( أصل الهوى) أسرار الذكورة في حقيبة إمرأة
نشر بواسطة: Adminstrator
السبت 12-12-2009
 
   
وائل المرعب
من المؤكـّد أن الأعمال الروائية التي تنطوي على قدرٍ كبير من الغرائبية واللامألوفية هي التي تثير ذهنية القاريء وتسرق إنتباهه ,



وهي التي تبقى لصيقة بذاكرته وتكون حاضرة حال إستدعائها لتكون مادة شيّقة للحديث وغنية لأغراض النقد والتحليل , ورواية ( أصل الهوى ) للكاتبة الفلسطينية ( حزامة حبايب ) هي من هذا النوع .
ومبعث غرائبيتها هي هذه الجرأة التي لم نعتادها لكاتبة عربية من قبل , إذ نجحت ( حزامة ) في كسر أقفال الذات الذكورية والأطلالة على إختلاجاتها وأنبساطها وسعيرها وأنطفائها وحتى شذوذها عبر كشف خبايا الرجل ودهاليز لذائذه وفضح شهواته ونزواته وجنونه وعجزه , في نفس الوقت الذي أستباحت فيه عري المرأة وإنعكاساته على مرايا الغرف الموصدة , وشرعنة الخيانات الزوجية وطرحها كموضوعه تندرج ضمن الممكن من الأشياء والمفاهيم , وهي بهذا قد طوّحت بأعتى بناء أخلاقي قديم شيّدته الأعراف المجتمعية الشرقية عبر مئات السنين والمعايير السلوكية التي وضعت محددّاتها الأديان وقوانين اللاهوت .
ومن خلال الروايات والمجاميع القصصية التي صدرت لكل من الكاتبة (حزامة حبايب) والروائية (علوية صبح) فقد تناوبن على لعب دور البطولة في المسلسل التحريضي الأنقلابي على طقوس الشرق المختنقة بالتعاويذ والأدعية وأبخرة الأراجيل المذهّبة وأدخنة لفائف الحشيش العطنة, وتخوته القلقة بسبب اجساد العذارى (زوجات رغم عنهن) التي أستبيحت على قوائمها المتهالكة لفرط ما نخرتها مخالب الشهوات المنفلته من العقل والأرادات المسبقة .
رواية ( أصل الهوى ) هي حكايات خمسة رجال مغرمين تتراوح أعمارهم من (37 ــ 64) سنة , عرفتهم الكاتبة عن قرب وخبرت أنتصاراتهم وهزائمهم العاطفية , وهم نماذج فاشلة سياسياً وفكرياً وعاجزة عن إداء أي فعل نفعي للمجتمع سوى قدرتها على إفراغ شحنات الجسد في مخابيء الشهوات عند النسوة اللاتي يقاسمونهم جميع الخيبات والأنكسارات .
إن ( حزامه حبايب ) فلسطينة ولدت وعاشت في الكويت حتى يوم إحتلالها بداية التسعينات , وخروجها مضطرّة وعائلتها منها وقد خسرت تأريخها وأستقرارها وعلاقاتها , وربحت فقط ما نجم عن ضياعها وتشرّدها الذي تبلور على شكل حكايا أخذت مساحتها وإمتداداتها على صفحات رواية ( أصل الهوى ) .
أمّا مبعث لا مألوفيتها فهي رواية رصينة من حيث لغتها أي ليست للأستهلاك والترويج التجاري رغم ما تحتويه صفحاتها من تسخين واضح لحرارة الغرائز وما زخرت به من صور حقيقية للفعل الحياتي الذي يجري بين رجال فقدوا كل شيء الاّ غريزتهم ونساء نسين كل الأمكنة الاّ الأسرّة العطشى والأغطية الدافئة  .. إن لغة الرواية الغنية رفعت من قيمتها النقدية والأعتبارية , فهي ليست لغة سردية عادية , انها لغة المفردة القصصية المختارة بعناية ولغة الصياغات المحكمة التي تثير دهشة حتى القاريء النخبوي , فحتى حين تصل الكاتبة الى اللحظات المتوترة التي تجري  بين منطقتي شحنات الجذب الأنساني , نراها تبتعد عن المباشرة والنقل الحكائي المبسّط , فهي تسحبنا الى توصيفاتها المبتكرة الخاصة بها, ممّا يدلّ على إمتلاكها وبجداره الوسيلة الأخطر في كل ما يحيط المنتوج الروائي , أي إنها من أكثر الكاتبات العربيات إعتناءاً بالمفردة والتركيبات اللغوية .
( أصل الهوى ) رواية موزّعة على خمسة عشر فصلاً كل ثلاثة بطلها رجل , وكأنها خمسة روايات قصيرة يربطها سلك خفي يكاد القاريء لا يشعر به , ويبدو ان هذا النمط من الروايات التي تعتمد حكايا شخوص لا يعرف بعضهم بعض , نمطاً جديدا تنبهّن له بعض الكاتبات العربيات مؤخراً , يسهّل عليهن السيطرة على حركة الشخوص والتحكم بأزمنة وأمكنة الأحداث والتخلّص من البناء الهرمي الروائي الذي يحتاج الى رؤيا شمولية لكل ما يجري ويعتمر داخل النص .
إن رواية ( حزامه حبايب ) هذه تذكرنا بالأدب والسينما الواقعية الأيطالية من حيث اقترابها من تصوير الحياة كما هي دون تزويق ودون رتوش , فهي أرادت أن تقودنا لكي نرى بمنظار واسع ما يجري بالضبط من إختراق للمنظومة الأخلاقية العربية والأسلامية بالعلن حتى دون خشية من رقابة الدين أو العرف المجتمعي , في نفس الوقت أرادت ان تقول للقاريء  أن الجنس وأزماته لا زال يشكل العقبة الكأداء أمام تحرير العقل والطاقات الخلاّقة للأنسان العربي الذي لا زال رهينة مذعورة  خلف قضبان الحرام والعيب .
إن الكاتبة ( حزامة ) أستطاعت أن تقترب جداً وترى بإمعان بالغ ما يخبئه الرجل الشرقي عامة والعربي خاصة من أسرار فحولته المكبوته وما تسببه له من إختناقات جسدية ستجد منفذا رخواً يوما ما لتتسرب دون محددات , فتضيع ملامح المقبول والممنوع .. الحرام والحلال .. الفضيلة والرذيلة .

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced