هواجس البصراويات
نشر بواسطة: Adminstrator
الإثنين 03-08-2009
 
   
الاسبوعية
صمت السلاح وبقي الخوف
نشأت لميس منشد في بيت يعشق الموسيقى، يعج بآلات الطبلة، والقيثارة، والغيتارات المحفورة حديثاً، وسط اريج الخشب المقطوع حديثاً، والذي ينتشر كرائحة البخور في أرجاء المنزل. غير ان هذا كان قبل ان تسيطر الميليشيات على مدينة البصرة، وتحرّم معظم انواع الرياضات والموسيقى، وتجبر النساء، مثلها، على ملازمة منازلهن، انه الخوف يستوطن البصرة بعدما صمت السلاح.

تقول لميس ابنة الـ26 ربيعاً عن المهنة- الرسالة التي أُجبر والدها على تركها، مما اسفر عن سحق مدخول الاسرة: تلك كانت مورد رزقنا ومعيشتنا. ومع ان الوضع الأمني قد شهد تحسنا ملموساً، الا ان والدها يخشى عودة الميليشيات، ويتريث في استئناف عمله السابق، لكن لميس، على الاقل، تمكنت من استئناف دراساتها، ومن المشي في الشوارع، ومن جديد تجرأت على الحلم.
حتى مع رحيل القوات البريطانية عن البصرة، فإن حياتها لا تزال بعيدة جداً عن «اليوتوبيا» التي شهدتها عندما اجتاحت دبابات تشالنجر المدينة، للمرة الاولى قبل ست سنوات. في هذا تقول: عندما دخل البريطانيون أولاً البصرة كان رد فعل السكان تجاههم جيدة، ثم بدأ يتغير بسبب اختلاف الايديولوجيات، والغرباء الذين قدموا الى العراق لتصفية حساباتهم مع اميركا ومع الشعب العراقي، ونحن كنا الضحايا. وقبل فترة حكم صدام، وحتى خلالها، حقق العراق نقلة نوعية على صعيد تعليم المرأة، حيث كانت النساء المثقفات والمؤهلات يحصلن على مناصب رفيعة في الادارات الرسمية، بالاضافة الى المجالين الاكاديمي والطبي. وكان العراق يعتبر مركزا متقدما للتعليم في المنطقة، وبلداً متحضراً وتقدمياً نسبياً، وكانت النساء في بعض الدول المجاورة يأملن في وصول بلدانهن الى مستواه.
غير انه لم يكن من السهل ابداً، ان يكون الشخص امرأة تعيش في البصرة. فخلال حكم صدام، كانت القيود المفروضة على النساء في هذه المدينة الجنوبية، اقسى بكثير مما كان مفروضا على زميلاتهن في مدن عراقية اخرى.
لقد كان مجتمع البصرة متأخرا بصورة دائمة عن ركب المجتمعات في المدن العراقية الاخرى، وذلك على مختلف الصعد والمستويات. وعندما جاء البريطانيون في العام 2003، خيل للناس، في البدء، ان الامور قد تتبدل نحو الافضل. وتقول بسمة الوائلي، العجوز البصراوية: كان جميلا ان نعرف انه لم يعد ثمة دكتاتور يسيطر علينا. لكن بعد مرور سنتين تقريبا، انسحب الجنود البريطانيون الى قواعدهم، وسارعت الميليشيات الى ملء الفراغ، وجلبت معها التعاليم المتشددة، والتي جعلت الحياة شبه مستحيلة بالنسبة الى البصراويات. واجتاح المسلحون المدينة والمناطق المجاورة لها، الامر الذي حوّل المحافظة كلها، الى اكثر المناطق عنفا في العراق. ولم يعد في الامكان الحصول على العديد من وسائل العيش الاساسية، وكان على الطموح ان ينتظر. ولكن امكانية التحسن بدأت اليوم، من جديد، تتسلل الى عقول النساء.
الدكتورة نسرين سالم (38 سنة) التي تعم في مستشفى البصرة، تقول: لقد عانينا كثيرا. فخلال 35 سنة لم نكن قادرين على التعبير عن آرائنا. ومنذ العام 2003، حصل تغيير جذري، لكننا لا نزال نتألم. الامر يشبه ولادة طفل فهو يأتي من الظلام الى النور. والآن بدأنا نفكر في الدراسة والسفر، والتعلم اكثر من الباحثين والخبراء.
وتوضح سالم انها تشعر بمعارضة اقل من جانب المجتمع، هذه الايام، لدورها كطبيبة. وتقول: اعتقد ان النساء يتمتعن اليوم بحوالي 80 الى 90٪ اكثر من التحرر مما كان الامر عليه في السابق. ولقد امسكت النساء البصراويات بحرياتهن، ونجحنا بطرق متعددة، في تحطيم السلاسل التي كانت تكبلنا في الماضي. لقد منحنا البريطانيون الامن والكرة الآن في ملعبنا.
غير ان الكثيرات من النساء لا يتحدثن بمثل هذه الآمال، ويعتقدن ان العادات العشائرية والقوانين الاجتماعية المتزمتة قد ازدادت شرعيتها، بفضل التطبيق القسري للشرع المتشدد خلال اربع سنوات.
اما الهام الزبيدي المحامية (33 سنة) فقالت ان القوات المنسحبة كانت سبباً لبعض ردات الفعل الرجعية في المجتمع. وتضيف قائلة: كانت قوات التحالف مسؤولة عن اجتياز الارهابيين حدود بلدنا، وتحويل الشوارع الى مقابر للعديد من النساء والاطفال.
من ناحيتها، قالت اسراء محمد الربيعي وهي طالبة علوم، عمرها 22 سنة: ان ارادة العراقيين في انقاذ حياتهم مكنتهم من الوقوف مجددا على اقدامهم، ولكن سيكون علينا محاربة الجهل، والاحكام المسبقة في مجتمعنا. وسوف ننجح... فبعد 2004- 2005، كان الامر صعبا جداً على النساء كما على الرجال، بحيث تراكمت الاعباء الاضافية على الاثنين. وكان الناس يعانون من تعب نفسي قاتل، فيما كانت الرعاية الصحية مفقودة ومدمرة. ولم يكن هناك اي امل... لكننا نجحنا... وبلدنا سوف يبقى دائما خلاّقا ومتجدداً. واضافت: كانت البصرة مدينة حزينة طوال السنوات الست الماضية. وكل ما كنا نسمعه كان متعلقا بمصرع اشخاص نعرفهم. وكانت اصوات الرصاص والاشتباكات تدوي في كل مكان، ومشاكل كثيرة كانت تعترض النساء. ولا يمكن لأحد ان يتصور عدد النساء اللواتي قتلن، غير انه اصبح في وسعنا القول اليوم ان الجزء الاكبر من الخطر قد زال، وآمل ألا يعود ثانية.
اما انتصار سالم (48 سنة) المدرّسة في احدى مدارس البصرة، فقالت ان كسر قبضة الاسلام الاصولي كان منطلقا لقيام حركة تجديدية تراها اليوم. غير انها اردفت تقول ان المواقف ووجهات النظر يجب ان تتبدل، من اجل الحفاظ على المكتسبات الحاصلة، واضافت: نريد فصل الدين عن الدولة في العراق، ولا نريد التمييز بين العراقيين، استنادا الى القومية او الدين، او الجنس، او الاصول، نريد المساواة بين جميع السكان في العراق، كما نريد المساواة للنساء.

الطريق الطويل
ولا يزال الطريق طويلا امام المرأة العراقية. وتقول الوكالات الدولية المتخصصة ان 18٪ من النساء تشاركن في اليد العاملة في العراق، وان 24٪ من النساء اميات. ونسبة الامية لدى النساء تساوي ثلاثة اضعاف الامية لدى النساء اللواتي تتخطى اعمارهن الخمسين سنة، في حين ان حوالي 18٪ من الفتيات العراقيات اللواتي تتراوح اعمارهن بين 18 و29 سنة، لا يجدن القراءة او الكتابة. وتقول كريمة صابر (34 سنة) وهي ارملة وام لثمانية اطفال: بناتي توقفن عن الذهاب الى المدرسة. توقفن لانني لا استطيع تسديد اقساطهن. غير ان ابناءها الثلاثة لا يزالون يذهبون. من جهتها تقول منى مسعود، رئيسة رابطة النساء العراقيات: ان التعليم تعرض لضغوط مزمنة لأن العديد من المدرسين هربوا والعائلات التي امتنعت عن ارسال اطفالها الى المدارس، تريد اليوم تعويضهم السنوات الضائعة. وهنا تقول منى: لا توجد روضات اطفال جديدة، والمدارس مزدحمة كثيراً. وهناك ثلاث نوبات من التلاميذ في كل مدرسة يومياً. لكن الميليشيات والعمليات العسكرية احدثت فوضى في قطاع التعليم.
كذلك، فإن التدريب المهني يتعرض للضغوط ايضاً. ونساء كثيرات في حاجة الى العمل لأن رب العائلة قتل لكن عدد مراكز التدريب قليل جداً، ولا يكفي لتلبية الطلب.
وتقول مسعود: امام النساء الآن فرصة اكبر للمشاركة، لكن هناك حصة محددة. ونحن نعلّم النساء على كيفية استخدام الحاسوب (الكمبيوتر)، وعلى الخياطة وتصفيف الشعر، وهذه مشاريع صغيرة، لكنها تشكل بداية لمشاركة اوسع.
اما كريمة حسن، الموظفة في مكتب الشؤون الاجتماعية في بلدية البصرة، فتقول: بدأت اعداد كبيرة من النساء في التوافد الى مركزنا طلباً للعمل، وكثيرات منهن ارامل، ولا يطلبن المال، بل العمل. وهناك عدد قليل من التقديمات المالية الموفرة من جانب الحكومة، وهي لا تكفي لسد الحاجة. وتضيف: نحن نجرب وسائل كثيرة لتخفيف تداعيات البطالة، كما نعمل على تخفيض نسبة الامية. وقد بدأ مجتمع البصرة يتقبل فكرة عمل المرأة لمساعدة الرجل، واجور النساء تحسنت، لكن ليس بشكل كبير.
هذا الوضع يبعث على الارتياح لدى طلاب، مثل هبة كريم (21 سنة) وتكمل دراستها في معهد وسط البصرة، لكنها لا تزال قلقة بشأن مستقبلها في العراق الجديد. وتقول: وما زال لدينا العديد من المخاوف. وعندما اذهب الى المعهد، ارتدي الحجاب، لأنني اخاف كثيرا من الاحزاب المتشددة، لكنني استطيع التعلم والدراسة، وآمل الحصول على وظيفة. والأمن بدوره شهد تحسنا ملحوظا هنا. والحرب الفعلية التي استهدفت النساء انتهت، غير ان مخاوفنا لا تزال موجودة لأن مجتمع البصرة هو مجتمع قبلي، وتحكمه قيود دينية وتقاليد عشائرية. لكن، في وسعي القول ان المرأة في البصرة قد بدأت اخيراً تتنشق رائحة الحرية.
اما سهى عباس (24 سنة) التي تخرجت في الهندسة، مؤخراً، فلا تزال تبحث عن عمل، منذ سنتين بعد نيلها الشهادة الرسمية، وهي تقول: الشابات هنا يواجهن المشاكل عينها التي تواجهها النساء العراقيات الاخريات، معظم الشركات تفضل استخدام الرجال فقط، ولا علاقة لنا بتكافؤ الفرص، صحيح ان الوضع الأمني تحسن، لكن ليس في كل مكان، وقد يبدو الامر غير قابل للتصديق، اذا قلنا ان طبيبات ومدرسات وناشطات قتلن، في بعض المناطق، لانهن لم يرتدين الحجاب. لكن هذا الامر صحيح، ففي البصرة تستطيع المرأة الذهاب الى المعهد، او العمل لكنها لا تستطيع قيادة السيارة، او الخروج مساء او ممارسة الرياضة.

تراث من العنف
وتقول اسماء عبد المجيد (32 سنة) وهي مدرسة لغة عربية، ان المكتسبات الشحيحة لن تكون ذات فائدة تذكر بدون مقاربة ثورية لتبديل قرون من التقاليد، والقبول الأعمى بالجرائم ضد النساء، مثل العنف، الذي لا يزال مستشريا في مجتمع البصرة.
وقد اظهر التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، ان خمس النساء المتزوجات، في انحاء العراق، تعرضن لاعمال العنف. ومحاكمة زوج عنيف، امر غير وارد تقريبا في العراق، وذلك بسبب امتناع المرأة عن جلب العار الى اسرتها من خلال ذهابها الى الشرطة، وبسبب بعض القوانين المجحفة التي تتطلب وجود شاهدين اثنين لتدعيم اي ادعاء.
زينب الزبيدي (40 سنة) المشرفة على ادارة جمعية نسائية خيرية في البصرة، تقول: العنف يشكل معضلة كبيرة للغاية، خصوصا لدى العشائر. ولقد اسسنا شبكة لمواجهة العنف ضد النساء، لكن ثمة دورا يجب ان تلعبه المرأة بنفسها، فإن كانت لا تريد التغيير بتلقائية فكيف نستطيع نحن تغييرها؟
لكنها تستطرد الى القول: اذا كان عليّ ان اقارن او اختار، فإنني افضل الحياة كما هي الآن. ونحن نعرف انه لا بدّ من تقديم التضحيات... وهذا هو الثمن الذي ندفعه مقابل شيء نريده بالفعل، وهو الحرية. وهذه الحرية استحقت كل نقطة دم سقطت فوق هذه الارض. انها مصيرنا ومستقبلنا. النساء في العراق اصبحن أكثر ظهورا فوق العديد من المنابر. انهن في حاجة لذلك، كما انهن وصلن الى هنا عن جدارة.

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced