طويريج في مهب السياسة
نشر بواسطة: mod1
الجمعة 15-11-2013
 
   
د. حسين الهنداوي
كانت طويريج الروضة الداخلية لبابل لمئات السنين ومركزا اقتصاديا نشيطا وميناء حيويا لسفر البشر والثقافة في حوض الفرات الاوسط على مر الازمنة بينما كان البالاكوباس او الفرات خطها الدفاعي الاول لمواجهة الهجمات المحتملة انما النادرة القادمة من الصحراء الغربية.
فالامبراطورية الفرعونية في مصر لم تخف يوما اطماعها الكونية بل تمددت مرارا في سوريا وبلاد الشام ولامست التخوم العراقية دون ان تجرؤ على التحرش بها. بيد ان الحيثيين مثلوا احيانا تهديدا جسيما على بابل ومحيطها في فترات من ازدهار دولتهم في الاناضول بين القرنين العشرين والثاني عشر قبل الميلاد بعد ان كانوا قد اقتبسوا كل العلوم والفنون البابلية وصاروا واسطة نقلها الى اوربا. والقبائل البدوية القادمة من جزيرة العرب كانت تشكل خطرا موسميا مدمرا للحواضر الرافدينية التي سرعان ما تستقر فيها وتتخلق بآدابها وتتلبس ثقافتها. لكن الخطر العسكري الاكبر على بابل في العقود الاخيرة قبل الميلاد حين تلاشى نجمها العسكري، كان ممثلا بجيوش الامبراطورية الفارسية الغازية من الشرق وبجيوش الامبراطورية الاغريقية الغازية من الغرب. وكما ذكرنا، فعندما كان الاسكندر وجيشه يعبران دجلة باتجاه بابل قرر تغيير اتجاهه لدخول بابل من جهة الشمال الى الغرب فعسكر قبل دخولها قرب ساحل الفرات اولا في مكان قد يكون طويريج الحالية التي هناك ما يشير الى ان الرحالة الالماني كارستننيبور زارها في رحلته من البصرة الى الحلة في 1765، وباتت فيها ليلة الأديبة الفرنسيةالسيدة جان مكر ومدام ديو لافوا خلال جولتها في منطقة الفرات الاوسط عام 1881 وكذلك اوليفيه في رحلته الى العراق بين 1794 و 1796. لكنهم لم يتركوا معلومات وافية عن الحياة الادارية والاجتماعية في الهندية في فترة كانت من اول واكبر الاقضية العراقية وتابعة لحاكمية الحلة التي تحولت في 1869الى سنجق (لواء) ضم خمسة اقضية هي الهندية والنجف والشامية والديوانية والسماوة ووازى في الاهمية الاقتصادية والادارية سناجق بغداد والبصرة والموصل وفيه دار لضرب النقود.
اما في العصر الحديث، فلا توجد وثائق متداولة عن تاريخ الهندية السياسي قبل القرن الثامن عشر. اذ كانت كغيرها من مدن الفرات الاوسط بل العراق كله مهملة طيلة عمر الدولة العثمانية وحتى بدء تسلل النفوذ البريطاني في العراق. ومع ذلك فان المعلومات التاريخية المتوفرة تؤكد كما لاحظنا ان استقرار العشائر في طويريج في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وتطبيق التشكيلات الادارية الحديثة في الدولة العثمانية بعد عام 1872، ادى الى جعل قضاء طويريج من اقضية الدرجة الاولى في العراق وربطه بسنجق كربلاء ومنحه مركزا اداريا تحت اسم "الهندية".
وقد سبق ذلك قيام الادارة العثمانية بتأسيس بلدية في قضاء طويريج قبل 1875 وتأسيس مجلس بلدي تألف من اداريين عثمانيين هم كل من سعيد افندي رئيسا، وحسون اغا عضوا، وشوكت اغا عضوا، وذو النون اغا عضوا، وياسين افندي كاتبا.اما المجلس البلدي التالي للسنتين 1301 و1302 هجرية فضم كلا من حسون اغا رئيسا، وعبد اغا عضوا، وشوكت اغا عضوا، ووناس اغا عضوا، وحداد اغا عضوا، وحبيب افندي كاتبا.وقد اعيد انتخاب حسون اغا رئيسا للمجلس البلدي مرة اخرى وكلّ من حاج عيسى افندي عضوا، ومنحل افندي عضوا، وجراح حسن اغا عضوا، ومحمد علي اغا عضوا، ومنحل اغا عضوا, وتوفيق افندي كاتبا وصندوق امين. (بلديات العراق في العهد العثماني ص 215).

الهجمات الوهابية على طويريج:
تلك التطورات الادارية عكست ايضا تزايدا للاهمية السياسية والاستراتيجية للقضاء. اذ بالفعل، ومنذ منتصف القرن الثامن عشر بدأ اسم الهندية يبرز بين حين وآخر في الاحداث السياسية المركزية للعراق. وتفيدنا مصادر عدة ان الهندية تعرضت الى هجمات الوهابيين مرارا بين 1790 و1820. فقد كانت عشائر بقيادة عبد العزيز بن سعود الوهابية قد تحولت الى قوة محلية مهيمنة في نجد منذ 1775. الا انها سرعان ما تحولت الى قوة توسعية طامعة بحوض الفرات خاصة ولا سيما بعد نجاحها باحتلال الاحساء في عام1795 . اذ شجعها ذلك على السعي الى مد نفوذها خارج حدود نجد والجزيرة العربية وتحديدا شمالا باتجاه العراق وباديته الغربية الشاسعة. ورغم ان المماليك سعوا الى التحالف مع قبائل شمر والظفير وعشائر من عنزة والجبور وعملوا على توطينهم في العراق لمواجهة هجمات الوهابيين فيه بعد نزوحها من الجزيرة الى العراق تحت ضغط قوات ابن سعود، لم يلبث الوهابيون ان بدأوا سلسلة هجمات لغزو العراق تمثلت آنئذ بغارات دموية متكررة على لوائي المنتفك (الناصرية) والخزاعل (الديوانية) ثم بمحاصرة النجف مرتين قبل 1800.
وتلك الهجمات وتكرارها نبه العراقيين الى خطورة المخطط الوهابي عليهم سياسيا ودينيا، كما نبه الوالي العثماني بعد ان صار معروفا ان بعض القوى الاستعمارية الغربية تغذي ابن سعود وحركته بهدف ارغام الاتراك على مغادرة العراق. وفي 1801 علمت السلطات العثمانية بنبأ من المنتفك ان الجيوش الوهابية بدأت خلال الربيع حملة غزو واسعة، فارسل الباشا سليمان، جيشا بقيادة الكهية احمد الى الهندية لاتخاذها مقرا لعملياته. وقد عسكرت قواته فعلا في منطقة الطنبي، الا ان الكهية لم يصل الى المدينة اذ ما كاد يغادر بغداد حتى وافته اخبار هجوم الوهابيين بقيادة سعود بن عبد العزيز على كربلاء وقتل المئات من السكان الابرياء في الاسواق والبيوت وهدم قبة مرقد الامام الحسين (ع) ونهب جميع ما في المدينة والمرقد الشريف من اموال وسلاح وفضة وذهب.
وظلت الهجمات الوهابية تتوالى على المنطقة بشراسة وقوة لسنوات عدة قبل هزيمتهم في 1811 اذ اشتد بأسهم الى درجة ان قوة كبيرة من مقاتلي عشائر المنتفك والظفير وشمر وكعب ارسلها الحاكم المملوكي سليمان باشا أخفقت في دحر الوهابيين نهائيا.
وفي الواقع، وبينما غدت هجمات الوهابيين وضغوط عشائر العراق على مدن الفرات الاوسط عائقا كبيرا امام تطورها ، فانها سمحت بالمقابل لمدن كالهندية ان تزدهر لتصبح سوقا تجارية كبيرة ومركزا للتبادل في مختلف المجالات لا سيما الاقتصادية والثقافية بسبب طابعها السكاني العربي وعمق وخصوبة اراضيها ووقوعها على نهر الفرات. اذ كانت حقول الرز الرئيسية في العراق قد نشأت على امتداد نهر الهندية وخاصة بين طويريج والكوفة حيث مضارب عشيرتي ال فتلة وبني حسن اللتين كانتا تمارسان الرعي وتربية الحيوانات قبل توطنهما في الهندية خلال القرن التاسع عشر .

مقاومة الهيمنة العثمانية
غير ان قبائل الهندية سرعان ما دخلت في معارك قاسية ضد الحكومة العثمانية هذه المرة بسبب مطالبة الاخيرة بضرائب ثقيلة مقابل الاراضي التي حصلت عليها القبائل تلك. وقد استمرت هذا المعارك لسنوات قبل ان ينتهي النزاع بمبادرة من ولاية مدحت باشا الذي اصدر في 1869 فرمانا وافق فيه على تأجير الاراضي ثم تمليكها للقبائل التي تعيش فيها. لكن خطرا جديدا راح يهدد بساتين واراضي الهندية منذ عام 1885 حيث باشرت الدولة العثمانية قطع مياه الفرات اثر انشاء سد على النهر مما اسفر عن موت معظم الاراضي الزراعية في الهندية وتحول العمران الى اراضي المشخاب والشامية وهجرة جموع من السكان من الهندية الى تلك المناطق. ولم تصلح الاحوال من جديد الا بعد انشاء سدة الهندية التي افتتحت رسمياً في 12/12/1913.
ويذكر ستيفن لونكريك في كتابه "اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث" (ص 349) ان الهندية شهدت ثورات عديدة ضد السلطة العثمانية حدثت احداها في عهد السردار اكرم وامتدت الى كل قبائل الهندية والشامية. وفي عام 1849 اعلنت قبائل الهندية الثورة من جديد ردا على قيام الوالي محمد نجيب باشا بتسليط الشيخ وادي شيخ زبيد قائدا عسكريا عليهم يومئذ، وذلك بسبب جبايته الخالية من الرحمة وابتزازه للاموال. وقد سبب قمع هذه الثورة عدة مرات من قبله الا ان استبداله شيخ زبيد بقائد عسكري تركي حل مكانه انهى الثورة اذ وفق بين السلطة المحلية وجمهرة قبائل الهندية.
ويذكر الشيخ عزيز جفات الطرفي في مقال له حول عشائر الهندية ايام حكم الاتراك (في مجلة صدى كربلاء ص26 عدد 2 تاريخ تموز 2006) ان عشائر الهندية كانت في نزاعات مستمرة ضد الحكومة التركية بين 1841 وحتى 1914 وهي السنة التي دخل فيها الاحتلال الانجليزي للعراق.
والى جانب هذه النزاعات، شهدت فترة النصف الثاني من القرن التاسع عشر نشوب معارك دامية بين قبائل الهندية القديمة في القضاء وتلك المتوطنة حديثا فيه، لا سيما بين القبائل النازحة من الديوانية او شط الحلة وفي المقدمة منها ال فتلة وبني مالك ( وفروعها بني حسن وبني زريج وال علي وال فرج والعوابد والحميدات وال اسماعيل وال ابراهيم) وكذلك الشليحات والكريّطوبين القبائل الاهوازية لا سيما بني طرف وذلك من اجل حيازة الارض واستغلالها. الا ان تلك النزاعات سرعان ما انتهت بالاتفاق على حصول القبائل النازحة من الديوانية على مناطق واسعة. ولعل السبب الحاسم في ذلك تزامنها مع اقرار معاهدة ارضروم الثانية الموقعة عام 1847 ثم نجاح ثورة سكان الاهواز بقيادة الحاج جابر الكعبي في ارغام شاه ايران في 1857 على الاعتراف مؤقتا باستقلال الاحواز بعد مقاومة لثورتها استمرت عشر سنوات. فقد اصبح لعشائر الاهواز بموجب المعاهدة الحق بالعودة الى اراضيها الواسعة شرق شط العرب بعد ان آل حكم المحمرة والاهواز الى الشيخ خزعل الكعبي الذي وحد الاقليم تحت قيادته وعقد معاهدة صداقة مع بريطانيا.
وفي عام 1842 توجه اليهم محمد نجيب باشا الذي حل محل علي رضا في الولاية ونزل بجيوشه في المسيب وحاول سد شط الهندية لغرض تجفيف هور العوينة ايضا فلم يتمكن من سد الفرات فغير مسعاه ثم توجه الى مدينة كربلاء للقضاء على حركة ابراهيم الزعفراني الذي قاد المقاومة ضدالحكم العثماني في كربلاء وحاصر المدينة واحتلها في يوم 11 ذي الحجة من نفس السنة.
واشتبكت عشائر الهندية في نزاعات مستمرة ضد الحكومة التركية بين 1841 وحتى 1914 وهي السنة التي دخل فيها الاحتلال الانجليزي للعراق. وتذكر المصادر والروايات التاريخية ان اهالي الهندية اعلنوا العصيان على الحكومة التركية وحاميتها في البلدة اكثر من مرة، وفي كل مرة كانت عساكر الدولة تقصدهم ثم ترجع خائبة بسبب قدرتهم على اللجوء سريعا الى هور العوينة الذي يقع في منطقة ابوروية والطرفاية كي يحميهم ويحصنهم ضد القوات العثمانية. وفي عام 1841 توجه اليهم والي بغداد علي رضا باشا بعد ان سد فرات الهندية من صدره ليسهل على عساكر الدولة الوصول الى مواقع الثوار داخل الهور وفعلا حاربهم واجلاهم عنها فنزلوا في مكان اسمه الاحمر وعند وصول العساكر اليهم تمكن الثوار من نصب فخ لهم قتل فيه كثير من العسكر العثماني.
وفي 1849، في عهد نجيب باشا، ثارت قبائل الهندية، وكان وادي شيخ زبيد مسلطا عليهم يومئذ، بسبب جبايته الخالية من الرحمة وابتزازه للاموال. وقد سبب قمع هذه الثورة عداوة مرة بين نجيب وزميله العسكري الذي حل مكانه، اخيرا، فوفق بين جمهرة قبائل الهندية (المصدر ؟ ص 349) كما حدثت في عهد سردار اكرم ثورات اخرى بين قبائل الهندية والشامية. وافتضح الاهمال العثماني بشكل صارخ عندما انتشر وباء الطاعون في المنطقة في عام 1879 وامتد الى الهندية والنجف والحلة وكربلاء.
ومن النزاعات السياسية في طويريج ايضا ما لخصته المس غيرترود بيل في كتابها "فصول من تاريخ العراق القريب" (ترجمة جعفر الخياط) بما يلي: "بعد حزيران 1915 بدأت الفتن والنزاعات العلنية في كربلاء، ويبدو ان منشأها كان هجوم شنته على البلدة قبيلة بني حسن المجاورة التي كان بينها وبين سكان كربلاء عداء مستديم. اذ أن بني حسن أحرقوا السراي ونهبوه ثم هبت الغوغاء وطردت الحكومة وتولى شيوخ البلدة برئاسة آل كمونة تصريف شؤونهم ووقعت حوادث مماثلة في الكوفة والحلة وطويريج. ففي كل من هذه البلدان أجبر موظفو الحكومة والحامية التركية على الفرار" (ص34).

طويريج عاصمة ميدانية لثورة العشرين
عندما اعلنت هدنة الحرب العالمية الاولى في 13 تشرين الاول 1917 بين الدولة العثمانية وبريطانيا اصبح العراق تحت الاحتلال البريطاني المباشر واصبحت المدن العراقية تدار من قبل حكام سياسيين بريطانيا. ولقد عدت مقاطعة الهندية من اوائل المقاطعات التي ساد فيها نفوذ الادارة البريطانية بعد الحلة. اذ اصبحت الهندية تحت ادارة النقيب تايلر. ولاحكام السيطرة عليها تم تقسيمها الى الى اربع شعب وهي الجدول الغربي وام روية وابو غرق والكفل. وكانت كل شعبة يديرها مأمور شعبة محلي يتم اختياره من بين وجهاء المنظقة البارزين ومن ذوي النفوذ المؤثر، وكان ملاك دائرته يتألف في اغلب الاحايين من كاتبين وثمانية جباة ضرائب موزعين على دوائر البلدية والواردات والاشغال. (بلديات ص 288).
تجمع مصادر تاريخية رصينة على ان طويريج تحولت خلال ثورة العشرين لتصبح العاصمة الميدانية الفعلية للثورة نظرا لأن موقعها الاستراتيجي على نهر الفرات والمحاط بالمياه غربا وشرقا، منحها بعدا دفاعيا كاد ان يكون حاسما لانتصار الثورة لولا قيام القوات البريطانية باستخدام الطائرات لقصف الثوار. فقد شارك معظم قادة عشائرها في الثورة وخاصة آل فتلة وبني حسن وكريط وجليحة والاكرع وخفاجة والمعامرة والجبور والبو سلطان وزبيد فيما برز من رؤساء الشيوخ شمران وسماوي الجلوب وجعفر الصميدع وعمران وعلوان السعدون وسلمان وشبيب وعبود الموسى. كما انتقلت اليها خلال الثورة معظم عناصر القيادة العسكرية الاساسية للثورة، كما نقل اليها عدد من الاسرى الانكليز. ومن هنا كان القرار البريطاني الحربي بالتركيز على احتلال طويريج كهدف استراتيجي للقضاء على الثورة. وهو ما ذكرته في حينه المصادر الرسمية البريطانية اذ أكدت ان الهندية لم تسقط بيد القوات البريطانية الا بعد معركة عنيفة مع الثوار الذين حاولوا ان يضرموا النار في جسرها القائم على الفرات الا انهم اخفقوا في اتمام العملية، ومع ذلك فهم لم يخسروا المعركة في 12 تشرين الاول 1920 الا بعد ان تدخلت الطائرات البريطانية باطلاق نيران رشاشاتها من الجو على الثوار كما قذفت قنابلها على المدينة في قصف شديد راح ضحيته المئات من القتلى. ومع ذلك فقد تكبدت قوات الاحتلال خسائر فادحة اذ اعلنت القوات العسكرية البريطانية ان مجمل خسائرها في معركة طويريج بلغ من القتلى نحو 40 عسكري من افراد وحدتها الآلية 53 (نقلها الحسني نصا عن جريدة العراق عدد 117 بتاريخ 18 تشرين اول 1920).
ومن الجدير بالذكر هنا ان نشير الى مقدمات العلاقة بين الثورة وابناء الهندية. فلقد كان االعراق تحت الهيمنة العسكرية العثمانية عندما هجمت القوات البريطانية عليه من جهة البحر بجيوشها الجرارةومعداتها الحربية في أيلول 1914، فاحتلت اولا الفاو بلا مقاومة من الجيش التركي كما احتلت البصرة وجعلتها قاعدةلاعمالها العسكرية في العراق. وقد دارت بعد ذلك معارك دامية بين الجيشين التركي والبريطاني كاناشدها واخطرها معركة الشعيبة التي هزم فيها الجيش التركي ووقع فيها عدد كبير من جنوده، ما بين قتيل وجريح وأسير ومعهم آلاف المجاهدين العراقيين وبعضهم من ابناء الهندية تحت قيادة قائد اول مجموعة من المجاهدين السيد محمد سعيد الحبوبي. ورغم نجاح الاتراك في دحر الانكليز في معارك لاحقة واسر معظم جيشهم وقائده الجنرال تاوسند  في 1916 الا ان وصول قوات بريطانية ضخمة بقيادة الجنرال مود فيكانون الثاني 1917 اجبر الاتراك على الانسحاب من العراق لتسقط بغداد صباح 11 آذار 1917 بيد جيش الجنرال مود الذي سرعان ما استولى على سائر المدن العراقية بعد اندحار المقاومة العراقية المحدودة ضده وبذلك بدأ عهد الاستعمار البريطاني للعراق. ولقد كان لهذه الوقائع تأثيرها الغاضب لدى ابناء الهندية الذين قتل منهم الكثير من المجاهدين لا سيما في معركة الشعيبة ومنهم الشيخ علي الحاج حسين الفتلاوي (والد الاديب الحاج محمد حسن الكتبي) بعد ان كانت قوة من عشائر آل فتلة وبني حسن والعوابد قد تحركت لقتال البريطانيين هناك في الشعيبة.
بعد عامين او ثلاثة، ولما نكث البريطانيون بعهودهم لتحقيق ايّ من مطالب العراقيين بالحرية والاستقلال، وانطلقت الثورة العراقية الكبرى على بريطانيا من الرميثة لتشمل كل الفرات الاوسط وانحاء واسعة من العراق ومنها الهندية التي غدت بين اول المدن المنخرطة في التعبئة الشاملة لتلك الثورة ومركزا حساسا من مراكزها كما كان عديد من مثقفي المدينة بين المعتقلين الذين القى الحاكم الانكليزي الميجر بولي القبض عليهم حين جاءوا لمقابلته لعرض المطالب العراقية فنقلوا إلى الحلة ومنها إلى البصرة ومن هناك إلى جزيرة هنجام وهم الشيخ محمد رضا نجل الشيرازي والشيخ عبد الكريم العواد ومحمد شاه الملقب بالهندي واحمد القنبر والشيخ هادي كمونة والشيخ كاظم أبوذان والسيد محمد علي الطباطبائي والشيخ عمر والحاج علوان وابراهيم أبي والده وعبد المهدي القنبر والسيد احمد البير وعثمان العلوان والسيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد حسن ابو المحاسن.
تلى ذلك رفض الحكومة البريطانية المطالب العراقية التي وقعها زعماء ورؤساء العشائر في دار الشيخ عبد الواحد الحاج سكر، وقدموها إلى الحاكم البريطاني الميجر نور بري وتضمنت ما يلي:
أولاً: أن يمنح العراق استقلالا تاماً لا تشوبه أية شائبة.
ثانياً: أن يتوقف القتال في الرميثة واطرافها حالاً.
ثالثاً: أن يتخلى الحكام السياسيون مع جميع القوات البريطانية عن مراكز الفرات وبلداته إلى بغداد لتدور المفاوضات بين زعماء الأمة العراقية والسلطة البريطانية المحتلة بشأن تقرير مصير العراق بجو هادئ.
رابعاً: أن يطلق سراح الميرزا محمد رضا نجل آية الله الإمام الشيرازي ويفرج عن احرار العراق المسجونين والمنفيين إلى جزيرة هنجام وغيرها كافة بلا استثناء دون قيد أو شرط.
وامام رفض السلطات البريطانية مطالب الزعماء والرؤساء العراقيين تلك ورفضها اطلاق سراح تلك الشخصيات الوطنية، بدت الثورة محتمة لا سيما بعد صدور فتوى الزعيم الديني الإمام محمد تقي الشيرازي بتحريم انتخاب غير المسلم لحكم العراق واخرى نصت على ان "مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والامن ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الانكليز عن قبول مطالبهم".
فصدور تلك الفتوى وطبعها بعشرات الألوف من النسخ وزعت في كل مكان من المدن والقرى العراقية، جاء بمثابة قوة معنوية عظيمة شجعت اولئك الزعماء الوطنيين على الاستعداد لمواجهة القوات البريطانية باستعمال القوة والثورة المسلحة التي لئن انطلقت شرارتها الاولى في الرميثة (30 حزيران 1920) بهجوم الثوار على الوحدة العسكرية البريطانية فيها وقتل بعض افرادها وتحرير شيخ الظوالم شعلان ابو الجون من الاسر لديها، فان اولى انتصاراتها كثورة كانت حين هجم الثوار على الباخرة الحربية فاير فلاين واحرقوها بعد ان انسحابها إلى الكوفة، ثم خاصة في واقعة الرارنجية حين خاض الثوار العراقيين بقيادة كل من الشيخ عبدالواحد الحاج سكروالشيخ سرتيب الفرعون معارك دامية ضد الجيش البريطاني في الرستمية الواقعة على بعد 12 كيلومتراً من ناحية الكفل التابعة لقضاء الهندية، وادت إلى تدمير اكثر من ثلثي القوة البريطانية ومعداتها اذ ترك الجيش البريطاني ما يزيد على الألف قتيل واكثرهم من الانكليز وغنم الثوار اثنين وسبعين رشاشاً من نوعي (فيكرس ولويس) ومدفع عيار 17 بوند وأرزاقاً واسرى بلغ عددهم 160 اسيراً منهم 79 بريطانياً والباقون من الجنود الهنود. اي ان معركة الرستمية مونت الثوار بكل ما يحتاجون اليه من عتاد وذخيرة لمدة طويلة مضافاً الى السلاح الذي غنموه من العارضيات. أما خسائرهم فيها فقد بلغت 158 جريحاً و84 شهيداً. وبعد انتهاء المعركة ارسل الثوار المدفع المذكور إلى الكوفة لتحطيم باخرة فايرفلاي التي كانت قد انسحبت الى شط الكوفة لكن الثوار عادوا وحاصروا القوة البريطانية في الكوفة قبل ان يضربوا الباخرة بقذيفتين الأولى اصابتها والثانية اشعلت فيها النيران فاحرقتها قبل ان تغرق تماما.
وحدثت ملحمة الرستمية في الوقت الذي كان الحاج سماوي الجلوب رئيس ال فتلة في الهندية قد ذهب ليستنهض قبائل الجبور والبو سلطان لتزحف الاولى على الحلة من الجنوب ولتزحف الثانية عليها من الشمال والشرق بعد ان تعين القبيلتان ساعة حركتيهما وتتفقا على الزمن لهذه الحركة. وان يزحف افراد من قبيلة اليسار من الشمال فيعيثوا بالخط الحديدي فلا يتمكن القطار من حمل المؤن الى الحلة وفي الوقت نفسه يكون الثوار قد زحفوا عليها من الكفل.
ومنذ الايام الاولى لثورة العشرين نشطت قبائل بني حسن في الهندية بجرأة نادرة فيها بقيادة الشيخ عمران الحاج سعدون الذي كان في 1915 وكيلا لقائمقام قضاء الهندية، فاحتلت المدينة اولا بدون مقاومة ثم احتلت ناحية سدة الهندية دون مقاومة ايضا مهاجمة في الوقت نفسه الحامية البريطانية في مدينة الحلة. كما تولت قبيلة بني حسن بقيادةالشيخ علوان الحاج سعدونحصار الحامية الانكليزية في الكوفة ومنع الطعام عنها حتى اضطرارها للاستسلام حيث استعمل ثوار القبيلة مختلف الاساليب البارعة لحمل الحامية المذكورة على التسليم فقدتفننوا في حفر الخنادق وثقب الجدران للوصول اليها ومنع الطعام عنهاولولا اكياس الدقيق والعقاقير التي كانت ترميها الطيارات عليها، لماتت جوعاًولفتكت الامراض بها فتكاً ذريعاً .

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced