مغتربة عراقية تفتح ملف (ثقافة الميليشيات) لتقويض (بنية) المجتمع النسوي في العراق
نشر بواسطة: Adminstrator
الثلاثاء 29-09-2009
 
   
بغدادواشنطنالنور:
  تعتقد نساء الطبقة المتوسطة (المتعلمات المهنيات) أنّ (السياسة الذكورية) في المجتمع العراقي، تتوحّش يوماً بعد آخر، مسفرة عن ميلها إلى الاستمرار في تطبيق ستراتيجية إسلاموية -لا إسلامية- في (التطهير). وهي ظاهرة ستنتهي إلى كارثة إعادة المرأة إلى المنزل، وحرمانها من دورها في الحياة. (النور) ترجمت وأعدت هذه الانطباعات لمغتربة عراقية، حاولت أن تفتح ملف (ثقافة الميليشيات) في تقويض بنية المجتمع النسوي في العراق، كاشفة عن بعض (ملامح الهوان) في شيوع جرائم الاغتصاب والخطف والقتل، وفي انتشار شبكات الدعارة وتجارة الجنس وتهريب (البنات) إلى سوريا ومن ثم الى دول الخليج..وكذلك في ما تتعرّض له المرأة من عنف في المنزل، وما أصاب حياتها من (غياب قيود تعدد الزوجات). وترى النساء العراقيات –لاسيما الأرامل التي قد يصل عددهن الى ثلاثة ملايين- أن مشكلة (الفساد) في مؤسسات الدولة، والعجز عن حماية وحدة المجتمع، أبشع من مشاكل نقص الكهرباء والبطالة أو غيرهما. إن الأرامل في العراق كما تقول الكاتبة في انطباعاتها (كارثة اجتماعية صامتة). أما سطوة التخلف المفروضة في الشارع فهي التي ألزمت الكثير من النساء بالبقاء في بيوتهن، انتظاراً ليوم آخر أكثر ضوءاً. وثمة جيل من بنات اليوم ينظرن بدهشة إلى ذكريات أمهاتهن عن السماح الاجتماعي وحرية الملبس والعمل، حتى لكأنها من (قصص الخيال). إن جمال هذه الانطباعات التي سجلتها المراسلة-المغتربة العراقية في صحيفة أميركية، أنها (هادئة) لكنها (كاشفة) و(غاضبة) بل هي (لاعنة) لكل ما كان سبباً في اضطراب قلب المجتمع، وإصابة نصف جسده الحي بالشلل!.   
  تقول مراسلة عراقية مغتربة لصحيفة هافنغتون بوست الأميركية، زارت بغداد مؤخراً: كنت جالسة على شاطئ نهر دجلة ببغداد في يوم من أيام أواخر الصيف الحارة. الهواء مازال لافحاً ومعفـّراً بالغبار، لكنّ سرعته أخذت تستقر، وبدا يميل الى البرودة.. ومن بعيد نسمع صوت أذان الجامع يتردّد في سماء المدينة، يدعو الناس الى الصلاة، فيما كانت الأضواء تنعكس في النهر لتذكـّر ببيت شعر للسياب يقول فيه ((وترقص الأضواء كالأقمار في نهر))..وفي المكان تنتشر المطاعم الجديدة نسبياً.. لقد زرتُ قبر أمي أمس، وعلمتُ أن شاهد قبرها قد دمّر بصاروخ قبل سنتين في واحد من الاشتباكات بين الميليشيات والقوات الأميركية. فكرتُ مع نفسي: ((حتى الموتى لا تسلم قبورهم من التفجيرات في العراق)). لكن في الأقل أمي لا تشعر بالألم الذي تحسّه نساء العراق اللواتي شهدن المآسي وهن يحاولن أن يجدن مكاناً لأنفسهن في هذا الذي يسمّونه اليوم (العراق الجديد)!.
    وتتابع (زينب) مراسلة الصحيفة قائلة: نساء قليلات من جيل أمي –جيل النساء المتعلمات اللواتي عملن في قطاعات مختلفة- مازلن (صامدات). لكنهنّ قلة، والكثير من الطبيبات، استاذات الجامعة، والصحفيات، تعرّضن للخطف أو الاغتيال خلال السنين السبع الفائتة، كجزء مما اعتقدته الميليشيات المتطرفة (نظرة إسلامية ستراتيجية) لـ(تطهير) المجتمع العراقي من النخبة النسائية المثقفة والمتعلمة والتي تحتل مواقع مهنية مختلفة. واللائي نجون من عمليات القتل أو من (محاولات الإغراء) لمغادرة البلد، بحثاً عن مكان أكثر أمناً، إما تراجعن، والتزمن بيوتهن، ليُحرم المجتمع من خبراتهن، أو دخلن في (عالم المحاصصة الطائفية-الإثنية) في العراق، ليجدن عملاً في مكان ما من الدولة، أو حتى يصبحن سياسيات ووزيرات وعضوات برلمان.
    واليوم في العراق –تستمر المراسلة في رواية انطباعاتها- ليس لهن (حقيقة متوحدة). وفي الوقت الذي تمارس فيه المزيد من النساء النشاط السياسي في البلد، كالبرلمان، الأحزاب، الجمعيات، أو المجالس المحلية في المحافظات بنسبة 25 بالمائة للتمثيل النسوي.. في هذا الوقت، هناك مئات الألوف من النساء اللواتي يعانين من (وحش الفقر). النساء في العراق هن الآن الأكثر فقراً. ويقدر عدد النساء الأرامل من مليون إلى 3 ملايين. أولاء وغيرهن من النساء المهمشات اجتماعياً واقتصادياً، غالباً ما يكنّ ضعيفات أمام مخاطر جسيمة لـ(تجارة الجنس) حيث يُرغمن وضمن عمليات منظمة للدخول في شبكات الدعارة. والملايين من النساء ضحايا لانتشار ظاهرة تعدّد الزوجات، والعنف المنزلي، ووصلت الحال بهن الى تجنيدهن في عمليات انتحارية، وهي القضية التي يعجز المجتمع حتى الآن عن فهمها وتفسير طبيعة الظروف التي تحيط بالمرأة وتدفعها الى ارتكاب جريمة الانتحار والقتل. في الحقيقة، يمكن للمرء ومن خلال جولة يوم واحد في بغداد، أن يرى كل حقائق هذه (الصدمات) الاجتماعية شديدة المرارة التي تواجهها المرأة العراقية.
  وتقول: لقد أمضيت ساعة كاملة في الانتظار المروري (المروّع)، فقط بسبب الحرص على ضمان (المنطقة الخضراء) التي تحتل مساحة واسعة من مدينة بغداد. السيارات المستوردة تدخل العراق بلا حساب، كالسلع والبضائع من دون أي تفتيش أو سيطرة نوعية أو أية معايير لحماية البيئة والاقتصاد الوطني. وحتى الآن لا يسري إلا قرار سلطة التحالف المؤقتة بفرض ضريبة 5 بالمائة على الاستيرادات. وفي هذه الساعة التي أضعتها في الزحام المروري، قرأت مقالة عن النساء والبنات في السجن، وعلمت أن معظمهن ضحايا لفرص يُعلن عنها في الإنترنت أو غيره للزواج من رجل ما في سوريا. ثمة شبكات تهريب للجنس تدير هذه العمليات. إن البنات الصغيرات يتركن رعاية عوائلهن، ويتـّجهن بدوافع الإغراء بـ(الخلاص) إلى مصير مجهول، أما الأمهات فكل الذي يدفعهن الى القبول هو التفكير بإنقاذ بناتهن من الاختطاف والقتل أو من جرائم الاغتصاب والاعتداء على النساء التي أشاعت (ثقافتها) الميليشيات. 
    وبمرور الوقت –تواصل زينب حديثها- تدرك البنت أن الزوج (ذاته) الذي اقترنت به، هو في الحقيقة (مختطفها) و(مهرّبها)..لكنّ ذلك غالباً ما يحدث في وقت متأخر، ولا تستطيع البنت إلا أن تقول لنفسها (قضي الأمر) وفات الأوان. إنهن في الحقيقة يقعن في (الفخ) من دون مقابل مادي، وحيث لا يكون هناك زواج ولا عقد حقيقي. وغالباً ما يكون المرض أو أي (سبب معطل) لحياة الجحيم التي تدخلها (البنات الضحايا) لإعادتهن إلى العراق وهن محطمات تماماً، ثم لا يكون من حياتهن إلا التشرد إذ يُلقى عليهن القبض بسبب الوثائق المزوّرة التي يدخلن بها إلى البلد، أو يُتهمن بالدعارة. وكلا العقوبتين تقود إلى ما لا يقل عن 6 سنوات في السجن. أما المهرّبون المجرمون فيعيشون أحراراً طليقين، يمارسون ذكوريتهم المتوحشة في اصطياد المزيد من النساء الضحايا لدفعهن إلى تجارة الدعارة، وفي الأرجح تكون الوجهة سوريا، ثم دول الخليج، أو في العراق نفسه، أو يمضين بقية حياتهن في غياهب السجون.
    وتضيف زينب قولها: في الوقت الذي أصل فيه الى المكتب العالمي لمنظمة (نساء من أجل النساء)، أرى سيدة في الخمسينات تنتظرني لأقابلها من أجل الحصول على وظيفة في المنظمة نفسها. كانت بالتعريف الوظيفي العراقي تعمل (باحثة اجتماعية) لنحو 25 سنة، اشتغلت في مدينة الصدر، ما يقرب من كامل مدة خدمتها المهنية، ولم تسأل نفسها يوماً كيف أنها امرأة (سُنّية) وتعمل في مدينة تسكنها (أغلبية شيعية). قالت لي: ((كان ذلك عراقنا القديم. لقد عملنا، وسقنا سيارات، وسافرنا، وذهبنا الى الجامعات، وعملنا في الأحزاب، ولا أحد سألنا ذلك السؤال الذي دمّر عراقنا الجديد. اليوم، أجد الأمر صعباً لأستعيد روحي. لقد رأيت الكثير جداً من الجثث، ورأيت الكثير من الذين يعانون. إن الوضع أسوأ بكثير من الحرب الدامية الطويلة مع إيران، وأسوأ من حرب الخليج الأولى، بل وأسوأ من حرب الخليج الأخيرة. الحرب الأهلية الطائفية كانت الأسوأ فعلاً!. وبسببها توقفت عن مغادرة البيت. ولم أستطع برغم كل ما حدث فهم طبيعة تلك الجحيم التي أشعلناها في العراق)) كانت هذه المرأة تتحدث وهي تطرد الحسرة بعد الأخرى من قلبها!.
  لقد تركتُ المقابلة وأنا أشعر بثقل في قلبي –تقول المراسلة المغتربة- وسألت زميلة لي عن مشاعرها حيال ما حدث في البلد. أكدت قولها: ((إنهم يحاولون هزّنا)). وأضافت: ((إنهم يحاولون أن يدفعونا الى اليأس وفقدان الأمل، بكل هذه التفجيرات التي ازدادت منذ أن انسحب الأميركان من المدن، لكننا لن ندعهم يفعلون ذلك. سوف نستمر في الإمساك بجمرة أملنا يا زينب)). وفي ردّها سمعتُ نبرات إحباطها بما فعلته الميليشيات المختلفة التي كانت وراء تزايد تلك الانفجارات وعمليات القتل والاغتصاب والاختطافات التي هزّت البلد، وأوجعت قلوب أبنائه. لقد استمددت العزم منها، ودُهشت لقدرتها في التعلق بالأمل. لكن ليس كل عراقية لها مثل هذه القدرة.
    وخلال مغادرتي للمكتب –تقول زينب- قابلت صديقة على مائدة الطعام. كانت ناشطة نسائية، كنت أكن لها كامل الاحترام. لم تكن قد تركت العراق أبداً. لقد بقيت حيّة، وواجهت بمثابرة منقطعة النظير كل التحديات. واستمرت بنشاطها، وبعملها لدعم أصوات النساء، ولكن اليوم، أرى أنها تكاد تستسلم. وأوضحت رأيها قائلة: ((إنّ القضية لا تنحصر في التفجيرات وحدها. وليست محصورة فقط في نطاق مشكلة الطاقة الكهربائية)). وجميع هذه الأشياء، اعتدنا عليها. إن القضية الأكثر خطورة هي في الفساد المستشري، كما ترين ذلك في سائر مؤسسات البلد، وفي تخلف الرؤى الاجتماعية، لدى القيادة التي عجزت عن أن تبقي مجتمعنا متوحداً.أنا أرى المجتمع وكأن الفساد آفة تأكله وهو حي، وتعطي المزيد من الفرص للميليشيات لتدمير المزيد من بُناه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية والمهنية. أعتقد أن الأمور وصلت حداً صعباً. وتعلق زينب على ذلك بقولها: ((كنت قادرة على سماع صوت التقهقر في كلامها)). ولهذا فإن القليل فقط من نساء الطبقة الوسطى المتعلمات والأكبر سناً اللواتي أكن لهن المزيد من الاحترام، قادرات على الاندماج في المجتمع والاستمرار في ممارسة عملهن.
  وتقول المراسلة: إن ابنة صديقتي، كانت تصغي لحديثنا ونحن نتناول طعام الغداء. وهي واحدة من قلة من البنات في الكليات العراقية، لا يرتدين الحجاب الذي يعد اليوم ظاهرة عامة بالنسبة للفتيات والنساء، وهو بالنسبة لي شيء جديد، مقارنة بذكرياتي عن الفترة التي عشتها في العراق. وكانت هذه الملاحظات فرصة لكي تسألني البنت عن عراق ما قبل عشرين عاماً. وبلهفة كانت البنت تواصل مساءلتي عن قصص ربما تريد تأكيد ما سمعته سابقاً من أمها عن القليل من القيود في زمن لم يكن يوصف بأنه محافظ أو متشدد، إذ كانت المرأة والبنت تنتقل بحرية من مكان الى مكان وتمتع بكثير من الحضور في مناخات المجتمع المختلفة. سألتني: هل كنت حقيقة تقودين السيارة الى الكلية؟. هل حقيقة أن أغلب النساء كن لا يرتدين وشاح الرأس؟. وهل حقيقة معظم البنات لا يتزوجن إلى أن يتخرجن من الكلية؟. وهل حقيقة أن غالبية النساء يعملن؟.
  وتؤكد زينب أن هذه الأسئلة كسرت قلبها. وتضيف: لقد أدركت أن هناك جيلاً كاملاً من النساء والرجال لا يتذكر أن هذه الفترة من الحرية والاستقرار كانت موجودة ذات يوم. برغم أن بنات صديقتي من الطبقة الوسطى المتميزة والمثقفة، يذهبن الى الجامعة، ولا يسألهن أحد من عائلتهن فيما إذا اخترن العمل، لكن هناك بنات في قطاعات أخرى مختلفة من المجتمع لا يذهبن الى المدرسة، وينشأن ويكبرن وهنّ أميات لم يحصلن على المستوى الابتدائي من التعليم. والكثيرات يتزوجن وهن مراهقات صغيرات، ويتركن المدرسة بسبب ذلك، فيما كانت أمهاتهن لا يتزوّجن حتى يتخرجن. الكثيرات لا يتذكرن كيف أن أمهاتهن يسافرن، ويعملن، ويرقصن، ويغنين وهن في الخمسينات من العمر، أو في الستينات والسبعينات!. لقد غادرتُ مائدة الطعام، لأزور واحدة من المشاركات في برنامج منظمة المرأة من أجل المرأة العالمية، كانت واحدة من ملايين الأرامل في العراق. قتل زوجها ظهيرة يوم الجمعة، بينما كانت تجهز طعام الغداء في مطبخها.
    والقصة بدأت هكذا: كان الزوج يلعب مع أبنائه. سمعوا انفجاراً في الخارج. وعندما هُرعوا إلى مكان الانفجار ليروا ما الذي حدث، سقطت على مقربة منهم قذيفة صاروخ، فقتلت الأب من فوره، وأسفرت عن جرح الأبناء الأربعة. أوضحت الأرملة قائلة: ((لقد تغيّرت حياتي، خلال ثانية. وتحوّلتُ من امرأة سعيدة في زواجها إلى أرملة.. إلى امرأة فقيرة الحال، لا معيل لها ولأبنائها)). وتقول زينب: سألتها ما إذا كان هناك أحد يساعدها إلى جانب (منظمة نساء من أجل النساء العالمية) ففوجئت من إجابتها..قالت: ((الفقر غيّر الكثير من ثقافتنا. نسبائي أخبروني أنهم فقراء جداً، ولا قدرة لهم على مساعدتي وأطفالي الأربعة. وأبواي أعلماني أيضا الشيء نفسه تقريباً. ولهذا لا أمل لي، إلا أن ادبّر الأمر بالاعتماد على نفسي. لقد علمت نفسي بعض تقنيات التمريض الأساسية، لأوفر المال الذي أحصل عليه بعد كل عملية جراحة بسيطة يعاني منها الأشخاص الذين يتعرّضون لأذى الانفجارات. لقد بعت كل ما أملك من أجل أن أفتح محلاً صغيراً في واجهة البيت، نعمل فيه أنا وأبنائي لنربح ما يبقينا على قيد الحياة. وبمساعدة المنظمة الدولية حصلت على وظيفة كصانعة شموع)).
    وعندما سألتها عما تعتقده الأرامل العراقيات، همست في أذني أنها لا تحب أن يشير إليها الناس على أنها أرملة. وقالت: ((ذلك يجعلني أشعر كأنني ضحية، وأنا لا أريد أن ينتابني هذا الإحساس. ولكي أجعل الابتسامة حيّة على شفتي، وعلى شفاه أولادي في كل يوم. أنا لا أحب أن ينظر المجتمع إلي هذه النظرة لأنني أرفض أن أكون كذلك. وكل ما احتاجه هو الفرص التي تبقيني واقفة على قدميّ، لأرسل أبنائي الى المدارس، حتى ينهوا كلياتهم. لقد عانوا كثيراً، وهم أولاد طيبون)). وتقول زينب إنها لمحت ابنها ذا 11 سنة ورأت عينيه مغرورقتين بالدموع. لقد تذكر اليوم الذي قتل فيه أبوه، وكيف تغيرت حياته، وكيف تكافح أمه لتبقيهم في حال جيدة. وسألني الولد إذا ما كنت أريد أن أقرأ واحدة من القصائد التي كتبها لأمه، ولكل النساء الأرامل في العراق. وفكرتُ مع نفسي: ربما يكون مثل هذا الأمل يراود شبّاننا فقط بأمل أن يروا مستقبلاً أفضل في العراق.
    وتتابع المراسلة المغتربة روايتها لبقية انطباعاتها قائلة: أخيراً قررت العودة الى البيت. وكما هي الحال مع كل رحلة قصيرة في السيارة، ثمة نقاط تفتيش في كل مكان، حيث يرفع الجنود بنادقهم، وهم يفحصون السيارات للتأكد من أنها خالية من التفخيخ أو من أي سلاح أو قنبلة. وغالباً ما يسألون السائق، ما إذا كان يحوز أي قطعة سلاح. وكنت أجد على الدوام هذا السؤال غريباً، إذ أكون مندهشة لاحتمال أن يوجد شخص يعترف أنه يحمل أسلحة غير مرخصة. برغم ذلك، فإن كل شخص تقريباً يملك سلاحاً خاصاً هذه الأيام. إن على المرء أن لا يستخدم تلفونه الخلوي، عندما يقترب من نقطة تفتيش..لقد نسيت هذا الإجراء، وسرعان ما ذكرني به أحد الجنود الذين كانوا يتولون تفتيش السيارات. لقد أخبرني الجندي أن أغادر سيارتي، والذهاب الى غرفة تفتيش النساء. درجتُ بهدوء إلى غرفة صغيرة بجانب نقطة الطريق، حيث كانت هناك امرأة تتولى عملية تفتيش كل من يرسلهن الجنود في الخارج!. وشرعتُ في محادثة هادئة مع المفتشة، سألتها: ((لماذا تهتمون بتفتيش النساء، والمعروف أن الرجال هم سبب المشاكل)).. قلت ذلك لها فقط لكي أكتشف (الوجه الآخر) أو (الحقيقة الأخرى) للنساء. أجابتني بنبرة حزينة: ((لا يا أختي. العديد من النساء يفجّرن أنفسهن كانتحاريات هذه الأيام. وفقط قبل أيام، فجّرت امرأتان نفسيهما أمام مسجدين في حادثتين منفصلين. لقد رأيت جثث القتلى بعيني في واحد من هذين التفجيرين. رأيت أحذية الأشخاص ونعلان الأطفال منتثرة في المكان ومختلطة ببقايا أجساد القتلى. لم أستطع أن آكل لأيام، ولحد الآن لا أعرف حقيقة دوافع هاتين المرأتين اللتين فجّرتا نفسيهما. وتقول زينب إنها تركت نقطة التفتيش وعيناها مليئتان بدموع الحسرة على ما يحدث في البلد من كوارث، وما يشهده الأبرياء والضحايا من جرائم يرتكبها بعض الرجال والنساء!.
  وواصلت حديثها: قبل سنوات، كنتُ جالسة الى زوجة ابني عمي، وهي امرأة فجعت بفقدان طفلها في الحرب. مروحية (بلاك هوك) كانت تحلق فوقنا، بينما كنا جالستين في الحديقة الخلفية للمنزل، نرتشف الشاي. نظرت المرأة الى الهليكوبتر قائلة: ((اقتلني، اقتلني، وخلصني من كل هذا الألم الذي أعيشه)). لقد نسيت تلك اللحظة من الحزن الذي غمر قلب تلك المرأة الحزينة. وجدتُ نفسي أتذكر اللحظة في يوم كهذا اليوم، اليوم الذي سمعت في صباحه نواح العديد من النساء..كانت أصواتهن تزفر حسرات تخرج من قلوبهن المحطمة..إنهن يبكين أنفسهن، وعوائلهن، ومستقبلهن، وبلدهن!.
    وتختتم المراسلة حديثها قائلة: عاصفة رملية ثانية في طريقها الى المدينة. أستطيع أن أراها من بُعد، محوّلة خضرة الأشجار المنتشرة في المكان إلى (غـُبرة قاتمة) تبعث على التشاؤم، حيث يتغيّر كل شيء في شكل المكان، لكنّ عاصفة أخرى من نوع آخر كانت تجتاح قلوب النساء، حارمة اياهنّ من نعم الحياة، وحاجبة عنهن السعادة، كما تحجب العاصفة الرملية الشمس بشكل كامل عن حياة العراقيين. فضلت أن أدخل البيت، منتظرة يوماً آخر ربما يكون أحسن من هذا اليوم، أو ربما أجد النساء فيه أكثر سعادة، وأقوى على تحمّل ظروفهن القاسية. يجب أن تبقى المرأة قوية. يجب أن تعمل النساء العراقيات معاً من أجل مستقبلهن، ومستقبل أطفالهن، ومن أجل مستقبل الرجال أيضاً

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced