خمسينات القرن الماضي، الى جانب جواد سليم وفائق حسن والرواد اللامعين الآخرين.
بقي محمود صبري في العقود الماضية وحتى السنوات الاخيرة مستغرقا كليا في هموم الوطن وهموم الثقافة.
وقد قادته هموم الوطن الى المزيد من تأمل ودراسة الواقع الاجتماعي والسياسي والتعاطي معه، والى الاحاطة بالكلاسيكي والجديد في الفكر والفلسفة، لا سيما في الماركسية التي بقيت ملجأه الثابت في السعي الى فهم وتوضيح العمليات الجارية في المجتمع العراقي والانساني عموما. وكان من ثمار انصرافه الى ذلك عديد من الابحاث المهمة المنشورة في كتب او في مجلات، بدءا بالدراسة اللافتة والفريدة من نوعها لفكر البعث الفاشي، الصادرة غداة انقلاب شباط سنة 1963.
وانغمر الفقيد بجانب ذلك في مشروعه الفني التشكيلي، الذي ظل يطوره ويتطور معه في الستينات والسبعينات، حتى توصل الى رؤية جديدة تربط بين الفن والعلم، وتفيد من التقدم العلمي الهائل في الفن التشكيلي. وهو ما تجلى في اسلوبه الجديد في الرسم، الذي سماه "واقعية الكم"، ووضع له اساسا نظريا نشره في كتاب حمل التسمية نفسها، ونشره بالعربية والانجليزية.
في الميدانين : الوطني – السياسي، والثقافي (الفني) – الفكري، المترابطين والمتداخلين، ترك لنا محمود صبري منجزا كبيرا وإرثا غنيا، جديران بالاعتزاز، وبالدراسة والتعلم منهما والانطلاق من خلاصاتهما.
لكننا لا نودع في محمود صبري الراحل مناضلا وطنيا – شيوعيا كبيرا، وفنانا متوهج الابداع ثرّ العطاء، ومثقفا - مفكرا عميقا ورصينا .. ليس هذا كله فقط. بل نودع فوق ذلك انسانا نادر المثال في صفائه ولطفه ودماثته وحرارة قلبه وسعة صدره وحدة ذكائه، وفي نكرانه الذات وتواضعه واهتمامه الصادق بالآخرين – قريبين وبعيدين ..
لم يكن بيننا، وليس بيننا، كثيرون من امثال محمود صبرى ..
ما افدح خسارتنا برحيله!

بغداد– 13نيسان 2012

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced