الشناشيل إلـى أين؟ .. مساكن شيوخ وأمراء البصرة تبحث عن مجدها المفقود
نشر بواسطة: Adminstrator
الأربعاء 18-04-2012
 
   

تعد الشناشيل من الظواهر الرئيسية والمألوفة في البيوت البصرية التراثية، والتي تدل على الثراء، ففي بيوت الميسورين تتحول الشناشيل إلى قطع فنية رائعة، وذلك لجمال نقوشها الخشبية التي تتخللها قطع زجاجية صغيرة ملونة.

تشيد الشناشيل أساساً على قسم من بناء الطابق الأول يضاف إلى المساحة الأساسية للدار، وذلك عن طريق إحداث بروز يستند إلى روافد خشبية أو معدنية، وعندما يتسع البروز نسبياً يعمد المعمار إلى تدريج ألواح الخشب أو الروافد ليمكنه الحصول على نقاط استناد قوية تشيّد فوقها الشناشيل، ويتراوح البروز عادة ما بين متر واحد أو أكثر بقليل.
ويكون بناء الشناشيل من الخشب بدلاً من الآجر أو الحديد وذلك للتغلب على مشاكل الثقل في توسيع البناء، وكذلك مساعدة الخشب في تحقيق برودة الجو الداخلي للغرفة عن طريق تقليل كمية الحرارة الواصلة إلى البيت دون أن تمنع الضوء والهواء من الوصول إلى غرف الشناشيل من خلال الفتحات الخارجية المشبكة. وكذلك تحفظ للسكان حرمتهم وخصوصيتهم فهي مصممة لحجب الرؤية من الخارج للجالسين في هذه الشرفات أو الغرف الملحقة بها.
أصل التسمية!!
يقول الباحث الفلكلوري الراحل حامد البازي : الشناشيل كلمة تتألف من مقطعين هما شان-شيل ويعود التعامل معها إلى أربعة قرون مضت، وكان من كثرة شيوع هذا النمط من البناء أن أطلقوا على المدينة أم (الشناشيل) ، حتى جاءت في كتب الشعر والشعراء الذين تغزلوا بالشناشيل وبنات الشناشيل ، وما زالت في ذاكرتنا قصائد السياب في ديوانه ( شناشيل ابنة الجلبي).
ويضيف البازي"روعي في بناء هذا النوع من البيوت ذات الشناشيل طبيعة الأرض الرخوة في البصرة التي لا تتحمل أكثر من بناء طابق واحد ، ولأن الحاجة أم الاختراع فقد تمت مراعاة رقعة الأرض البصرية فتم بناء الطوابق العليا من الخشب ، والخشب طبعا لأنه أخف من الطابوق والإسمنت بكثير ، والخشب متوفر بكثرة ويمكن توفيره عن طريق نقله عبر الميناء مباشرة .
قد تنوعت الشناشيل في الشكل والمحتوى واتفقت مع الذوق وكل هذا جاء بسبب حرية الحركة في الخشب وسهولة التصرف به حيث منح الناس فرصة التنويع والتغيير ، فهناك أنواع عديدة بأسماء مختلفة مثل (المقبط ، أبو الستارة ، أبو البالكونات ، المخلط ) . وقد حافظت شناشيل البصرة على طابعها الخاص ، فهي مطعمة بالزخارف المتناظرة مع الفسيفساء . ومن طرائف الشناشيل أنها تدهن بدهن الورد وترش بمائه ، بحيث لا يخفى عطرها الفواح على القادم ، فيشم رائحة الورد  وهو على مسافة بعيدة منها ، ولذلك جرى العرف بين سكانها وضيوفها وزوارها أن يطلقوا عليها مدينة الورد.
أشهر القصور التراثية
وقال الباحث علي سعد للمدى "تشتهر البصرة بالقصور والبيوت العريقة التي تعود إلى أمراء ومشايخ حكموا في البصرة أو عاشوا فيها ، ومن أشهر هذه القصور ( قصر أنس بن مالك ) الذي يقع شمالي البصرة، وقد وصفه الجاحظ بأنه أشبه بالضيعة التي كانت تحيطه المزارع والبساتين ، (قصر أوس ) الذي ينسب إلى أوس بن ثعلبة . (القصر الأحمر ) وهو لعمر بن عتبة بن أبي سفيان وانتقلت ملكيته لآل عمر بن حفص بن قبيصة بن أبي صفرة .(وقصر النعمان)وهو للنعمان بن صبهان الراسي الذي حكم بين مضر وربيعة أيام موت يزيد بن معاوية ، وقد زاد عبيد الله بن زياد للنعمان في قصره .( وقصر عيسى بن جعفر) وهو لعيسى بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وهو بالقرب من حمام عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي وهو موضع بستان سفيان بن معاوية الذي بالمزية ، (وقصر زربي ) ويقع هذا القصر في سكة الدباغين ، وزربي هو مولى عبد الله بن عامر وكان قيما على خيله ثم صار لمسلم بن عمر بن الحصين بن قتيبة ثم اقتسمه أولاد مسلم ، (والقصر الأبيض) في أرض عبد الله بن عثمان الثقفي بين الزاوية والمسجد الجامع ويمتاز بنقوشه المتنوعة ، ( وقصر المسيرين) وهذا القصر لعبد الرحمن بن زياد وهو قصر في جوف قصر ويتلوه قصر عبيد الله بن زياد وإلى جانبه جوسق وقصر النواهق وهذا القصر ينسب إلى زياد بن أبي سفيان . ومن القصور الأخرى في البصرة قصر بن خلف وقصر نواضح في بادية البصرة وقصر الغضبان في ظاهر البصرة وقصر الزيت وقصر عسل.
مشاريع على الورق!
حدثتنا عضو مجلس محافظة البصرة زهرة البجاري عن الوضع الحالي والمأساوي لتراث البصرة الاصيل قائلة " نعم  نعلم ان هذا التراث في وضع صعب جدا وان اغلب البيوت تعرضت للهدم والاندثار على يد ساكنيها من العوائل التي سكنتها منذ اكثر من عشرين عاما ، حتى غيروا في شكل البيت وحوروا بعض الغرف بالطريقة التي تخدمهم في السكن".
وتضيف" وهذا يؤثر على طبيعة البيت التراثية وقد يكون غير مطابق لموصفات البيت الاثري المعروف في تفاصيل بنائه".
وبينت " اعددنا دراسة مهمة جدا بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة ، من اجل اعادة اعمار وبناء تلك البيوت التراثية المهمة ، وفاتحنا وزارة السياحة والاثار لغرض تنفيذ هذا المشروع ، ولكن ما زالت المقترحات والافكار على الورق ، لان المشروع بحاجة الى مبالغ كبيرة جدا وهناك عائق اخر هو وجود عوائل فقيرة بحاجة الى توفير سكن مناسب لهم قبل تهجيرهم منها.
فيما يرى الباحث في التراث الدكتور انور جاسب شنته "ان موضوع البيوت التراثية
"الشناشيل" بحاجة الى الاسراع في تنفيذ اعمارها لانها جزء من تاريخ البصرة، وقد اعدت الجامعة العديد من الدراسات والمشاريع لاعادة الحياة لها، ولكن ظروفا ما تعرقل المباشرة في هذا العمل".
إحياء الأمكنة الثقافية واضاف "ان الاهتمام بالتراث الثقافي والطبيعي من اهم عوامل الجذب السياحي وخلق تنمية في المجتمعات وهو يعتمد على مقومات متعددة من اهمها التراث بمختلف اشكاله والسياح والسكان المحليين ولخلق تنمية شاملة في المجتمع البصري فانه لابد من ابراز الطرز المعمارية والهوية الثقافية التراثية البصرية وجمع وتوثيق التراث الثقافي المادي وغير المادي وكتابة حكايات الاماكن الثقافية وتأهيل واحياء المكان الثقافي وبعث الحياة من خلال ادماج المجتمع المحلي في تنفيذ الاستراتيجيات وتقديمه للزوار بأساليب مدروسة وحماية المصادر الثقافية من العبث والزوال وخلق ديمومة ثقافية مرتبطة بقيم المجتمع وهويته المحددة وبالتالي خلق ديمومة اقتصادية وصولا الى مرحلة المحافظة على الموارد الثقافية فضلا عن تشكيل سياحة ثقافية من خلال تأهيل الأماكن الثقافية والتراثية وجمع وتوثيق التراث الشفوي وتوثيق وتفسير المقامات والاضرحة الموجودة في مختلف المدن والقرى في البصرة والتي فقد بعضها ويتعرض البعض الاخر للتدمير والتلف .
وقال الباحث عبد السلام ياسين" كانت بيوت البصرة التراثية بشناشيلها المعروفة التي نسجها المعماريون وفق طرز فريدة من الجمال والروعة يزداد تألقها كلما تقادم الزمن عليها لما تحظى به من رعاية واهتمام، وقد حافظت هذه البيوت التي شيدت واجهاتها على شكل لوحات تشكيلية زاخرة بفنون الزخرفة والخط والأشكال الهندسية المتداخلة على جماليتها رغم تجاعيد الزمن حيث تطلى بين حين وآخر بزيت الأخشاب المخلوط بماء الورد الذي يمنحها بريقاً وعطراً يستنشقه المارة على مسافة بعيدة منها.

توزيع 41 داراً تراثيّة لموظفين
لم تكن هذه الدور التراثية اسعد حظا من المعالم الحضارية والثقافية في المدينة حيث تقاذفت المسؤولية عنها بين وزارات الثقافة مرة وهيئة السياحة ووزارة الإعلام وهيئة الآثار والتراث والإدارة المحلية مرات عدة في زمن النظام السابق حتى تخلصت الإدارة من مسؤوليتها بتوزيع 41 دارا منها لسكن موظفي المحافظة، ودب التآكل فيها وانهارت أجزاء منها حين دخل بعضها في أسواق البيع والشراء وسوق بعضهم أخشابها إلى أسواق الخردة منذ أكثر من سنوات لغياب الصيانة لها وانشغال أحزاب السلطة عن المعالم الجميلة في المدينة.
ويضيف " ولا تكمن أهمية الشناشيل بمناظرها الأخاذة فحسب بل لما تحمل من أريج الماضي المفعم بمحبة الناس ودفء وشائج أهل المحلة وألفة الشوارع والأزقة حتى سميت البصرة وقتذاك بمدينة الشناشيل وخلدها شاعرها السياب بديوانه «شناشيل ابنة الجلبي». لم يلجأ المعماريون والبناءون قبل أكثر من ثلاثة قرون الى هذا الطراز من بناء البيوت التي يدخل الخشب في معظم تصاميمها لاسباب تتعلق برخو الأرض وعدم قدرتها على تحمل الطوابق العليا وقتذاك فحسب بل لتداعيات مناخية وجمالية ساهم توفر الخشب الذي يصل إلى البصرة عن طريق البحر وبما يمنحه من حرية الحركة وسهولة التحكم ومرونة التشكيل إلى اعتماده وبما يرضي الذوق العام ويجعل من ابرز أنواع هذه التصاميم للشناشيل ما كان يطلق عليه «المقبط وأبو الستارة والمخطط وأبو البالكونات».
مراعاة للحالة المناخية
وتلف هذه البيوت من رواق ممتد من داخل الباب الرئيسي الى باحة الحوش الذي تتوسطه نافورة محاطة بعدد من الشجيرات او السناديل وتطل عليها أبواب الغرف وشبابيك غرفة الضيوف التي يكون بابها قريبا من الباب الرئيسي ولا تخلو هذه البيوت من غرف أسفل الدار تسمى السرداب الذي يصل اليها من واحة البيت سلم خاص وتستخدم عادة للنوم عند اشتداد الحر وسلم آخر للصعود الى الطابق العلوي الذي يطل على الباحة وتحيط به اسيجة خشبية مزخرفة ترتكز شرفاتها على أعمدة خشبية طويلة فيما لا يخلو أي بيت من مخزن للمؤن ومطبخ يحدد مكانه في نهاية الدار وتلتصق به غرفة للخدمة إضافة للحمامات ومكان لصنبور الماء. وقد راعى المعماريون الحالة المناخية للبصرة التي تكون معظم أيامها مشمسة إضافة الى ارتفاع الرطوبة في الرياح القادمة من الجنوب الشرقي فجعلوا الجدران مبنية من مادة الآجر تطل منها الشبابيك من جهة الشمال كما استخدموا الطابوق في تقبية الأشكال الدائرية عند المداخل فيما تبلط أرضية البيوت بنوع خاص من الطابوق المربع يسمى «الفرشي» حيث يحتفظ بالبرودة مدة طويلة بعد رشه بالماء واستخدموا الجص لزخرفة الجدران والسقوف بأشكال جمالية متداخلة تكون أكثر جمالا في الشرفات.

ولسكنة الشناشيل حديث آخر!!
احد سكنة الشناشيل (ابو حسن) قال "كان بيتي على مقربة من منطقة الشناشيل وقصف إبان الحرب الأخيرة عام 2003 ما اضطرني إلى أن أسكن في أحد هذه البيوت التراثية" وقالت السيدة نجاة علي " ليس لنا معيل وكنا نسكن بالإيجار إلا أننا بعد الحرب وجدنا مبلغ الإيجار صعباً علينا ما حدا بنا إلى التجاوز".
وقال المواطن أبو سمير "الدولة أخلت بعض البيوت لإعطائها إلى اتحاد الأدباء أو البيت الثقافي في المحافظة ، وهاتان المؤسستان تتناسب طبيعة عملهما مع هذا النوع من البيوت. ولا أظن أن هناك مؤسسات حكومية أخرى يمكن أن تستفيد منها».
وأضاف:" نتمنى على الحكومة أن تدعنا في هذه المنازل كونها بيوتا لسكان سابقين وهي اليوم بيوت لسكان معوزين وبالإمكان الإبقاء على عدد قليل منها للحفاظ على التراث".

المدى- البصرة/ ريسان الفهد

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced