سوق الصفافير في بغداد.. بريق ضائع وسط المشغولات الرخيصة وغياب السياح
نشر بواسطة: Adminstrator
الخميس 06-08-2009
 
   
الشرق الاوسط
على مدار مئات السنين، كانت «سوق الصفافير» الشهيرة في بغداد تعتبر وكأنها أرض مقدسة. فقد كانت أعداد لا حصر لها من الآباء والأبناء يصوغون النحاس في شكل أواني وأطباق ومصابيح في هذا الشارع الضيق المخصص للمشاة، الذي أصبح الآن مكانا لمحلات المشغولات الجاهزة بدلا من محلات النحاسين.
ويقول هؤلاء الباقون إنها مسألة وقت قبل أن تختفي محلاتهم القليلة خفيضة الضوء التي تمتلئ بالأزاميل والمطارق والمسامير وقواطع المعدن الصدئة والجدران المتسخة. ويجلس الحرفيون على مقاعدهم الصغيرة أو يقفون من دون أحذية على الورق المقوى وهم يسحقون قطع المعدن ويعلمون أن مهنتهم توشك على الانقراض، وأنهم ينتمون إلى هذه الطريق الضيقة المنحدرة ذات الجدران الصفراء بالاسم فقط.
ويعكس ذلك واقع العراق الذي يناضل وسط الحروب والعقوبات والانعزال وتجفيف الإرهاب. والضربة الأخرى القوية تمثلت في البضائع النحاسية المستوردة الرخيصة من المصانع. ويبلغ سيد زعير أبو حيدر 43 عاما، وقد نشأ في هذه السوق، وترجع ذكرياته الأولى إلى الزيارات التي كان يقوم بها أثناء العطلة الصيفية من المدارس. وهو الآن يحط من قدر هذه التجارة ويسخر من أوهام الفخر التي يشعر بها الرجال الكبار وبعض الشباب ممن يعملون في هذه المهنة. ويقول متحدثا في مكان أعلى المحل الأصلي للعائلة تم بناؤه عام 1963، «ليس هناك بيكاسو هنا». وهو يتذكر كيف أن الأجانب كانوا يشترون التحف من السوق التي تشتهر بمصابيح الزيت دقيقة الصنع واللوحات التي كانت تتزين بآيات القرآن الكريم التي كتبت بخط رائع. ويقول عن أيام طفولته: «لقد كنا نبيع أي شيء نضعه في المحل». كما كانت المكاتب الحكومية تبعث بطلبات خاصة للحصول على الهدايا. وفي ذلك الوقت، كانت السوق تبقى مفتوحة في المساء، والآن، فإنها تغلق أبوابها في وقت مبكر من المساء. فقليل من الأفراد، سواء كانوا عراقيين أو أجانب، يأتون للشراء. وعندما كان مراهقا، قام أبو حيدر بصياغة أول عمل نحاسي له، لكنه استدعي للقتال على الجبهة الإيرانية. وعندما ترك الجيش ورجع إلى بغداد بعد ستة أعوام في عام 1992، استقر في عمله التجاري وبدأ في صنع الأشكال النحاسية مرة أخرى. وعند ذلك الوقت، بدأت السوق في التدهور التدريجي. ويقول أبو حيدر «إنني ما زلت أعمل نحّاسا لأنني لا أعلم حرفة أخرى أستطيع القيام بها. وبسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، فإن معظم النحّاسين قد قاموا ببيع محلاتهم». وهو يسخر من الأخبار الأخيرة الخاصة بمبادرة الحكومة للاحتفاظ بالشارع. وقد أخبره مسؤولو البلدية أنهم سوف يقصرون العمل في هذه الطريق الطويلة على المشغولات النحاسية فقط. ولكنه يقول إن الوقت قد فات بالفعل: «لقد مات النحاسون الكبار أو تركوا العمل، كما نأى أقرباؤهم عن العمل في هذه التجارة، حيث يملأون محلاتهم بالمصنوعات والمشغولات الجاهزة». ويقول: «هل سيعيدون النحاسين من قبورهم مرة أخرى؟ لقد مات معظمهم. وأولادهم ليسوا نحاسين حقيقيين. وقد بدأ معظمهم في العمل كسائقي أجرة وفي وظائف حكومية».
ويعتبر الحاج حسن أبو تراب من أشهر النحاسين الذين يعرفهم أبو حيدر، وقد عاش حتى تخطى عمره 90 عاما. وقد قام المعجبون به بطباعة صورته على علب أعواد الثقاب. بل إن الرئيس السابق صدام حسين قد زار محله في إحدى الزيارات. ولكن لم يبق أثر لأبي تراب. فقد باع أبناؤه محله منذ وقت طويل. والسوق الآن ممتلئة بالأطباق والأواني النحاسية التي تطرحها المصانع الإيرانية والصينية والهندية، وهو ما يمثل ضربة أخرى لأصحاب هذه الصناعة. فالقطعة التي كانت تأخذ من أبي حيدر نحو يومين لصنعها، تقوم المصانع بصنع الآلاف منها في ساعة واحدة. ويقول: «إن القليلين هم الذين يفضلون القطع المصنوعة يدويا. أما هؤلاء فإنهم لا يريدون إلا شيئا براقا وحسب». ولا يرغب أبو حيدر في أن يقضي ولده طيلة حياته مكافحا في هذه السوق. ويقول: «أريد أن يكون ابني طبيبا أو مهندسا».
وعلى الرغم من هذه الإشارات التي لا تبشر بالخير في هذه السوق، فقد انضم بعض من ينتمون إلى الجيل التالي إلى هذه الصناعة. ويقول أمير صفير الذي يبلغ من العمر 18 عاما إن السوق تجري في دمه، ويتفاخر بأن عائلته كانت موجودة هناك قبل 250 عاما. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يتوقع أن تستمر هذه السوق. وهو يذكر أنه تبقى في السوق نحو 60 إلى 70 نحاسا، قبل أن يقل عددهم إلى نحو 20 فقط. وقد باع 6 من أقاربه محلاتهم. ويأمل صفير أن يأتي السياح الأجانب مرة أخرى إلى هذه السوق، ولكنه عندما ينظر حوله في السوق يشعر بالخجل لوجود برك مياه الصرف والقاذورات الملقاة. وهو يتوقع أن يضحك السياح إذا شاهدوا ذلك. إنه يرغب في أن تنتقل سوق النحاس إلى المنطقة الخضراء في بغداد أو منطقة المطار، أو أي منطقة حديثة ونظيفة. وفي المساء، يقوم صفير بعمله الثاني في مطعم عمه لأنه يحتاج إلى المال. ويقول وسط مصابيح الزيت المضيئة والشمعدانات: «أقول لوالدي في بعض الأوقات إنني آسف لأنني احترفت هذه المهنة».

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced