مقتدى الصدر يستعرض في لقاء مع المدى آراءه الصريحة في السياسة والدين و"كبح جماح الدكتاتور"
نشر بواسطة: Adminstrator
الثلاثاء 26-03-2013
 
   
المدى
أجرى الحوار في بيروت: سرمد الطائي

اللقاء بالصدر (القسم الأول):
الموقف المعادي للمظاهرات يجب أن يتوقف وخصوصا أن المعادي هو الجهة السياسية العليا في البلد والتي من واجبها الأبوّة والأخوّة، فالعراق ليس أمانة بيد المتظاهرين فحسب بل هو أمانة بيد "رئيس الوزراء" أيضا.

الموقف المؤيد للمظاهرات لابد أن يكون منطقياً لا عاطفياً حتى لا تزيد الأوتار الطائفية والنفس التفردي في المتظاهرين وقياداتهم.

لابد أن نتواصل مع المتظاهرين، بل يجب على المتظاهرين أيضا الوصال معنا وكفاهم "هجرانا".

لعل التيار المتشدد من المتظاهرين لم يكن مطلبه إسقاط النظام في البداية إلا أن الجهة التي راحت تعادي التظاهرات (الحكومة) صارت سبباً حرض المحتجين على زيادة وتيرة مطالبهم شيئاً فشيئاً.

في اجتماعي الأول بالأخ البارزاني كنت أشعر بصدق بين ثنايا كلماته ولعله كان يبادلني نفس الشعور، وكلامنا لم يكن مجرد لقلقة لسان أو حواراً سياسياً بحتاً، بل أسس إلى مرحلة من التوافق العربي الكردي طويلة الأمد وإن اختلفنا ببعض الأمور السياسية.

لقاء "أربيل- النجف" تضمن أول لقاء بيني وبين الأخ النجيفي، وأظنه حواراً قد أسس لمرحلة جديدة تتحلى بالأخوّة والصدق.

قرار سحب الثقة كان جريئا فتح الباب لمعارضي الدكتاتورية على مصراعيه، ليكونوا قادرين على إبعاد ذلك الشبح عن عراقنا الحبيب مستقبلا.

إنني مطمئن إلى أن زيارة أربيل أكسبتني شريكاً حقيقياً وستراتيجياً ولله الحمد.

هل أخسر جزءاً من جمهوري بسبب مواقفي الأخيرة؟ إن هناك تيارات سياسية صاحبة نفوذ إعلامي و سياسي كبير يتأثر بها بعض من حولي، لكثرة الكلام والإشاعات التي قد يلين منها الحديد، لكن أنا آمل بالجهة الشعبية لاسيما المحبون لآل الصدر، إنهم لن يحيدوا عنا.

بعض قراراتي قد تنفّر البعض منا، إلا أنها تفتح بابا آخر، فمن أصحاب العقول النيرة والمحايدين الوطنيين من يتأثر إيجابيا بقراراتي الوطنية ، وهذه أيضا نعمة من رب العالمين.

الفكر السياسي للتيار الصدري لم يشهد تطوراً لكنه شهد انفتاحاً على التيارات الأخرى مما أدى إلى علمهم بأفكارنا ومتبنياتنا فصارت معلوما عندهم بعدما كانوا يجهلون ذلك عنا.

البعض قد يتعجب حين يرى أن الإسلامي يعارض التفرد والاستبداد ويميل إلى دعم التعددية السياسية، لكن عليهم أن يعلموا أن ذلك هو بالضبط نهج التيار الإسلامي الصحيح.

لا يمكن فرض الحكم الإلهي على شعب يرفضه إلا عبر الطرق الأخلاقية أو التثقيف، وإلا فترك ذلك أفضل من أن نستعمل الحكم الإلهي بطريقة تنفّر الآخرين.

لا يمكن للحاكم أن يتفرد بالحكم حتى لو اختاره الشعب على نحو الأغلبية، فلو كانت هناك جهات شعبية أخرى لم تختره فلا ينبغي إغفالهم على الإطلاق.

إن كانت الديمقراطية توصل إلى الحكم من هو ليس أهلاً له فلابد أن يكون فيها باب ديمقراطي للخلاص من ذلك الحاكم الذي قد يكون خالف أسس الديمقراطية.

أكثر ما نخشاه هو أن تكون الديمقراطية باباً لحماية الدكتاتورية، وهذا طغيان للديمقراطية: وتكون الفائدة الوحيدة منها "دمقرطة الدكتاتورية" و"دكترة الديمقراطية".

■ إنه واحد من أصعب اللقاءات السياسية وأكثرها إثارة في تجربتي مع مراكز القوى الدينية والاجتماعية والسياسية خلال 16 عاما من الكتابة. وربما كنت بين عدد من المراقبين، الأكثر تحمساً لرصد سليل أسرة الصدر التي ظلت منذ نهاية العصر العباسي، في صدارة الأحداث الكبرى في العراق وإيران ولبنان.
ومنذ ذهابه إلى أربيل في أيار 2012 كحدث باغت كثيرين، وأنا أطلب من مكتبه الخاص لقاءً برسم التعرف عليه وجهاً لوجه، والإجابة تتأخر. حتى فاجأني نهاية الشهر الماضي وفي نهاية يوم عمل شاق، اتصال مهذب من الشاب النابه أحمد الصدر، نجل الشهيد مصطفى محمد صادق الصدر. يسأل: هل تأتي للقاء سماحة السيد؟ أجيب أنا: أكيد. يقول: حتى لو كان الموعد بعد بضع ساعات في بيروت؟ أسأل وأنا في بغداد: كيف؟ ثم يتكفل هو بالباقي، ويرتّب أسرع سفر جرّبته في حياتي.
وخلال ساعات أجد نفسي في لقاء مع الصدر وبعض أفراد أسرته وهم "بقية السيف"، وعدد من الشباب الذين يمثلون قيادة التيار الصدري. وقد لاحظ كما بدا لي، أنني انتظر "استكشاف" الجو وقد اكون تائها في أسئلة كبيرة وكثيرة، فلم يتركني غارقاً في الصمت. وكسجية لمسها الجميع في أسرة الصدر، راح يرفع الكلفة ويمازح جلاسه بتواضع وذكاء، ثم يلتفت إليّ ويسأل: يقولون إنك تصرّ على نقد الأخ نوري المالكي كل يوم "شعندك ويه المالكي؟". ثم يعتدل في جلسته ويسأل نفسه بحزم وبصوت نسمعه جميعا "أنا أيضا، شعندي ويه المالكي؟" ويفتح الباب للحديث عن ضرورة التقويم القصوى، وضرورة أن لا نسكت، قائلا إن هناك فرصة أمام رئيس مجلس الوزراء كي ينصت إلى حديث المعترضين الحريصين على التجربة الجديدة.
وقد بالغ زعيم التيار في إشعاري بأنني "لست غريبا". فقد وجدت نفسي داخل نقاشات (بلا أي خط أحمر) تجري بينه وبين قياداته الشابة، وأخذ يفضفض ويدلي بآراء ظلت مكتومة، حول تيار إيران الإصلاحي ومحمد خاتمي "صهر أسرة الصدر" وأزمة سوريا ورؤيته للحضارة الغربية ونوع الكتب التي يطالعها، وحبه لأسلوب رواية "عزازيل" للمصري يوسف زيدان وهي تتحدث عن راهب مسيحي تتنازعه أسئلة اللاهوت وصدمات الفلسفة العقلية.
قلت للصدر: إننا نمثل اتجاها ليبراليا واضحا، ونكتب في الوقت نفسه عن مواقفك بفرح، خاصة محاولتك ردم الانقسام الطائفي في أزمة مظاهرات المنطقة الغربية، وأنت زعيم تيار مثير لجدل واسع عند الإسلاميين والعلمانيين. فوسط صمت معظم الزعامات كان الصدريون وزعيمهم، الأوضح صوتا.
ولم أجد منه ولا من فريقه السياسي، أي صدود. بل ظهر انهم على استعداد لتدشين انفتاح كبير على "الآخر الثقافي"، بنفس الحماس الذي حملهم نحو أربيل قبل نحو سنة إذ كان حضورهم مع الكردستاني والعراقية سببا لاكتمال أول تحالف سياسي عابر لحاجز القومية والطائفة والايديولوجيا.
نعم، يبدو الصدر في بياناته ومواقفه، وما سيلمسه القارئ الكريم في حواره مع "المدى" هنا، فرصة لقاء نادر بين الطوائف. كلامه يكسر أكثر من ممنوع، ويخرق أكثر من تقليد، والجرأة على قول الجديد خصلة في أسرته كلها. لكنه ينتظر أن يبادله الآخرون الجرأة أو المخاطرة نفسها، وهي فرصة لإطلاق أول حوار كبير بين الطائفتين، والقوميتين، كمدخل إلى كل المكونات والتيارات الأخرى. ولعل المهم في هذا أن نلتقط جميعا فرصة إطلاق حوار متأخر كثيرا بين الديني والعلماني.
أقول له إننا ننتظر أن نسمع منه الكثير. وهو يرد: "أنا راغب بالحديث أيضا. لكنني أرفض على طول الخط الحديث للجرائد، وأقتصر على التصريح التلفزيوني أو البيان المكتوب، طلباً للدقة وحذراً من تحريف القول". أرد أنا محاولا تقدير مسؤولياته الدينية والاجتماعية: سأترك عندكم أسئلة وأظل أنتظر الإجابة، وسننشر ما تكتبون حرفياً. وكانت أول استجابة منه لطلب كهذا، وكان هذا الحوار الذي ننشر اليوم قسمه الأول، الذي يتضمن أكثر من مفاجأة، وأكثر من رأي صريح ينشر لأول مرة ويفتح باب سجال جاد ومصيري، بعيد عن الترف.
إن هذا الحوار ينشر في لحظة مثيرة. التيار الموصوف بالراديكالية، يحظى لأول مرة بتفهم كبير وتتحمس له في الوسط الثقافي والأكاديمي والاجتماعي أسماء بارزة، بحثا عن شراكة "مدنية دينية" في مجال دعم التعدد السياسي والثقافي في العراق ومحاولة أن نجيب على سؤال: كيف ينبغي منع ظهور دكتاتور آخر؟
إن الرهان يكبر، وستتسع دائرة التفاهم كلما كبرت المفاجآت. فالتيار وزعيمه، شباب من ذلك الجيل العراقي الذي فتح عينيه على البلايا الكبيرة والحروب. الصدر المولود مطلع السبعينات، ينتمي لجيلنا الذي لم ير شيئا سوى "كل الحروب"، وبدأ اليوم يجتاز بوابات السلطة مسؤولا ومعترضا وصانعا للسياسات. إن التيار الصدري أكثر من مجرد حزب. إنه وجه بارز لجيل عراقي يواجه اليوم اختباره الكبير. جيل يخرج من رماد الحروب، من "قبر الدكتاتورية" إلى "عراء الديمقراطية"، والدنيا تراقب بحذر كيف يتم عبورنا الكبير من "لعبة القبر الصامت" إلى قواعد الانفتاح والتعدد.. وهو العبور الأكثر إيلاماً عبر تاريخ كل الأمم.
إن إجابات الصدر تحمل لون دماء عائلته وآلامها وآمالها، ودماء العراقيين التي سالت وتسيل، وتستشعر أن الرسالة هي دوما، وقف الدم وضرورة أن نعثر في لحظة على صيغة الاعتدال، وضرورة أن ننسى ونسامح، جميعا، لنتصالح بعمق. هل لديكم أو لدى الصدر خيار سوى هذا؟ وهل بقي لدينا أو لديه، وقت يمكن تضييعه؟
■  كل عراقي مناصر للاعتدال يثمن مساعدتكم ابناء المنطقة الغربية على تنضيج مظاهراتهم. ويتمنى ان تواصلوا نصحهم. تدخلكم يقوي تيارهم المعتدل. وصمتكم وصمت باقي الطبقة السياسية يتيح للمالكي استفزازهم وجرهم لفعل طائفي يسيء لهم وللجميع. كيف وجدتم مستوى التواصل بين الجانبين في الاونة الاخيرة؟

-  لعل المواقف إزاء تظاهرات المنطقة الغربية ـ كما يعبرون ـ قد تباينت فكانت على عدة مستويات:
      المستوى الأول الموقف المعادي، وهو بدوره ينقسم إلى أكثر من منحى واحد:
1.    الأول: المنحى السياسي: وهي المواقف التي تصدر من السياسيين ضد هذه التظاهرات الشعبية ذات المطالب السياسية بنظرهم، باعتبارها تريد إلغاء مقررات سياسية.

2.    المنحى الشعبي: وهو عبارة عن مواقف شعبية عاطفية تميل إلى ذوي العقيدة المتشابهة وتنفر من ذوي العقائد المختلفة، وفي هذا المعنى يطول الكلام لأن أغلب الشعب العراقي قد تجذرت في عقولهم بعض الأفكار التشددية بعض الشيء، ولعل السبب الرئيسي في ذلك ابتعادهم عن المرشد الحق أو وجود القادة المؤججين لذلك.
      المستوى الثاني: الموقف المحايد: وهي الأصوات التي إما أن تكون معتدلة أو الأصوات التي تنأى بنفسها عن التدخل في تلكم الأمور لانشغالها بالأمور الاقتصادية والتجارية أو المعيشية والحياتية العامة، أو لعلها صاحبة موقف سياسي محايد وما أندرهم بحيث لا يميل إلى هنا وهناك لأغراض أو سياسات معينة، إلا أن ذلك يمكن إدراجه في خانة العدم.
المستوى الثالث: الموقف الساند أو الداعم أو قل المتعاطف مع فكرة التظاهر أو الراضي بالمطالب وغيرها من الأمور.
وإنني ربما أجد السكوت بمثابة الالتحاق بالمستوى الأول المعادي للتظاهرات، ولو تدريجياً. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن هناك مستوى رابعاً يمكن الحديث عنه، قد يختلف جوهريا عن باقي المستويات ألا وهو الموقف الراشد أو المرشد أو المساعد أو المثقف لهؤلاء المتظاهرين الذين هم بأمسّ الحاجة لا إلى تطبيق مطالبهم فحسب، بل إلى قلب حنون ينظر إليهم بعين الأخوّة والأبوّة لينتشلهم من شرذمة يخافهم أكثر من هم تابعون لهم من أناس بينهم، وهذه الشرذمة لا تريد إلا التشدد والعنف والعياذ بالله.
فهذا الموقف وإن كان من ضمن المستوى الثالث (المساند والمتعاطف) إلا أنه فوقه رتبة، فلابد من تواصل هذا المستوى مع المتظاهرين عبر اللقاءات المباشرة إن أمكن، وإلا عبر البيانات والزيارات والوفود وماشابه ذلك.
وهذا وإن بات أمرا صعبا إلا أنه مطلوب لكي لا يتصاعد الحس الطائفي في قلوب المتظاهرين، ولا سيما إذا كان ذلك الفرد أو الجهة من غير طائفتهم، فبالضرورة سيكون تواصله ماحياً للحقن الطائفي لا محالة.
وعموما فإن الموقف المعادي للمظاهرات لا يجب أن يستمر وخصوصا إذا ما نظرنا إلى أن المعادي هو الجهة السياسية العليا في البلد (الحكومة) التي من واجبها الأبوّة والأخوّة، فالعراق ليس أمانة بيد المتظاهرين فحسب بل هو أمانة بيد "رئيس الوزراء" أيضا.
وأما الموقف المحايد إزاء المظاهرات فقد يؤدي في النهاية إلى نتائج لا تحمد. وأما الموقف الموالي المساند فلابد أن يكون منطقيا لا عاطفيا حتى لا تزيد الأوتار الطائفية والنفَس التفردي في المتظاهرين وقياداتهم.
ولابد للموقف المرشد أن يتواصل مع المتظاهرين، بل يجب على المتظاهرين أيضا الوصال معه وكفاهم هجرانا.
■ الخط المعتدل في المظاهرات يقول إنه يتعزز كلما صدرت إشارة إيجابية منكم أو من باقي الشركاء العراقيين، بينما يتعزز خط البعث والقاعدة كلما تحدث المالكي بسوء عن المظاهرات. هل استوعب القادة ضرورة الوقوف مع مطالب المتظاهرين المشروعة لتعزيز اعتدالهم ضد التطرف؟

- حريّ بنا أن نكون معتدلين في شتى الأمور، فإننا كما طبقنا بعض المستويات على بعض من هو خارج التظاهرات وقسمناه إلى ثلاثة أو أربعة مستويات في الجواب السابق، إلا أننا و للإنصاف يجب أن نقسم تقسيما مشابها لذوي التظاهرات والمتظاهرين، فهم وإن اجتمعوا جوهريا على التظاهر إلا أنهم اختلفوا على بعض الأمور، وكانوا على عدة مستويات:
•      المستوى الأول: المتظاهر المتشدد الذي يريد "تحرير بغداد وإسقاط إيران" وينتظر الجيش الحر وماشابه ذلك في الأفكار غير المنطقية بنظرنا. أو قد نلحق بهم المطالبين بمن ينادي "الشعب يريد إسقاط النظام" إلا أن من المنصف أن نلحق الأخير بالمستوى الثاني.
•      المستوى الثاني: وهم من يريدون تحقيق مطالبهم بعيداً عن كون الحكومة شعبية أو أنها مدعومة من إيران أو من أمريكا أو غير ذلك، بل يرى نفسه مظلوما وصاحب حق مهضوم يجب إحقاقه عن طريق الاحتجاج السلمي وإن كان مطلبه إسقاط النظام.
ولعل إسقاط النظام لم يكن مطلبه، إلا أن المستوى الأول والثاني (من الجواب الأول) أي الجهة المعادية للتظاهرات أو المحايدة (الساكتة) دعته إلى زيادة وتيرة مطالبه شيئا فشيئا، لذلك كنا نرغب  في أن تحل الأمور من ذي بدء، إلا أن البعض عادوا التظاهرات (ولجؤوا إلى التظاهر ضدها) وإيكال الأمر إلى الشعب، ويا لها من فكرة خبيثة وقفنا ضدها بل وقفت المرجعية عامة ضد الفكرة التي تضر ولا تنفع.
•      المستوى الثالث: المتظاهر المنفتح غير الطائفي على الإطلاق بل إنه لا يجد التظاهر إلا من باب آخر الحلول، فلقد حاول أن يحقق مطالبه تحت ظل الشراكة الوطنية وما يسمى بالحكومة الوطنية أو عبر الوسائل السياسية،
لكنه لم يستطع فلجأ إلى التظاهر جنباً إلى جنب مع المستويين الآخرين، أعني المتشدد والوسطي.
إلا أنه وفي أغلب الأحيان يكون في اختلاط المستويات رجحان لكفة الاتجاه المتشدد، فهو يؤثر على باقي المستويات تدريجياً ولو عبر التخويف والترهيب إن لم يكن عبر الترغيب، وبالتالي فإن علينا أن نتبنى تلك الأفكار الوحدوية المتعقلة وتلك الشخصيات التي لا تحب العنف ولا تحب الدكتاتورية معاً من خلال إسماعهم الصوت المعتدل من خارج التظاهرات ومن غير طائفتهم.
وليعلموا أن تلك الأصوات التي تذكي وتعزز متشدديهم هي أصوات لا تمثل إلا ذويها، ونحن وإياكم بعيدون عنها ولسنا نرضى بها على الإطلاق ولنغلّب معاً صوت العدل والحياد والتعقل ولنغمض أبصارنا ولنغلق أسماعنا عن تلكم الأصوات الشاذة التي لا تريد إلا بقاء كرسيّها ومنصبها فحسب. ولنقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة لنسير معاً نحو تحقيق الوحدة والتوحد الفعلي إلى حياة حرة كريمة بعيدة عن التفرد والدكتاتورية.
وبدوركم إخوتي يجب عليكم أن لا تستمعوا إلى الأصوات الصادرة ممن ينتمي إليكم من طائفتكم ممن تقلّدوا التشدد، ولتعلموا بأنكم بتعقلكم ونظرتكم الشاملة الوحدوية تقمعون أصوات الباطل وتمحونه تدريجياً.
■ كنا نقول إن صفقة الداخل العراقي رابحة حتى لو خسرت أحيانا أو مرحليا، أمام ضغوط الخارج. ونقول إن ما حصل في لقاء أربيل والنجف خرق وطني نادر أثبت أن العراق كبير وأن العراقيين ليسوا حديقة خلفية لأحد بل لديهم خيارهم المستقل وتسويتهم الخاصة التي تفرض نفسها على إرادة الخارج. هل تجدون أن العلاقات الوطنية تتعمق بحيث تصحح علاقتنا بالنفوذ الإقليمي والدولي؟

- قد يكون الاصطفاف الوطني والتجمع العراقي الذي حدث في أربيل تجمعا فريدا من نوعه، لاسيما أنه كان في جوهره تجمعا ينم عن تقارب فعلي حقيقي أخوي صادق وإن كان ذا قشور سياسية تمخضت عن قرار سحب الثقة والإقدام عليه.
إن اجتماعي بالأخ البارزاني كان الأول، وكنت أشعر بصدق بين ثنايا كلماته ولعله كان يبادلني نفس الشعور، وكل ما قلت وقال لم يكن مجرد لقلقة لسان أو حوار سياسي بحت. بل أسس إلى مرحلة من التوافق العربي الكردي طويلة الأمد وإن اختلفنا ببعض الأمور السياسية.
فلعل قائل يقول: إن أربيل سبق أن جمعت المالكي بالأكراد وغيرهم من الشركاء، ولكني أقول لم يكن اجتماعه بهم ينمّ إلا عن لقلقة لسان، ولذا قد ضرب المالكي بالاتفاقات عرض الجدار ولم يراع بها البروتوكولات السياسية الدولية.
ثم إنه لم يكن اجتماعي بالأخ البارزاني هو الوحيد، فكان اجتماعي مع الأخ النجيفي هو الأول بيننا، وكانت هناك اجتماعات مع مام جلال والأخ إياد علاوي ولكنها لم تكن الأولى بيننا، حيث جعل من الاجتماع متكاملا من حيث شموله لكل الأطياف والمكونات السياسية.
إلا أن هذا الاجتماع العراقي كان ذا حدين أو قد اختلفت فيه آراء بين راض وبين ساخط، وما رضي إلا ذو حظ عظيم وما سخط إلا ذو توجه سياسي مخالف لما دار بيننا في أربيل من نقاش واتفاقات.
إلا أنه بين هذا وذاك، كان بداية حسنة بل جيدة للتوجهات الوطنية الوحدوية التي يجب أن تسير عليها كل الجهات السياسية بل الأعم من ذلك، وأظنه قد أسس لمرحلة جديدة تتحلى بالأخوّة والصدق بعيدا عن المكر السياسي والصراع التنافسي غير المشروع الذي يكتنف العمل السياسي في الساحة العراقية.
فإنه وإن أثمر عن نفور البعض عما تسمونه بالتيار الصدري، سواء على الصعيد السياسي أو الصعيد الشعبي، بيد أنني آمل أن تكون هذه الزيارة قد أسست عبر المستقبل والتاريخ قوانين وأسس التعامل الوطني، وإنّ ما صدر في تلك الزيارة من قرار سحب الثقة كان جريئا وقد فتح الباب للمعارضين للدكتاتورية والتفرد على مصراعيه، ليكونوا قادرين على إبعاد ذلك الشبح عن عراقنا الحبيب مستقبلا.
ولا يفوتني أن أذكر أن هذا القرار وإن لم ير النور إلى الآن، كان دليلا واضحا على أن من يتحكم في البلاد هم أهل البلاد وليسوا من هم خارج أسوار البلد ولله الحمد. فافهم.
■  أحياناً نستخدم تعبير تحالف 19 أيار، أو "محور أربيل-النجف". ونشعر بأنه اجتاز اختبارات مهمة في أزمة طوزخرماتو ومظاهرات الغربية وقانون مجلس القضاء. أراد المالكي تفكيككم لكن نجحتم في الصمود بذكاء. إلى أي حد هو تحالف متماسك يشترك برؤية اعتراضية على نهج خطير، مقابل من يقول إنه تحالف مصلحي مؤقت؟
- على الرغم من أنني أجبت عن ذلك ضمناً في أحد أجوبتي السابقة على أسئلتك الرائعة تلك، إلا أنني أقول إنني مطمئن إلى أنّ زيارة أربيل أكسبتني شريكاً حقيقياً وستراتيجياً ولله الحمد.
■ استيعابكم لمعنى التعدد السياسي وكيفية حمايته بوجه شهوة الاستبداد، أمر قد يصعب على بعض العراقيين تصديقه وقد يحتاجون وقتاً لتصديق معانيه. هناك من يقول إن دعم الصدر لمسار التعدد والشراكة ضد الاستبداد والتفرد جعله يخسر من جمهوره. كيف تعلّقون على هذا؟

- في أغلب القرارات والتوجهات التي أتبناها وأقدم عليها لا أنظر عادة إلى مدى ازدياد الجمهور أو قلته، بل إن الغالب هو النظر إلى رضا الله سبحانه وتعالى وإلى قواعد عامة خطها السيد الوالد (قدس) عبر أسس وطنية ووحدوية.
وإني لأجد الكثير من الأمور والقرارات التي تصدر مني هي في صالح المجتمع والفقراء والمؤمنين إلا أني في نفس الوقت متيقن من أنهم لن يتفهموا هذا القرار أو ذاك أحيانا، بل سيحملونه على محامل أخرى لم تأت على بالي حين اتخذت ذاك القرار.
إضافة إلى أمر مهم هو أن هناك تيارات سياسية صاحبة نفوذ اجتماعي وإعلامي وسياسي كبير يتأثر بها من حولي، لكثرة الكلام والإشاعات والإشكالات التي قد يلين منها الحديد، لكن أنا آمل بالجهة الشعبية لاسيما المحبون لآل الصدر، إنهم لن يحيدوا عنا آل الصدر.
ثم أن مثل تلك القرارات التي لا أعتبرها صدرية بل أعتبرها وطنية، قد تنفّر البعض منّا، إلا أنها باب لكسب الآخرين لا عن قصد، فإني حين أقترحها وأصر عليها لا أريد كما قلت إلا وجه الله تعالى. ومن أصحاب العقول النيرة والمحايدين الوطنيين وذوي الحس الوطني، من يتأثر إيجابياً بقراراتي الوطنية وهذه أيضا نعمة من رب العالمين.
فذو الحس الوطني وإن لم يكونوا كثراً في أغلب الأحيان، أو غير مشهورين وخلف الكواليس، إلا أنني آمل بهم الكثير لأن يستمروا بل تتسع دائرتهم ويكون صوتهم ضد الدكتاتورية والتفرد عالياً ولن يخبوَ ولن يخفت.
■  باحثون وصحفيون غربيون يقولون: حالياً نحاول أن نفهم كيف يمكن ليمين إسلامي يوصف بالمتشدد، أن يحمي التعدد المدني بمعناه الليبرالي الحداثي. والحقيقة أن الفكر السياسي للتيار الصدري يشهد تطوراً لافتاً. لكن بعض النخبة متفاجئون بتطور الأفكار هذا. كيف تعلق على شعورهم بالمفاجأة وهم يراقبون مواقفكم المنتقدة للتفرد والتي تصاعدت منذ انتخابات 2010؟

- فكرنا لم يشهد تطورا بل شهد انفتاحا على التيارات الأخرى مما أدى إلى علمهم بأفكارنا ومتبنياتنا، أعني التيار الصدري، فصارت معلوماً عندهم بعدما كانوا يجهلون ذلك عنا.
ولعل التقصير أو القصور منا، فأغلب من ينتمي إلينا منغلق عن التيارات الأخرى، إضافة إلى ما مرت بنا من ظروف مقاومة المحتل آنذاك، مما أبعدنا عن تلكم التيارات اضطراريا ولا أعني أنهم ضد فكرة المقاومة العسكرية والثقافية والسياسية بل لعل بعضهم يتبنونها ويميلون إليها.
ثم إنني أعجب من تعجّب البعض بأن رأوا أن الإسلامي يكره التفرد ويميل إلى التعددية، بل إن ذلك نهج الإسلامي الصحيح الذي يجب أن يكون لكل مسلم منهج ونهج.
فإن الحكم في الإسلام له عدة محتملات:
1.    الاحتمال الأول: أن يكون الحاكم هو المعصوم عليه السلام،وهذا ليس فيه معنى التفرد بل معنى الرجوع للأفضل أو الذي تسالم على عصمته، فلا ينبغي ترك المعصوم والرجوع إلى من هو أدنى منه في ذلك.
ولعلّ هذا الاحتمال أعني وجود المعصوم والرجوع إليه هو أمر إلهي أكثر من كونه شعبياً، فيمكن أن نقول في الاحتمال الأول إنه رجوع الشعب إلى الحكم الإلهي، وهو قد لا يحتاج إلى ديمقراطية مما تعارفنا عليه في هذا الزمن أو إلى انتخابات كما هو المعهود، بل يحتاج إلى مجتمع يتقبل العصمة ويؤمن بها، فلم نرَ أحد المعصومين عليهم السلام، قد فرض عصمته على الآخرين بل يحتاج إلى إيمان حقيقي وكما في الآية الشريفة :لا أكراه في الدين..." بمعنى أن لا إكراه بالإيمان القلبي بالمعصوم، وكما قالت الآية الشريفة  "وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ".
2.    الاحتمال الثاني: نائب المعصوم أو ما يسمى بولاية الفقيه وهي وإن كانت مستوحاة من الرجوع إلى المعصوم عليه السلام أو الأعلم، إلا أنه لا ينبغي إبعاد النظر من أنّ اختيار الأعلم يجب الرجوع فيه إلى (برلمان) علمائي مقبول اجتماعيا فضلا عن قبولهم دينيا و إسلاميا و مذهبيا.
فالحاكم الشرعي أو الولي لا يمكنه بأي صورة من الصور فرض سيطرته وبسط يده على مناطق لا ترضاه أو مجتمع أو شعب لا يتقبله، إذاً فهي نظرة تقترب إلى الديمقراطية المتعارفة حاليا بدون نسيان الجهة الإلهية وأوامرها.
3.    الاحتمال الثالث:أن يكون الحاكم أنساناً عادياً،وهذا ما لا يملك وصوله للحكم إلا برأي الشعب عن طريق الديمقراطية المتعارفة، وإن كانت بعض الشعوب قاصرة عن تفهم الديمقراطية،فضلا عن قصورها في إيصال مَن هو أهل للحكم.
وهذا الحاكم يجب أن لا يحكم إلا بما هو مرضي إلهياً و شعبياً. فإنه لا يمكن فرض الحكم الإلهي على شعب يرفضه ولا يستسيغه، إلا عبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطرق الأخلاقية أو قل عن طريق التثقيف، وإلا فترك ذلك أفضل من أن يكون استعمال الحكم الإلهي منفّراً للآخرين.
ولا يمكنه أيضا أن يتفرد بالحكم وإن اختاره الشعب على نحو الأغلبية التي هي من أوليات الديمقراطية وأسسها، فلو كانت هناك جهات شعبية أخرى لم تختره فلا ينبغي إغفالهم على الإطلاق.
واعلموا إن كانت الديمقراطية توصل من هو ليس أهلاً للحكم، فلابد أن يكون منها باب ديمقراطي للخلاص من ذلك الحاكم الذي قد يكون قد خالف أسس الديمقراطية.
وبتعبير آخر فإن مصاديق الحكم الإسلامي هي:
1) الحكم الإلهي المطلق، وهو حكم الإمام المعصوم.
2) الحكم شبه الإلهي، وهو نائب المعصوم أو الولي العام.
3) الحكم الدنيوي، وهو الذي يكون في غياب الأول أو غياب الثاني أيضا.
ويجب الإجماع على أن الديمقراطية تحتاج في مسيرتها وعملها إلى تهذيب وتشذيب وتثقيف للشعوب، وإلا فقد تنتج أموراً لا يحمد عقباها على الإطلاق، فكما في الآية الشريفة "استخف قومه فأطاعوه..." وغيرها من المفاسد التي قد ألتفت إليها في أمور وما لم يلتفت إليها أحد.
ثم إن أردنا الكلام على صعيد السؤال وتخصيصه بالوضع العراقي دون غيره فيمكن أن أجيبك بعدة أجوبة، منها:
أولاً: إن العراق قد عانى كثيرا من الدكتاتوريات السابقة، فلابد أن نراعي الجهة الشعبية بخصوص ذلك، فنجعل من أنفسنا حماة للطريقة الديمقراطية.
ثانياً: إن الديمقراطية إذا وقعت بأيدي الماكرين وبإشرافهم فيغيروا أبعادها عن أسس الإسلام وهي زيادة للفجوة، وإذا انحرفنا كإسلاميين في ذلك يكون حماية له بمعنى أن يريد استعمال الديمقراطية لنفسه.
ثالثاً: إن عدم وجود المعصوم الظاهر وعدم وجود من هو متصد للولاية العامة ومتصف ببسط اليد، جعلنا نذهب إلى الخيار الثالث وهو دعم الديمقراطية لإيصال المخلصين إلى سدة الحكم.
رابعاً: إننا ظننا أن الديمقراطية تخلصنا من التفرد، ولعل هذا لم يحدث وخصوصا بعد أن نعلم أنّ الديمقراطية توصل من هو أكثر أصواتاً ولا تتكلم عن صاحب القرار الحقيقي. وصاحب القرار الحقيقي مع وصول الحاكم غير المعصوم ديمقراطياً له عدة مستويات.
المستوى الأول: الحاكم الديمقراطي الذي ترعرع في بيئة ديمقراطية إسلامية حقيقية، وهذا سوف يجعل من القرار غير تفردي بل سوف تشارك فيه عدة جهات:
الجهة الأولى: الجهه الدينية خصوصا مع كونه إسلامياً.
الجهة الثانية: أن يشرك معه الجهات السياسية التي ترضى مشاركته في القرار لكي يكون قراره شاملا من ناحية الشعب وخصوصا مع الجهات التي تملك القاعدة الشعبية.
الجهة الثالثة: إشراك الشعب، إن لم يكن بطريقة مباشرة فيكون عن طريق البرلمان، لا أن يسعى لتهميشه.
الجهة الرابعة: الجهة الاستشارية الحقيقية لا الرمزية... وغيرها.
المستوى الثاني: الحاكم الديمقراطي الذي يريد الديمقراطية ولا يعرفها بمعناها الحقيقي لكونه لم يتعايش معها، فهذا قد يصلح من هذه الناحية وقد يفسد أو قل يخطئ، ومثل هذا يمكن أن يدعم لكي يتطور من الناحية الديمقراطية،  فإن وجد فيه نفس التطور فيكون الاستمرار في دعمه وإعانته ضرورياً، وإلا فالترك أفضل.
المستوى الثالث: وهو الذي لا يفقه من الديمقراطية إلا كونها طريقة لإيصاله لسدة الحكم وللكرسي، فهذا لا يرجى منه إلا حماية نفسه وكرسيه وحكم الشهوي ليس إلا.
إن وقوع الديمقراطية بيد من هو ليس أهلا لذلك، سيجعل مصيرها كوقوع "الحرية" بيد من ليس أهلاً لها، وقد تفتح أبواب كل شيء وتجعله في خانة الحرية وتجعل من الشعب منحلاً لا يفكر في لقمة عيشه أو كيفية حكمه.
وأكثر ما نخشاه هو أن تكون الديمقراطية باباً لحماية الدكتاتورية، وهذا طغيان للديمقراطية، وتكون الفائدة الوحيدة منها "دمقرطة الدكتاتورية" و"دكترة الديمقراطية".
الثلاثاء المقبل..
القسم الثاني من الحوار

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced